الأمم المتحضرة هي أمم تحترم نفسها ولذلك بلغت القمة .ولكن ربما يتبادر إلى أذهان الكثيرين ان الأمم المتحضرة هي التي بلغت شأوا في الصناعات المختلفة ،لا أبدا ،فالصناعات التي بين أيدينا وآخر الاختراعات التي لم تصلنا ،ماهي الا نتاج لأمم احترمت نفسها .والتي لم تكن يوما متسولة حضارة ،لأنها تدرك بعقلها وبحاسة روحها إن الحضارة لن تباع ولن تشترى ولن تقايض لا بالبترول ولا بالغاز ولا بكثرة الأموال المودعة في البنوك .لذلك كانت واضحة من أول الطريق ،ووفرت أسباب الانطلاق أولا:كما قلنا احترمت نفسها ، فتشت في مورث الأجداد في، الثقافة ،والسياسة والاقتصاد وغاصت في كل ما يعبر عن جماليات عمق الإنسان الذي هو رأس مال الانطلاق ،وعملت على خلق مجتمع يؤمن بالحرية ووفرت له أجواء العيش الكريم الذي مهد لولادة الجمهورية .نعم لم تتجاهل تلك الأمم الطموحة وهي تناضل لتسموا بنفسها من الطين إلى الروح تجارب الآخرين ،في الثقافة والعلم،وأضافت ما ينقصها ،وزينت ما يوشينها وجعلت مورثها الثقافي هو المصدر الأساس الذي كان محور الانطلاق .نعم لا يتناسب مع امم جادة،أن تتخذ مثلا من فلسفة "مالك ابن نبي " أو "الشيخ محمد الغزالي" محمد طاهر بن عاشور، "عبد الحميد ابن باديس" "شكيب أرسلان" "رشيد رضا" أو شجاعة "كالأمير عبد القادر " أو عمر المختار ،" العربي بن المهيدي" ،يوسف العظمة .مادة لنهوض والتقدم مهما كانت عبقرية هؤلاء في العلم والذكاء والشجاعة والإقدام .لربما يصل الأمر إلى الإعجاب ،لكن من غير الممكن ان تأخذ تلك الثقافة منهجا لتثقيف الحالة ومنهج لنهوض .ولأن لأمم تصبغ بنوع التراب والرمال التي ولدت فيها ،ولن تستطيع النبات في غير تربتها وغير رملها ولذلك لم نرى امم غيرنا تسولت على أبوابنا لتبني حضارتها ، حتى إن الفرس الأقرب إلينا جغرافيا ،تراهم يريد غزو الآخرين و ولا يتورطون في الذوبان في غيرهم من الأمم ،وإذا أردت تشبيه أمة تريد استراد حضارة كأنك تريد أن تَُلبس رجل نحيف ملابس رجل بدين أو العكس، تخيل كيف يظهر وهو يتجول في الشارع ربما ننسبه للمهرجين .ولذلك عندما تحدث "مالك بن نبي" رحمة الله عليه- وهو الرجل الذي استطاع بفكره ان يكون شمعة أضاءت لنا الطريق وأخذت بأيدي المثقف الجزائري الذي بدوره كاد إن يصنع نهضة في القرن العشرين ،الا إن المتربصين من الإستأصالين شتتوا كل المجهود التي بذله الرجل ومن بعده الكثيرمن المثقفين الجزائريين الى مدرسته ذات الفكر العميق من المنتمين الى العروبة والإسلام الذي أطلق عليهم فيما بعد "الجزأرة" .وتشتت الفكرة ،وتشتت الرجال !!يقول مالك ابن نبي عليه سحائب الرحمة والرضوان "فليس من الواجب لكي ننشئ حضارة إن نشتري كل المنتجات الأخرى .فإن هذا يعكس القضية التي سبق أن قررناها وهو يقود في النهاية إلى عملية محالة كما وكيفا: فمن ناحية الكيف :تنتج الإحالة من إن أي حضارة لا يمكن إن تبيع جملة واحدة الأشياء التي تنتجها ، ومشتملات هذه الأشياء .أي انها لا يمكن إن تبيعنا روحها وأفكارها وثرواتها الذاتية ،وأذواقها ،هذا الحشد من الأفكار والمعاني التي لا تلمسها الأنامل .والتي توجد في الكتب او في المؤسسات ،ولكن بدونها تصبح كل الأشياء التي تبيعنا إياها فارغة ، دون روح وبغير هدف.ويتابع -الأستاذ -في كتابه "شروط النهضة "."وهي بوجه خاص تمنحنا ذلك العديد الهائل من العلائق التي لا توصف ،والتي تبعثها أي حضارة داخل أشيائها وأفكارها من جانب ،وبين هاتين المجموعتين والإنسان من جانب آخر . وفي استخدامنا للمصطلحات البيولوجية نجد إن الحضارة مجموعة من العلائق بين المجال الحيوي(البيولوجي )حيث ينشأ ويتقوى هيكلها ، وبين المجال الفكري حيث تنمو روحها ، فعندما نشتري منتجاتها فإنها تمنحنا هيكلها وجسدها لا روحها". هذا الكلام قيل 1948 يعني منذ 62 ،وقد اثمر هذا الفكر المبارك في كثير من عقول الشباب العربي والجزائري بالخصوص .لكن جاء من يحذر منهم ويسجل عليهم ماركة خطيرة ، هؤلاء المحذرين هم أبناء امتنا يُنظِّرون للحرية والديمقراطية للعلم والمعرفة لكن اذ جاء في غير صالح أفكارهم يتحولون إلى رجال بدائين كأنهم لم يدخل المدرسة يوما ،يؤيد سجنك وقتلك ونفيك .هؤلاء هم حبات الرمل التي توقف العجلة عن الحركة وحالهم يردد نحن ومن بعدنا الطوفان .غيرنا من الأمم عندما تدق مصلحة الوطن الكل يقف عندها بإجلال لا ينظر بأنانية التي لا زال ينظر بها من يسموا أنفسهم مثقفين ،وركبوا العمل السياسي المرادف في عصرنا المصلحة الشخصية .هناك حضارتهم تسمح لهم وكأنهم يطبقون الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء على لسان سيدنا محمد ص في الحديث:" اسمعوا له وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد أسود كأن رأسه زبيبة "وأعود ثانية وأؤكد على الثقافة التي يفتقد لها الكثيرين منا لذبن تسللوا إلى الصفوف الأمامية ،وأقوله صراحة هم الذين دائما يخلقون شرارة الحريق خوفا على مصالحهم ،وهم الذين يُخلو الساحة من المثقفين الحقيقيين بأساليب هي رأس مالهم الثقافي بوجود هؤلاء ،نبقى بعدين عن نهضة حقيقية تُأَسس لنهوضنا