يطيب لأسرة الحوار.نت بادئ ذي بدء أن تتقدم بأحر التهاني إلى الصحفي توفيق بن بريك بمناسبة إطلاق سراحه من السجن ( 27 أبريل) بعد قضائه الفترة التي حكم بها عليه كاملة ( ستة أشهر) عقوبة له على قلمه المشاغب ضد أعلى رمز مقدس في البلاد التونسية : الجنرال وعائلة الجنرال. بكلمة : العائلة المالكة في تونس الجمهورية التي ألغي فيها حبرا على ورق النظام الملكي عام 1957 ثم ألغي فيها حبرا على ورق مرة أخرى الرئاسة مدى الحياة عام 1987 .. والحقيقة أنه ما ألغي هذا ولا ألغي ذاك ولكن ألغيت : حرية التونسي وإرادة التونسية إلا تملقا كاذبا يكره عليه المستضعفون. له السجون ولي قلمي
ذلك هو بعض تصريح الصحفي التونسي توفيق بن بريك مباشرة بعد خروجه من السجن على فضائية الجزيرة. لا شك أن قلوب التونسيين مع ذلك الموقف الشجاع ولكن عصا البوليس تفرض على الألسنة والأقلام موت القبور .. وبين المواقف الشجاعة والمواقف الجبانة هناك موقف وسط لا يلام عليه من يرى نفسه في منزلة إستضعاف وهو موقف الإبتعاد عن تحدي المستكبر من جهة والإبتعاد عن التزلف المجاني نفاقا إليه.. بتلك المواقف يعرف الرجال من أشباههم الذين هم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.. مما صرح به كذلك الصحفي بن بريك لفضائية الجزيرة في هذه المناسبة أن بن علي هو العدو الأول للصحافة والصحفيين وهي ذات الشهادة التي أكدتها منظمات دولية حقوقية معروفة وذات مصداقية من مثل هيومان رايت وورد.. بل إن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان صرحت بمناسبة تسلم الرئيس درعا من إتحاد الصحفيين العرب بأن الرئيس التونسي هو ( بينوشيه العرب ).. وهي الجائزة التي أجمعت فيها الفعاليات الإعلامية والصحفية في العالم العربي كله ( الأردن والسودان ومصر والجزائر إلخ ..) على أنها رشوة بمقدار مالي كبير بينما أكد رجال الأعلام العربي من مثل جمال عيد ( رئيس الشبكة ) على أنه تكريم مدفوع الثمن ( أنظر تقارير الجزيرة.نت لهذا الموضوع).
بن بريك شاهد على القدسية المزيفة لكهنة الحكم في تونس
مما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن الصحفي توفيق بن بريك بعيد خروجه من السجن أن القصر أوفد إليه من يساومه على خروجه قبل إنتهاء مدة سجنه في مقابل إنصرافه عن الكتابة ضد طبقة الحكم وعائلة الرئيس.. أليس ذلك دليلا كافيا فضلا عن أدلة أخرى لا تحصى من الجنس ذاته على أن الحكم في تونس ينشد التأله ويتوق إلى ما لم يتق إليه حتى بورقيبة نفسه أو غيره ممن توهموا أنهم آلهة تمشي فوق الأرض.. أليس ذلك دليلا كافيا على أن هم الحكم التونسي هو البقاء في الحكم وإقتسام منافعة والتلذذ بمتعه أما مصلحة البلاد فإلى البحر والطوفان..
القلم هو منهج الإصلاح ومعول التغيير.
لم يعد هناك إلتباس في أن أرشد المناهج التغييرية في الحالة التونسية المعاصرة هو المنهج القائم على تقديم الحريات خاصة وعامة لكل تونسي وتونسية على كل شيء. منهج الإصلاح القائم على الحريات مبناه القلم واللسان وإفتكاك أكثر وأكبر ما يمكن من مساحات التعبير والتنظم والإجتماع والتكتل ضمن جبهات وتيارات وأحزاب ومنظمات وجمعيات في كل الحقول حتى تتزحزح موازين القوى في الدولة وفي الحكومة وفي المجتمع المدني وفي المجتمع بأسره لصالح الحريات. أما التعويل على مغامر بدبابة أو إنصلاح ذاتي في الحكومة ومؤسساتها توبة منها من جريمة سحق الإنسان أو على إنتخابات تعددية نزيهة في نسق الفضيحة التونسية ( فضيحة التسعات الأربع = 99,99).. التعويل على ذلك لا يجدي بل ربما يكون الوهم المريح وقديما قيل : الحق الفصيح أولى من الوهم المريح.. لا يفزعنك هنا شيء سوى أن ثقافة الكفاح بالقلم والجهاد باللسان في الأمة العربية والإسلامية عموما مازالت ثقافة غير راسخة يغشاها الريب ويحاصرها الشك من كل صوب وحدب.. ما يؤكد ذلك أن الأنظمة العربية لا تخشى المغامرات التي يقوم بها بعض الشباب من حين لآخر بل ربما يعمل بعضها على إستقدامها لحلب الرعاية الغربية أمريكية وأروبية وصهيونية.. لقد تبين بما لا يدع مجالا للريب بأن تلك الأنظمة إنما تخشى الأقلام والألسنة ولذلك تجدها تعمل ليل نهار على محاصرة الإعلام. حتى الإفتراضي منه تحاصره.
بالمناسبة فكرتان جديرتان بالإعتبار
1 الفكرة الأولى هي أنه تبين أن بيت السلطة التونسية من زجاج أو قل بيت عنكبوت بل أوهى لسبب واحد هي أنها إبتنت مشروعيتها على لفيف من الشعارات المعاصرة من مثل الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان ولكنها فشلت فشلا ذريعا في الوفاء لمقدار حبة من خردل لذلك وهو ما سبب لها إحراجات دولية كبيرة. فضلا عن كونها سلطة لا تستند لأي مشروعية شعبية ولا حتى دينية بمثل ما عليه الحال في المغرب الأقصى مثلا.. إلا ما أنجزته من طرق وقناطر وما في حكم ذلك من البنية التحتية ولكن ذلك لا يصمد بأي حال في وجه الأعاصير السياسية والإجتماعية التي تحيق بالمواطن الموجوع المقهور.. لقد تبين أن السلطة التونسية يحرجها أي تحرك إعلامي أو كلمة ولو في فضاء إفتراضي مغمور.. هي سياسة : يكاد المريب يقول خذوني.. إذا كان ذلك كذلك فإن برنامج رجال الإعلام التونسيين في المستقبل لا بد أن يكون موجها إلى ضرب ذلك البيت العنكبوتي الزجاجي وهو على وشك التعري بالكامل بل قل إن ذلك يفضي بالضرورة إن شاء الله تعالى إلى تنازلات هنا وأخرى هناك وكل تنازل يفتك يستفيد منه المجتمع..
2 الفكرة الثانية هي أن هناك في تونس ضربين من الفرز الثقافي السياسي بين المعارضة بأطيافها الإعلامية الفكرية والسياسية الحزبية. فرز على أساس ثقافي يجمع المتجانسين وفرز على أساس سياسي يجمع المتقاربين. أول خطإ قد يقترفه بعضنا هو أن نجعل الفرزين في علاقة تقابل أي علاقة تناف وتضاد أو خصومة على الأقل. ثاني خطإ قد يقترفه بعضنا كذلك هو الإنحياز إلى هذا الفرز أو ذاك مع خصومة هذا الفرز أو ذاك وبذلك يكون المنتمي إلى الفرز الثقافي محايدا بالضرورة في الحرب المفتوحة إعلاميا بين السلطة وبين الأحرار من كل لون فكري وسياسي أو يكون المنتمي إلى الفرز السياسي محايدا بالضرورة في قضية الهوية الوطنية للبلاد ( العروبة والإسلام ومبادئ الجمهورية). ليس من الخطإ أن تشتغل ضمن هذا الفرز أو ضمن ذاك بحسب ما تسنى لك ولكن الخطأ الأفدح بالتأكيد هو تزكية السلطة في حربها المفتوحة ضد حرية التعبير بكل مساحاته وصوره بدعوى أنك من أصحاب الفرز الثقافي.
الخلاصة من ذاك هي أن اللقاء الإسلامي العالماني في تونس ضرورة متأكدة ومصلحة مقدمة وأولوية قائمة. هي كذلك بسبب أنه لا أصحاب الخيار الإسلامي يتمكنون من عرض بضاعتهم على المجتمع دون حريات والحريات دونها قمع السلطة الداخلة في حرب مفتوحة ضد الجميع بل هي حرب حياة أو موت بالنسبة لها ولا أصحاب الخيار العالماني يتمكنون من ذلك كذلك دون حريات. أجل. إذن. له السجون التي مازالت تؤوي السجين السياسي الدكتور الصادق شورو الرئيس الأسبق لحركة النهضة.. له السجون ولنا الأقلام.. والنصر بلا أدنى ريب للكلمة... الحوار.نت http://www.alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=6250