ألمانيا تدعو لبدء عملية حل الدولتين مع الفلسطينيين وتدين هجوم الكيان على قطاع غزة    مستوطنون يقتحمون الأقصى المبارك مجددا    هزة أرضية بقوة 4.8 درجة تضرب تركيا.. #خبر_عاجل    29 ساعة في السماء.. أطول رحلة جوية مباشرة في العالم..!    البطولة الإسبانية : برشلونة يفوز على خيتافي 3-0 ويستعيد الوصافة    البطولة الفرنسية : موناكو يتفوق على ميتز 5-2    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    "السودان يا غالي" للمخرجة التونسية هند المدب يحصد أفضل وثائقي في مهرجان بغداد السينمائي    أول لقاء علني بعد الخلاف.. تأبين الناشط اليميني كيرك يجمع ترامب وماسك    عاجل: التيارات الباردة تدخل من طبرقة وعين دراهم.. بداية الاضطرابات الجوية    من برلين إلى لندن: الطيران الأوروبي في قبضة هجوم سيبراني    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    الاستاذ سفيان بلحاج محمد رئيسا جديدا للفرع الجهوي للمحامين بتونس    قضية حاوية المخدرات بميناء رادس.. الاحتفاظ بموظفة بشركة خاصة وموظف بالديوانة    البرتغال تعلن رسميا اعترافها بدولة فلسطين    آفاقها واعدة .. السياحة البديلة سند للوجهة التونسية    مع الشروق : الطباشير في عصر "شات جي بي تي"!    قابس...انطلاق الاستعدادات للموسم السياحي الصحراوي والواحي    حافلةُ الصينِ العظيمةُ    لأول مرة في تاريخها ...التلفزة التونسية تسعى إلى إنتاج 3 مسلسلات رمضانية    الصينيون يبتكرون غراء عظميا لمعالجة الكسور    بطولة افريقيا لكرة اليد للصغريات (الدور النهائي): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره المصري 21-33    بعد جولة أوروبية راقصون من فرقة باليه أوبرا تونس يقدمون عرض "كارمن دانسي"    بطولة انقلترا: ارسنال يختطف التعادل مع مانشستر سيتي 1-1    الملعب التونسي سنيم الموريتاني (2 0) انتصار هام ل«البقلاوة»    هل تعرف أيهما أخطر على الصحة... نقص الوزن أم زيادته؟    في اليوم عالمي للزهايمر: هذه توصيات وزارة الصحة    الدورة السادسة من تظاهرة "الخروج إلى المسرح" من 26 سبتمبر إلى 2 أكتوبر 2025    عاجل: ثلاثية نظيفة للترجي على القوات المسلحة وتقدم كبير نحو الدور الثاني!    الحوت الميت خطر على صحتك – الهيئة الوطنية تحذر    الشمال والوسط تحت الرعد: أمطار قوية تجي الليلة!    مشاركة 1500 عداء وعداءة في ماراطون بالمرسى عائداته مخصصة لمجابهة الانقطاع المدرسي المبكر    عاجل/ هيئة السلامة الصحية للمنتجات الغذائية تحذر من خطورة استهلاك هذه الأسماك..    كأس الكنفدرالية الإفريقية: النتائج الجزئية لذهاب الدور التمهيدي الأول    بطولة سان تروبيه الفرنسية للتحدي: التونسي معز الشرقي يحرز اللقب    وزير الخارجية يترأس الوفد التونسي في أشغال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة    أسطول الصمود :هيئة التسيير تكشف اخر المستجّدات    المراقبة الاقتصادية تحجز 55 طنا من الخضر والغلال ببرج شاكير والحرايرية    قلة النوم تهدد قلبك.. تعرف شنو يصير لضغط الدم!    تونس تشارك في مؤتمر التعاون الثقافي والسياحي الصيني العربي    بحسب التوقعات: تونس الكبرى وزغوان تحت الخطر...أمطار بين 60 و90 ملم!    أمطار الخريف ''غسالة النوادر''.. شنية أهميتها للزرع الكبير؟    عاجل- تذكير: آخر أجل لإيداع التصريح بالقسط الاحتياطي الثاني للأشخاص الطبيعيين يوم 25 سبتمبر 2025    الجمعية التونسية للطب الباطني تنظم لقاء افتراضيا حول متلازمة "شوغرن"    انتشال جثتي طفلين توفيا غرقا في قنال مجردة الوطن القبلي    سوسة: جلسة عمل لمتابعة وضعية شركة الألبان الصناعية بسيدي بوعلي    فيتنام بالمركز الأول في مسابقة إنترفيجن وقرغيزستان وقطر في المركزين الثاني والثالث    قريبا انطلاق أشغال مشروعي تهيئة الملعب البلدي بمنزل فارسي وصيانة المحولات الكهربائية بالملعب الاولمبي مصطفى بن جنات بالمنستير    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    السبت: أمطار متفرقة بالجنوب الشرقي وسحب عابرة    استراحة «الويكاند»    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في التضحية والضحية : بحري العرفاوي
نشر في الفجر نيوز يوم 20 - 11 - 2010

أي موقف يمكن أن يصدر عن أحد حين يُستفتى في دمه؟»إني أرى في المنام أني أذبحُك فانظر ماذا ترى؟»... النبي إبراهيم عليه السلام لم يشك في أن الذي رآهُ رؤيا وليس أضغاث أحلام لقد كان واثقا من أنه يتعرض إلى اختبار حقيقي لمدى خُلوص عقيدته وصفاء روحانيته...
يُختبر في دم ابنه وهو الذي خسر والدهُ حين قطع معه متوعدا قاسيا: «قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيمُ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا»... الجهلُ مجفف لعواطف الأبوة والقرابة والإنسانية، الجهل مصدر القساوة والتعصب والإستبداد يظن أصحابُه أنهم قادرون على التحكم في الأفكار والمعتقدات يتوهمون أنهم على الحق الدائم ومن سواهم ضال أو متآمر.
لا يستعملون العقل ولا يعتمدون بينة في حوار بل ولا يُحاورون أصلا ولا يقبلون بمن يُحاورهم حتى وإن كان معهم على درجة عالية من التلطف والتعطف والتعقل: «يا أبت لِمَ تعبدُ ما لا يَسمعُ ولا يبصر ولا يُغني عنك شيئا؟ يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعي أهدك صراطا سويا...». أصحابُ القيم العالية والمبادئ السامية لا يتعاملون مع من خاصمهم أو عاداهم بأدواته ومفرداته إنما يتعاملون بقيمهم ومبادئهم هم « قال سأستغفر لك ربيَ إنهُ كان بي حَفيا»...
إبراهيمُ الذي حاور الأصنام وحاور أهله وحاور والده لم يجد إلا صمما وقساوة وأذى ولكنه لم يشك في أن القوة لا يمكن أن تفرض أمرا ولم يشك في أن الحق ليس صنيعة الأغلبية كان مستعدا إلى أن يكون وحدهُ رمزا للفكرة العاقلة والإرادة الحرة يهزأ من الأصنام ومن عُبادها ذاهبًا إلى المدى بقامة قائمة وروحانية متوهجة: «إني ذاهبٌ إلى ربي سيهدين»... النبي إبراهيم ممثلا لجوهر «الإنسان» بما هو فكرة عاقلة وإرادة حرة وبصيرة نافذة يُضحي بكل ما يعوق مسيرته نحو الكمال الإنساني لم تنل من عزمه ألسنة ُ المستهزئين ولا ألسنة ُ النار: «إن إبراهيم كان أمة ً قانتا «... لم يكن ذهابهُ إلى الله مُجرد لجوءِ المستجيرين ممن تعرضوا إلى أذى أهلهم وأقوامهم إنما هو ذهابُ الواثق المتبصر القادر على مزيد التضحية... هاهو بعد أن ضحى بالكثير يُختبرُ في ذبح ابنه فلا يُكذبُ رؤياه ولكنه أيضا لا يغدر بابنه إنما يستشيره وهو واثق من أنه لن يكون مثل جده:» قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنيَ إن شاء اللهُ من الصابرين»... الإبنُ إسماعيلُ يرتقي بالرؤيا من مستواها ذاك إلى مستوى الأمر الإلهي...
إنها تضحية بعاطفة الأبوة من قبل إبراهيم وتضحية بالذات من قبل إسماعيل ولا يقدر على ذلك إلا من كان على درجة من الإنجذاب إلى الكمال الإنساني حين يتحرر من كل النوازع والأدران المُحبطة للعزائم والمكبلة للإرادات... لم يغدر النبي إبراهيم بابنه فيذبحه إرضاء لله دون استشارته ولم تحجب عنه عاطفة الأبوة وضوح الرؤيا... ولم يشعر بأنه يتجه نحو «الوِحدة» إذ هجره والدُهُ وإذ تآمر عليه قومُهُ وإذ يؤمرُ بذبح ابنه... كان نبع صبر وإرادة وتضحيةٍ... وكان منجذبا إلى أعماق الوجود ومراقي الكمال الإنساني... لقد بلغ وابنهُ «لحظة الذبح» بكل شجاعة وتسليم «فلما أسلما وتلهُ للجبين، وناديناهُ أن يا إبراهيم قد صدقتَ الرؤيا...» ذاك النداءُ الإلاهي إنما هو لحظة وجودية بارقة تتخطف فيها الذاتُ المتحررة معارفَ ومشاهدَ من عالم الكمال وهي لحظة السعادة غير الحسية يجدها صاحبها بروحه وعقله ونوازع الشوق والمحبة والرحمة...
تلك أرقى مراحل الدربة البشرية على التضحية والإيثار والشجاعة حين تنتهي عند حالة من سماع نداءات الكمال وانقشاع الكوابيس المؤذية وآلام التضحية: «وفديناهُ بذِبْحٍ عظيمٍ وتركنا عليه في الآخرين»
في «لحظة الذبح» تلك تتدخل الإرادةُ المُحيِيَة ُ لتستبدل دمًا آدميا بدم ذبيحةٍ حيوانية بما يؤسس لوعي بكون الإنسان لم يخلق ليكون ضحية إنما خلق ليكون سيدا على الطبيعة يروضها ويتدرب على التحرر من غموضها ومن هول ظواهرها وليبدع عليها حياة إنسانية تتجه نحو كمالاتها.
كاتب وشاعر تونسي
الصباح التونسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.