صدر مؤخرا عن مؤسسة ارتياد الآفاق كتاب "أوروبا في مرايا الرحالين العرب." ويتألف الكتاب من جزأين كبيرين يستوعبان النصوص والدراسات الموضوعة في علاقة الثقافة العربية بالآخر وعالمه وثقافته، وذلك تحت ثلاثة عناوين رئيسية هي: "مرايا الذات والآخر"، "العرب وأوروبا"، "خطابات الرحلة العربية". والكتابان من اعداد وتقديم وتحرير الشاعر نوري الجراح المدير العام للمركز العربي للأدب الجغرافي ارتياد الآفاق. كما يضم الكتاب دراسة عن أقدم كتاب رحلات باللغة العربية ورد فيه وصف هولندا ومدنها الكبرى ،وهو مختصر كتاب (رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب)، والعنوان المعتمد الآخر للكتاب نفسه هو (رحلة أفوقاي الأندلسي) أو (رحلة أفوقاي في وصف لاهاي 1611-1613) لأحمد بن قاسم الحجري الأندلسي والمعروف أيضاً باسم "أفوقاي" وهي الرحلة التي حققها وقدم لها دراسة وافية د الدكتور . محمد رزوق. وهذا الكتاب يعد أهم مصدر تاريخي أندلسي كتب بعد صدور قرار النفي على الأندلسيين، والمؤلف هو من الموريسكيين المسلمين الذين اضطروا لإنكار الإسلام وإظهار النصرانية بسبب الخوف من محاكم التفتيش. وهو يتكلم حسب المقدمة بمنأى عن محاكم التفتيش، يجادل المسيحيين واليهود، ويستعرض من خلال ذلك ما فعله الأسبان بالمورسكيين، وظروف انتقال هؤلاء إلى شمال إفريقيا. بداية العلاقات الهولندية- العربية ويمكن اعتبار القرنين السادس عشر والسابع عشر اساسيين في تدشين أسس جديدة في العلاقات القائمة بين هولندا والعالم العربي، وبالأخص المغرب العربي. وقد شجع على مزيد من التقارب وجود عدو مشترك آنذاك، هو أسبانيا الكاثوليكية، التي طردت العرب من الاندلس، واضطهدت من يقي من المسلمين، والتي كانت في الوقت نفسه في حالة حرب مع الهولنديين. وصول الهولنديين إلى شاطيء شمال أفريقيا في أواخر القرن السادس عشر وبدايات القرن السابع عشر، ساعد الهولنديين على إجراء اتصالات مع الدول البربرية، كما يطلق عليها آنذاك، (الجزائروتونس والمغرب وطرابلس) وقد تبلورت في أول اتفاق هولندي –مغربي تم التوقيع عليه في لاهاي في 42 ديسمبر 1610، أي بعد عام من إرسال أول سفير مغربي الى هولندا. وقد تم بموجبه ضمان حرية ملاحة السفن التجارية والحربية الهولندية في المؤانيء المغربية مقابل السماح للسفن المغربية في الإبحار في الموانيء الهولندية. مساعٍ لاستعادة الأندلس كتاب (رحلة أفوقاي الأندلسي) يوثق أول رحلة لعربي مسلم الى هولندا، ويسجل انطباعاته ووصفه لبعض المدن الهولندية مثل لايدن ولاهاي وأمستردام ، إضافة الى مناظراته مع اليهود والمسيحيين". عن أهمية هذا الكتاب قال المدير العام للمركز العربي للأدب الجغرافي ارتياد الآفاق، الشاعر نوري الجراح في حديث لإذاعة هولندا العالمية: "أهمية هذا الكتاب أنه يسجل أقدم وصف لمدينة لاهاي كتب بالعربية. وقد طرد من بلاده من الأندلس وهو يسعى إلى العودة إلى الأندلس وتحريرها، وقد زار المغرب وتونسوالقاهرة بعد طرده مع الموريسكيين الذين تم تنصيرهم بالقوة وقد طلب دعما من احد علماء القاهرة لمناصرته في العودة إلى بلاده لكنه عاد خاسرا، فعاد الى تونس، ثم عاد الى المغرب وطلب من السلطان زيدان، دعما لإعادة الاندلسيين الى بلادهم، كما أنشغل بمحاورة الفرنسيين والهولنديين من اجل عرض قضيته وعلى هامش رحلته أجرى مناظرات عديدة، فحينما يحصل الصراع بين الثقافات على المصير آنذاك تنهض المناظرات، وهو خاض مناظرات مع أتباع الديانات الأخرى". الإصلاح الديني عن الدافع الأساس في رحلته الى هولندا والتي يسميها فلنضس على ضوء التسمية اللاتينية الشائعة حينذاك Flandes، (وهي التسمية التي تطلق حاليا على الأقاليم البلجيكية الناطقة بالهولندية) كتب أفوقاي الأندلسي: "نمشي إلى فلنضس، لأنهم لا يضرون المسلمين، بل يحسنون إليهم".على أن هذه الإشادة بحسن معاملة الهولنديين لا تقتصر على المسلمين وإنما تشمل اليهود الذين يمتعون بحرية دينية لا مثيل لها في جميع البلدان الأوربية. وتزامنت زيارة الحجري الأندلسي إلى هولند مع صعود حركة الإصلاح الديني، وانتشارها في هولندا، ويكتب عن ذلك: "وبعد أن ظهر في تلك البلاد رجل عالم عندهم يسمى بلُطْرِي[Luther.]، وعالم آخر يسمى بقَلْبِن [Calvin] ، وكتب كل واحد منهما ما ظهر له في دين النصارى من التحريف، والخروج عن دين سيدنا عيسى، والإنجيل، وأن البابا برومة يضلون الناس بعبادة الأصنام، وبما يزيدون في الدين، بمنع القسيسين، والرهبان من التزويج، وغير ذلك كثير. ودخل في هذا المذهب جميع أهل فلنضس" في إشارة إلى اعتناق البروتستانتية من قبل أغلبية الهولنديين. زيارة لاهاي وعن زيارته لمدينة لاهاي التي يسميها "الهاية" كتب أفوقاي: "ثم مشينا من مدينة ليذا (ليدن) إلى مدينة الَهَايَهْ( لاهاي)، فيها دار أميرهم، والديوان. والتقيت هنالك برسول الأمير. كنت عرفته بمراكش، وكان شاكراً إلي كثيراً على ما وقفت معه في سجنه حتى خلصته منه." وتطرق الحجري الى قيام الهولنديين بتحرير 300 من المسلمين ممن احتجزهم الأسبان في السفن، وقام الهولنديون بارسالهم الى المغرب كهدية تصب في تحسين العلاقات.. الإعجاب بمسترضام ويصف أفوقاي الأندلسي أمستردام على النحو التالي: "ولما أن بلغنا إلى مدينة مسترضام، رأيت العجب في حسن بنيانها، ونقائها، وكثرة مخلوقاتها، تكاد أن تكون في العمارة مثل مدينة بريش بفرنجة (يقصد باريس) ولم تكن في الدنيا مدينة بكثرة السفن مثلها. قيل أن في جميع سفنها، صغاراً وكباراً، ستة آلاف سفينة. وأما الديار، كل واحدة مرسومة، ومزوقة من أعلاها إلى أسفلها بالألوان العجيبة. ولن تشبه واحدة أخرى في صنع رقمها. والأزقة كلها بالأحجار المنبتة. والتقيت بمن رأى بلاد المشرق، وبلاد الصقالبة، ورومة، وغيرها من بلاد الدنيا. قال لي إنه ما رأى مثلها في الزين والملاحة." تقرير: محمد الأمين-إذاعة هولندا العالمية تاريخ النشر : 1 August 2010 - 1:01pm