من يُراجع الاقتراحات والمبادرات "الإبداعية" التي أخذت تنهال لحل مشكلة الحصار على قطاع غزة من جهة وتقديم "أفكار جديدة" في ملف المصالحة الفلسطينية من جهة أخرى، يجد نفسه مضطراً، أو حائراً، ليسأل: أين كان كل هذا قبل معركة أسطول الحريّة لكسر الحصار على قطاع غزة؟ وأين كان كل العباقرة الذين راحوا يقدحون زناد فكرهم قبل الأزمة التي دخلها الكيان الصهيوني بعد ارتكابه جريمة السيطرة على أسطول الحريّة، وهي أزمة دخلها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كل الذين أسهموا في حصار قطاع غزة، أو تواطؤوا، أو صمتوا عليه، كما دخلها كل الذين أصرّوا على أن لا حلّ للمصالحة الفلسطينية غير توقيع حماس على الورقة المصرية. جاءت معركة أسطول الحريّة التي خاضها مبادرون من 42 بلداً فلسطينياً (من مناطق 48) وعربياً وإسلامياً وعالمياً، وقد توّجت باستشهاد تسعة أبطال من الأتراك لتكون "القشة التي قصمت ظهر البعير". فهذه المعركة جاءت تتويجاً، أولاً وقبل كل شيء، لصمود الشعب في قطاع غزة، بكل قواه المقاومة والممانعة التي رفضت الخضوع لشروط الرباعية وضغوط سلطة رام الله، وللورقة المصرية وإغلاق معبر رفح. وجاءت تتويجاً، ثانياً، وعلى درجة عالية من الأهميّة، لكل السفن البحرية والقوافل البريّة التي تدافعت، واحدة تلو الأخرى، لكسر الحصار بحراً وبرّاً. كما أتت تتويجاً لكل الجهود والمؤتمرات والبيانات التي وقفت إلى جانب صمود قطاع غزة وشجبت الحصار ومَنْ وراءه، بأي شكل من الأشكال. ولهذا يمكن القول أن الحصار سقط أولاً وقبل كل شيء نتيجة صمود قطاع غزة، وعدم خضوع حماس لضغوطه، ولكل الضغوط الأخرى التي راحت تطالبها بالرضوخ لشروط الرباعية، أو التوقيع على الورقة المصرية التي تصبّ الزيت، بانحيازها لسلطة رام الله، على نار الانقسام. إن الانقسام في أساسه بين خطين سياسيين: خط المفاوضات والتنازلات والرهان على أميركا والوقوع في أسر المعونة المالية الغربية، وفي المقابل خط المقاومة ورفض مسار التسوية الذي عمّم الاستيطان، وأمْعَن في تهويد القدس. ولم يترك من الضفة الغربية غير الفتات. فالانقسام في أحد تعابيره يتجلى في الموقف من الاتفاق الأمني الذي يقوده الجنرال كيث دايتون، وتنفذه أجهزة سلام فياض وتُغطيه المفاوضات التي يقودها محمود عباس. فهذا الاتفاق الأمني كرّس احتلال الضفة الغربية واستيطانها، وقمع المقاومة، وأسكت الممانعة، وحال دون أن يَتناصر الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية مع نفسه في قطاع غزة، أو أن يهبّ ليقف بتظاهرات عارمة دعماً لأسطول الحريّة. سقط الحصار لأنه لم يحقق الهدف الذي توخاه المحاصِرون منه. فأصبح حصاراً من أجل الحصار بعد مضي ثلاث سنوات عليه، وبعد أن فشل العدوان الإجرامي على قطاع غزة في حرب 2008/2009. وسقط الحصار حين عُزِل عربياً وإسلامياً ودولياً. وأصبح الاستمرار فيه عناداً مكابراً طفولياً يائساً، لا يعود على أصحابه إلاّ بالخسارة السياسية وسوء السمعة يوماً بعد يوم. وسقط الحصار بعد معركة أسطول الحريّة التي ولّدت مناخاً للسير الحازم والمتواصل على خطاه، مهما كلف الأمر من ضحايا، فالسفن الجاهزة أو في طريقها لتصبح جاهزة أصبحت بالعشرات، الذين تطوّعوا ومن كل أنحاء الدنيا يُعدّون بالآلاف والحبل على الجرار. لا مبالغة إذا قلنا إن معركة أسطول الحريّة وشهداءها وبطولة الصمود فيها، قد بعثت روحاً متوثبة للمقاومة والفداء، وهو ما سينعكس على الضفة الغربية ذات الحاجة الملحّة، إلى كسر الإرهاب الذي فرضه الاتفاق الأمني، ولوقف استشراء الاستيطان وتهويد القدس، بل للعودة إلى شعار انتفاضة ومقاومة لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط. من هنا نفسّر التباري الحاصل الآن لتقديم الاقتراحات والمبادرات "الإبداعية" التي أخذت تنهال لحل مشكلة الحصار. ولكن بهدف إعادة إنتاجه وشرعنته مخففّاً. أي الالتفاف على ضرورة كسره بالكامل. وبلا قيد أو شرط. ولهذا على الذين وقفوا ضدّ الحصار أن يقفوا بحزم ضدّ كل محاولات الالتفاف على هزيمة الحصار. ومن هنا نفسّر أيضاً بروز "الأفكار الجديدة" في ملف المصالحة، والتي حمل بعضها أمين عام جامعة الدول العربية في زيارته المستهجنة لقطاع غزة، أو الأفكار التي راح ينتجها الذين أصرّوا على محاصرة حماس والجهاد لتوقيع الورقة المصرية. فهذه وتلك عند التدقيق فيها، ما زالت ضمن إطار إعادة إنتاج الانقسام لأن حلّه لا يكون إلا بالتخلي عن الخط السياسي التفاوضي التفريطي الذي وراءه. العرب القطرية 2010-06-19