لندن:لم يتضح بعد موقف الرئيس الامريكي باراك اوباما من الجدل حول بناء مسجد قرب منطقة التفجيرات عام 2001 والمعروفة بارض الصفر. ففي خطابه في حفل افطار اقامه في البيت الابيض يوم الجمعة، لممثلي المسلمين في امريكا اكد على احقية المسلمين في بناء مساجد لهم في اي مكان شاؤوا وهو الحق الذي قال بعد يوم واحد وعندما واجه نقدا من قواعد حزبه الديمقراطي انه قانوني ولا يعني دعما لبناء مسجد في مكان معين مثل منطقة التفجيرات التي يعارضها قطاع من اليمين الامريكي ويشن حملة عليها ادت الى ولادة ظاهرة واسعة من العداء للمسلمين ليس ضد بناء المسجد في المنطقة المعينة ولكن في اماكن اخرى من امريكا، حيث يتحالف اليمين الامريكي المؤيد لاسرائيل مع اشخاص يقدمون انفسهم على انهم مسلمون سابقون يحذرون من خطر انتشار الاسلام وبناء المساجد تحديدا التي يقولون انها تستخدم كمراكز لتخريج الجهاديين وتخزين السلاح للقيام بعمليات ارهابية. ولاحظ كتاب اعمدة في الصحف الامريكية ان الرئيس الامريكي ترك العاصمة والجدل يدور حول خطابه وهرب مع ابنته ساشا لقضاء نهاية الاسبوع للسباحة في فلوريدا. لكن لهجة الرئيس الامريكي هي التي تسببت في الجدال ومنحت الطرفين نوعا من الامل او الدعم المراوغ فمن جهة لم يعارض حق المسلمين في بناء اماكن للعبادة الدينية وهو حق يضمنه الدستور لاي جماعة دينية في امريكا ومن جهة اخرى حاول ابعاد نفسه عن الجدل بالاقتراح انه لم يعن بناء المسجد في المكان المعين. وخرج اوباما وهو في عطلته بلغة جديدة فهم منها النقاد لخطاب اوباما انها تراجع عن دعمه لمخطط الذي تحول النقاش حوله الى قضية قومية. ففي خطاب اوباما امام قادة المسلمين اعتبر ان منع بناء المسلمين من بناء مسجدهم يعني خرقا لمبدأ اساسي ينص عليه الدستور وقال 'دعوني اكون واضحا، كمواطن ورئيس اعتقد ان المسلمين لهم الحق مثل غيرهم لممارسة شعائرهم الدينية، وهذا يشمل بناء مراكز العبادة على ملك خاص في منهاتن (مكان المسجد المقترح)، هذه امريكا ويجب ان لا يتزعزع ايماننا بالحرية الدينية'. ولكنه عاد ووضح موقفه مما خلط كل الاوراق قائلا ان ما جاء في حديثه ليس دعما او التزاما من جانبه ولكن تعليقا على حق، مؤكدا انه لن يعلق على حكمة بناء المسجد في المكان المعين. وعلى الرغم من حذر الرئيس اوباما وتأكيده على السياق القانوني للنقاش الا ان معارضيه الاقوياء من الحزب الجمهوري وجدوا فيها فرصة للهجوم عليه. وفي الوقت الذي يحضر فيه الحزبان لانتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) النصفية فيتوقع الجمهوريون ان تتحول قضية بناء المسجد الى واحدة من قضايا الحملات الانتخابية الساخنة. وينبع الجدل من خطة قدمتها 'مبادرة قرطبة' وهي مؤسسة غير ربحية لبناء مركز اسلامي مكون من جناحين ويشتمل على 13 طابقا بكلفة 13 مليون دولار امريكي وتشمل قاعة للصلاة وقاعة تذكارية لضحايا ايلول (سبتمبر) وذلك في في الجانب الشمالي الشرقي لمنطقة الصفر. وعلى الرغم من تأكيد القائمين على المشروع وداعميهم من ان المشروع يهدف الى تعزيز الحوار والتسامح الديني الا ان المعارضين يرون فيه اهانة وجرحا لذكرى 3 الاف من ضحايا الهجمات. ومع هذا الجدل الدائر فان تصريحات عائلات واقارب قتلى الهجمات تبدو متناقضة فهناك من يتهم اوباما بانه تخلى عن امريكا في المكان الذي استهدف فيها قلبها. فيما قال اخر ان المركز هو بمثابة 'تكريم مناسب' ومكان سيساعد على التسامح والتفاهم ويقدم صوتا للاسلام بحاجة الى قطاع واسع من المستمعين. وتقول المنظمة التي حصلت على موافقة بلدية نيويورك في 2 آب (اغسطس) ان المكان لا يمكن رؤيته من مدخل منطقة الهجمات ويشير مراقبون الى ان محور المكان يحتوي اضافة لمسجدين على ناد للتعري. وما ادى الى اثارة النقاش حول المشروع الذي لقي دعما من عمدة نيويورك مايكل بلومبيرغ ان قصته تحولت لجدل فيه من السياسي حول الانتخابات النصفية الى الثقافي وموقع المسلمين من الحياة الامريكية وضرورة تقبلهم القيم الامريكية ذات المحتوى المسيحي اليهودي حتى يمكن اعتبارهم امريكيين خلص. وفوق هذا الجدال اصبحت قصة المسجد محورا دائما في محطات التلفزة والاذاعة الامريكية وما اكثرها، وفيها من المحطات التي لا تتورع عن اتهام اوباما بانه مسلم بالسر وانه مولود في الخارج مما يعني انه رئيس غير شرعي وتتبنى هذه المحطات نظريات المؤامرة. وحتى المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الجمهوري سارة بالين اخترعت كلمة ودخلت الجدل عندما طالبت المسلمين بمعارضة بناء المسجد. كما استغل اليمين الامريكي الفرصة حيث اعلنت كنيسة عن مناسبة 'لحرق نسخ القرآن' في مكان الهجمات. وتبادل النواب الجمهوريون الاتهامات عندما وصف زعيم الاقلية الجمهورية في الكونغرس دعم حزبه لبناء المسجد بالمخزي. فيما حذر السناتور عن تكساس جون كورنين، رئيس لجنة النواب الجمهوريين اوباما من انه سيدفع الثمن في انتخابات نوفمبر واتهمه بانه منقطع عن التيار العام من الشعب الامريكي. وجاء في تعليق كتبه نائب سابق عن تكساس في موقع بولتيكو ان لهجة اوباما في حفل الافطار بدت بدرجة كبيرة كلهجة سياسي واقل كلهجة استاذ في كلية للقانون وحذر من انها لن تساعد الحزب في الانتخابات النصفية. البعد الايديولوجي ولكن النقاش حول حق المسلمين المضمن بالدستور يجب حسب نظر محللين ان لا تغطيه حقيقة طبيعة الثقافة الامريكية الانكلو سكسونية والقائمة على المبادئ المسيحية اليهودية. ففي الوقت الذي يضمن في الدستور الحرية لكل القادمين بممارسة شعائرهم الا ان هناك امريكا اخرى غير المضمنة بالدستور، تتكلم الانكليزية وليس العربية او الصينية ولا الاسبانية وتؤمن بالمسيحية واليهودية وتتوقع من اي قادم احترام المبادئ التي يقوم عليها مجتمع الغالبية المسيحية والاقلية اليهودية.وبحسب مقال في 'نيويورك تايمز' فامريكا الدستور وامريكا الثقافية كانتا في تصارع عبر التاريخ وعاد الامر للعلن كما يقول روس جودهوت كاتب المقال في الجدل حول مسجد 'منطقة الصفر'. فامريكا الاولى ترى فيه تعبيرا عن حقوق الدستور او بحسب اوباما 'هذه امريكا' لكن امريكا الثانية تخالفه ومايكل بلومبيرغ عمدة نيويورك الذي دعم المشروع، فهي ترى في الاسلام القادم الجديد خطرا على ثقافتها لانه متناقض معها اضافة الى انه اهانة (اي المسجد) لضحايا الهجمات. وقارن الكاتب بين كلا الامريكتين تلك التي ترحب وتلك التي تطالب ويحاول تطبيقه على مسلمي امريكا اليوم مركزا حديثه على فيصل عبدالرؤوف، الامام الذي يقف وراء الفكرة فهو معتدل بالمقاييس الدولية ولكن ليس بالشروط الامريكية، ويتهم الكاتب قادة المسلمين بان لديهم افكارا كبيرة ومواقف غامضة خاصة عندما يتعلق الامر بسياسة امريكا الخارجية ومنظمات مثل حماس. وبدلا من المشاريع الكبيرة فما يحتاجه مسلمو امريكا قادة يحملون 'انتينات' حساسة تعرفA كيف توجه الموجات وتتخلى عن مشاريع كبيرة لا تأخذ بعين الاعتبار حساسية الضحايا ولا تخدم الحوار الديني في مكان ارتكبت فيه جريمة كبيرة باسم الاسلام. ومثلما اكد هذا الكاتب على الفرق بين امريكا وامريكا اكد مايكل غيرسون في 'واشنطن بوست' على وجود فرق بين اوباما الجمعة واوباما السبت، فمن ناحية اكد اوباما في خطابه على واجبه كرئيس يحمي حقوق مواطنيه من اية ملة او جنس ومن ناحية اخرى جاءت تصريحاته بعد يوم كي يدافع عن نفسه امام ناقديه ويحذر الكاتب من ان الذين يطالبون اوباما باتخاذ موقف حاسم من بناء مركز الى جانب منطقة الصفر يطالبونه بالتخلي عن اولويات الاستراتيجية الامريكية لمحاربة الارهاب لان اي حرب على الاسلام ستجعل من الحرب على الارهاب امرا مستحيلا. جالية قليلة ومساجد اقل كل هذا الجدل مع ان عدد المساجد كلها في امريكا لا يزيد عن 1900 معظمها مؤقتة، وتخدم اقلية مسلمة لا يزيد عددها عن 7 ملايين نسمة فيما ترفع دراسات اخرى الرقم الى 16 مليونا ومن بين كل خمسة مسلمين هناك واحد اعتنق الاسلام من ديانات اخرى. ويشار الى ان ادميرالا في البحرية المغربية من اصل هولندي اسمه انتوني جانسزون فان سالي كان من اوائل من استوطنوا في بروكلين- نيويورك في القرن السابع عشر، وكان من اوائل المسلمين.