1 –إن سياسة نظام بن علي، المواصلة لسياسة بورقيبة، أحكمت قبضتها على كل القطاعات في البلاد وهيمنت عليها وأرضختها لإرادتها ومشيئتها، وحتى الهامش القليل من الحرية في الجامعة، المتبقي من عهد بورقيبة، فقد وقع القضاء عليه على الأرض وكذلك بسن قوانين تعسفية تزيل سلطة الجامعيين وممثليهم المنتخبين لتجعل من الجامعة مجرد آلة في يد الإدارة والوزارة، تسمي المديرين ورؤساء الجامعات وتمنحهم حق القرار بينما تهمّش دور الهياكل القليلة المنتخبة والتي لا يتعدى دورها: الاستشارة. ذلك هو جوهر القانون الأساسي للجامعة والذي وقع إقراره أخيرا في شهر فيفري 2008. 2 – إن هذا الواقع المر هو تتويج لانتهاكات عديدة لحرمة الجامعة وحرية الجامعيين فحجز الكتب طال الجامعيين وغير الجامعيين فإذا كان عدد الكتب المحجوزة زمن حكم بورقيبة عشرة كتب (في مدة دامت أكثر من ثلاثين سنة) فإن عدد الكتب المحجوزة زمن حكم بن علي (طيلة 15 سنة) فاق الثمانين من الكتب. وكان نصيب الجامعيين منها مُهمّا: فهناك أعمال بعض الملتقيات العلمية والأدبية التي منعت من النشر والتوزيع وكذلك منع طبع بعض الأطروحات الجريئة في طرحها، وكذلك أعمال بعض الجامعيين والجامعيات مما اضطر بعضهم إلى نشر كتبهم خارج البلاد التونسية (محمد الطالبي، آمال قرامي، توفيق البشروش، رجاء بن سلامة، عفيف البوني، المنصف المرزوقي، جلول عزونة...) هناك كتب تمنع من العرض في معرض تونس الدولي للكتاب وأخرى تسحب من المكتبات العمومية للمطالعة رغم حصول أصحابها على الإذن بالنشر فيما سبق، ولكن هذه الكتب يُحال بينها وبين القراء لمواقف مؤلفيها المعارضة لسياسة الحكم في بلادنا. وإذا بحثنا عن أسباب حجز الكتب ومنطقها فلا نجد منطقا ولا مبدأ ولا فلسفة. فقد يكون الحجز فقط انطلاقا من اسم المؤلف ويدخل ذلك ضمن التعتيم المقصود على صوته وحضوره في الساحة الفكرية والأدبية تماشيا مع غلق أبواب الصحافة والإذاعة والتلفزة والمجلات والمتقيات في وجه وجوه معلومة بمواقفها الصريحة والمعلنة من سياسة الحزب الحاكم وحكومته، وقد يطال حجز الكتب ورود بعض الفصول في رواية أ و مقطوعة في قصيد تتعارض مع الموقف الرسمي سواء تعلق الأمر بالسياسة الداخلية أو الخارجية. وقد يكون المنع فقط لبعض الكتب لأصحاب التطبيل والتركيز والموالاة لأن ما قدّموه من شواهد الإخلاص اعتبر غير كاف أو ربما غيرةمن مزاحميهم في سباق الانبطاح والتبعية !! وعمليات الحجز هذه كلها في تناقض صارخ مع قوانين البلاد وبالخصوص مع قانون الصحافة الزجري والذي يؤكد على ضرورة تسليم وصل للإيداع عند القيام بالإيداع الشرعي رغم شعارات النظام المرفوعة صباح مساء حول "دولة القانون والمؤسسات". 3 – وإن هذا المسّ الخطير من الحريات الأكاديمية يعتبر مسّا بقيمة رمزية ورأس مال رمزي للبلاد، لا تقدمَ لها إلا بهامش من الحرية كبير وكبير جدا. ولذلك وجب التحسيس بهذا الخطر على مستقبل الجامعة والبلاد والتجند الفعال من أجل الدفاع عن هذه الحرية المستباحة وذلك بكل القوة المتاحة. وقد رأينا أصحاب المال في النظام الرأسمالي الامبريالي يستميتون في الدفاع عن مالهم ومصالحهم، فيستبيحون سيادة الأوطان ويدوسون القوانين الدولية ويكذبون ويجندون الإعلام من أجل غزو أفغانستان والصومال والعراق ولبنان وفلسطين فما بالك بالجامعيين والنقابيين وهم أول من يعرف حيوية الحرية الأكاديمية لهم ولمسار مهنتهم ولمستقبل تونس، لذلك يكون التجند وتهون التضحيات. بقلم:الأستاذ جلول عزونة