ازدادت وتيرة العنف الطائفي في مصر في المدة الأخيرة خطورة وبلغت حدة الاحتقان الطائفي بين المسيحيين الأقباط والمسلمين درجة لاتطاق حيث سقط أحد الأقباط قتيلا وعديد الجرحى يوم الاربعاء 24 نوفمبر 2010 في الاحداث التي جرت بين قوات الأمن المصرية المجهزة بالمدرعات المصفحة وخراطيم المياة والقنابلالمسيلة للدموع والأعيرة المطاطية والأعيرة النارية الحية في حي العمرانية بالجيزة الذين قاموا باقتحام الكنيسة القبطية لتنفيذ قرار الهدم و اشتبكوا مع المتظاهرين الأقباط المحتجين على الحكومة المصرية التي صادقت على ازالة الكنيسة . فما هو الشيء الذي جعل موجة العنف الطائفي الديني بين الأقباط والمسلمين تزداد وتيرته سنة بعد أخرى منذ سبعينات القرن الماضي عامة وفي العشرية الأخيرة خاصة ؟ وهل للأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية دورا في تأجيج العنف والصراعات الطائفية ؟ ولالقاء الضوء على هذا الموضوع كان لزاما علينا الرجوع الى عصر النهضة في عهد محمد علي حيث كانت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين علاقة تسامح وتحابب وتعاون وكان الولاء لمصر ولا ولا ولاء لغير مصر لا للطائفة الدينية أو المذهبية أو العرقية وكان الشعار المرفوع هو الدين لله والوطن للجميع . وقد تبوأ المسيحيون في عهد محمد علي العديد من المناصب السياسية والنيابية الهامة والحساسة . ولم تحصل في تلك المرحلة أحداث تذكر .وفي استشهاد مأخوذ من أوضاع الأقباط قبل وبعد ثورة يوليو 1952للكاتب: خاص الكتيبة الطيبية - د. سليم نجيب: «يلاحظ المعاصرون أن عهد جمال عبد الناصر لم يحدث فيه أن اثيرت الفتن الطائفية بالكم الذي حدث في العصور المتتالية.» ذلك لأن ثورة يوليو كانت تقود مشروعها القومي التحرري برؤية عقلانية تقدمية ترفض فيها ستغلال الدين لأغراض وطموحات سياسية مع تمسكها بالاسلام دينا يدعو للتسامح والاعتدال والوسطية والعروبة كهوية قومية بعيدا عن الانغلاق والتزمت والنظرة الرجعية . أما في عهد المقبور السادات عصر الانفتاح على الرساميل الأجنبية حيث فتح السوق على مصراعيه لفائدة الرأسمال الأجنبي والاحتكارات بين الشركات المتعددة الجنسيات بعد انقلاب مايو 1971 على ثورة يوليو الاشتراكية .فقد أصبح الرئيس السادات يلقب بالرئيس المؤمن وأصبحت العلاقة بينه وبين الاخوان المسلمين علاقة متينة بعد أن قام بالافراج على كل قياداتهم ومنتسبيهم .وهكذا دشن السادات بزواجه السياسي مع حركة الاخوان أكبر موجة من العنف الطائفي حيث استغل الاخوان المسلمون علاقتهم بالدولة وبأعلى هرم في الدولة للقيام بالعديد من المضايقات والمشاحنات للأقباط المسيحيين سواء من خلال برامج التعليم من خلال الخطابات الدينية الدعوية في المساجد . فوقعت العديد من الصراعات الطائفية نذكر منها ما جاء على لسان الكاتب المذكور أعلاه في نفس الدراسة حيث يقول : «ثم جاء عهد أنور السادات وهو ربيب وتلميذه الشيخ حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين وكان التيار الناصرى واليساري شبه مسيطر على البلاد وفي الجامعات والنقابات والأجهزة الاعلامية... إلخ. وقد أراد السادات أن يضرب هذا التيار فأرتمى في أحضان التيار الديني الأصولي وأطلق على نفسه "الرئيس المؤمن" وكأن الرؤساء السابقين ليسوا مؤمنين، ولا ننسى مقولة السادات المشهورة "أنا رئيس مسلم لدولة إسلامية" وأفرج السادات عن جميع المعتقلين المسلمين وشجع بل مول إنشاء تنظيمات للجماعات الإسلامية للوقوف ضد التيارات اليسارية والناصرية في اجتماع عقده مع عديله المهندس عثمان أحمد عثمان ومع محمد عثمان إسماعيل وكان محافظا لأسيوط وبدأت هذه التنظيمات الإسلامية تنشر ثقافة التعصب والكراهية والتكفير فكان عهده مفتتح لتوالي الأحداث الطائفية بين المسلمين والأقباط. فبدأ السادات بتعديل الدستور المصري بضغط من الجماعات الاسلامية بأن أضاف إلى المادة الثانية من دستور سنة 1971 "الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر الرئيسى للتشريع" ثم عدلت فيما بعد عام 1980 لتكون "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع". ولقد ساعد السادات الجماعات الإسلامية على بسط نفوذها في الجامعات والنقابات وبدأت شكاوى الأقباط تتصاعد وبدأت بذور الفتنة الطائفية تنمو بمباركة السادات. وتبنى السادات كل ما هو ديني ودعم هذا التيار الديني لحمايته وتحقيق أغراضه ودعم موقفه واذا بالرياح تأتى بما لا تشتهى السفن فقد هبت عاصفة التعصب ودمرت طاقم القيادة السياسية باغتيال السادات. ولا شك أن موقف السادات المتشدد في عملية بناء وترميم الكنائس وتطبيق الشروط العشرة والخط الهمايوني أدى إلى حدوث عنف طائفي أولها حادث حرق الكنيسة في الخانكة في نوفمبر 1972. وتشكلت لجنه برلمانية برئاسة المرحوم د. جمال العطيفي وأصدر العطيفي تقريره كان ضمن توصياته إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة. وللعلم فان هذا التقرير الذي صدر عام 1972 لازال حبيس الادراج إلى يومنا هذا، وبدأ انتشار في طول البلاد وعرضها ثقافة التعصب والكراهية وعدم قبول الاخر وتكفير المسيحيين بدءا من مدارس الأطفال إلى أعلى مستويات الدولة واختفت شعارات " الدين الله والوطن للجميع" "عاش الهلال مع الصليب" وحل محله شعار "الإسلام هو الحل" وهكذا انحدرت الأحوال في البلاد من الدولة الليبرالية الديمقراطية إلى الدولة شبة الدينية الثيوقراطية مهمتها نشر التعصب والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، رحم الله الزعيمين الخالدين سعد زغلول ومصطفي النحاس. ونود فقط أن نذكر أنه في عهد السادات حدثت فتن طائفية عنيفة بدءاً بأحداث حرق كنيسة الخانكة في 8 سبتمبر 1972 ومروراً باغتيال القس غبريال عبد المتجلى كاهن كنيسة التوفيقية (سمالوط - المنيا) ووقعت اصطدامات عنيفة بين المسلمين والأقباط استخدمت فيها الاسلحة النارية وكان ذلك يوم 2 سبتمبر 1978، وطوال أعوام 1978، 1979 زادت حدة التوتر وتزايدت أعمال العنف وصدرت منشورات عديدة تكفر "النصارى" وتجيز قتلهم والإستيلاء على أموالهم (المصحف والسيف- نبيل عبد الفتاح ص 103) وفي أوائل عام 1979 أحرقت كنيسة قصرية الريحان الاثرية بمصر القديمة وفي 18 مارس 1980 إعتدت بعض الجماعات الإسلامية على الطلاب المسيحيين المقيمين بالمدينة الجامعية بالإسكندرية وفي 17 يونيو 1981 نشب عنف طائفي عنيف بين الأقباط والمسلمين في حي الزاوية الحمرا لمدة ثلاثة أيام متتالية ووصل عدد القتلى طبقاً للتقرير الحكومى إلى 17 قتيلا و112 جرحى، ولا يزال حتى تاريخه هناك مسجونون أقباط بسبب أحداث الزاويه الحمرا نذكر منهم نعيم ابراهيم معوض (حكم مؤبد) كما قتل 3 واصيب 59 في حادثة الاعتداء على كنيسة مسرة بشبرا بسب إلقاء قنبلة من الخارج على الكنيسة (الأقباط - النشأة والصراع الصحفي ملاك لوقا ص 649) وفي أخر عهد السادات في 4 سبتمبر 1981 – عزل السادات قداسة البابا شنودة وحدد إقامته بدير الانبا بيشوى بدلاً من عزل وزير الداخلية سبحان الله ( طبعا لا يملك لا السادات ولا اى رئيس آخر عزل بطرك الأقباط، السادات قد يعين من يشاء ليخاطبه بصفه بطرك الأقباط ولكن هذا التعيين غير قانونى على الإطلاق وليس له أي قيمة من وجهة نظر كل قبطي وهذا هو المهم) كما قبض السادات على 1536 من مختلف التيارات والإتجاهات السياسية والدينية ولم يمر شهر ويومين إلا وقتل السادات بأيدى "أولاده" الذين تربوا في أحضان الفكر الديني المتطرف اللهم لا شماتة بل عبرة وتذكيراً كما قال مكرم عبيد.» أما في عهد الرئيس حسني مبارك الذي انتهج نفس سياسة سلفه التي زادت في تعميق الأزمة الاجتماعية باستشراء سياسة الفساد المالي وتضخم البطالة وازدياد نسبة المفقرين والمهمشين فقد تواصل الاقتتال الطائفي وهاكم بعض الأمثلة التي جاءت في الدراسة السابقة حيث يذكر : « وفي عهد الرئيس مبارك استمرت الفتن الطائفية نبرز هنا بعض الأحداث الدامية التي وقعت على الأقباط إمبابة 1991، قرية دميانة 1995، كفر دميان 1996، عين شمس 1990، 1996، الاسكندرية 91، 94، 95، الفيوم 96، ديروط 92، 93، القوصية 94، أبو قرقاص 90، 97، سمالوط 91، ملوي 95، المنيا 89، 94، 96، منشية ناصر 92، أسيوط 92، 95، 96، طما 92، 96، طنطا 96، قنا 93، 95، صنبو 96، الكشح 98، 2000، حرق كنيسة بالقرب من المنيا فبراير 2002، كنيسة العبور يناير 2002.» وهكذا تبرز الصراعات الطائفية بين المسيحيين الأقباط والمسلمين خاصة في عهدي الراحل السادات والعجوز مبارك دامية ومتعددة ومتنوعة.وهذا مما يدين سياسة العهدين لأنها ساهمت باختياراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تأجيج الصراع الطائفي الى أبعد مداه حتى بتنا نخاف ونخشى من تدويل الصراع في مصر أرض الكنانة والعروبة النابض وتدخل القوى الاستعمارية الكبرى تحت عناوين وأسماء شتى كما حصل ويحصل الآن في العراق وما يسعون له في لبنان خاصة بعد انتصار تموز 2007. مقالة بتاريخ :2 ديسمبر 2010-