هجوم إلكتروني في قلب أوروبا.. تضرر أنظمة وتوقف رحلات    "يوتيوب" تحجب قناة الرئيس الفنزويلي مادورو    ستة أشهر سجنا لشاب أشهر سلاحا ناريا مزيفا خلال فعاليات "أسطول الصمود"    الفيفا يتلقى 4.5 مليون طلب لشراء تذاكر مباريات كأس العالم 2026    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    عاجل/ مصابون في اصطدام "لواج" بشاحنة ثقيلة بهذه الطريق الوطنية    مسؤول إيراني: لم نصنع سلاحا نوويا حتى الآن لكننا نمتلك القدرة على تصنيعه    تركيا تعتزم إرسال مركبتين إلى القمر في عام 2029    الكشف عن مصنع عشوائي للصلامي وحجز مئات الكيلوغرامات..#خبر_عاجل    رضا الشكندالي: "تعطّل كامل لمحرّك الصادرات وتراجع كلفة الدعم بفعل انخفاض الأسعار العالمية وسياسة التقشّف"    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    طقس اليوم: أمطار متفرقة في هذه المناطق    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    وكالة إحياء التراث تحتفي باليوم العالمي للغة الإشارة تحت شعار "حتى التراث من حقي"    منزل وزير الصحة الأمريكي يخضع للتفتيش بعد إنذار    أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    نفذته عصابة في ولاية اريانة ... هجوم بأسلحة بيضاء على مكتب لصرف العملة    في عرض سمفوني بالمسرح البلدي...كاميليا مزاح وأشرف بطيبي يتداولان على العزف والقيادة    تتويج مسرحي تونسي جديد: «على وجه الخطأ» تحصد 3 جوائز في الأردن    استراحة «الويكاند»    صفاقس شاطئ الشفار بالمحرس..موسم صيفي ناجح بين التنظيم والخدمات والأمان!    ميناء جرجيس يختتم موسمه الصيفي بآخر رحلة نحو مرسيليا... التفاصيل    وزارة الدفاع تنتدب    28 ألف طالب يستفيدوا من وجبات، منح وسكن: شوف كل ما يوفره ديوان الشمال!    توقّف مؤقت للخدمات    رئيس "الفيفا" يستقبل وفدا من الجامعة التونسية لكرة القدم    هذا ما قرره القضاء في حق رجل الأعمال رضا شرف الدين    الاتحاد الدولي للنقل الجوي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ مشاريعها ذات الصلة    عاجل/ المغرب تفرض التأشيرة على التونسيين.. وتكشف السبب    عفاف الهمامي: أكثر من 100 ألف شخص يعانون من الزهايمر بشكل مباشر في تونس    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    قريبا: الأوكسجين المضغوط في سوسة ومدنين... كيف يساعد في حالات الاختناق والغوص والسكري؟ إليك ما يجب معرفته    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    مصر: أب يقتل أطفاله الثلاثة وينتحر تحت عجلات قطار    عائدات زيت الزيتون المصدّر تتراجع ب29،5 بالمائة إلى موفى أوت 2025    عاجل: تونس تنجو من كارثة جراد كادت تلتهم 20 ألف هكتار!    بعد 20 عاماً.. رجل يستعيد بصره بعملية "زرع سن في العين"    توزر: حملة جهوية للتحسيس وتقصي سرطان القولون في عدد من المؤسسات الصحية    10 أسرار غريبة على ''العطسة'' ما كنتش تعرفهم!    عاجل/ إيطاليا ترفض دخول شاحنتين تحملان أسلحة موجهة للكيان الصهيوني إلى موانئها..    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو الحكومة إلى تدخل عاجل لإنقاذ المنظومة    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    حملة تلقيح مجانية للقطط والكلاب يوم الاحد المقبل بحديقة النافورة ببلدية الزهراء    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    البطولة العربية لكرة الطاولة - تونس تنهي مشاركتها بحصيلة 6 ميداليات منها ذهبيتان    في أحدث ظهور له: هكذا بدا الزعيم عادل إمام    كيف سيكون طقس الجمعة 19 سبتمبر؟    شركة الفولاذ تعتزم فتح مناظرة خارجية بالملفات لانتداب 60 عونا    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كن مثل ( إقبال ) همّاً وشعراً
نشر في الفجر نيوز يوم 12 - 07 - 2010


الصحفي الفلسطيني أبو حمزة الفجرنيوز
تعريف بالشاعر:
هو محمد إقبال ، شاعر هندي الأصل والجنس والمولد ، ولد في البنجاب عام 1877م
لقد أثر في حياته ثلاثة مؤثرات :
أولاً : القرآن الكريم ، حيث كان محمد إقبال يقرأ القرآن من بعد الفجر إلى طلوع الشمس في كل يوم ، ولا يختم المصحف كما قالوا عنه حتى يبله بالدموع .
لقد كان يتأثر تأثراً بالغاً من القرآن لأنه عرف مشارب الجاهلية ، وقرأ الفلسفة ، وقرأ العلوم الأخرى ، وسافر إلى الغرب وذهب وأتى.
الثاني : اطلاعه الواسع على مختلف الثقافات .
يقول عنه الدكتور الشرباصي : أظنه أنه ما وقع كتاب في يد محمد إقبال إلا التهمه كما يلتهم الطعام .
والرجل ذكي ذكاءً إبداعياً .
الثالث : خروجه إلى العالم بمختلف توجهاته ، حيث خرج أولاً من بومباي إلى قناة السويس ، ثم ذهب إلى أوربا واستقر في لندن فترة من الفترات ، ثم ذهب إلى ألمانيا فحضر رسالة الدكتوراه في الفلسفة ودرس هناك في الجامعة ثم عاد يطوي العالم ، فمر بالعالم العربي ، وكان عند تنقله يلقى ترحيباً واسعاً من العالم .
وكان إذا هبط بلداً سمع الناس بقدومه فخرجوا لاستقباله .
كانت محادثة البركان تخبرنا *** عن جعفر بن فلاح أروع الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت *** أذني بأحسن مما قد رأى بصري
يقول أبو الحسن الندوي في كتابه ( روائع إقبال ) : وجدته شاعر الطموح والحب والإيمان ، أشهد على نفسي أني كلما قرأت شعره جاش خاطري وثارت عواطفي وشعرت بدبيب المعاني والأحاسيس في نفسي ، وبحركة للحماسة الإسلامية في عروقي ، وتلك قيمة شعره وأدبه في نظري . ( طبعة دار القلم صفحة :19)
وأشهد الله على ما شهد عليه أبو الحسن الندوي بأنه يأتيني أمر عجيب إذا قرأت شعره ، وسوف أورد نماذج لشعره في هذه الرسالة .
أما أحواله الشخصية :
فقد كان في معيشة متوسطة تميل إلى الفقر ، من أبوين متدينين .
تربيته :
دخل عليه أبوه وهو يقرأ القرآن بعد الفجر وهو يلاعب أخته الطفلة الصغيرة فقال : يا إقبال اقرأ القرآن كأنه أنزل علي.
قال : فأخذت بهذه الوصية ، وكنت أقرأ القرآن كأنه أنزل علي فتأثر بذلك .
يقول أحد المفسرين المعاصرين : كدت أتوافق أنا ومحمد إقبال في المعاني وربما توافقنا في الألفاظ .
زواجه :
تزوج ثلاث مرات : المرة الأولى لم يوفق فيها وأنجب من زوجته ولداً وطفلتين..وتزوج الثانية ثم الثالثة.
كان يسكن بيتاً متواضعاً..كانوا يقولون له : لماذا تسكن هذا البيت ؟
فيقول : أنا أسكن العالم ..وبالفعل كان يسكن العالم .
كان يتبرم بالأوضاع التي يعيش فيها ، فينظر إلى الهنود وإذا هم يعيشون حياة بعيدة عن الإسلام ، وينظر وإذا المسلمون مستذلون بالاستعمار فيتضايق ويقطب جبينه ويحاول أن يثور كالبركان.
عاش ثلاث فترات :
فترة الشباب قضاها في طلب العلم النافع وهو علم مجمل من علم الشريعة ، فليس الرجل مفتياً وليس واعظاً ، وإنما كان عنده علم مجمل ، ونخالفه كطلبة العلم ويخالفه العلماء في الشريعة في بعض القضايا التي سوف أعرض لها .
وأنا لا أعرض محمد إقبال على أنه مفتِ أو أنه من هيئة كبار العلماء ، بل أعرضه عليكم كشاعر عالمي استطاع أن يؤثر بشعره الإسلامي الحي .
أما الفترة الثانية فهي فترة الرجولة حيث عاش إقبال صارخاً في شعبه يريد أن يوحد دولته..ولذلك هو الذي كان بعد الله سبباً في إقامة دولة الباكستان ، وأهل الباكستان اليوم إذا احتفلوا بعيد محمد إقبال على ملاحظتنا لهذا يخرج ثمانون مليوناً في الشوارع يحملون صور محمد إقبال ويهتفون :
إذا الإيمان ضاع فلا أمان *** ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين *** فقد جعل الفناء لها قرينا
وأما فترة الشيخوخة فقضاها متأملاً حيث كان يصعد الجبال ويكتب .
يقول الباكستانيون : نحن لا نفهم شعره ، ولكن شعره مترجم ، وربما تكلم بالعربية في بعض القصائد فحرك الأجيال .
يقولون : كان يكتب قصيدة في الليل فتنشر في الصحيفة في اليوم التالي كما يذكر الشرباصي وغيره ، فيخرج الشعب هائجاً مائجاً في الشارع .
وهذا و الله هو الأدب .
وهذا والله هو السحر الحلال .
وهذا والله هو الفيتامين الأمثل للشعوب .
ولذلك ثار الشعب على الإنجليز وأقاموا دولتهم برغم المعارضات .
أولاً : الإيمان في شعر محمد إقبال
قال تعالى :( إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً ) ( مريم:96) ، الإيمان الذي يصل بالله .
الإيمان الذي تفتقر إليه الدنيا.
الإيمان الذي من وجده وجد كل شيء ، ومن فقده فقد كل شيء.
أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا *** إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه
قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا *** ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه
يقول إقبال في بيتين جميلين من قصيدته العجيبة الطويلة ( شكوى دمعة ) أرسلها من عينه يشكو إلى الله حال العالم الإسلامي .
ويشكو من المسلمين بعدهم عن دينهم وعن رسالتهم ، وبين لهم أن اتصال الإيمان بالدنيا أمر مجمع عليه ،وأن الإنسان لا يصلح إلا بالآخرة ، وأن المسجد لا يصلح إلا مع المزرعة ، والمزرعة مع المسجد .
يقول :
إذا الإيمان ضاع فلا أمان *** و لا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين *** فقد جعل الفناء لها قرينا
تساندت الكواكب فاستقرت *** ولولا الجاذبية ما بقينا
وفي التوحيد للهم اتحاد *** ولن تبنوا العلا متفرقينا
ويقول عن المؤمن والكافر بأن الكافر ضيق ومتخلف وحقير في علم الله وفي الأرض وفي الكون..ويأتي المؤمن فيجعله علماً وكوناً .
يقول في بيتين جميلين :
إنما الكافر تيهان له الآفاق تيهِ *** وأرى المؤمن كوناً تاهت الآفاق فيه
يقول : إن الكافر لا تتيه الآفاق فيه بل يتيه هو في الآفاق..وأرى المؤمن هو الذي تتيه الآفاق فيه.
ويصف مشاعره وأحاسيسه في قصيدة اسمها ( إلى مدينتك يا رسول الله )..وهي قصيدة قد ترجمها الندوي..يقول : ( يا رسول الله زرتك البارحة في المنام ... إليك أشكو ظلم الهنود ... وأشكو ماذا فعلوا برسالتك .. إنهم يا رسول الله حولوا رسالتك إلى تمائم ومسابح وإلى رقصات .. إن رسالتك يا رسول الله انبعثت من المدينة فأحيتني وأحيت أمثالي .. لكن رفض الهنود أن يستجيبوا لك يا رسول الله) .
ثم يصف خروج الرسالة من طيبة الطيبة وذهابها إلى العراق ، ثم إلى الأتراك ، ثم إلى الهنود، وأنها ترتفع بإذن الله لتغطي الدنيا.
من ثراها قد نثرنا النور في دنيا الوجود *** وعلى أهدابها صغنا مغانِ من خلود
حكمة الإيمان من طيبة سارت للعراق *** وسل الأتراك قد سار سريعاً للهنود
ثانياً : كانت قضية إقبال الكبرى أن يُسلم الناس
أرسل رسالة إلى لينين يقول فيها : " اتق الله يا لينين فإنك قصمت ظهر الرأسمالية فأحسنت ، فألحِق بقصمك للرأسمالية لا إله والحياة مادة " .
ودخل على نادر شاه في كابول وكان نادر شاه ملك أفغانستان آنذاك ، وقد كتب رسالة لمحمد إقبال يقول فيها : اقدم إلينا..فأقبل محمد إقبال فخرج الأفغان يستقبلونه في الشوارع .
فأخذ قبل أن يقابل الملك نسخة من المصحف وقال : يا نادر شاه ! والله لن تعلو بشعب الأفغان حتى تأخذ هذه الوثيقة التي جاءت من الله.
العرب في شعر إقبال :
هو يحب العرب كثيراً ويقول : يا ليتني أجيد اللغة العربية مائة بالمائة . ولو أجادها مائة بالمائة لأبكانا كما أبكى الهنود ، ولأبدع لنا في أدبنا وفي ثرواتنا وجعلنا نعيش أدباً رائداً جميلاً ..ولكن لا زلنا والحمد لله نتمتع بمقطوعاته الجميلة الإيمانية ونسأل الله أن يغفر له .
يقول في قصيدته واصفاً حاله :
إن كان لي نغم الهنود ودنهم *** لكن ذاك الصوت من عدنان
يقول : أنا أتكلم بالهندي ولا أعرف العربي ، لكني يا رسول الله أحبك وأموت في حبك وقلبي عربي .
ويقول :
هضبات نجد في مغانيها المها *** ومحاور الغزلان ملء تلالها
والمجد مشتاق وأمة أحمد *** يتهيأ التاريخ لاستقبالها
هكذا انبعاث الأرواح والإيمان والعقائد في أبيات الشعر .
ثم يقول : سبحانك يا رب ، خرج من الصحراء أناس كانوا يعبدون اللات و العزى ومناة ثم أصبحوا يطوفون بالبيت ِلله.
وأصبح عابدو الأصنام قدماً *** حماة البيت والركن اليماني
هم جيل الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا يطوفون بمناة والعزى واللات فأصبحوا يحملون لا إله إلا الله ، والرسالة الخالدة ، ويطوفون بالبيت ِلله رب العالمين.
ويقول في قصيدة له اسمها ( تاجك مكة ):
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع *** اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما *** سرنا على موج البحار بحارا
لن تنس أفريقيا ولا صحراؤها *** سجداتنا و الأرض تقذف نارا
وكأن ظل السيف ظل حديقة *** خضراء تنبت حولنا الأزهارا
أرواحنا يا رب فوق أكفنا *** نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
يقول : ما كنا نأتي بأرواحنا في أجسامنا قبل المعركة بل كنا نبيعها إلى الله والثمن الجنة ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) ( التوبة :111)
لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو *** نصب المنايا حولنا أسوارا
ندعو جهاراً لا إله سوى الذي *** خلق الوجود وقدر الأقدارا
كنا نرى الأصنام من ذهب *** فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها *** كنزاً وصاغ الحلي والدّينارا
يقول : يا رب فتح أجدادنا الهند .
فقدّم الكفار لهم الأصنام من ذهب .
فقالوا : لا نريدها وأحرقوها وهدموها فوق رؤوس الكفار .
ويقول :
محمود مثل إياس قام كلاهما *** لك بالعبادة تائباً مستغفراً
العبد والمولى على قدم التقى *** هتفا بذكرك في الوجود وكبرا
والمقصود من هذين البيتين محمود بن سبكتكين المسلم الذي كان عنده ألف ألف من الأبطال فتح بهم ما وراء نهر سيحون وجيحون ثم قدموا له الأصنام من ذهب كما فعل قتيبة بن مسلم فرفض وقال : لا والله لا يدعوني الله يوم القيامة : يا مشتري الأصنام، ولكن يدعوني : يا مهدم الأصنام..فكسرها بفأسه وأحرقها وأتى بالملك فذبحه ونكسه على السطح.
فلذا يقول : ( محمود مثل إياس ) وإياس خادم محمود بن سبكتكين وهو رافع الراية بعده رحم الله الجميع .
ويقول في الحجاز :
آه من ساعة الغضى في حجازِ *** نغمات مضين لي هل تعود
آذنت عيشنا ببؤس مقيم *** هل لعلم الأسرار قلب جديد
لماذا يحب الحجاز؟
ألِغبار الحجاز؟
ألِجبال الحجاز السوداء ؟
لا..بل لأن في الحجاز نوراًً انبعث ورسالة خالدة وجماجم الأبطال ..ولأن في الحجاز التوحيد والتاريخ والمشاعر الإسلامية..وله قصيدة أسمها : ( ناقتي في الحجاز ) وصف فيها نفسه وبكى..وقال : يا ليتني اعتمر مرة ثانية.
وشرح ديوان المتنبي ، وكان يدور في الليل والنهار يلقي المحاضرات يريد أن يعيد الأمة إلى الله بشعره.
يقول :
يا قلب حسبك لا تفيق صراحة *** إلاّ على مصباح نور محمد
يقول : لا يفيق قلبي إلا على مصباح نور الرسول صلى الله على وسلم.
ويقول في عالم الإيمان قبل هذا وقد ذكرتها في بعض المناسبات : ( بحثت عنك يا رسول الله : في ألمانيا فما وجدتك ).
هل سافر صلى الله عليه وسلم إلى ألمانيا ؟
لا ، ولكن إقبالاً درس في ألمانيا الفلسفة فقال : ( وجدت القاطرات والسيارات والشاحنات والطائرات والثلاجات والبرادات وما وجدت من أنزلت عليه الآيات البينات ) ، عليه الصلاة والسلام .
كان إقبال يتفجع على موت المسلمين ، وكان شعره قطعاً من نور وحمماً من براكين وقذائف من زلازل..كان شعره يترنم به جيش الباكستان أول قيام دولة محمد علي جناح..حتى إن له بعض المقطوعات ترجمت إلى الإنجليزية وترجمت للروسية ، وله شعر بالعربي وشعر بالبشتو وبالفارسي والأردو ، فهو شاعر على مستوى العالم .
زيارة إقبال لقرطبة :
ويقول وهو يتفجع على المسلمين وقد زار قرطبة فوقف أمام الجامع وما وجد المسلمين ، ووجد المسجد قد حول إلى حانات من الخمر والعياذ بالله ، ووجد العاهرات وهن في محراب المسجد ، فبكى وجلس عند الباب وأنشد قصيدته الفضفاضة الشهيرة في مسجد قرطبة فقال :
أرى التفكير أدركه خمول *** ولم تبق العزائم في اشتعال
وأصبح وعظكم من غير نور *** ولا سحر يطل من المقال
وعند الناس فلسفة وفكر *** ولكن أين تلقين الغزالي
وجلجلة الأذان بكل حي *** ولكن أين صوت من بلال
منائركم علت في كل ساح *** ومسجدكم من العباد خال
وأما قصيدة " إن الله اشترى" فهو يتكلم بها إلى العالم الإسلامي كله ويخبر بأهل بيعة الرضوان رضوان الله عليهم ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتُلون ويقتَلون وعدا عله حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله ) (التوبة : 111 ).
يقول في مقالة له نثرية : أتيت العرب فوجدتهم يتقاتلون ، وأتيت إلى الأتراك فوجدتهم يصبغون بالبويات أطراف الزجاج ، وأتيت إلى الهنود وإذا هم يبحثون عن الخبز في الأسواق ، فما وجدت من يحمل لا إله إلا الله للعالم.
يعني : الكل مشغول بخبزه وبسيارته ووظيفته..فقال :
نحن الذين استيقظت بأذانهم *** دنيا الخليقة من تهاويل الكرى
حتى هوت صور المعابد سجداً *** بجلال من خلق الوجود وصوّرا
ومن الأُلى دكوا بعزم أكفهم *** باب المدينة يوم غزوة خيبرا؟!
أمّن رمى نار المجوس فأطفئت *** وأبان وجه الصبح أبيض نيرا؟!
ومن الذي باع الحياة رخيصة *** ورأى رضاك أعز شيء فاشترى؟!
إنهم المسلمون ، وهي من أبدع ما قاله في حياته.
أما قصيدته المشهورة لديكم والتي يعرفها غالبكم وهي (شكوى) فقد بدأها بقوله:
حديث الروح للأرواح يسري *** وتدركه القلوب بلا عناء
هتفت به فطار بلا جناح *** وشق أنينه صدر الفضاء
ومعدنه رخاميٌّ ولكن *** سرت في لفظه لغة السماء
هذا محمد إقبال في شكواه يتفجع على المسلمين ثم يقف على معالم إسبانيا بعد رحيل المسلمين من هناك ، ويرى مساجدهم ويرى القرآن ويرى حلقات العلم قد عطلت ، ويرى الفرنجة قد استولوا على معالم الدين هناك فيقول:
قد كان هذا الكون قبل وصولنا *** شؤماً لظالمه وللمظلوم
لما أطلّ محمد زكت الربا *** واهتز في البستان كل هشيم
هذا الروض يابس وصوح نبته وماتت أعشابه وذوت أزهاره وماتت أطياره وجف معينه ، فأطل محمد صلى الله عليه وسلم فاهتز الروض واهتزت الأرض وربت وأنبتت من كل زوج بهيج.
لما أطل محمد زكت الربا *** واهتز في البستان كل هشيم
محمد إقبال والحضارة الغربية :
هذا الرجل عرف الحضارة الغربية ودرسها ، فهو يعرفها معرفة تامة.
يقول المودودي : كنا نعظ الناس ونحذرهم من الحضارة الغربية فما يستمعون إلينا لأننا ما سافرنا على الغرب ، فلما أتى محمد إقبال يحذرهم من الحضارة الغربية أنصتوا إليه واستمعوا واتعظوا بما قال.
أنت كنز الدر والياقوت في *** لجة الدنيا وإن لم يعرفوك
محفل الأجيال محتاج إلى *** صوتك العالي وإن لم يسمعوك
في هذه الأبيات يقول للمسلمين وللدعاة خاصة : ليس في العالم إلا أنتم ، فلا يغركم هذا الضجيج والإعلام والفلسفة ، من الذين لا يعرفون القرآن ولا زمزم ولا يتوضؤون ، قد طمسوا عقول الناس وجعلوا الدين خرافة ورجعية ، وعظموا حضارة أولئك الساقطة عما قريب .
ويقول : دخلت ألمانيا فأظلم قلبي ، وانطفأت معالم الروح في نفسي ، ونسيت حلاوة القرآن التي كنت أجدها في البنجاب ، لأن الفتاة العاهرة تجلس بجانبي على كرسي الدراسة ، وكأن الخمر على طاولتي " يعني زميله يضعها على ماصته".
ولمحمد إقبال قصيدة جميلة اسمها (فاطمة الزهراء) يعني بنت الرسول صلى الله عليه وسلم..يقول فيها :
هي بنت من ؟ هي زوج من ؟ هي أم *** من ؟ من ذا يساوي في الأنام علاها
أما أبوها فهو أشرف مرسل *** جبريل بالتوحيد قد رباها
وعلي زوج لا تسل عنه سوى *** سيفاً غدا بيمينه تيّاها
هذه فاطمة الزهراء قدمها للناس في تعريف بسيط..أما أبوها فهو أكرم الناس..وجبريل رباها بالتوحيد..وعلي زوج لا تسل عنه سوى السيف.
(إقبال) داعية أينما كان :
مرّ محمد إقبال في سفينة يريد أوربا ، فتوقف بحفظ الله ورعايته في قناة السويس ، فكتب رسالة من القناة إلى فاروق مصر لأنه كان حاكماً آنذاك.
فكتب :" بسم الله الرحمن الرحيم ، من إقبال إلى فاروق مصر : يا فاروق مصر إنك لن تكون كالفاروق عمر حتى تحمل درة عمر ، والسلام" !!
لأن إقبالاً يريد للمسلمين جميعاً أن يخرجوا ويستيقظوا من سباتهم من المحيط إلى المحيط حيث لا تحصره زاوية معينة.
محمد إقبال يقول لابد أن تخرج بدرّتك وبعصاك لتغير العالم .
رحمه الله وغفر له .
--
الصحفي الفلسطيني
أبو حمزة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.