عاجل/ التشكيلة المحتملة للترجي أمام صانداونز    حجز مخدرات وضبط مروّجيها بمحيط مؤسسات تربوية في هذه المناطق    جلسة بين وزارة الصناعة وشركة صينية لتعزيز استخراج الفسفاط    رسميا: زياد التلمساني يودع ترشحه لإنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم    رئيس جمعية القضاة يتّهم وزارة العدل بالتنكيل به    تايوان ترصد 21 طائرة عسكرية صينية حول الجزيرة    أداة ذكاء اصطناعي تحول صورة ومقطعا صوتيا ل"وجه ناطق" بتوقيع مايكروسوفت    الامارات: بن زايد يكرّم تونسية ساهمت في إنقاذ 8 اشخاص من حريق    تونس: "لم نتفاجئ من فشل مجلس الامن في إقرار عضوية فلسطين بالامم المتحدة"    اليوم غلق باب الترشحات لإنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم    خطير/ العالم الهولندي يحذّر من مشروع لحجب الشمس.. يدعمه بيل غيتس!!    القصرين: وفاة 4 أشخاص وإصابة 4 آخرين في إصطدام سيارة نقل ريفي بشاحنة    رئيس الإمارات يكرّم فتاة تونسية قامت بعمل بُطولي    بطولة إفريقيا للتنس: التونسيتان لميس حواص ونادين الحمروني تتوجان بلقب الزوجي    دراسة تكشف أصول "القهوة الصباحية".. كم عمرها؟    جندوبة: انطلاق بناء مدرسة اعدادية بجاء بالله طبرقة    يساهم ب 16% في الناتج المحلي: الاقتصاد الأزرق رافد حيوي للتنمية    قفصة : الاعدادية النموذجية تتحصل على أفضل عمل متكامل    عاجل/ إضراب مرتقب في قطاع المحروقات.. وهذا موعده    شملت شخصيات من تونس..انتهاء المرافعات في قضية "أوراق بنما"    جبنيانة: حجز 72 طنا من الأمونيتر    هيئة الدّفاع عن المعتقلين السّياسيّين: خيّام التركي محتجز قسريا وهذه خطواتنا القادمة    طقس السبت: رياح قوية والحرارة بين 18 و28 درجة    عاجل/ إتحاد الفلاحة: "تدهور منظومات الإنتاج في كامل البلاد"    غارة جوية تستهدف موقعا عسكريا لقوات الحشد الشعبي في العراق    يستقطب قرابة نصف اليد العاملة.. مساع مكثفة لإدماج القطاع الموازي    منظمة الصحة العالمية تعتمد لقاحا جديدا عن طريق الفم ضد الكوليرا    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    القصرين: تلميذ يطعن زميليْه في حافلة للنقل المدرسي    أبرز مباريات اليوم الجمعة.    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    رابطة ابطال افريقيا (ذهاب نصف النهائي) : الترجي الرياضي يواجه صان داونز بحثا عن تعبيد الطريق الى النهائي    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    برج السدرية: انزلاق حافلة تقل سياحا من جنسيات مختلفة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطاقة معايدة متمردة : الشيخ خالد مهنا
نشر في الفجر نيوز يوم 17 - 08 - 2010

هذا المساء أعتذر إليكم لأني قادم إليكم مخالفاً للرأي السائد والمعتقد..
أجيء إليكم مكسور المشاعر كالإناء لأسألكم:
ما بالها كل عام وانتم بخير تنطق بها كل الشفاه؟
ما بال صحفنا ومجلاتنا وقنواتنا وهي ترفع تهانيها للأمة في المناسبات توقع تهانيها بمثل هذه ألتغيصة؟ ومع كل عيد تتسابق الإعلانات لترفع التهاني والتبريكات....
لا تنظروا إلي هكذا باندهاش وكأنني من كوكب المريخ آتٍ..
عفوا إذا اذا نغت علكم، لكن طبيعتي تأبى التصنع والرياء فمتى ذاقت هذه الأمة معنى الخير حتى تهنئ به؟
هل كان الخير مصاحباً لنا قبل رمضان، فنستحق التهنئة؟..
منذ زمن طويل انفجر الخير... أعدم شنقاً.. أحرقوا أرضه واغتالوا أشجاره فأي خير نلبسه بعد احتراق جذوره وأغصانه وأوراقه؟؟
كل أمم الأرض اجتمعت حاملة خناجرها وطعنت غيوم الخير في مقتل فهل يمكن لامتنا ان تهنا بالمطر او يتسافط عليها القطر والندى والغيث؟..
وهل تهنئةُ عابره فيها الكثير من التكلف والتصنع ستصنعه؟
لقد أوقفوا الريح كي لا تمر على بغداد وفلسطين ولبنان وكل أقطار الأمة... صادروا أدوات الكتابة من الشعراء والكتاب والمبدعين....
وطننا يحترق من البحر إلى البحر فأي خير سيأتينا رعاكم الله، ألم يكن الأجدر بطوابير المهنئين أن يشيعوا جثمان هذا الرجاء ويستبدلوه برجاء آخر؟..
ويسألني المهنئ أي كلمات اكتبها لك بهذه الُمناسبه حتى أرمم الخطأ...
فيا ايها المهنئون إن كنتم ولا بد مصرون فإني لكن ناصح أمين..
بدل كل عام وانتم بخير فلتصبح ما كل عام وانتم ب شّرٍ..
***
منذ زمن طويل- نسينا تاريخه- إذا تكلم المواطن العربي والمسلم على الهاتف يدخل في الخط معه دراكيولا وهيتشكوك...و نحن لسنا طماعين .. كل ما نرجوه أن ينأى الشر عنا (وملحقين على الخير)..
منذ زمن بعيد وأنا أمشط صفحات التاريخ عبارة عبارة وصفحة صفحة ،وفاصلة فاصلة، ونقطة نقطة، فلا أرى بشرى خير قادمة في الطريق بل كل ما أراه يومياً قصف جوي للمدنيين وخيام جديدة للمشردين والمعذبين ، ولا أرى إلا مؤامرات تحبك هنا وهناك، وليس في الأُفق القريب ما يبشر أن المعتصم قادم.
نحن مجرد كذبة فعلى الأقل ليهنئنا الُمهنئ أن يبعد عنا شر أن نكون من الكذابين..
وطننا بدون نوافذ.. شوارعه هربت.. مصابيحه أطفأت، والسياسة عندنا وحدها مستنقع ...فماذا بعد أن التقت السياسة بالغباء، والبغاء، وكل الكلمات التي تحمل البشرى نستنشقها كبريتا، وليس هواء صافياً، فمن أين يأتينا الخير؟؟..
اللهم سلِمنا من الشر!!!..
منذ زمن بعيد لا يقال لنا في المناسبات والأعياد إلا هذه الكلمات الأربعة، ولم يأت الخير بل ازداد الشر تجذراً في واقعنا، الم يئن الأوان أن نجرب جملة أخرى.. فلربما من كثرة تكرارها _ تتدفق الأنهار من تحت الصخور الصماء..
ولربما في (ما كل عام وانتم ب شر) ،من هذا الخاتم الفيروزي الجديد يأتي المشمش الحموي والصفصاف والدفلى وعطر الجلنار...
***
منذ أعوام مديدة –نسيت عددها- كنا نعيش حالة هناء وصفاء ورغد ، ومنذ أصابنا داء الوهن والغثائية حاولنا مرارا وتكرارا أن نعود لسالف عهودنا الذهبية ولم ننل غير الفشل.... تسلقنا المشروع الوطني القومي على اعتبار انه مفرج الكروب فزحلقنا وتزحلقنا معه....تسلقنا المشروع الإسلامي الضيق...قشرنا ليمونه وبرتقاله فلم نحسن أن نطلع منه عصير أو ماء ...تحمسنا لوحدة عربية إسلامية ثم انفرط العقد فصرنا على بعضنا اشد باسا...تزوجنا عن حب ثم طلقنا، ويشهد الله أن امتنا لم تستحق شرف رفع التبريكات لها إلا حين تصرفت مع فلسطين تصرفا جميلا عكس مدى انتماءها وحبها لها، وانسجمت مع إيقاعها العام حتى بلغت بعزفها إلى ذروة التفاني والسمو ونكران الذات....وقد كانت سيمفونية فلسطين يومذاك أهم واكبر كل سمفونيات الدنيا، بل كانت هي الهم والعمل الوطني الوحيد الذي استطاع أن يصل إلى وجدان كل عربي ومسلم ويهزه من مرقده لان المقاومة الفلسطينية حينذاك كتبت بالحبر الأحمر نوتة هذه السمفونية ...
منذ عقود جاءت مناسبات وأعياد....جاءت رمضانات وأدبرت...جاءت أعياد الحب!!وغادرت..وأعياد الميلاد جاءت تحمل الأشجار المكسوة بالثلج ورحلت،وأعياد رأس السنة جاءت ووضعت المزامير والطراطير والبالونات ورحلت.. ومئات أعياد الأضحى جاءت وذبحت فيها الخراف السمينة واستراحت .جاءت أعياد ومناسبات ولم أعايد أحداً بالجملة المعهودة المألوفة الممجوجة،وشخصياً أؤمن أنني حين أقول لأي عربي"كل عام وانتم..." أشعر نفسي ضئيلاً جداً، بل أحس أنني أضع بين يديه نجاسة أو عصفوراً ميتاً أو أعطيه صكاً مالياً مزيفا بل أعطيه ملعقة سم....
بل وأكلمه فسوقاً، وأقدم بين يديه رشوة لشراء ذمته..
ألم نتعلم أن حين يكون تحت الاحتلال يخلق لنفسه -غصباً عنه -مصطلحات وأدبيات وغنائيات مختلفة؟.
من المعروف أن ألحان الأغاني في أي بلد هي انعكاس للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والجغرافي. فالبلاد التي يسودها جو بارد تكون الألحان فيها هادئة، أما البلدان الحارة فيطغى اللحن الصاخب على أغانيها كما نلاحظ ذلك في أغاني الشعوب الإفريقية.
وعندما يكون الوضع السياسي والاقتصادي حاداً يتميز بالصراعات السياسية والظلم الاجتماعي فإن الألحان تتسم بالحدة والسخط والحزن.
أما إذا كانت الشعوب تعيش حياة مرفهة فإنها تكون هادئة البال خالية من المشاكل والهموم اليومية فينعكس ذلك على نصوص وألحان الأغاني أيضاً حيث يزول النغم الحزين وتختفي الآهات والونّات والدمدمات والغصات.
((وتاريخ العراق يتميز بتفاعل الفرد مع الأحداث السياسية والاجتماعية، ويعود ذلك إلى الحس المرهف الذي يتميز به العراقيون. وقد ظل العراق ردحاً من الزمن عرضة للغزو الأجنبي، فقد جاء الاسكندر المقدوني بجيشه الجرار إلى بابل ثم تحول العراق فيما بعد إلى مستعمرة فارسية عام 538 قبل الميلاد عندما احتل قورش بابل، وقد ساعده اليهود في ذلك بأن أخذوا يرمون في الآبار الفئران، فانتشر الطاعون في مملكة بابل، حتى جاء الإسلام إلى العراق بقيادة المثنى بن الحارث سنة 16 هجرية، فكان عاملاً لتحرير العراق من الفرس وتأكيد الهوية العربية.
وعندما تأسس الحكم العباسي في العراق، إثر سقوط الدولة الأموية سنة 132 هجرية، توسعت مصالحه الاقتصادية وازدهرت التجارة ونشأت طبقة تجارية كبيرة، وذاق الخلفاء والأثرياء لذة الحياة المرفهة، فكان لابد من الدفاع عن هذه المصالح الذاتية إزاء أي نقد أو معارضة خوفاً من أن تتضرر هذه المصالح. وعندما تغلغل الأتراك والفرس في المجتمع العباسي اضطربت الأمور، وكان الخلفاء يتآمرون بعضهم على البعض؛ فمثلاً أحد الخلفاء مات مسموماً بعد أن دست الجارية في طعامه السم لقاء رشوة معينة. وقد أمر الأتراك أحد الخلفاء بالوقوف حافياً على الرمل في سامراء في شهر تموز الذي تبلغ درجة حرارته 50 درجة مئوية فمات في الحال.
وكان الخليفة العباسي لا يسمح لأحد بانتقاد سياسته وأسلوب الترف والبذخ المفرط ورغم أن رقعة الخلافة كانت واسعة، وأغلب الأموال كانت تتدفق على بيت المال والمجتمع البغدادي، إلاّ أن الثروة لم توزع بصورة عادلة؛ فرغم هذا الثراء كانت بغداد حينذاك تعج بالمتسولين والمشردين واللصوص، حتى أن اللصوص كانوا يدفعون لرئيس الشرطة في بغداد الرشوة لقاء السماح لهم بالسرقة من منطقة معينة. وأضحت حياة الناس مهددة بصورة متواصلة حيث كان اللصوص يدخلون على الناس في البيوت وبيدهم المشاعل. وقد أدى ذلك إلى مآس عصفت بكثير من الأبرياء فاحتدم مرجل الغضب، وكان الناس يعيشون في رعب وخوف مستمرين. أضف إلى ذلك أن رجال الشرطة السرية كانوا ينتشرون في مقاهي بغداد وحاناتها ومواخيرها، وكانوا يقتادون من يتهجم على الخليفة إلى مدير الشرطة فيعطي أمره بتنفيذ حكم الموت في الضحية ويقتاد الشرطة الشخص إلى ساحة متحف (الكلة خانة).
وكلمة كلة كلمة فارسية تعني رأس وكان يقع على نهر دجلة في مكان أورزدي باك الحالي في شارع الرشيد ببغداد وتوثق يداه من الخلف ويبدأ الجلاد بسلخ جلد الوجه ويصرخ المسكين من الألم والناس حوله يبكون ويطلب من الجلاد أن يرأف به ويجيبه الجلاد باللهجة البغدادية قائلاً: "بعدين آني يسلخوني امبدالك.." ثم يقطع الجلاد رأسه ويعلق في الأذن اليمنى قطعة معدنية يختم فيها اسمه وتاريخ إعدامه ثم يحنط الرأس ويوضع في المتحف المشار إليه، وقد أشار إلى ذلك أيضاً الرحالة العربي ابن بطوطة أثناء زيارته لبغداد.
وقد كان هذا المتحف مصدر رعب وخوف للبغداديين، فكانوا يتحاشون المرور أمامه، وكان هذا المتحف أحد الأجهزة القمعية في العهد العباسي.
وفي القرن الثالث الهجري أيام خلافة المتوكل ابتكر وزيره محمد بن عبد الملك الزيات أداة جديدة للبطش بالناس والتلذذ بتعذيبهم فقد صنع قفصاً يشبه التنور، وكان يقول "الرحمة ضعف"، وعندما كان يمر أحد الناس من أمام داره ويسمعه يردد "ربي رحمتك" يأمر حراسه بالقبض عليه ويقول له لقد جئت في الوقت المناسب، فيأمر حرسه بوضعه في القفص ويطعنه الحراس بحرابهم من جميع فتحات القفص فيصرخ صرخات الموت ويسلم روحه إلى ربه.
وإزاء هذه الأعمال القمعية في إرهاب الناس دب الخوف والرعب في النفوس من جيل لآخر. فكان البغداديون يعلنون بسرعة تأييدهم للخليفة الجديد تحاشياً لشره وتملقاً له، ومن هنا زرعت أولى بذور الانتهازية عند الناس بسبب الخوف وانعدام العدل. وقد انعكس هذا الوضع على الأغاني نصاً ولحناً فأضحى نص الأغنية يتحدث عن آلام الناس لفقد عزيز لهم أو نواح امرأة على زوجها الذي أعدمه الخليفة أو سجن أخ أو زوج لعدة سنوات أو هروبه إلى ديار بعيدة خوفاً من ملاحقة جواسيس الخليفة له.
وكانت الأغاني تعكس أحلام الناس في الحرية والعدل كما تعبر عن الحرمان والبؤس الاجتماعي. كان الفساد قد نخر في جسم الخلافة العباسية وكان آخر الخلفاء، وهو المستعصم بالله، نموذجاً لهذا الفساد والغباء والجشع والعزلة عن الشعب، فعندما هدد هولاكو بغداد جاءه وزراؤه وأخبروه بذلك فقال لهم "لا يهمني ذلك إذا ما ضمن لي هولاكو قصوري وجواهري وأموالي.." ودخل هولاكو بغداد فوجد شعباً سلبياً منفصم الشخصية لأن الشعب المظلوم لا يستطيع الدفاع عن تراب الوطن. وكان البغداديون يعانون من عقدة الخوف والرعب، ووجد هولاكو الخليفة جالساً في غرفة بيت المال وهو يتطلع بشراهة إلى أكياس الذهب فقال له ساخراً لماذا لم تصنع من الأبواب الحديدية الرماح والسيوف لتقاتلني؟ ولماذا لم تقابلني عند الضفة الأخرى لنهر(جيحون) فقد كنت قادراً على دحري؟ وطلب هولاكو من الحرس والجنود أن يسجنوه لمدة ثلاثة أيام بدون طعام، ثم أتاه بصحن مملوء بالذهب وقال له "الآن أدركت بنفسك بأن الذهب لا يؤكل.." وروى ابن الأثير في كتابه البداية والنهاية بأن أحد المغول دخل بيتاً في بغداد فوجد فيه 17 شخصاً وطلب منهم أن يستديروا بوجوههم إلى الجدار ثم ذهب إلى الحجرة التي وضع فيها هؤلاء نساءهم ليختار أجمل امرأة ويعتدي عليها، ونظر أحد هؤلاء الرجال إلى الجندي المغولي فوجده لا يحمل سلاحاً وقال لزملائه إنه بدون سلاح فلماذا لا ننهال عليه ضرباً ونقتله؟ فأجابه زملاؤه: نخاف!
وخلال السيطرة العثمانية على العراق التي استمرت من عام 1534 حتى 1917ميلادية لم يطرأ أي تغيير على الحياة الاجتماعية، بل العكس. فقد زاد هؤلاء الطين بلة، وتفشت الرشوة وعم البلاد الفساد، وطغى الظلم، لأن منصب الوالي ينحصر في استرجاع ما دفعه للسلطان من رشوة ثم إرضاء السلطان بإرسال أكبر مبلغ من الضرائب السنوية. وكان لابد للوالي أن يجمع ثروة كبيرة له ولعائلته تحسباً للمستقبل.
وقد خرج العراقيون من احتلال ليدخلوا في احتلال ليدخلوا في احتلال آخر، وخلال فترة الحكم التركي حاول الفرس احتلال بغداد 7 مرات وكانوا يطوقون بغداد لعدة أشهر حتى أن السكان كانوا يأكلون الحمير والكلاب، ولكن صلابة أهل بغداد كانت قوية وتجلت الوحدة الوطنية حينذاك؛ فقد كان اللصوص والمشردون يقفون مع علماء الدين والجنود في خندق واحد.
وإلى جانب هذه الحملات فإن بغداد تعرضت إلى كثير من الأوبئة مثل اجتياح الكوليرا والطاعون والفيضانات والجفاف. وأثناء انتشار الكوليرا عام 1830 كان يموت من أهالي بغداد ألف شخص كل يوم، ولم تتسع المقابر لدفنهم. وكان الدفانون يرمون بالجثث في نهر دجلة. لقد كانت معاناة أهل العراق متنوعة ومتعددة فمن أوبئة إلى حروب إلى سيطرة أجنبية ثم إلى احتلال فحرمان وبؤس في جميع مظاهر الحياة. وكان الفقراء في العهد العباسي ينامون مع البيض ليفقس ليتمكنوا من تناول اللحم.
ومن هنا نستطيع أن نعرف لماذا بدأت الأغاني تتسم بطابع مميز، فقد ساعدت تراكمات الظلم والقهر وغياب العدل والحرية على إضفاء الحزن على الأغاني حيث كان العراقيون يعبرون عن ذلك في أغانيهم، فالأغنية العراقية تجسيد لمعاناة العراقيين؛ فهي سلوى وعزاء الإنسان. وقد كانت ألحان الأغاني حزينة دائماً وحتى يومنا هذا، ويستدر نص الأغنية مع اللحن الحزين الدموع من عيون الناس وهذه نماذج من بعض الأغاني:
أويلي يابه.. آخ كم آخ أكول..
أوف أوف يا ويلي الدهر خان بيّه يا أبو ناصر..
على الراح أبكي على الراح.. للحمزة رايح يا بويه للحمزة رايح..
لذبح ذبايح يا بويه لذبح ذبائح..
وتتحدث بعض الأغاني عن معاناة المرأة في العمارة في جنوب العراق في الثلاثينات فتقول:
ساعه وكسر المجرشة وانعل أبو راعيها..
ذبيت روحي على الجرش ثاري الجرش ياذيها..
هم هاي دنيا وتنقضي وحساب أكو تاليها..
ثم تقول إحدى الأغاني:
أويلي معلم على الصكعات قلبي..
أي أن قلبي تعلم على ضربات القدر.
وجميع المقامات والعبوديات وأغاني الدشت والمربع القديمة يطغى عليها اللحن الحزين وتبدأ ب "أوف يابه يا ويلي." أو "كم آخ أقول وكم أُوف أشهق".
وتقول إحدى الأغاني:
آخ يا أبو ناصر..
أي جئت اطلب نخوتك.
وتعبر الأغنية العراقية عن مقت الناس للحياة، وتقول إحدى الأغاني التي يستدر لحنها البكاء:
يومه يا يومه جبتيني للضيم..
أي لماذا ولدتيني يا أمي؟ فحياتي كلها حزن.
وآخر أغنية قبل سنوات تغنيها المطربة العراقية نادية عبد الوهاب، التي غيرت اسمها إلى أنوار عبد الوهاب، تقول:
عد وآني أعد وياك..
ياهو أكثر هموم من عمري سبع سنين وقليبي مهموم..
ويجد الإنسان العراقي في هذه الأغاني والألحان الحزينة وسيلة للتنفيس عن مكنون صدره ولواعج قلبه، وكواظم نفسه، وكوابت عواطفه. ويشعر العراقي أثناء سماعه لهذه الأغاني بالراحة النفسية، فالأغنية العراقية الحزينة تنقذ الإنسان العراقي من التمزق النفسي، لأنه يحمل في نفسه عبر أجيال عديدة ترسبات عهود القهر والكبت والظلم والبطش والقمع واختفاء العدل وغياب الحرية، فالإنسان العراقي يحلم من خلال سماعه لهذه الأغاني بالحرية وينفس من خلالها عن كبته العاطفي والاجتماعي، فهو يشعر بالارتياح النفسي، فهي خير علاج نفسي للعراقيين؛ ولذلك يستحيل أن تنجح أغنية في العراق يطغى عليها اللحن المفرح، فالألحان والأنغام الحزينة من خصائص الأغنية العراقية لأن تاريخ العراق مليء بالآلام والأحزان والقهر الاجتماعي.
وأغلب الظن أن التحولات الاجتماعية التي ستطرأ على المجتمع العراقي في المستقبل ستكون كفيلة بإحداث تغيير في نصوص وألحان الأغاني العراقية، وهذا منوط بالتطور السياسي والاقتصادي. وقد عمقت الحرب العراقية- الإيرانية جراح العراقيين وسيظل الناس يبكون موتاهم لسنين طويلة.
ومهما يكن من أمر فإن الطابع الحزين والمأساوي للأغنية العراقية سيظل هو المميز للأغنية العراقية، فالإنسان العراقي يطهر من خلالها عواطفه المكبوتة لأنها الوسيلة الوحيدة لذلك، وقد كانت أمهاتنا في العراق يشتركن في المأتم على أرواح الموتى، الذي يطلق عليه "عزه"، ولا زال هذا التقليد سارياً. وبدون معرفة مسبقة مع أهل المتوفى تدخل المرأة العراقية البيت فتبكي مع الباكيات، وتلطم مع اللاطمات، وهي بذلك تبكي مصيرها وموتاها، وتعبر عن همومها، وتنفس عن كبتها، فنراها ترتاح لذلك لفترة قصيرة كما يحدث مع المشاهدين للمسرحيات المأساوية (التراجيديا).
فهل يا ترى يستطيع الملحن العراقي اليوم أن يتحدى الذوق العام ويلحن للجمهور أنغاماً تطغي عليها البهجة والتفاؤل والأمل والفرح؟)) وهل يستطيع الشاعر والملحن الفلسطيني ان يعلن العصيان على الذوق العام؟...
*****
إذا كان الأمر لا يتصور فإننا وكشعوب مستعبده ومحتلة ومقهورة يجب أن تكون لغتنا هي الأخرى تحت الاحتلال والاستعباد،وبالتالي لا يجوز "ولا يمكن أن تكون المفردات راقصات باليه" حين يكون الوطن مذبوحاً من الوريد إلى الوريد،وتكون أشجار هذا الوطن مجبرة أن تقدم بياناً يومياً بعدد أوراقها.. وعدد أغصانها.. إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي.....
"كل عام وأنتم....."
إنها أشبه بدعوة مني لرقصة باليه ولا يمكنني أن أرتكب مثل هذه الحماقة اللغوية ولو تجاوزا حين لا أنا بخير، ولا أنت بخير، ولا الأشجار والعصافير والورود بخير.
من منكم يقبل أن تكون له مرادفات لغوية ولغة وأدبيات وذوقيات منفصلة عن واقعه ومنفصلة عن لحم الأرض،فلكل لكلام جنسية،ومن المستحيل عليّ أن أتصور لغة لا تبكي.. ولا تحزن،ولا تدافع عن نفسها بشكل من الأشكال اذا كان الجو العام المحيط بها مبكيا ؟.
ولأنه من المستحيل عليّ أن أتصور لغة تفقد ذاكرتها الوطنية فإن أسوأ ما يمكن أن نمر به من انحطاط خطابي وسلوكي أن نقبل بانفصال لغة القرآن عن نفسها لتصبح لغة سوقية مبتذلة وحرفة من الحرف تفقدها حواسها الخمس وتفقدها القدرة على الفعل والانفعال..
إنني كإنسان واقع تحت الاحتلال مع اللغة والخطاب الذي يحتفظ بقدرته على الصراخ والمشاكسة والصخب والمعارضة،ولغتنا ولهجة خطابنا في هذه المرحلة الساخنة من حياتنا يجب أن تكون متوترة وعصبية وغاضبة جداً جداً ومتحفزة كنمر..
واحتلال إسرائيل وأمريكا لأرضنا يجب أن يكون حافزاً لنا لتكوين لغة ثورية جديدة تكون بحجم ما نألم وبحجم العدوان الواقع علينا.. لغة مقاتلة تكتسب مفرداتها من الصدام اليومي،لغة تكون طوال ساعات النهار والليل في أقصى حالات الاستنفار والتأهب.... لغة تحمل بارودتها على كتفها.. وتقوم بنوبات حراسة على طول شواطئ هذا الوطن..وعلى رؤوس جباله...
منذ احتلت فلسطين والعراق وغير العرب جلودهم حين سكنهم الجن الأمريكي والأوروبي فصاروا طوعا له وعبيدا لم يعد في حياتنا الشخصية، او مرادفاتنا اللغوية وقت للتبرج وتكحيل العيون، ووضع الزعفران على الجباه، وتركيب رموش اصطناعية للألسنة....
ما كل عام وانتم بِ همّ...
ما كل عام وانتم وانتم بكرب..
هذه هي بطاقة التهنئة التي نرفعها للعرب والمسلمين في مناسباتنا ،وكل عام وغزة وبغداد وكابول وهي مرابطة...
كل عام وانتم في حلوق العدا رابضون كالصبار ...كقطع الزجاج... هذه هي بطاقة التهنئة الحقيقية التي نعلقها على صدور منكوبي العصر في غياب الوحدة العربية ....
والى امة المليارد ونصف نقول: موعدنا وإياكم مع بطاقة تهنئه لائقة ومستحقة سيكون ساعة تحصلوا على عضوية (مجتمع القلب الواحد).
*رئيس الدائرة ألإعلاميه في الحركة الإسلامية القطرية
الداخل الفلسطيني رئيس الحركة الإسلامية في أم الفحم والضواحي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.