اتخذت السلطات السورية في الآونة الأخيرة إجراءات قوية لتقليص دور الشخصيات والجماعات الإسلامية في الحياة العامة واستهدفت في ذلك المساجد والجامعات العامة وكذلك المنظمات الخيرية.هذا ما جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز قالت فيه إن تلك الحملة تجلت في عدة أمور، إذ طلبت الحكومة من الأئمة تسجيل خطب الجمعة واتخذت إجراءات رقابية مشددة على المدارس الدينية، كما أصدرت تعليمات لجماعة إسلامية نسوية بالحد من أنشطتها الدعوية التي تشمل الوعظ وتدريس الشريعة الإسلامية. وفي وقت سابق من الصيف الحالي، قامت السلطات السورية بتحويل 1000 مدرسة يلبسن النقاب إلى وظائف إدارية. واختارت الصحيفة لعنوان هذا التقرير: "سوريا تتحرك لتقليص نفوذ المسلمين المحافظين", وجاء فيه: يصر المسؤولون السوريون على أن هذه الحملة التي بدأت عام 2008 وزادت قوتها خلال الصيف الحالي هي محاولة من الرئيس السوري بشار الأسد للتأكيد على العلمانية التقليدية لسوريا في وجه التهديدات المتزايدة للجماعات المتطرفة في المنطقة. ويعد هذا تحولا كبيرا في السياسة السورية التي دأبت منذ سنوات عدة على تجاهل تصاعد نفوذ المحافظين، كما يضع الحكومة في خط يبدو متناقضا مع سياستها المؤيدة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتنظيم حزب الله اللبناني. غير أن المسؤولين السوريين يؤكدون أن الحملة الحالية تأتي نتيجة نزعات وتوجهات محلية مقلقة ولا تأثير لها على الدعم الذي تقدمه سوريا لتلك الجماعات. ورغم أن هؤلاء المسؤولين تحدثوا باعتزاز عن حملة العلمانية الحالية، فإنهم ضنوا بالكشف عن تفاصيلها. قضايا ملحة ويرى بعض المحللين السوريين في هذه الحملة محاولة انفتاح أوسع على الولاياتالمتحدة الأميركية والدول الأوروبية، التي ما فتئت تغازل سوريا ضمن إستراتيجيتها لعزل إيران وكبح جماح حماس وحزب الله. ويقول المدافعون عن حقوق الإنسان إن هذه السياسة تسلط الضوء على قضايا مثيرة للقلق وملحة كالسجن التعسفي للإسلاميين والاستمرار في منعهم من أي فضاء سياسي (يمكنهم التحرك ضمنه). وكانت الضغوط على المسلمين المحافظين قد بدأت بشكل فعلي بعد انفجار سيارة مفخخة في العاصمة السورية، دمشق عام 2008, أودى بحياة 15 شخصا. وقد أنحت السلطات السورية بالمسؤولية عن هذا الانفجار على مجموعة فتح الإسلام المتشددة. وحسب المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية بيتر هارلينغ فإن تلك العملية مثلت المحفز الأول على استهداف الإسلاميين، مشيرا إلى أن النظام السوري قرر بعد فترة من مجاملة الإسلاميين أن يتصدى لهم بحملة قمعية بعد أن أدرك مدى التحدي الذي تمثله بالنسبة له أسلمة المجتمع السوري. مخاطر وأثار قرار الحكومة هذا الصيف منع المنقبات من التسجيل في الجامعات لغطًا داخل المجتمع السوري بعد أن قورن بإجراء مماثل في فرنسا، غير أن المسؤولين السوريين رفضوا تلك المقارنة بدعوى أن النقاب دخيل على المجتمع السوري. وتنطوي الحملة الحالية على بعض المخاطر، خصوصا أن النظام السوري خاض معارك عنيفة مع الإسلاميين، أبرزها قيام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد عام 1982 بتدمير مدينة حماة، وقتل عشرات الآلاف من السوريين خلال مواجهة مع حركة الإخوان المسلمين. ورغم أن الحملة الحالية لم تسفر حتى الآن عن ردّ محليّ ظاهر، فإن رجل دين -قال إنه فصل من عمله قبل سنتين من دون تقديم أي سبب لذلك- يقول إن ذلك قد يتغير. ويضيف الرجل، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أن "للإسلاميين اليوم حجة قوية تثبت أن النظام يستعدي المسلمين". تودد وكانت الحكومة السورية قد توددت للمسلمين المحافظين عندما بدأت الدول العظمى الغربية إجراءات لعزل سوريا وسط اتهامات وجهت إليها بالوقوف وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، فعينت شيخا بدلا من عضو في حزب البعث الحاكم وزيرا للشؤون الدينية كما سمحت لأول مرة بنشاطات دينية في ملعب دمشق. ومع خروج البلاد من عزلتها الدولية، بدأت الحكومة تركز على التحديات الداخلية، في ظل المخاوف من اتساع رقعة التوترات الطائفية في المنطقة، خاصة أن سوريا دولة ذات أغلبية سنية وتحكمها أقلية علوية.