img height="75" alt="الإسلام اليوم".. والخطاب السعودي الجديد " src="/images/iupload/islamelyawm.gif" width="75" align="right" style="WIDTH: 75px; HEIGHT: 75px" /خلال جولتي في مقرّ مؤسسة "الإسلام اليوم" بالرياض بصحبة الأخوين والزميلين العزيزين الأستاذ / عبد الله الرشيد (المشرف العام سابقًا على وكالة البشير للأنباء التابعة للمؤسسة، ومدير البرامج حاليًا لمؤسسة "أصيلا" للإنتاج الإعلامي)، والزميل الآخر ابن السودان الشقيق الأستاذ / عبد الحي شاهين (مدير تحرير مجلة "الإسلام اليوم" المطبوعة) ذكرتُ لهما مازحًا- مع الفارقِ الكبير- كلمة الرئيس المصري محمد حسني مبارك وهو يتجوّل في مبنى قناة الجزيرة وقد ذُهل من تواضعِ المبنى القديم ومحدودية إمكاناته وما أحدثته الجزيرة من صدًى إعلاميٍّ ضخم مثّل زلزالاً في تاريخ الإعلام العربي فقال الرئيس لمستضيفيه ومرافقيه مازحًا: "كلّ البلاوي طالعه من حتِّة الكبريت دي". لا شكَّ أن الرئيس مبارك له مقاصده الخاصة في هذه العبارة، أمَّا أنا فما قصدته من مقاربة هو حجم ما أحدثته مؤسسة "الإسلام اليوم" بقيادة منشئها ومؤسسها سماحة الشيخ سلمان العودة من تجديد حيوي في خطاب الدعوة الإسلامية المعاصر وخاصة الخطاب الدعوي السعودي ولعلَّ حصافة الشيخ وذكاءه يسَّرت له أن ينتقي المجموعة العاملة معه والتي تتمتّع بهذه الصفات الإبداعية ومنهم فضيلة الشيخ عبد الوهاب الطريري ومدير المؤسسة بالرياض الأستاذ / أحمد الصقر وآخرون رأيناهم في جولتنا أو غابت عنَّا شخوصهم ورأينا إنجازهم عبر الرسالة الإعلامية والفكرية للمؤسسة. غير أنَّ الحقيقة التي لمستها عن قُرب هي أنَّ هذين الزميلين العزيزين الرشيد وشاهين شكَّلا بالفعل قوة انطلاق استراتيجية للخطاب الإعلامي الإسلامي المعاصر لم تعرفه الساحة السعودية من قبل، بل وكان ضعيفًا ومحدودًا في الإطار العربي العام. وقد أحببت أن تكون زيارتي للمؤسسة عن طريق الزميلين العزيزين، وبعيدةً عن أي بروتوكول بناءً على الصفة التي أحبّ أن أتعامل بها مع الأخوة في الإعلام العربي بوجه عام وقطاع الإعلام الإسلامي بوجه خاص، خاصةً وأنني كاتب إسلامي مستقل وحسب، ولذا حرصت على الاستجابة لدعوة الأخ عبد الله الرشيد في هذا المضمار بعد أن جمعتنا مسارات المقالات المنشورة لديهم. إنًَّ الجمع بين الأصالة الإسلامية في الانتماء للأمة والتحليق عاليًا وبآفاق واسعة في مضمار الفكر العربي المعاصر والتحليل السياسي لأحداث ووقائع قضايا الأمة التي أضحت ركيزةً للإعلام الدولي بل ومدار انكسارات الأحداث الكبرى للعالم - هو من أبرز ما قدمته الرسالة الإعلامية الفكرية لمؤسسة "الإسلام اليوم". نضيف إلى ذلك المشاركة الفاعلة في توسيع دائرة المراجعات في الفكر الإسلامي المعاصر نحو إعادة طرح المشروع الإسلامي بخطابٍ مختلف أدركَ وآمنَ كليًا بأن الأصول والثوابت التي تقومُ عليها مبادئ التشريع الإسلامي الخالد لا تتعارض مع آفاق الفكر الإسلامي الإصلاحي والحضاري والتجديدي في شتى الميادين، بل إنها تُعتبرُ واجبة للحالة التي يعيشها الوطن العربي فضلاً عن ضرورتها وفقًا لمفاهيم منهج المقاصد الأصولية في فقه شريعتنا الخالد، حسب ما قرره المتقدمون قبل علمائنا المعاصرين. لذا فإن ما قامت به المؤسسة من نقل هذا الخطاب وصداه أخرج تلقائيًا حلقاتٍ نقاشيةٍ ضخمة ومؤتمراتٍ فكرية واسعة ساهمت في صقلِ هذا الخطاب وتوسعة مداراته. وإن كان هذا الالتقاء الذي شمل عشرات الآلاف من الشباب العربي لم يكن عبر اجتماعهم في نقطة جغرافية واحدة، ولكنه التقاء وتداول عبر أثير الإنترنت والفضاء الإعلامي - كفل له هذا الحضور المتزايد والتحريك الضخم لثقافة الدعوة الإسلامية المعاصرة وكانت حيوية الإسلام اليوم بلا شك رافدًا مركزيًا لهذا الحضور. الشيخ العودة بين طريقين إن من أهم الإشكاليات المعاصرة في أزمة الوعي لدى الجمهور والنخبة في التيار الإسلامي هي غياب مفهومٍ مهم ومبدأ أساسي في نقل الفكر الإسلامي إلى مشروعٍ حيويٍ نافذ يعيشه المجتمع العربي واقعًا وهو يرى نجاعته له ولأسرته ولمجتمعه ولوطنه، هذا الإشكال يتركَّز في عدم القبول بثقافة الإنجاز المرحلي أو الإنجاز النوعي لمصلحة المجتمع المسلم قطريًا أو أمميًا، فإن حسْمَ هذه القضية سيعطي كثيرًا من الفرقاء الإسلاميين مساحةً واسعة من قبول الاختلاف وتنوع الخطاب بل والإيمان بوجوب أن يشمل الخطاب الإسلامي الإصلاحي جوانب الحياة الإنسانية كلها في عالم المسلم المعاصر، وهذا لا يعني أبدًا أن يتجاوز أيًا ممن يعتني ويركز بخطابه الخاصّ على ثوابت التشريع المُحكمة أو يستثمر من قبل أيٍ من الجهات المعادية بالفعل للرسالة الإسلامية ليكون معولاً بيدِ الخصوم. وهذا القياس بالضبط في تحديد مسارات الوعي الإسلامي المعاصر هو الذي نحتاجُ إلى ضبطه، فكون أن الأمة بها العديد من الجراحات النازفة أو الأزمات السياسية وغيرها لا يعني ذلك أن يُحصرَ نشاط الدعاة والمصلحين في هذين المضمارين المهمين مع وجوب الدعم اللازم لهما، ولكن مع التسليم باحتياجات الأمة الضخمة في الميادين الأخرى، وأنها واجبةً التحقيق والمعالجة والتبشير بها، ورعاية هذا الخطاب في ميادين الفكر الإسلامي الاجتماعي واحتياجاته الماسَّة في ساحة الوطن العربي بل والعالم. بل إنَّ اعتماد نظرية الرفض والاشتراط لمفهوم العمل الإسلامي والوعي الفكري الحضاري هي كارثة بكل المعايير حين تسيطر على وجدان الشباب الإسلامي وتحكم على تفكيره العقلي فضلاً عما يترتب عليه فكر القطيعة والاشتراط من أزماتٍ داخلية في الساحة الإسلامية وإحباطٍ ذاتي لقدرات كان بالإمكان أن تتوجَّه للإنجاز والنجاح وإنقاذ مساحة شاسعة من الحياة الأخلاقية والاجتماعية للمجتمعات العربية والإسلامية. هذا هو الطريق الذي رسمه سماحة الشيخ سلمان العودة- في تقديري- بعد خروجه من محنة السجن وتضحياته الوطنية والإسلامية، وهو في هذا التبشير الجديد لا يقل أجرًا ونجاحًا عن رسالته الأولى بل إنها أكثر حضورًا وتأثيرًا في ميدانها الاجتماعي على مستوى الوطن العربي بجمهوره واتجاهات تياراته الفكرية. وهناك إشكال آخر وهو الوعاء الذي يقدم من خلاله المصلح خطابه وهو وعاء إعلامي في حالات كثيرة مناهض لأصل الفكرة الإسلامية وخصم لمفاهيم الرسالة الإسلامية، وليس لأخطاء أو تجاوزات منسوبيه وهي قضية تقدر بقدرها من حيث قلّة الفرص المتاحة بالأصل لتوصيل الفكر الإسلامي واضطرار هذا المفكر أو الداعية بأن يغتنم هذه الوسيلة فلا يجب أن يستهدف هذا الاجتهاد القائم على تقدير المصلحة. وبالعموم فإن تقاطع خطاب المفكرين والمصلحين على امتداد الوطن العربي وتاريخ عطاءاته الفكرية كانت مضطرة للتجاوب مع هذه القطاعات التي تعطي الفرصة للكاتب أو المفكر لنشر مادته وخطابه مقابل أن تحظى هي بالتنوع الذي يسوِّق لها شعبيًا لدى الجمهور لانعدام الوسيلة المستقلة أو شدة ضعفها، وإن كنت أعتقد كرأي شخصي بأن بعض هذه المؤسسات من الصعوبة بمكان الاقتران مع موقعها الإعلامي لقوة عدوانها ووقاحة خطابها الموجه للرسالة الإسلامية واحتقارها لثقافة الشعوب العربية . جسورٌ معَ الواقع الإسلامي ولقد وقفت خلال الجولة مع الأخوة الأعزاء على أنشطة المكتب العلمي الذي يعتني بفتاوى الشيخ وإعادة طباعة وتنظيم فتاواه وشروحه العلمية، وهو ما يشترك فيه الشيخ بجسور دافئة فاعلة مع المدرسة السلفية المحافظة في المملكة وخاصة في نجد والقصيم حيث لا يزال مكتب المؤسسة فاعلاً ونشطًا في بريدة ومتواصلاً مع حركة علمائها ومثقفيها الشرعيين. وسماحة الشيخ وعبر المؤسسة وبعلاقاته الشخصية أضاف إلى الخطاب الإسلامي السعودي حركة تجديد وبعث حيوي ووحدوي مع المدارس السنية الأخرى في السعودية والوطن العربي والتضافر والتعاون معها في المصالح المركزية، بل وأصبح ركيزةً لتقاطع ما يعتبره البعض خطاب الدعاة الجدد وركائز العلم الشرعي مع برامج ثقافية إسلامية مختلفة ينشط فيها هذا التيار أو تلك الشخصية؛ رغبةً في دفع خطاب الفكر الإسلامي وإعادة التبشير به مع الإيمان بالضرورة اللازمة لصيانة هذا الخطاب وهي التقدم نحو المنهج النقدي الذي لا يجامل أو يتلعثم في سبيل تنقية الفكر الإسلامي المعاصر من شوائب ونقائص اجتهادات الفرد أو الجماعات. ولم يدّعِ الشيخ- حفظه الله- ولا أرباب المؤسسة كمال هذا العطاء أو شموليته فلكلٍّ وجهة نظر, وتقدير مختلف, وأنا أحد مَن يختلف في بعض الجوانب، ولكن بحسبهم أنهم يغطُّون بخطابهم مساحة ضخمة ومهمة على المستوى العربي والسعودي من احتياجات الجمهور العام والنخبة وطلائع الوعي الفكري من الجنسين في صفوف الشباب، فليتَ لنا ولأوطاننا العديد من هذه المشاريع الإسلامية الناهضة في وقتٍ تنهال علينا أباطيلُ الغرب بألسنة حداد مدعومةٍ باستراتيجياتٍ وخطط اختلفت مصادرها واتفقت على مواجهة هذه الأمة ومنعها من استعادة حقوقها وهويتها وليت الناقمين على الشيخ يستحضرون قول العربي قديمًا: أقلُّوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سُدُّوا المكانَ الذي سدُّوا غيرَ أنني أعتقدُ جازمًا أن الشيخ وإن آلمه في زمنٍ نقدُ الناقدين- أو بالأحرى نقضُ الناقمين؛ لأن النقد الموضوعي لا يضرُّ- فإنه قد قرَّت عينه بالملايين من أبناء الشعب السعودي والوطن العربي الذين يعتبرون منبر الشيخِ وكلمته مفزعًا يؤوون إليه حين تحرقهم هواجر العلمانية الغاشمة، أو يفتنهم مختطفو منبر التبشير الإسلامي، فيردّ هؤلاء وأولئك إلى سعة الإسلام وأصالته بعدَ أن فُتن الناس، وكم فُتنوا بالخصمِ الفاجر والواعظِ الأحمق.. بارك اللهُ في هذه المؤسسة وفي رجالها وأنبت من غيثهم ما تُقرُّ به العيون.