الثلاثاء والأربعاء: جلستان عامتان للنظر في 5 مشاريع قوانين    القيروان: إنتشال جثة مُسنّة سبعينية من ماجل (فيديو+صور)    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    سنية الدهماني تمثل اليوم أمام القضاء..    وزارة التشغيل تصدر بلاغا يهم المؤسسات الصغرى المتعثرة    عاجل/ بسبب أسعار الاضاحي: منظمة ارشاد المستهلك تدعو رئيس الدولة للتدخل..    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    سوريا تعلن الحداد 3 أيام على الرئيس الإيراني    مع نتنياهو وغالانت: بطاقة اعتقال دولية ضد هؤلاء القادة بحماس    'رئيسي' ليس الوحيد.. رؤساء حول العالم لقوا حتفهم بحوادث في الجو    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الثامنة    علي معلول يخضع لعملية جراحية ناجحة.    كرة اليد: الهلالي يرفض تأجيل نهائي كأس كرة اليد ويحمل المسؤولية لجامعة كرة القدم    الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة الحادية عشرة    إعطاء إشارة انطلاق عملية التعداد العام للسكان والسكنى بولاية بنزرت    جندوبة: هلاك تلميذين توفيا غرقا في بحيرتين..    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي    الحكومة تتطلع إلى الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    حاول سرقة محل تجاري بأسلحة بيضاء ...فوقع في قبضة أمن قرطاج    قبلي: الإطاحة بمروج مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    ليلى عبد اللطيف توقّعت سقوط طائرة الرئيس الإيراني    قريبا: انخفاض في أسعار الدجاج والبيض    أنس جابر تحافظ على مركزها في التصنيف العالمي الجديد    هذه تأثيرات الأمطار الأخيرة على المراعي و الموارد المائية.. إتحاد الفلاحة يوضح    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    هام/ هذه نسبة امتلاء السدود..    التجاري بنك يوقع اتفاقية شراكة استراتيجية لمدة 3 سنوات مع الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا..    إصابة معلول تُثير مخاوف «كولر»    فيديو وصور يوثّقان المشاهد الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    فقدان 23 تونسيا في سواحل قربة ما القصة ؟    عصابة الاستيلاء على الأراضي الاشتراكية بقبلي .. تعود من جديد والنيابة العمومية تضرب بقوة    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    %70 معاملات في السوق الموازية.. قانون جديد لتنظيم التجارة الالكترونية    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    بداية من اليوم : إنطلاق تحيين السجل الإنتخابي للتونسيين المقيمين بالخارج    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    في رحلة "الموت" .. السيراليوني "حاجي" مهاجر كألف وألف في البحر (بورتريه)    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    من هو المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    المرصد الوطني للفلاحة: انخفاض أسعار الدجاج والبيض    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستقلال وماحقّق للشعب التونسي من اعتزاز بالهوية العربية الاسلامية
نشر في الفجر نيوز يوم 21 - 03 - 2008

الاستقلال وماحقّق للشعب التونسي من اعتزاز بالهوية العربية الاسلامية و كيف الاحتفال به
(الجزء الثاني)
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس

بسم الله الرحمان الرّحيم
الاستقلال وماحقّق للشعب التونسي من اعتزاز بالهوية العربية الاسلامية و كيف الاحتفال به
وضع النقاط على الحروف للمحافظة على حقوق المواطنة للجميع
في ضلّ الهوية العربية الاسلامية والحريات الشخصية
الحق في الاختلاف واجب واحترام المصالح العليا للبلاد والعباد. ضرورة.
لا تقدم بدون ضمان حرية التفكير والتعبير..
ولا تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية دون حد ادني من الحريات والتنمية السياسية..
"قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله" (سورة يوسف 108)
(الجزء الثاني)
باريس في 22 مارس 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس

أي هيكلة للحوار نريد؟
هذه الأرضية التوافقية المبنية على صيانة الهوية كقاعدة صلبة و مرجعية ثابتة لأي علاقة سوية بين المعارضة و الحزب الحاكم، غير أنها تبقى في حاجة دائمة إلى تأكيد و ترجمة فعلية على الأرض، وذلك من خلال الممارسة المتواصلة للحوار في شتى المسائل ذات العلاقة بالشأن العام، فالحوار بقنواته المختلفة و مضامينه المتنوعة و نتائجه الإيجابية الملموسة هو المؤشر الفعلي على حيوية و صوابية المسلك التوافقي في مسيرة الانتقال الديمقراطي، مثلما هو العامل الحاسم في تعميق أجواء الثقة المطلوبة بين مكونات الحياة السياسية و تجفيف منابع التوتر وأعراض الانفصام بين المواطن و الدولة و المجتمع.
لا شك أن الإجراءات الرئاسية الأخيرة المعلن عنها بمناسبة الذكرى العشرين للتحول تدعم هذا التوجه التفاعلي و الأسلوب الحواري في مجرى العلاقة بين الحزب الحاكم و المعارضة، فتوسيع المجال أمام هذه الأخيرة للتواجد بحجم أكبر في المجالس المنتخبة و في المشاركة في الاستشارات الوطنية، فضلا عن تكثيف حضورها في الملفات التلفزية و مضاعفة الدعم المادي المقدم لصحفها الحزبية... كل ذلك ايجابي و غيركاف لاعادة صياغة الحقل السياسي بحيث تترتب علاقات القوى فيه من منطق الاحتكار و الاستحواذ و الهيمنة لفائدة حزب الأغلبية و على حساب ما تتطلع إليه الأقلية من دور و مشاركة وفاعلية الى منطق المشاركة و المساهمة الفعّالة.
لجنة عليا أو مجلس للحوارالوطني
على أهمية ما أنجز وما هو بصدد التحقق في مجال تدعيم أركان التوافق الوطني، فإن الحزب الحاكم هو اوّل معني بتطوير أشكال الحوار مع المعارضة على اعتبارها منافسا وشريكا في بناء الوطن، و لعله من المناسب في الوقت الراهن المبادرة إلى هيكلة الحوار من خلال إنشاء مجلس او لجنة عليا للحوار الوطني بين مكوّنات المجتمع على اختلافها. الحق في الاختلاف واجب واحترام المصالح العليا للبلاد والعباد. ضرورة. اذ لا تقدم بدون ضمان حرية التفكير والتعبير ولا تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية دون الحد الادني من الحريات والتنمية السياسية..
و يمكنه ان يشمل بقية مكونات المجتمع المدني من رؤساء جمعيات و منظمات و شخصيات عامة، لانّ التحديات المطروحة داخليا و خارجيا تتطلب مزيدا من الالتحام الداخلي و التكاتف الجماعي، وهذه التحديات هي من الضخامة بمكان حيث تستعصي على المواجهة من دون مناخ سياسي مفعم بالثقة المتبادلة بين أطراف المعادلة السياسية و محفز لجميع الطاقات و الكفاءات و القدرات الوطنية لبذل الأقصى من الجهد و العطاء و النشاط.
ما هي مضامين الحوار المنشود؟
لكي يكون الحوار ذا جدوى ومردودية لا بد أن يتطرق للقضايا الحقيقية وذلك في أفق البحث المشترك بين مكوّنات المعارضة و الحزب الحاكم على السواء لتساهم في دفع العملية الديمقراطية و الإصلاح الشامل وإزاحة ما أمكن من العراقيل و مظاهر التعطيل في أكثر من مجال و على أكثر من صعيد.
الحق في الاختلاف واجب واحترام المصالح العليا للبلاد والعباد. ضرورة. اذ لا تقدم بدون ضمان حرية التفكير والتعبير ولا تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية دون الحد الادني من الحريات والتنمية السياسية..
استقلالية المجتمع المدني
من قضايا الخلاف الأساسية، إذ لازالت الجمعيات و المنظمات ذات الطابع الأهلي على كثرتها تشكو من غياب الفاعلية و التأثير و الإشعاع. و ليس هناك من سبب سوى فقدانها القدرة على المبادرة الذاتية بحكم تقاليد التبعية التي تربطها بالحزب الحاكم الذي يقيد دورها في الوظيفة التعبوية خصوصا في المناسبات الانتخابية، هذا دون الحديث عن منظمات أخرى عطلها الصراع بين أتباع الحزب الحاكم و بين أطراف معارضة له عن استئناف عملها او النهوض بمهماتها.
المجلة الانتخابية :مراجعة المجلة الانتخابية بحيث يضمن لجميع العائلات السياسية حق المشاركة دون احتكار للسلطة من طرف أي حزب من الاحزاب أي كانت شرعيته بتحديد سقف لعدد المقاعد المسندة لاي حزب من الاحزاب.
الحياد الاداري دون الاحتواء الحزبي
إن عقلية الاحتواء الحزبي لمنظمات المجتمع المدني سواء من قبل الحزب الحاكم أو من قبل معارضيه من الأطراف السياسية يجب تصبح جزءا من الماضي المطلوب التخلص منه و من رواسبه لكي يستعيد المجتمع حيويته و لتستفيد الدولة من مردوده .
فالإدارة بمؤسساتها و أجهزتها و مرافقها ملك عمومي لا يمكن الاستحواز عليه او احتكاره من أي طرف سياسي وإن كان حائزا على الأغلبية الانتخابية، ويعتبر التحدي الأضخم الذي يجب مواجهته لتوفير التنافس الحزبي النزيه و الاحالة دون الإستقواء غير القانوني من قبل أي طرف السياسي .وقد حان الوقت لفك هذا الارتباط غير المبرر، لتمكين الحزب الحاكم من استعادة ذاتيته المغتربة داخل الدولة و من تبديد حالة الالتباس المحيطة بكيانه من منظور الموالين و الخصوم على حد سواء.
الاعتراف بالتعددية الفعلية
وعلى نخب الحزب الحاكم الحاصلة لدرجة من التمثل في الوعي و السلوك الحسن بقبول للرأي الآخر و الاقتناع بجدوى التعددية و مشروعيتها، فإن الأمر على مستوى الشعوب في الجهات الداخلية على وجه الخصوص مازال يشكل مصدر قلق فعلي و تهديد ميداني و ملموس لجملة ما تقرر دستوريا و قانونيا ومؤسسيا من ضمانات لحماية الممارسة التعددية و التعاطي السياسي للشأن العام.
التوافق في المجال الاعلامي
ان الفضاء الإعلامي العمومي مسخر للدعاية السياسية و الأنشطة الحزبية التي يقوم بها الحزب الحاكم على الدوام، فيما ينحصر نشاط المعارضة في في مقراتها ويكاد يقتصر ظهورها الإعلامي على ما يصدر من صحفها أو على بياناتها و مواقفها التي تتولى بعض الجرائد المستقلة عرضها بقدر من الاختزال و الاحتشام.
للإنصاف و الحقيقة، هذا المشهد غير المتوازن بدأ يتغير بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وأخذت تنفتح الفضاءات العامة لأنشطة المعارضة وتتوسع مساحات الظهور الإعلامي عن طريق الانتنات و في التلفزة و الإذاعة و الصحافة المكتوبة. غير أن هذه الخطوات المقطوعة باتجاه الانفتاح مازالت محكومة بشيء من التردد و الحذر.
إن المطلوب راهنا المسارعة نحو القطع مع موقف التردد و اللاحسم الذي مازال يطبع سلوك الحزب الحاكم ويشده إلى مواقع المحافظة على الموجود ،رغم ان هذا الحال بدأ اليوم في حالة تناقص بمزيد الانفتاح على التعددية نتيجة النضالات الداعية للقطع مع الماضي فلا مجال للون الواحد و الرأي الواحد.
تلك هي أبرز قضايا الحوار، هي إشكاليات و مصاعب تفرض علينا جميعا مواجهتها في مسار سياسي شعاره المركزي الإصلاح المتدرج و المتواصل، و في نطاق مسلسل انتقال ديمقراطي يقتضي عبر توافق عام التخلص من كل العوائق و الترسبات الموروثة ،بموازاة العمل المشترك لإرساء و تدعيم و ترسيخ مقومات البديل الديمقراطي المنشود.
هذا التوافق العام لا سبيل إلى المحافظة عليه و البرهنة على ضرورته المبدئية و نجاعته العملية إلا من خلال التعويل على آلية الحوار المهيكل و الدائم. هذا الإطار القادر على صهر الإرادات السياسية و تأليف الطاقات الوطنية و توطيد أركان الثقة المتبادلة و تجفيف منابع الاحتقان و تنقية المناخ العام. فبالحوار إذن يمكن التخلص من موروثه الأحادي والنزعة الاحتكارية ليتموقع من جديد كسند قوي لمشروع التغيير.
خطوة استباقية لا ننكرها
برّر الأستاذ أحمد نجيب الشابي ترشحه بأنّ الحكومة التونسية مقبلة على إجراء قانون انتقالي في الأشهر القادمة يتعلّق بشروط الترشّح للانتخابات الرئاسية وسيكون القانون متوجّها بالأساس نحو أحزاب المعارضة. ولذلك فهو يرى بأنّه لا بدّ من التحرّك للضغط وعدم تفويت الفرصة حتى لا يكون التعديل المتوقّع إجراء شكليا.
وكان قانون انتقالي قبل انتخابات 1999 قد خوّل الترشح لأمناء عامّين لأحزاب معارضة قريبة من الحكم. ثم تلاه قانون آخر قبل انتخابات 2004 مكّن أعضاء الهيئات السياسية للأحزاب الممثلة بالبرلمان من الترشح واشترط أن يكونوا مزاولين لمسؤولياتهم الحزبية قبل خمس سنوات. وهي شروط لا تتوفر في حزب الاستاذ احمد نجيب الشابي.
وسبق للشابي أن وجّه رسالة إلى أعضاء البرلمان سنة 2004 طلبا للتزكية دون أي استجابة. ولم يحظ الترشح الاستباقي من أي حزب معارض حتى من حلفاء الحزب الديمقراطي التقدمي.
هذا الترشّح هل يضعف العمل المشترك؟
وكان الأستاذ أحمد نجيب الشابي قد اقترح مشروعه على "هيئة 18 أكتوبر" خلال أربعة اجتماعات ولم يحظ بمساندة رسمية. فالتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الذي يقوده مصطفى بن جعفر، ولئن أقرّ حق كل طرف في الترشح والنضال من أجل فتح الباب للجميع، فإنّه أكّد في بيان صادر عن مجلس الإطارات "ضرورة عدم اتخاذ مواقف متسرعة.... وأنّ الأولوية اليوم هي الحفاظ على وحدة الصف ودفع فكرة العمل المشترك الذي بدأ يؤتي ثماره".
وانتقد الدكتور ابن جعفر أمين عام التكتل الترشح الاستباقي باعتباره "يطرح مسائل لم يقع تجاوزها بنقاش عميق... ويحول دون أن تتوحد القواعد الديمقراطية حول المرشح الممكن". وأضاف "الأولوية هي تغيير قواعد اللعبة باعتبار أنّ الانتخابات هي تتويج لمسار".
هذا ويعتقد الكثير من المراقبين أن الشابي بإعلانه ترشحه، بدا وكأنّه غامر بإطلاق مبادرة وإن كانت جريئة، إلا تأتي في ظروف تشهد تململ حزبي داخلي، وضعف التفاف سياسي، وغياب رهان انتخابي، معوّلا على ما يحظى به شخصيا من احترام وطني وتعاطف في أوساط النخبة العربية، وتقدير بعض المراقبين الأجانب . (ان أريد الا الاصلاح ما استطعت و ما توفيقي الا بالله عليه توكّلت و اليه أنيب).( هود 88)
أما الأحزاب المختلفة فيبقى آداؤها ضعيفا، وإذا كان الحزب الديمقراطي التقدمي قد حقق نصرا جزئيا في معركة المقرات، فإن بقية مكونات الحركة الديمقراطية والوطنية مازالت تعاني من ضعف الكادر الجماهيري، ومن ضبابية أهدافها النضالية، ومن ركونها إلى النضال السهل ونضال البيانات والمؤتمرات.
انتخابات المحامين الشبان -
نتائج الانتخابات هل تعود إلى عدم التنسيق أوللحسابات الإيديولوجية التي طغت لدى بعض الأطراف السياسية، إذ كان بالإمكان الفوز بقائمة كاملة من المستقلين وهي القائمة الوحيدة التي واجهت الحزب الحاكم وصمدت أمامه.
أمّا قائمة اليسار فقد أعلنت أنّها تقاطع أي تحالف مع الإسلاميين أو القوميين. ويرجّح أحد المحامين فضّل عدم ذكر اسمه أن تكون العناصر اليسارية وضعت في حساباتها التكتيكية. وكان التجمع الدستوري الحزب الحاكم قد نظّم قبل يومين من الانتخابات ندوة وطنية للمحامين التجمعيين بالعاصمة حضرها أمين عام الحزب ووزير العدل. والنتيجة ان سيطر الحزب الحاكم على مكتب الجمعية لدورتين متتاليتين. وجرت آخر انتخابات في مارس 2006 ومنع خلالها المحامون من غير الحزب الحاكم من الدخول إلى مكتب الاقتراع وروى بعض المحامين كيف وقع منعهم قبل سنتين من دخول مقر الاقتراع بأحد نزل العاصمة والاعتداء عليهم بالعنف.
وكانت هيئة المحامين التونسيين قد رفضت الاعتراف بنتائج تلك الانتخابات، غير أنّ مكتب الجمعية واصل عمله.
مؤتمر الجمعية التونسية للمحامين الشبان
أفرزت النتائج صعود اثنين من المستقلين وتجديد انتخاب خمسة من الهيئة السابقة. وقد أعلن عن نتائج الانتخابات صباح الأحد 9 مارس 2008 بعد حوالي سبع عشرة ساعة من فرز أصوات ألف وستمائة مقترع.
وتنافس على مكتب الجمعية 33 محاميا من جملة ألفي منخرط. وتقدمت إلى الانتخابات قائمات ضمّت إحداها عناصر ما يعرف بخلية الحزب الحاكم في مهنة المحاماة، وأخرى تحت اسم "القائمة المهنيّة المستقلّة" وضمّت تحالفا من المحامين المقربين من التيار الإسلامي ومحامين قوميّين.
وفاز منها اثنان هما المحامي خالد الكريشي الذي سبق أن صعد إلى المكتب في دورة سابقة، وضياء الدين مورو ابن المحامي المعروف الشيخ عبد الفتاح مورو أحد مؤسسي حركة الاسلامية في تونس. كما ترشحت قائمة تضمّ عناصر من أقصى اليسار ولم تحز سوى على أصوات معدودة نسأل الله تعالى لهم جميعا التوفيق لخدمة مهنة المحامين النبيلة.
وقال الاستاذ خالد الكريشي " إنّ القائمة المهنيّة المستقلّة كان بإمكانها تحقيق نتيجة أفضل خاصّة وأنّ الفارق في الأصوات بين محاميي الحزب الحاكم والأصوات التي حازها المستقلون ضئيل، وكان بالإمكان تداركه".
الحالة الاجتماعية
ففي وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي يطغى عليه الشعور بالانغلاق والاقصاء لكلّ رأي مخالف زيادة الى تدهور القدرة الشرائية وانتشار البطالة عن الشغل لدى جميع الفئات الاجتماعية التي طالت ذوي الشهائد العليا و تفاقم الفساد والمحسوبية.
فرغم بعض النجاحات الاقتصادية التي شهدت بها بعض الصناديق الدولية، ورغم الاستثمارات الضخمة التي ميزت المشهد الاقتصادي في الأشهر الأخيرة، فإن المواطن التونسي لم تتحقق رفاهيته الموعودة، ولم يقع حل معظلة البطالة المستفحلة في صفوف أبنائه، وخاصة من حاملي الشهادات.
كما ازدادت بعض الفئات والعائلات، وخاصة في ولايات الجنوب الغربي والشمال الغربي فقرا وتدهورا في المقدرة الشرائية مع زيادة الأسعار بشكل دوري وخاصة في المواد الأساسية. وهو الامر الذي دعا الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان يوم 5 يناير/جانفي الماضي إلى التعبير عن بالغ انشغاله إزاء الارتفاع المتزايد للأسعار ولنسبة التضخم في البلاد، وما أدت إليه من إضعاف للمقدرة الشرائية.
في هذا الوضع المتردّي تعيش البلاد التونسية بمختلف التيارات السياسية العلمانية منها والاسلامية على السواء استبدادا سياسيا بلغ ذروته خلال العقد الاخيروتجفيفا شاملا وحصارا شديدا لمنابع الثقافة الهادفة المخالفة للتنوع مما جعل حالة جدب سياسي وتصحر ثقافي تنتشر في البلاد ودفعت البلاد الى التخلف السياسي بالمقارنة مع دول الجوار منذ سنوات و اصبحت معدودة فى ضمن قائمة البلدان الاكثرتخلفا.
واذا كانت هذه المعارضة قد واجهت ولا زالت تواجه تحدي الاستبداد رغم شراسته برباطة جأش وثبات على المبدإ واستمرارية فى النضال من أجل تحرير المجتمع والدولة من هيمنة عقلية الحزب الواحد وإرساء نظام تعددي يسع الجميع ويستجيب لتطلعاتهم فى الحرية والكرامة والتنمية فان معركتها اليوم تبدو اكثر تعقيدا واكثر ازدواجية .
من المظاهر المستفحلة عملية التداول السلمى على الحكم هي من أبرز الحلقات المفقودة فى بلادنا منذ نصف قرن من الزمن تمكّن خلالها التجمع الدستورى الديمقراطى ( الحزب الاشتراكى الدستورى سابقا ) من المسك على الحكم بيد من حديد وخضع فيها التونسيون جميعا لرئاسة مدى الحياة افقدت معنى دولة القانون وألغت التعددية السياسية والفكرية وأطلقت العنان للاستبداد في جسد المجتمع بلا توقف.
الاستعمار اللّغويّ والثّقافي وآثاره في تونس
ان الموقف المشوب بالسّلبيّة لأغلبيّة التّونسيّين اليوم من اللّغة العربيّة هو وليد الاحتلال الفرنسيّ وحال اللّغة العربيّة بتونس بعد الاستقلال، و ضرورة القيام بجرد لمواقف التّونسيّين اليوم كأفراد ونخب سياسيّة، وجماعات ومؤسّسات، وطبقات اجتماعيّة من اللّغة العربيّة ومدى اعتزازهم الى الانتماء لالاأمة العربية الاسلامية، مع تحليل انعكاسات تلك المواقف على شخصيّة التّونسيّين وبالخصوص الشباب وثقافة مجتمعهم، و بثّ موقف التّحقير إزاءها، وبثّ مركّب النّقص بينهم تجاه استعمال العربيّة أو الدّفاع عنها كلّ هذا أمر واقع لا يمكن لأيّ كان أن يتجاهله او دحضه.
لقد حاول الإصلاح التربوي 1991 معالجة الأزمة التعليمية معالجة جذرية فأكد على عروبة تونس وضرورة "ترسيخ الوعي بالهوية الوطنية" و"الشعور بالانتماء الحضاري وطنيا ومغاربيا وعربيا وإسلاميا.." وتم تعريب التعليم الإعدادي وتعريب نصيب هام من التعليم العالي.
ثمّ كان أن تعثر الإصلاح السياسي إثر مواجهة السلطة للحركة الإسلامية الذي استغلته السلطة المتفرنسة والمعادية للعروبة والإسلام لتنقلب على مسار الإصلاح التربوي وتنفيذ التعريب الشامل فتوقف التعريب بالمرحلة الإعدادية .
وعادت الفرنسية بقوة لتفرض نفسها في الجامعات والمعاهد العليا والكليات وبعد إقرار تعميم اللغة العربية مادة رئيسية بكافة أنواع البكالوريات سنة 2004 عرف التعليم أخيرا عودة قوية للفرنسية تمثلت في التخفيض من ساعات العربية وحذف مادة التفكير الإسلامي باعتبارها رديفا للعربية ومكملا لها من الشعب التقنية والاقتصاد والإعلامية.
كما أقر فتح الباب على مصراعيه لتدريس الاختصاصات المهنية بالفرنسية بمدارس المهن والإنكليزية والفرنسية كمادة أساسية في الإعداديات النموذجية ولعل ما زاد الطين بلة حقا هو تقديم وزارة التربية مؤخرا مشروع قانون يهدف إلى تنقيح القانون التوجيهي عدد 80 لسنة 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002 المتعلق بالتربية والتعليم بما يضعف حظوظ اللغة العربية، فقد جاء في الفصل 24 (جديد) تدرس المواد الاجتماعية والعلمية والتقنية والفنية في مرحلتي التعليم الأساسي بالغة العربية غير أنه يمكن اعتماد لغة أجنبية أو أكثر للتدريس في كل مراحل الدراسة" !!!
وهذا المشروع يكرس التطور المنكسر للتعريب منذ الاستقلال فلئن شهد تعريب الابتدائي ثم الإعدادي خطوات مهمة وإن كانت بطيئة ومنقوصة خاصة في تعريب الرياضيات فإن المرحلة الثانوية والتعليم العالي كانت ولا تزال القلاع الحصينة للفرنكفونيين المدعومين بالإنفاق السخي من المستعمرالسابق والشريك الأوفر حظا والأبلغ تأثيرا في وثقافتنا.
يقولالأستاذ البشير بن سلامة([1])و هو كاتب ووزير سابق: "يجب التّفريق بين أمرين: بين قضيّة تعريب التّعليم والإدارة وبين الإرث الثّقافيّ الفرنسيّ الّذي ليس في إمكان أيّ كان أن يمحوه بجرّة قلم أو بقرار سياسيّ، لأنّ هذا الأخير دخل في كيان الشّخصيّة التّونسيّة لأنّ تأثير الثّقافة الفرنسيّة في النّخبة التّونسيّة بما في ذلك فلسفة الأنوار لم يأت مع الاحتلال الفرنسيّ، بل جذوره بعيدة تمثّل في موقف النّخبة الزّيتونيّة الّتي قامت بحركة الإصلاح".
ومن أهمّ ما أنجزته تأسيس المدرسة الصّادقيّة الّتي أخذت على عاتقها تدريس اللّغات وخاصّة اللّغة الفرنسيّة، وكذلك جهودها لإصلاح التّعليم الزّيتونيّ وتعصيره. هو اختيار هذه النّخبة ألدّخول في الحداثة والتّشبّع بثقافة التّنوير. حتّى أنّ تونس كانت أوّل دولة إسلاميّة سنّت دستورا ( سنة 1861)اعتمد ثقافة مغايرة للثّقافة السّائدة آنذاك بالرّغم من اعتراضات المحافظين من مشايخ الزّيتونة والمؤسّسات القائمة وعامّة الشّعب.
يقولالأستاذ البشير بن سلامة([2])"أنّ اللّغة العربيّة وبالتّالي الثّقافة العربيّة لم تتغلغل في إفريقيّة بسرعة، إذ أنّ بقايا اللّغة اللاطينيّة ظلّت بارزة ناهيك أنّ والد ابن رشيق ( القرن الرّابع والخامس هجري ) كان روميّا يحذق هذه اللّغة، وأغلب الظنّ أنّ ابنه الشّاعر كان عارفا بها ولا نتحدّث عن البربريّة الّتي لم تزُل سيطرتها إلاّ بعد زحفة بني هلال."
"إنّ القول بأنّ القيادة السّياسيّة البورقيبيّة بعد الاستقلال كانت ترحّب باستمرار ببقاء ذلك الإرث الاستعماريّ في المجتمع التّونسيّ فيه الكثير من التّجنّي. صحيح أنّ فئة قليلة من المسؤولين السّياسيّين أثناء حكم بورقيبة كانت لا ترى ضيرا في ذلك من باب الخوف من استحكام الرّجعيّة والنّكوص على الأعقاب على حدّ زعمها. ولكن من تتبّع ما قامت به الأغلبيّة الغالبة من الفاعلين تربويّا وثقافيّا وإعلاميّا يجدْ أنّ إجراءات عديدة تمّت لمحو التّأثير السّلبيّ للاستعمار الثّقافيّ. وإلاّ بم يفسّر الباحث النّزيه ما تقرّر من تعريب الحساب والإيقاظ العلميّ في التتّعليم الابتدائيّ وتدريس العلوم الإنسانيّة باللّغة العربيّة في الثّانويّ والعالي. وهنا لا بدّ من التّنويه بما قام به أساتذة أجلاّء من جهود لتثبيت أقدام اللّغة العربيّة في الجامعة (مواقف د. محمّد اليعلاوي مثلا) وخاصّة في أقسام التّاريخ والجغرافيا والفلسفة والحقوق وغيرها".
و لا ننسى ما قامت به بعض الجمعيّات من نّهوض بالثّقافة العربيّة ومناصرة اللّغة العربيّة مثل الاتّحاد العامّ لطلبة تونس واتّحاد الكتّاب التّونسيّين وجمعيّة الفلسفة واللّجان الثّقافيّة التّابعة لوزارة الثّقافة وغيرها وكذلك المجلاّت والجرائد مثل " الفكر " و"العلم والتّعليم" و"جوهر الإسلام" وغيرها. "
إنّ مشروع الإصلاح الّذي قام به الأستاذ محمّد مزالي بما فيه التّعريب كان بموافقة الدّيوان السّياسيّ للحزب الاشتراكيّ الدّستوريّ بعد جلسات عديدة.
إلا انّ ما قام به محمّد مزالي جاء محمّد الشرفي الوزير السابق للتربية و مشروعه لتجفيف منابع التدين و مواجهة ما أسماه ال''تطرف ديني''، وعبأ لذلك النخبة العلمانية، من أجل محو آثار الإسلاميين. فإنه لا مانع من أن تبقى الدول في العالم الإسلامي تنتمي رمزيا للإسلام وتحمي المساجد وتدرس التربية الدينية في المدارس الحكومية وفي نفس الوقت تنظم حياة ديمقراطية حقيقة أي بدون توظيف للدين في السياسة. وهذا يقتضي مراجعة بعض المسلمات الفقهية التي هي من صنع البشر ومن مخلفات التاريخ.
إن تراجع الفكر التقدمي في العالم العربي منذ نصف قرن تقريبا وسيطرة الفكر التقليدي على الأذهان تمنع من القيام بهذه المراجعة وبالتالي هي تمنع من نشر مبادئ مثل حرية المعتقد أو المساوات بين الجنسين فضلا عن وجوب عدم توظيف الدين في السياسة أي أن سيطرة الفكر التقليدي تمنع من وصول الشعوب إلى مستوى الفكر الديمقراطي الحر.([3])
ويقول أيضا : " منذ ما يزيد عن القرن شرعت البلاد الإسلامية في عملية التحديث وهي عملية لا بد منها للخروج من التخلف. كانت المرأة -أي نصف المجتمع- سجينة البيت والجهل و الخمار فتحررت شيئا فشيئا. ..كان القانون بيد" أهل الحل والعقد". فأصبح يصدر باسم السيادة الشعبية (وإن كانت الانتخابات في غالب الأحيان مزيفة وهذا موضوع آخر).
"إن المجتمعات البشرية تشتمل على شق يساري تقدمي وشق يميني محافظ والمحافظون في ديارنا هم الأصوليون الإسلاميون ومن الطبيعي أن يوجد بيننا يمين محافظ . إلا أن هذا اليمين له خاصياته الناتجة عن لباسه الثوب الديني فهو يستعمل الدين في دفاعه عن التقاليد وفي معارضته للحداثة وهذا عنصر يجعل ا لممارسة الديمقراطية صعبة.
عوض عن أن يكون السباق بين اليمين واليسار تنافسا بين مشروعين سياسيين يصبح هذا التنافس صراعا بين خطاب العقل وخطاب العاطفة , بين النسبي والمطلق, بين البشري و اللإهي. ..كأنه صراع بين الإيمان و الكفر... نتيجة لإقحام الدين في السياسة تصبح الحياة السياسية وكأنها خليط من المعطيات الموضوعية والعناصر الميتافيزيقية. ويؤدي ذلك إلى إكساء النقاش حدة وتشنجا مضرين بالنظام الديمقراطي خاصة أثناء فترة إنشائه. مثله في تلك الفترة مثل شجرة صغيرة تحتاج في الأسابيع الأولى بعد غرسها إلى عناية خاصة قبل أن تكبر ويشتد عودها.
إن المؤسف في الأمر أن الإسلاميين كثيرا ما يتقدمون وكأنهم ممثلو الدين الإسلامي و بالتالي يتهمون خصومهم- بصفة غير مباشرة وأحيانا بصفة مباشرة- بالخروج عن الدين. ولا تخفى خطورة تهمة التكفير في مجتمع مسلم ولا يخفى أن هذا الخطاب يؤدي لاستعمال العنف سواء أراد أصحابه هذا العنف أم انه نتج عن خطابهم بدون قصد منهم."
لذلك يعتقد محمّد الشرفي أن الديموقراطية لن يمكنها أن تستقر في بلادنا إلا عندما تقتنع أغلبية عريضة بواجب التفريق بين الدين والسياسة. وفي انتظار بلوغ هذا المستوى من النضج السياسي علينا أن نتعامل مع الظاهرة الأصولية بطرق ديموقراطية متحضرة أي أن لا نعامل القوى الأصولية بالطرق الأمنية وأن لا يتم الالتجاء للبوليس وللقاضي إلا عند ارتكاب العنف أو الدعوة الصريحة إليه.
"من الواجب تمكين كل من لا يستعمل العنف ولا يدعو إليه من حقه في النشاط في الحقل السياسي كغيره من الاتجاهات أي الاعتراف للأصوليين بالحق في حرية النشر وتنظيم الأحزاب والمشاركة في الانتخابات الخ.
"وفي المقابل علينا أن نندد بخطاب التكفير وبلهجة التشنّج وأن نشرح للمواطنين- ونكرر الشرح كل يوم- بأن الديمقراطية ليست فقط إجراء الانتخابات وإعطاء الحكم للأغلبية بل هي أيضا – وبالخصوص- أخلاق تقتضي احترام الآخر والكف عن استعمال الوسائل غير المشروعة بما فيها توظيف المعتقدات الدينية لربح الأصوات أو للتشهير بالخصوم." ([4])
يقولالأستاذ البشير بن سلامة([5]) "وحسب علمي، وقد كنت في صلب النّظام تحمّلت مسؤوليّات سياسيّة عديدة، لا أعرف أنّ بورقيبة أبطل سعيا في اتّجاه تثبيت الثّقافة العربيّة الإسلاميّة أو وقف ضدّ من قاوم الاستعمار الثّقافيّ، بل ترك للمجلاّت والجمعيّات وحتّى الوزارات مثل التّربية القوميّة والعدل والثّقافة والإعلام المجال للاجتهاد كلّ حسب قناعاته، من دون أن يترك الفرصة للتّعبير عن رأيه وفرض إرادته في مسائل يراها هو أساسيّة وتتعلّق بطبيعة الحكم. وما على الباحث الموضوعيّ إلاّ الرّجوع إلى الجرائد والمجلاّت والقرارت الّتي اتّخذت في هذا الباب للتّأكّد من صحّة ما أقوله، ولا يُكتفي بالاقتصار على وجهة النّظر المعاكسة فقط، لأنّ المسالة لا تعدو أن تكون إلاّ صراعا بين تيّارات عديدة متباينة.
أنّ الأجيال من المتخرّجين من معاهد التّعليم سواء الابتدائيّ أو الثّانويّ أو العالي بقيت متمسّكة في معظمها باللّغة العربيّة لم تتأثّر كثيرا بدعاة العامّيّة وعددهم قليل آنذاك، لأنّنا كنّا نشبّه سعيهم بسعي النّظام الاستعماريّ في الحطّ من اللّغة العربيّة. وحافظت وسائل الإعلام على الفصحى.
يقولالأستاذ البشير بن سلامة([6]) "عندما كنت رئيسا لديوان المدير العام للإذاعة والتّلفزة أنّني فرضت، باتّفاق مع الأستاذ محمّد مزالي، على كلّ تسجيل بالفصحى أنّ يمرّ بلجنة متركّبة من أحمد خير الدّين وحسين الجزيري ومحمّد اللّقّاني عليهم رحمة اللّه، ولكن للأسف لم يعمّر هذا الإجراء طويلا بعد انتقالنا إلى مسؤوليّات أخرى. أمّا البرامج بالعامّيّة فكانت في حدود معقولة متمشّية مع تقاليد الإذاعة التّونسيّة الّتي أرساها بناة هذه الوسيلة الإعلاميّة الهامّة من دون أن يكون من وراء ذلك حرص على جعلها تنافس الفصحى.أنّ المشكل الّذي سيطر على العقود الثّلاثة من حكم بورقيبة في المجال اللّغويّ يتعلّق بالثّنائيّة اللّغويّة أي استعمال اللّغة العربيّة والفرنسيّة معا في ميادين التّعليم والإدارة خاصّة.
وكانت هناك محاولات كثيرة لتعريب الإدارة منها ما نجح مثل وزارة الدّاخليّة بما فيه الأمن والإدارة المحليّة ووزارة العدل ومنها ما كان من باب المبادرة والحماس من مسؤولين في ميادين أخرى. أمّا في التّعليم فكان الالتباس كامنا في أنّ التّيّار الّذي تغلّب وفرض الثّنائيّة في آخر الأمر لم يقرأ حسابا لسلبيّاتها عندما يقع تعميمها. وغاب عمّن أُوكل إليهّ النّظام التّعليميّ، ثنائيّ اللّغة والثّقافة لم ينجح إلاّ لأنّه لم يشمل إلاّ نزرا قليلا من التّلامذة.وهؤلاء تلقّوا تعليمهم الابتدائيّ في المدارس الفرنكو- عربيّة
يقولالأستاذ البشير بن سلامة([7])"هكذا أصبحت الثّنائيّة الّتي كانت نعمة قبل الاستقلال وبُعيْده نقمة لا تحصى ولا تعدّ سلبيّاتها. فالمسألة كامنة في حسن التّصرّف في هذه الثّنائيّة بإيجاد مزاوجة بين تعليم نخبويّ وفي الآن نفسه جماهيريّ. وهي معادلة صعبة إن لم تكن مستحيلة التّحقيق. وتكاد تكون ذلك من باب تربيع الدّائرة". لذا لم يكن من اليسير ترقيع النّظام التّعليميّ وباءت محاولات الإصلاح الكثيرة بالفشل
وهنا نتوقف عن الحديث من الجزء القبل
و صدق الله العظيم اذ قال في سورة الاسراء : " وقل جاء الحقّ وزهق الباطل انّ الباطل كان زهوقا" (الاسراء 81) و السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
باريس في 22 مارس 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس

--------------------------------------------------------------------------------
[1] - (المصدر: جريدة "الصباح" (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 مارس 2008)

[2] - (المصدر: جريدة "الصباح" (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 مارس 2008)

[3] - .(المصدر: موقع آفاق تونسية بتاريخ 15 أفريل 2005)
[4] - .(المصدر: موقع آفاق تونسية بتاريخ 15 أفريل 2005)
[5] - (المصدر: جريدة "الصباح" (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 مارس 2008)
[6] - (المصدر: جريدة "الصباح" (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 مارس 2008)

[7] - (المصدر: جريدة "الصباح" (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 مارس 2008)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.