هذا الرجل يستحق وقفة انتباه وتحيّة تقدير؛ لأنه يقدم الصورة الصحيحة لرجل الأمن، ويمارس دور رجل الشرطة بمهنية نادرة وشجاعة منقطعة النظير، فقد أثبت الفريق «ضاحي خلفان» رئيس شرطة دُبي أنه يدير جهازه بطريقة فائقة المهارة، وعلى أحدث النظم العلمية للوصول إلى لبّ القضية وأطرافها، وقد بدا ذلك واضحاً في أكثر من قضية كبرى شهدتها دُبي.. لكن الرجل وجهازه تفوقا كثيراً في سرعة تحديد الجناة في قضية اغتيال القيادي في «حماس» محمود المبحوح - يرحمه الله - في 19/1/2010م، وقد ظن كثيرون في بداية القضية أنه سيتم دفعها بسرعة إلى عالم النسيان لحساسيتها وتشابكاتها الدولية، بل ذهب البعض - من كثرة ما يتابعه من تلفيقات وقصص يشيب لها الولدان عند بعض أجهزة الأمن - ذهب البعض إلى أن هناك اتجاهاً لطبخ قصة وهمية يتم بها إخراج المتورط الحقيقي في القضية وإلصاقها إما ب«المبحوح» نفسه أو أي جناة آخرين، أو تقييدها ضد مجهول كما حدث في كثير من الحوادث عبر تاريخ الاغتيالات السياسية، فسلطات الأمن الفرنسية لم تعلن حتى الآن عن الجاني الحقيقي في اغتيال عالم الذرة المصري الشهير «يحيى المشد» (في ستينيات القرن الماضي)، والسلطات البريطانية لم تعلن حتى اليوم عن حقيقة مقتل الفنانة المصرية «سعاد حسني»، ولا مقتل السياسي المعروف «أشرف مروان. لكننا في قضية اغتيال «المبحوح» وجدنا طريقة أخرى في التعاطي مع القضية غير الذي تعودنا عليه، وجدنا مهنية عالية في التحقيق، وجسارة منقطعة النظير في مواجهة الكيان الصهيوني، والإشارة بأصابع الاتهام وبقوة - منذ اليوم الأول - إلى تورّط «الموساد»، وذلك الموقف يعدّ من المواقف النادرة عربياً التي فوجئنا بها في التعامل مع العدو الصهيوني، وقد ظل الفريق «ضاحي خلفان» على مدى خمسة أشهر يعري الكيان الصهيوني وعملاءه على امتداد العالم دون وجلٍ أو تردد، مفجراً واحدة من أخطر الفضائح للكيان الصهيوني، وهي الفضيحة التي هوت برأس جهاز «الموساد» «مائير داغان»، الذي حاول شن حرب نفسية على الفريق «خلفان» في بداية القضية بالتهوين مما يعلنه قائلاً: «إنه لا يبالي بما تقوله شرطة دُبي». وقد ردّ عليه «ضاحي خلفان» في الوقت المناسب برسالة قاسية قائلاً: «إن «مائير» لُقّن درساً لن ينساه طوال حياته بعد فضيحة مقتل «المبحوح» في دُبي، وإن مَن لا يؤدبه أبوه يؤدبه الزمن.. «داغان» ارتكب حماقة كبيرة كلفته مستقبله وخروجه بطريقة غير مشرفة من منصبه، وكان حظه السيئ أنه اختار دُبي لتكون مسرحاً لجريمته البشعة.. وخروج رئيس «الموساد» بهذا الشكل إعلان صريح عن تورط «الموساد» في مقتل «المبحوح».. وهذا الدرس الذي لقّنته شرطة دُبي ل«الموساد» وشهد عليه العالم أجمع؛ سيدفع جميع المسؤولين عن دولة «إسرائيل» وعن جهاز «الموساد» إلى إعادة الحسابات، والتفكير قبل أية خطوة مائة مرة، كما أنه أكبر دليل عالمي على الحِرَفية الكبيرة التي وصلت إليها شرطة دُبي، خاصة في آلية التعامل مع القضايا الخطيرة التي تتخذ الطابع الدولي» (صحيفة «البيان» الإماراتية). والحقيقة أن وراء ما جرى - ويجري - شخصية متميزة من جوانب عديدة، فقد نال الرجل (مواليد 1951م) جائزة أفضل شخصية تنفيذية إقليمية في الشرق الأوسط عام 2004م، وجائزة الشخصية العربية من الأممالمتحدة في مكافحة المخدرات، ونالت شرطة دُبي تحت قيادته جائزة أفضل دائرة حكومية لعام 1998م، عن الأداء الحكومي المتميز في أول مسابقة تجريها حكومة دُبي، كما نالت 8 جوائز عام 1999م، وقد أنشأ «ضاحي خلفان» - وفق المراقبين - منظومة أمنية على أعلى مستوى في الكفاءات والإمكانات وحتى في طرازها المعماري. أياً ما كانت الدوافع والأسباب في الموقف القوي من قضية «المبحوح»، فلابد أن نفخر أننا أمام شخصية أمنية من طراز مختلف، ولبّ الاختلاف فيها أنها بعيدة عن العشوائية وتلفيق التهم على المقاس، وتلطيخ سمعة الناس واغتيالهم معنوياً واجتماعياً، وهو ما تعاني منه الساحة في المنطقة.. والحال في هذا الصدد أبلغ من المقال. ·*كاتب مصري – مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية