الأول يطارده الجيش الإسرائيلي، ثم يحاصره في مدينة الخليل، ويطلق النار عليه مع سبق الإصرار، وينسف البيت الذي آواه. الفلسطيني الأول اسمه: الشهيد "نشأت الكرمي"، والشهيد "مأمون النتشة". أما الفلسطيني الثاني فهو الذي يستقبل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "جابي أشكنازي" في مدينة بيت لحم، ويجالسه، ويحاوره، وينسق اللقاء بينه وبين قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية. الفلسطيني اثنان: الأول يقاوم المستوطنين، ويحاربهم، ويقاتل الجنود الإسرائيليين ويطلق النار عليهم، ويقول: يا وطني، يا فلسطين. انتظرته أمه في مدينة طولكرم، أو مدينة الخليل، فعاد إليها، عاد مستشهداً، يتعطر من دمه الثرى، وينفطر له قلب أمه التي رفعت كفها إلى السماء، ولم تكف عن الحلم بالعودة إلى يافا وحيفا وصفد. والثاني، يوفر الأمن للمستوطن، ويتمنى له السلامة، ويحافظ عليه حتى ولو ضل الطريق، يد الفلسطيني الثاني الحنونة تعيد المستوطن سالماً، وتمهد الطرق للجنود الإسرائيليين كي ينفذوا مهماتهم، ولا إذن للفلسطيني الثاني بإطلاق النار على الإسرائيليين حتى لو أطلقوا عليه، وقتلوه، عليه أن يموت مؤدباً، ولا يتلفظ باسم الوطن، ولا يقول فلسطين، عليه أن يثبت صلاحيته، وأن يرتش بعطر السلام كي تكون أنفاسه مقبولة على الصهاينة. الفلسطيني اثنان: الأول مقاتلٌ مقاومٌ والثاني مفاوض ٌمساومٌ، الأول يكره إسرائيل والثاني يكره من يكرهها، الأول مُطاردٌ والثاني مَطرود، الأول شهيد أو أسير أو يمشي تحت الأرض يحدق في الأشياء، والثاني مدير جهاز أمني، أو منسق، يزحف فوق الأرض تقلبه الأنواء، الأول اسم أو رقم أو صفة في الكشف على طاولة التنسيق، والثاني قلم يؤشر باللون الأحمر على الكشف نفسه، بعد أن تم عليه التصديق. الفلسطيني الأول ينتمي إلى عالم البقاء، تراه على محفة الشهادة نجماً ينير دياجير الظلام، والفلسطيني الثاني ينتمي إلى اتفاق زائل، يجلس في مكتبه مثل كومة قشٍ تحرقها الأوهام، ويذروها اللئام. في كل يوم تكبر المسافة الفاصلة بين الفلسطيني الأول والفلسطيني الثاني، تكبر حتى صارت تعادل المسافة الفاصلة بين مصالح الفلاح الفلسطيني وأطماع المستوطن اليهودي، وبين حرية الأسير الفلسطيني وقيود السجان الصهيوني. أجزم أن الفلسطيني اثنان، أما الثالث فهو مؤيد لهذا أو منتفع من ذاك.