وادي مليز: منشأة مائية على مستوى وادي الرغاي لفك عزلة منطقة الدخايلية    الشرع يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة رسمية    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    دربي العاصمة: تشكيلتي الفريقين    ممرض ألماني أنهى حياة 10 مرضى... ليخفف عبء العمل عليه    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    5 أخطاء يومية لكبار السن قد تهدد صحتهم    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    مدير ديوان رئيسة الحكومة: قريباً عرض حزمة من مشاريع القوانين على البرلمان    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    مونديال أقل من 17 سنة: تونس تواجه بلجيكا اليوم...شوف الوقت والقناة الناقلة    المنتخب التونسي للبايسبول 5 يتوج ببطولة إفريقيا    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    خروج قطار عن السكة يُسلّط الضوء على تدهور البنية التحتية للسكك الحديدية    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    بطولة القسم الوطني أ للكرة الطائرة: نتائج الدفعة الثانية من مقابلات الجولة الرابعة    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عين الطير.. وعين الحلزون.. والحرب الإسرائيلية القادمة؟
نشر في الفجر نيوز يوم 03 - 06 - 2010

هل قدر لبنان أن يكون في حالة "حرب تحرير" دائمة؟"، هذا السؤال أطلّ برأسه بقُوّة مع العيد العاشر لذكرى المقاومة والتحرير، الذي احتفى به لبنان يوم الثلاثاء 25 مايو 2010، وهو سؤال في محلِّه وعلى كل المستويات.
فعشية العيد، كانت الدولة العِبرية تقوم بأضخَم مناورات دِفاع مدني فيها منذ عام 1948، كانت هي نفسها أيضاً أضخم مُناورات دبلوماسية. فنتانياهو وبقية السّرب العسكري والمدني الإسرائيلي، كانوا حريصِين على إبلاغ كل لبنان وسوريا بأن هذه المناورات ليست تمهيداً لعمل عسكري وشيك، بل هي مجرّد إجراء سنوي "روتيني مُقرّرْ سلفاً"، لكن، هل يمكن حقاًَ أن تتكبّد تل أبيب كل الأكلاف الباهظة المُتضمّنة في تمارين تشّل كل النشاطات المدنية والاقتصادية طيلة خمسة أيام كاملة لمجرّد السّير في رِكاب "الرّوتين"؟
وفي اليوم التالي لبدء المناورات، كان زعيم حزب الله يتوّعد بضرب كل السّفن الإسرائيلية العسكرية والمدنية، في حال شنّت الدولة العبرية حرباً جديدة وحاصرت مرّة اخرى السواحل اللبنانية، وهذا بالطبع سيقرع العديد من أجْراس الإنذار في إسرائيل.
لقد حاول الجنرال غادي أيشنكوت، قائد الجبهة الشمالية التطمين بأن تل أبيب "تُريد الحفاظ على الهدوء الذي ليس له مثيل في منطقة الجليل منذ تأسيس الدولة"، لكن هذا التطمين لم يُطمئِن أحداً، خاصة وأن هذا الأخير أردف قائلا: "السؤال الآن، هو متى سيندلِع النزاع الجديد وما طبيعة الحدَث الذي سيُشعِل هذا النزاع؟".
بالطبع، حزب الله لا يُعوّل لا على التّطمينات ولا على البيانات العامة الإسرائيلية، لا بل هو يعتبِر أن هذه التطمينات ربّما تكون جزءً من عملية تمْويه إستراتيجي، تسبق عادة الهجوم العسكري، وهذا أمر يصحّ أكثر ما يصح على إسرائيل، التي تُطبّق منذ أمَد طويل مبدأيْ الحروب الاستباقية والوِقائية.
تبرير إسرائيل لشنّ الحرب الجديدة، هو التهديد الذي تشكّله صواريخ حزب الله على أمنها"، لكن، حتى ولو لم تكُن هذه الصواريخ موجودة، ستجِد تل أبيب مُبرّراً للحرب طالما أنها لم تدمج هذه الأخيرة في بِنية إمبراطوريتها الصغيرة في المشرق العربي، وهذا أمر خَبره مَن تَعاطى مع إسرائيل في لبنان.
فغداة غزو عام 1982، اختبر سياسيون لبنانيون النَّوايا الإسرائيلية على الطبيعة واكتشفوا أنها لا تقل عن كونها خطّة مُحكمة وطويلة الأمد، لتحويل لبنان إلى مُستعمَرَة حقيقية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، مقطوعة الصِّلة بعُمقها العربي وتابعة بشكل مباشر ل "المركز" الإسرائيلي، وهذا ما جعل هؤلاء السّاسة يرفضون هذه الصِّيغة، فكان هذا أحد أسباب نِقْمة تل أبيب على كلّ مسيحيي لبنان. ثم هناك دافع آخر لتل أبيب: مِياه الليطاني وبقية الأنهار اللبنانية.
فإسرائيل، كما هو معروف، تُعاني من شُحٍّ كبير في المياه، ولولا الجولان، الذي يمدّها برُبع احتياجاتها والضفة الغربية التي توفّر نِصف هذه الإحتياجات، لكانت فلسطين 48 قد أصبحت الآن قاعاً صفصفا، وهي على أي حال ستصبح كذلك في وقت لاحق، مع ازدياد عدد سكانها والتوسّع الكبير في اقتصادها، ما سيجعل حاجتها إلى مياه الليطاني في حُكم المؤكد.
ولأن لبنان يحتاج هو الآخر إلى كل قَطرة ماء في أرضه (البقاع الشمالي يُعاني من القحْط)، فهو سيرفض تضمين أي اتفاقية سلام، بنداً يتعلّق بالماء، الأمر سيعني أن الحرب ستكون خِيار تل أبيب الوحيد للسيْطرة على المياه.
الحزب وإيران
هذه نقطة. وثمة نقطتان أخريان تجعلان من الحرب الإسرائيلية، ومن ثَمَّ حرب التحرير مجدّداً، أمراً حتمياً: الأولى، هي طبيعة وأهداف ومتطلّبات الإستراتيجية التي ينتهِجها حزب الله. والثانية، طبيعة وأهداف وإيديولوجية إسرائيل نفسها. النقطة الأولى باتت واضحة للعِيان: إستراتيجية حزب الله ترتبِط ارتباطاً وثيقاً بالإستراتيجية الأوسَع للقوة الإقليمية الصاعدة في الشرق الاوسط العربي.
فالأولى جزء لا يتجزّأ من الثانية، على رغم الاستقلالية النِّسبية التي يتمتّع بها الحزب في القضايا التي لا تمسّ الأمن القومي الإيراني المباشر، والتي تتعلّق بمصالح الحزب، بكونه الممثّل السياسي الأول للطائفة الشيعية اللبنانية.
بالطبع، حزب الله، وعلى رغم انتمائه العَلني للولي الفقيه الإيراني الإمام خامنئي، بوصفه مرجعه الأول والأخير في أي قرار يتّخذه، لا يستطيع أن يقول لجمهوره الشيعي بأنه جُزء من منظومة الدفاع والهجوم الإيرانية، لأنه لو فعل، سيفقد فوراً حظوته لدى هذا الجمهور. ما يستطيع أن يقوله الحزب في هذا المضمار، هو الحديث العام عن المشاركة العامة لإيران، كما لسوريا، في عملية الممانعة ضدّ الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة، لكن هذا التوجّه لا يلغي الإطلالة الأمريكية والإسرائيلية على الحزب، بوصفه حلقة رئيسية من حلقات الصِّراع الغربي مع إيران.
وهنا، قد يكون كافياً الإشارة إلى ما أوردته صحيفة فاينانشال تايمز الرزينة حيال هذا الأمر قبل أيام (25 مايو 2010)، جاء فيه: "يقول المحللون والمسؤولون في بيروت بأنه، على رغم أن الحرب لا تبدو وشيكة بين إسرائيل وحزب الله (على الأقل خلال هذا الصيف)، إلا أن الأزمة الأوسع في المنطقة حول برنامج إيران النووي والحقيقة بأن حزب الله هو أهم حليف لإيران في الشرق الأوسط، قد يتسبّبان في اندلاع حرب جديدة في لبنان". واضح؟ يفترض ذلك. نأتي الآن إلى النقطة الثانية: طبيعة إسرائيل وطبائعها.
مزيد من التطرف
المجتمع الإسرائيلي، وبسبب الطبيعة العسكرية - الأمنية لنشأته والمُعطيات العنصرية - الأصولية لتركيبته، بات التطرّف الدائم أشبه بطبيعة ثانية فيه، ثم أن اليهودية نفسها قد تكون أكثر حركة دِينية في التاريخ، مُنتِجة للأصوليات المتطرِّفة.
ونحن هنا، لا نتحدث فقط عن عُقدة الإنتحار الجماعي (الماسادا)، التي قادها أصوليون يهود ولا عن حركات عُنصرية مثل "غوش إيمونيم"، التي اختارت من بين ال 613 ميتزفاه (أو واجب توراتي) واحداً فقط، هو تشريع القتال في بعض الأحيان ورفعته فوق الأخريات لتبرِّر استيطان "كل أرض إسرائيل" وإبادة كل الفلسطينيين، بل أيضاًَ عن الأصولية العِلمانية الصهيونية التي كانت مَزيجاً فريداً من الأساطير الدِّينية التلمودية ومن التاريخانية العِلمانية القومية.
كتب ماكسيم غيلان، الكاتب والصحفي والشاعر الإسرائيلي المعروف: "ثمة أنظمة مجنونة كثيرة في العالم، لكن ليس كما النظام الإسرائيلي. فهذا الأخير يَعتبِر "العالم كلّه ضدنا" ويعلّم أطفاله أغنية تقول هذا الشيء بالذات. ليس ثمّة دولة أخرى كإسرائيل تهدّد بتدمير العالم من خلال حرب نووية أو من خلال ارتكاب انتحار جماعي (عقدة الماسادا). نعم، الإسرائيليون يستطيعون تدمير العالم أو إشعال حرب عالمية تدمّره، والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية تمتلك الوسائل الضرورية لذلك".
علاوة على ذلك، تُشير كلّ المُعطيات الرّاهنة، إلى أن المناخات الأيديولوجية - النفسية الإسرائيلية، غير مؤهلة لإخضاع محظورات الأيديولوجيا اليهودية - الصهيونية إلى ضرورات الإستراتيجيا الأمريكية في الشرق الأوسط. هذه المحظورات لا تزال تتمسّك بفكرة "الحرب الدائمة" أو "الصراع الأزلي" مع الغوييم (أي غير اليهود)، وهي بقيادة نُخبة من أبرز حاخامات اليهود الذين يكبر نفوذهم الحربي، كلَّما اقتربت مشاريع السلام.
الحاخام شنيرسون على سبيل المثال، كان على رأس هؤلاء. ففي عام 1974 عارض بشدّة السلام مع مصر والإنسحاب من منطقة السويس ووعد الإسرائيليين ب "معاملة الهية خاصة"، إذا ما واصلوا احتلال الأرض. وبعد وفاته، لعِب آلاف من مؤيِّديه دوراً مهمّا في النصر الانتخابي الذي حقّقه بنيامين نتانياهو، وشكّلوا جماعة "شباب حاسيد"، أكثر الجماعات تطرّفا، التي كان باروخ غولدشتاين، قاتل الفلسطينيين في الخليل، من أعضائها.
ويعلَق إسرائيل شاحاك ونورتون مزفينسكي على مواقف شنيرسون بالقول: "إذا ما استبدلْنا كلمة "يهودي" ب "ألماني" أو "آري" وكلمة "غير يهودي" ب "يهودي"، فإن موقفه يصبح هو ذاته العقيدة التي جعلت أوشوفيتز (المُعسكر النازي لإبادة اليهود) مُمكناً في الماضي. العرب بالنسبة ل "اليهود الرسوليين"، هم ما كان اليهود بالنسبة للنّازيين".
ويقول أعضاء جماعة غوش ايمونيم "إن ما يبدو على أنه مصادرة لأراضٍ يملِكها العرب من أجل استيطان اليهود، ليس سرقة، بل عملاً مُقدّساً. فالارض بالنسبة إليهم تُنقَذ (عندما تنتقل من أيدٍ شيطانية إلى الدائرة الإلهية)".
ويؤكِّد حاخامو غوش ايمونيم، أنه يتعيّن على هذه الفرقة الرسولية أن تقود اليهود الذين أفسدتهم الثقافة الغربية بعقلانيتها وديمقراطيتها، والذين يرفضون التخلّي عن عاداتهم الحيوانية لاعتناق الإيمان الصحيح. وبالإمكان استِخدام القوة حتى ضدّ اليهود أنفسهم، متى كانت ضرورية، للمُضي قُدُما في هذا المشروع.
الأصوليون اليهود يؤمنون أن الله أعطى كل أرض إسرائيل (بما فيها لبنان الحالي ومناطق اخرى) إلى اليهود، أما العرب الذين يعيشون في إسرائيل، فإنهم لُصوص. وقد نشَر القائد الأصولي الحاخام إسرائيل ارييل أطلساً يعين فيه الأراضي التي يوجد فيها يهود، والتي تحتاج إلى " تحرير"، وهي تتضمّن كل المناطق غرب وجنوب نهر الفُرات، وتمتدّ إلى غالبية الأراضي السورية والعراقية وحتى الكويت.
حاخام آخر، هو شلومو افينير يقول: "يجب أن نعيش في هذه الأرض حتى لو كان الثمن حرباَ. وأكثر من ذلك، حتى لو كان هُناك سلام، يجب أن ندفع باتِّجاه حروب تحرير بهدَف الإستيلاء على الأرض".
أما فيما يتعلّق بباروخ غولدشتاين وقتلِه ل 29 مُصَلياً عربياً، فإن الأصوليين اليهود يرفُضون اعتبار عمله جريمة، لأنه طِبقا للحالاشا "قتل يهودي لغير يهودي في أي ظرف كان، ليس جريمة. قد يكون ممنوعاً لأسباب أخرى، خاصة إذا كانت تلك الأسباب تتعلّق بخطَر على اليهود". وعند سؤاله ما إذا كان آسِفا لمقتل العرب، قال الحاخام النشِط موشي ليفنغر: "أنا آسف، ليس فقط على الموتى العرب، بل أيضا على الذّباب الميِّت".
أين يهود العالم؟
رُبَّ قائلٍ هنا: صحيح أن هذه الجماعات الأصولية اليهودية المتطرِّفة عالية الصّوت، لكنها مثلها مثل الأصوليين المتطرِّفين الإسلاميين، عاجزة عن فرْض برامجها ورُؤاها، إنها جُمَل إعتراضية عابِرة، أكثر منها جُمل مُفيدة ثابتة.
ربما كان ذلك صحيحاً، لكن، حين تمتزِج مناخات التكفيريين اليهود بمناهِج التعليم الإسرائيلية التي يستنِد بعضها إلى التّلمود، وحين يكون رفض قيام دولة فلسطينية حقيقية هي نقطة الإجماع الكُبرى بين كل ألوان الطّيف الإسرائيلي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فأي سلام مع العرب يُمكن أن يتحقّق في مثل هذه الأجواء؟ ألَن يكون حينذاك الحَرث في البحر الميِّت أسهَل من زرع نبتة سلام على ضفاف نهر الأردن المحتلّ؟
ورُبّ قائلٍ أيضاً أن يهود إسرائيل ليسوا كل يهود العالم وأن هؤلاء الأخيرين، كما دلّ على ذلك بيان المجموعة الأوروبية اليسارية "جاي كول" Jcall والمجموعة اليهودية الأمريكية "جاي ستريت" Jstreet، اللذان دعيا إلى إنهاء الاحتلال والتوسّع الإسرائيلييْن في الضفة الغربية وشرق القدس، يسيرون في خطٍّ معاكِس لسياسات يهود إسرائيل. وهذه وجهة نظر تبدو لوَهلة سليمة.
فاليهود العالميون، إذا ما جاز التّعبير، يروْن العالم عبْر عينَيْ طيْر محلق، بسبب وجودهم في معظم مراكز القرار المالي والمصرفي والإعلامي والأمني الدولي، فيما اليهود الإسرائيليون مضطرّون للبقاء قريباً من مستوى سطح أرض الشرق الأوسط الوعْرة.
الأوائل يتحكّمون بمُعظم مال العالم وإعلامه من وراء مكاتبهم، وهم يرتدون أكثر الملابس أناقة، فيما الأخيرين ينشطون وهُم يرتدون الخاكي، فيشنّون الحروب تِلْو الحروب وينفقون الأموال الطائلة على الأجهِزة الأمنية والعسكرية، التي هي السّلطة الفعلية في إسرائيل.
عيْن الطير اليهودية العالمية إذن، ترى غيْر ما تراه العيْن اليهودية الإسرائيلية، وبالتالي، برامجها السياسية والإستراتيجية أضخَم بكثير من برامج الحركة الصهيونية الإسرائيلية. صحيح أن هدف الطرفيْن واحد في النهاية، وهو الإمساك بالعالم من خِناقه، إلا أن تبايُن المواقع يؤدّي أحياناً إلى تبايُن الاجتهادات، ولدينا هنا عيِّنة على هذه الفرضية.
كلنا نعرف بالطبع جيمس ولفينسون، إنه أشهر من نارٍ على عَلَم: رئيس البنك الدولي لعشر سنوات وبعدها مندوب اللجنة الرّباعية الدولية (أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة وروسيا) لأحد عشر شهراً، ثم إنه كذلك يهودي أسترالي أصبح أمريكياً عام 1980. صعد إلى مناصب السلطة العالمية بسُرعة قد تبدو عجيبة في البداية، من كونه موظّفاً صغيراً في قسم الإستثمارات المصرفية في سيدني إلى رئيس البنك الدولي في نيويورك، لكن العجب يزُول حين نعرف أنه كان ( ولا يزال) من أشدّ المتحمِّسين للفِكرة الصهيونية.
ويلفينسون هذا نطق أخيراًً بعد صمْت طويل وأدلى لصحيفته المفضلة "هآرتس" بحديث مطوّل عن تجربته كممثل للَّجنة الرّباعية في الشرق الأوسط، فلندقِّق معاً بأهَم منطوقاته:
1- النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، ليس مركزياً بالنسبة لمستقبل العالم. ففي النهاية، سيكون على الإسرائيليين والفلسطنيين الاعتراف بأن عددهم معاً لا يتعدّى ال 11 مليون نسمة وسط بحر من 350 مليون عربي، وهذا العدد الأخير، سيتضاعَف خلال 10 إلى 15 سنة. الوقت لا يعمل لصالح الطرفيْن (لاحظ هنا أن ويلفينسون يفصِل بين العرب والفلسطينيين).
2- سيأتي وقت يُدرك فيه الإسرائيليون والفلسطينيون أنهم جزء من مسرحية هامشية، وأن السياسات العالمية الحقيقية تتمحوَر حول سياسة الحرب وسياسة الأسلحة النووية ووزن العامل الديموغرافي (السكاني).
3- يتجنَّب ويلفينسون الردّ على سؤال حول ما إذا كان تدهْور وضع إسرائيل سيؤدّي إلى قيام نظام عُنصري كامل فيها، لكنه يُلفت إلى وجود نزيف أدمِغة في الدولة العبرية وأيضاً إلى النفقات الهائلة للجيش وأجهزة الاستخبارات، وإلى إستنزاف حيوية الخلق والإبداع لدى الشباب الإسرائيلي في الخدمة العسكرية الطويلة.
4- وهل غيّرت تجربته في إسرائيل رَأيه في الصهيونية والدولة العبرية؟ يردّ ويلفنسون بالنفي، لكنه يُعاود التشديد مرّة أخرى على أن الصِّراع الإسرائيلي – الفلسطيني مجرّد مشهَد هامشي في مسرحية عالمية أوسع. إنه، برأيه، مشهَد في قرية صغيرة، وليس مسرحية في برودواي.
هل دقّقنا تماماً في كل كلمة قالها وليفنسون؟ إنه يقول إن الكرة الأرضية كلّها يجب أن تكون ساحة الفِعل لليهود، لا فقط الرّقعة الجغرافية الصغيرة التي إسمها فلسطين والتي ستُحاصَر عمّا قريب بأمواج من نحو 700 مليون عربي، وهذا بالطبع منطِق يتناقَض حرفاً بحرف مع المنطِق الإسرائيلي.
ومع ذلك، يتمسّك ويلفينسون بإستمرار دعْمه للمشروع الصهيوني، كما يفعل باقي قادة النُّخبة اليهودية التي تحكُم العالم، من آل روتشيلد إلى آل روكفيلر ومورغان. لماذا؟ العادة سبَب. العواطف سبب آخر. مصالح المافيات والمصرفيين العالميين والإستخبارات الإسرائيلية والغربية، سبب ثالث، لكن، وفي وقت ما قد يصل اليهود العالميون إلى الإستنتاج بإنه ربّما يتعَيّن عليهم إعادة النظر في دوْر إسرائيل في الشرق الأوسط والعالم، بدلاً من أن يكون يهود العالم في خِدمة إسرائيل، يعمل يهود إسرائيل لخِدمة السلطة العالمية اليهودية.
متى يمكن أن يحدُث ذلك؟ ليس على الأرجح قبل أن تتخبّط إسرائيل في حربيْن أو ثلاثة أخرى، إذ حينها قد يرى رفْض ويلفينسون هدْر "طاقة الإبداع" الإسرائيلية في المدفع (الشؤون العسكرية)، بدل الزبدة (الشأن المالي)، بعض تطبيقاته العملية.
فكّكوا إسرائيل
وعلى أي حال، هذا المنطِق الذي يطرحه ويلفنسون و"جاي كول" و"جاي ستريت"، يتناقض حرفاً بحرْف مع المنطِق الصهيوني الذي يحرِص هؤلاء "العالميون" على عدم إغضابه. ولذا، نراهُم يتوقّفون أمام خطٍّ أحمر لا يتجاوزونه، فيكتفون بتوجيه النصائح الخجولة ليهود إسرائيل بدون محاولة إدانة الصهيونية أو حتى نقْدها.
لكن أحد "اليهود العالميين" عبَر مؤخّراً هذا الخط وأعلنها بصراحة: لا حلّ حقيقي ليهود إسرائيل ولإسرائيل نفسها، سوى بتفكيك الصهيونية وإلغاء الدولة العبرية وإقامة دولة فلسطينية - إسرائيلية ديمقراطية مشتركة. هذا اليهودي، هو اليساري الأمريكي جويل كوفل، ودعوته هذه جاءت في كتاب مُثير بعنوان "التغلّب على الصهيونية"، أحدث منذ صدوره قبْل أشهر وما يزال، ضجّة كبرى في الولايات المتحدة والغرب.
كوفل ينطلِق من الأسئلة الآتية: كيف تَوَرَّط اليهود الذين ارتبط تاريخهم منذ القِدَم بالعذاب والأهداف الأخلاقية العليا، بدولة-أمة (إسرائيل) مكروهة في كل العالم لقمعها وإخضاعها شعباً أصلياً (الفلسطينيون)؟ لماذا اختارت أغلبية مهمّة من اليهود أن تُعادي الرأي العام العالمي بهدف دعْم دولة حوّلَت أراضيها المحتلة إلى معسكر اعتقال ضخم ودفعت سكان هذه الأراضي إلى العنف الانتحاري؟ لماذا تنسى الصهيونية في خِضمِّ حملتها على الإرهاب، أن ثلاثاً من رؤساء حكوماتها خلال السنوات الأخيرة كانوا إرهابيين موصوفين (بيغن وشامير وشارون)؟
ومن هذه الأسئلة الأولية، تتدفّق الإجابات: خلق دولة إسرائيل عام 1948 كمُستعمرة للمستوطنين الذين أقاموا دولة يهودية نقِية، كان كارثة متعدّدة الأوجه. كان خطأً قاتلاً يجب تصحيحه سريعاً عبْر نزع الطابع الصهيوني عن إسرائيل ودمْجها في الشرق الأوسط.
كوفل لا ينفي يهوديته، بل هو يفاخِر بها. يقول: "أي يهودي أنا؟ هل أنا يهودي سيّء للغاية وأكْره نفسي كما يقول عنّي الصهيونيون؟ كلاّ. أنا أنتمي إلى ما وصفه إسحاق دويتشر بنادي "اليهودي اللايهودي"، وهو نادٍ يضمّ أيضاً كارل ماركس وإسبينوزا وفرويد وبراوست وأينشتاين وكافكا وروزا لوكسمبورغ. ومن هذا الموقع، يرفض كوفل أن تكون إسرائيل يهودية كما تريدها الصهيونية. كما يرفض أصلاً أن يبقى اليهود في إسرائيل أسْرى جدران دولة عنصرية منهمِكة في سلسلة حروب لن تنتهي ضدّ جيرانها.
وكتب يقول: "لا نستطيع إلا أن نصِل إلى الإستنتاج الواضح بأنه يتعيّن إعادة التفكير بالإستثنائية اليهودية كما تتجلّى في إسرائيل وأن تكون إعادة التفكير هذه أساس أيّ سلام دائم وعادِل في الشرق الأوسط. حان الوقت للشعب اليهودي كي يستأنِف نِضاله من أجل الوصول إلى العالمية".
الوصول إلى العالمية؟ أليْس هذا أيضاً ما يدعو إليه اليهودي العالمي الآخر جيمس ويلفونسون؟ كيف يمكن لكوفل الماركسي وويلفونسون الرأسمالي أن يتوصّلا إلى النتيجة نفسها؟
لا نريد هنا أن نستدْعِي روح "نظرية المؤامرة"، لكن، حتى ولو فعلْنا، لن نجانِب جادّة الصّواب، إذا ما إستنتجنا بأن اليهود العالميين، على اختلاف أجنداتهم الأيديولوجية، ينظرون إلى الصهيونية على أنها مشروع فاشِل أو حتى تافِه. وكيف لا يكون ذلك، إذا ما كان اليهود قادرون (كما يريد كوفل) على تزعم الحركة الإنسانية والديمقراطية العالمية أو إقامة "النظام العالمي الرأسمالي الجديد" ( ما يطمح إليه ويلفينسون)، فيما يهود إسرائيل يستثيرون بعُنفهم واستعماريتهم ومحدوديتهم الجغرافية، كراهية العالم ولاساميته؟
إنها مجدّداً مقاربة عيْن الطير اليهودية العالمية، في مقابل مقاربة عيْن الحلزون اليهودية الصهيونية. وبالطبع، الفرق شاسع بين ما يراه الطير وما يختبره الحلزون! وهذا الحلزون يستعدّ حسبما يبدو لحرب جديدة في لبنان أي أن على الجمهور أن يستعد بدوره لحرب تحرير جديدة!
سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch
03 يونيو 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.