صدمة دولية، مأساوية، غير مقبولة، غير انسانية وصفت العملية الإجرامية ضد أسطول الحرية من قبل حلفاء اسرائيل بالتزامن مع مظاهرات عالمية شعبية احتجاجية، ومن الآخرين وصفت ب قرصنة بحرية، ارهاب دولة، عملية اجرامية، وحشية، تعرت اسرائيل أخلاقيا، رافقها غضب عارم وتنديد باسرائيل واحتجاجات وحصار لسفاراتها وحرق لأعلامها ودعوات لقطع العلاقات معها. أيا كانت الأوصاف فمحصلة العملية فشل اسرائيلي سياسي بامتياز وضرر كبير في العلاقات الخارجية خاصة مع أصدقاؤها وحلفاؤها الأمريكيين والأوروبيين، وهو ما عبر عنه رئيس الموساد "مئير دوغان" بالقول إن العالم يتغير وأمريكا تتغير واسرائيل أصبحت عبئا ثقيلا على حلفاؤها. وعلى الصعيد العسكري فبعد عملية اقتحام السفينة مرمرة واسطول الحرية لاحاجة بعدها للمناورات والتدريبات واظهار صور الجنود على الفضائيات والتشدق بتجاوز الإخفاقات وبناء القدرات، فهذه القرصنة البحرية والعملية الإجرامية (رياح السماء) التي كانت مدرجة على قائمة مسلسل سيناريوهات المناورات التي تعد لها اسرائيل في المستقبل كتهديد بالحرب وفرصة للتغني باستعادة قوة الردع والمعنويات والهيبة، جاءت نتائجها كارثية ومخيبة لآمالهم وطموحاتهم، وسجلت العملية فشلا ذريعا ليس فقط بحجم الضحايا المدنيين الأبرياء الذين سقطوا في هذه العملية وفي إظهار الوجه البشع لاسرائيل وعدم أخلاقيتها بل وفي تعرية الكوماندوز والوحدات الخاصة والنخبوية السرية في سلاحي البحرية والجوية وقوات الإسناد الأخرى الإسرائيلية. فشل مثل هذه العمليات ليس جديد، وهو ما يعيد للأذهان الفشل الذريع لعملية انزال الكوماندوس على نصارية جنوبي لبنان في 5 ايلول 1997، هؤلاء الكوماندوس المدعومين برا وبحرا وجوا كانوا من رجال وحدة الشييطت التي تشكلت منذ العام 1948، وميزتها ان كل فرد فيها يعمل على أساس أنه طاقم كامل متكامل نظرا لما يتمتع به من صفات بنيوية وشخصية استثنائية،وهي نفس الوحدة التي نفذت العديد من العمليات الخاصة في الحرب المصرية الاسرائيلية، وفي الاعتداءات على قوات الثورة الفلسطينية، وبقيت تعمل بسرية تامة وبدون خسائر الى حين افتضح أمرها عام 1995 في قضية الإتجار غير المشروع بالسمك، لكن عملية أنصارية وخسارة شيططت لمعظم أفرادها في العملية وهرب من تبقى حيا تاركا وراءه أشلاء رفاقه وسلاحهم وعتادهم وذخائرهم، أدى الى تشكيل لجنة " أوفير" للتحقيق وفي 28 / 10 / 1997 قدمت اللجنة نتائج التحقيق، الجانب المعلن منها توجيه انذارات الى ستة من كبار ضباط سلاح البحرية الذين بدورهم حاولوا تحميل المسؤولية لخلل في المعلومات الاستخبارية لتحويل الأنظار وحرف الحوار داخل المجتمع الإسرائيلي وتصوير الفشل على أنه تقني. فشل عملية أنصارية البحرية والمخطط لها بشكل جيد اسرائيليا أسقط مخططات نتنياهو الهادفة للعمل خلف خطوط (العدو)، وكانت بمثابة نقطة تحول استراتيجي سلبي بمجمل الأداء العسكري الاسرائيلي وليس على صعيد البحرية ووحداتها النخبوية. تلتها في التحول السلبي عملية اصابة البارجة الحربية ساعر خمسة في عرض البحر خلال عدوان تموز 2006 على جنوب لبنان الذي أدى الى تشكيل لجنة تحقيق القاضي فينوغراد الذي بدوره كشف المستور من الإخفاقات وسجل العديد من التوصيات،وعلى أثرها تتواصل بلا جدوى التدريبات والمناورات ويتفننون بأوصافها وأسماؤها ويتقنون فن توظيفها . التحول السلبي الآخر والأخطر ما جرى في عملية القرصنة البحرية والعملية الإجرامية ضد أسطول الحرية فجر يوم 31 أيار 2010 ، حيث نقطة التحول الحقيقية في تاريخ الأداء العسكري الاسرائيلي، ظهر فيه الجندي النخبوي ومغوار البحرية والكوماندوس والمظلي والصاعقة جبانا رعديدا ألقي فيه بالبحر من قبل مدنيين عزل، ومنهم من ضرب بالعصي وطعن بالسكاكين ومنهم من آثر رمي نفسه للبحر على المواجهة مع المتضامنين الأبرياء العزل خوفا ورعبا، ومن لم يقذف نفسه في مياه البحر داس بقدميه على طهارة السلاح والقسم العسكري واستخدمه أبشع استخدام في حرب تملك فيها اسرائيل كل الإمكانيات ضد المتضامنين المدنيين من نساء ورجال محاصرين منهكين واصلوا الليل بالنهار سعيا لرفع الحصار بطريقة سلمية لا حول لهم ولا قوة أخذوا على حين غرة بانزال مظلي من الجو واقتحام من البحر تحت ستار كثيف من النيران والقاء القنابل الدخانية والغازية والصوتية المزعجة ووضعوا في أجواء من الخوف والرعب وتطويق بحري وغطاء جوي. هذه العملية الإجرامية الحربية ضد الحملة الإنسانية الدولية وضعت اسرائيل في ورطة دولية ومواجهة مع المجتمع الدولي بشكل مباشر وفتحت الباب على مصراعية أمام العالم للإطلاع على ممارسات اسرائيل العدوانية وتمردها على المجتمع الدولي وعلى القيم والقوانين والأعراف الدولية والشرائع السماوية. كما وجدت القيادة الاسرائيلية نفسها في مواجهة الداخل الإسرائيلي الذي بدأ بالحوار والتساؤلات المصحوبة بالقلق عن قدرات الجيش الإسرائيلي القتالية، فإذا كانت هذه أحوال نخبة الجيش الاسرائيلي في مواجهة المدنيين العزل وفي منطقة خاضعة للسيطرة المطلقة الاسرائيلية برا وبحرا وجوا فكيف سيكون حالها في المواجهات والحروب المتكافئة التي لا توفر لها هذه الظروف والإمتيازات.؟؟ سؤال بحاجة الى جواب، والجواب السريع جاء على لسان"أري شفيت" عندما كتب مقالا في هآرتس قال فيه:"لست أومن بأن منظمة استخبارية لم تحل مشكلة غلعاد شاليط تستطيع حل المشكلة الذرية الايرانية. بعد اخفاق الرحلة البحرية لم أعد أؤمن بقدرة المنظمات الاستخبارية والوحدات الخاصة على مواجهة التحديات التي تعرض لدولة اسرائيل". إذا كان هذا الحوار في الداخل الإسرائيلي، فكيف يكون عليه الحال عند مؤيدي اسرائيل وحلفاؤها الذين ينافقون لها على أساس أنها بؤرة الحضارة والديموقراطية في المنطقة وعلى أنها القوة الرئيسية فيها، وفي عمليتها الإجرامية الأخيرة فقدت الإثنتين معا. خلاصة القول : آن الأوان للإدراك بأن جيش اسرائيل قهر و سيقهر أكثر إذا أقدم على حماقات مماثلة واسرائيل التي حازت على الإمتياز في مراكمة الفشل والإخفاقات لم تعد اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط وعلى الأصعدة كافة . قيل لأبي تمام: لماذا تقول ما لا يفهم، قال : لماذا لا تفهموا ما أقول.؟!! خبير ومحلل عسكري