في البداية أهنئ امتنا العربية والإسلامية بحلول عيد الأضحي المبارك أعاده الله علينا وامتنا في أحسن حال من حالها اليوم. بعد هذا رحت أتأمل فيما حدث ويحدث في عالمنا العربي منذ مطلع شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من هذا العام، لا أريد أن أتحدث عن غزة المحاصرة وآلامها ومؤتمر أنابوليس ونتائجه، ولا أريد أن أتحدث عن التفجيرات وأسبابها ونتائجها التي حدثت في الجزائر، ولا عن مؤتمر البوليزاريو والخلافات مع حكومة المغرب، ولا عن الفرحة بختان ابن الملك السادس، ولا عن زيارة الأخ القائد معمر لفرنسا ونتائجها ومن ثم غزوته الميمونة لاسبانيا، لا أريد أن أتحدث عن السودان والترابي والمهدي والانفصاليين الجنوبيين وعن دارفور، لا أريد أن أتحدث عن الصومال والأحباش ومصر واليمن في القرن الإفريقي وغياب الدور السعودي هناك، لا أريد أن أتحدث عن اليمن السعيد وهمومه ومعوقات نهضته، لا أريد الحديث عن مصر والي أين تسير؟! سوف احصر حديثي اليوم عن غياب العقل العربي ومتي تحين عودته. غاب العقل العربي عن الوعي والإدراك عام 1990 وبقي غائبا أو مغيبا حتي اليوم. دخل الجيش العراقي عنوة في ذلك العام إلي الكويت علي اثر خلاف بين العراق والكويت لم يستطع العقل العربي احتواءه، وتصاعدت تلك الأزمة إلي حرب بين جيوش ثلاثين دولة بينها أقوي جيوش العالم وأكثرها تسلحا وجيش العراق محدود العدد والعتاد، وتم تدمير البنية التحتية العراقية كاملة وكذلك دمر الجيش واختل التوازن في المنطقة. لم يدرك العقل العربي تلك المحنة، فأمعن في حصار ظالم للشعب العراقي دام أكثر من ثلاثة عشر عاما، وتمت القطيعة بين الشعب العراقي وحكومته من جهة والحكومات العربية ومنظمات العمل العربي المشترك من جهة أخري. وكان علي الشعب العراقي أن يواجه قدره وكأن محيطه ليس عربيا. أمعن العقل العربي في تحطيم العراق وكسر إرادته، وبذلك مهد الطريق وأعان قوي الشر علي احتلاله والتنكيل بشعبه ونهب ذاكرته التاريخية وما انفك الغزاة للعراق يعبثون بكبرياء هذا القطر العربي الصابر الشجاع والعقل العربي ما برح يتفرج. (2) إيران الشاه كادت تحتل البحرين منذ منتصف الستينات وتعالت أصوات إيران في مطلع السبعينيات من القرن الماضي لإلحاق البحرين بإيران وبذلت كل الجهود العربية لتحاشي أي إجراء تتخذه إيران الشاه في شأن البحرين قبل حدوثه. إيران احتلت الجزر العربية الثلاث (طنب الصغري والكبري، وجزيرة أبو موسي) بقوة السلاح ولم يرف شارب حاكم عربي من هول الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث إلا العراق بمفرده. العقل العربي لم ينفعل ولم يتفاعل مع احتلال الجزر العربية الثلاث من قبل إيران ولم يستدع جيوش الحلفاء أيا كانوا لنصرة الدولة حديثة الولادة الإمارات من غزو إيراني واحتلال جزرها الإستراتيجية الموقع ، وبقيت الجزر محتلة إلي اجل غير مسمي وسينساها العقل العربي كما نسي عرب إستان والاسكندرون وسبته ومليليا المغربية. العقل العربي ينسي كل كارثة تحل بعالمنا العربي من قبل الدول غير العربية حتي ولو كان غزوا أو احتلالا، لكنه لا يدرك ولا يعقل ولا يتريث ولا يتأمل في العواقب إذا حدث خلاف أو اختلاف بين دولتين عربيتين سرعان ما تستنفر الجيوش وتستدعي جيوش الحلفاء للنيل من هذه الدولة العربية أو تلك حتي لو دمرت تدميرا شاملا كما حدث في العراق. (3) إيران ما برحت تحتل جزرنا العربية، وما انفكت تهدد البحرين من حين إلي آخر بالإلحاق، ومازالت في خلافات حدودية مع معظم دول الخليج والعراق، وما برحت تعبث بالعراق وأهله وتراثه وحضارته وموارده وتعمل جاهدة لبلوغ أعلي مراحل التسلح بما في ذلك حق امتلاك ناصية تصنيع أسلحة الدمار الشامل. العقل العربي عاد إلي قواه وأدرك المخاطر لو حصل نزاع مسلح بين إيران والولايات المتحدةالأمريكية وراح يستضيف الرئيس الإيراني بناء علي طلب الأخير ليخاطب العالم من علي رؤوس أقطاب دول مجلس التعاون بلغة تجاوز فيها أدب الضيافة والمهارة الدبلوماسية. فوق هذا يكرم بدعوته رسميا لأداء فريضة الحج كضيف شرف علي الحجيج وهذه أول مرة في علمي تحدث لرئيس دولة إسلامية أن يكون ضيف شرف في الحج، ومصر تبعث علي عجل بوفد سياسي رفيع المستوي إلي طهران، وتنظم إلي القافلة إسرائيل وتعلن رسميا بان إيران بعيدة عن التسلح النووي ، وأمريكا تفاوض إيران بشأن مستقبل العراق والعرب خارج الدائرة. (4) غاب العقل العربي أو أمر أن يغيب في المسألة العراقية. فرضا لو أمعن العقل العربي التأمل قبل غزو العراق واحتلاله من قبل أمريكا وبريطانيا، وطلبت دولة خليجية من الرئيس صدام حسين رحمه الله لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي ليسمعوا منه ماذا يدور بعقله ويسمعون ردوده علي اتهامه بأنه يملك أسلحة دمار شامل وانه يأوي تنظيم القاعدة وانه يعرقل عمل المفتشين الدوليين، ثم دعوته للقيام بعمرة أو الحج كما فعلنا مع الرئيس الإيراني وأسمعناه ما نريد وسمعنا منه ما يريد، لو كنا رفضنا التهديدات الأمريكية والبريطانية باحتلال العراق وحذرنا الغرب كله من عواقب وخيمة ستحل بالعراق والمنطقة كاملة وبكبرياء الإنسان الذي اعزه الله بالعقل (أبوغريب، وغوانتنامو) الم نكن في أحسن حال مما نحن فيه اليوم؟ لماذا يغيب العقل العربي عن قضايانا وفيما بيننا ونمعن التفكير ونتوسل الأعذار لعدونا كما نفعل وفعلنا في صيف لبنان العام الماضي، وكما فعلنا مع العراق ونفعل اليوم في غزة وفلسطين والسودان والصومال؟! آخر القول: متي يعود العقل العربي ليهتم بمصيرنا وعزتنا؟!