تونس:يوم غرة أفريل 1969، وقبل بضعة أشهر من الإطاحة به وبنظام التعاضد، أكد أحمد بن صالح في مؤتمر شعبة قصر هلال، وكان وقتها أمينا عاما مساعدا للحزب الاشتراكي الدستوري وكاتب دولة للتخطيط والاقتصاد والتربية أنه «لا خوف على نظام التعاضد فهو في صحة جيدة وبصدد احراز نجاح كبير». إلى هذا الحد ليس هناك ما يدعو إلى التوقف عند مثل تلك التصريحات المتفائلة لولا أن بن صالح لم يكن وحده متفائلا. تفاؤل فقد صرح الباهي الأدغم الأمين العام للحزب في اختتام مجلس الاتحاد القومي للتعاضد يوم 6 جوان 1969، أي قبيل ثلاثة أشهر من وقفة التأمل الشهيرة أن «حركتنا التعاضدية الرائدة تبعث على الشعور بالاعتزاز وأن هذه الحركة التي أقدمنا عليها وكنا نسميها تجربة ثم صارت اختيارا نهائيا قد تجاوزت أبعاد رسالتها الحدود وأصبحت تهم غيرنا من الملاحظين والأحزاب والشعوب التي من حقها أن تمعن النظر في المحاولة التونسية وتطلع على نتائجها لأنها تتابعها عن كثب وبكل شوق قصد الاستفادة منها. ان التعاضد، خاصة في الفلاحة يعتبر عاملا أساسيا في فترة التحول العظيم التي تعيشها تونس ويخطو بها التعاضد كل يوم خطوات واسعة ثابتة في طريق النهضة». التراجع إلى هذا الحد أيضا، ليس هناك ما يدعو إلى التوقف إذ من الطبيعي أن يدافع الأمين العام للحزب الحاكم والوزير الأول عن سياسة حكومته، لو لا أنه لم تنقض ثلاثة أشهر حتى بدأ التراجع في سياسة التعاضد، فصدر منشور إلى الولاة يوم 2 سبتمبر 1969 جاء فيه بالخصوص أن «المجاهد الأكبر حريص على أن يتم الاصلاح الزراعي عن طواعية وبدون إكراه ولا عنف». وتم يوم 8 سبتمبر 1969 إدخال تحوير على الحكومة من أبرز ملامحه تقسيم كتابة الدولة للتخطيط والاقتصاد إلى ثلاث كتابات دولة، ولم يبق لأحمد بن صالح إلا حقيبة التربية القومية. وفي التحوير الموالي الذي جرى يوم 7 نوفمبر 1969، تم وضع حد لمهام بن صالح ومن كانوا محسوبين عليه، وقرر الديوان السياسي يوم 9 نوفمبر رفته من الحزب ومجلس الأمة «حرصا على الوضوح والمحافظة على الانسجام في صفوف المناضلين بعدما ثبت التناقض بين وجهات النظر في مستوى الاختيارات الأساسية وطرق تنفيذها». تتبعات
ثم كانت تهمة «التكالب على الحكم والتشبث بالنظريات الاشتراكية المتطرفة» وهو ما جاء في كلمة الرئيس الحبيب بورقيبة عند أداء اليمين الدستورية بعد تجديد انتخابه رئيسا للجمهورية «ان من واجب كل تونسي أن يشعر أنه يتحمل قسطا من المسؤولية وأن تكون له الشجاعة الكافية ليلفت نظر المسؤول الأول عندما يشاهد مسؤولا يسيء التصرف». ثم جاءت التتبعات العدلية وأصدر حاكم التحقيق يوم 24 مارس 1970 بطاقة إيداع ضد أحمد بن صالح ورفاقه بتهمة «الخيانة العظمى والاعتداء على الحرية الشخصية». وشملت المحاكمة التي بدأت يوم 19 ماي 1970 إضافة إلى أحمد بن صالح الوالي عمر شاشية والطاهر القاسم وكان رئيس المجلس القومي للتعاضد والهادي البكوش وكان واليا وابراهيم حيدر والمنجي الفقيه والبشير ناجي. حقائق وخفايا قبل المحاكمة، ويوم 2 افريل 1970 ألقى الباهي الأدغم الوزير الأول والأمين العام للحزب خطابا مطولا في مجلس الأمة بمناسبة مناقشة تقرير لجنة التحقيق البرلمانية. في ذلك الخطاب، نبش الباهي الأدغم في مسيرة بن صالح منذ كان في الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو ما جعل الصحف تختار عناوين مثل «حقائق وخفايا يكشفها الباهي الأدغم». ومما قاله إن أحمد بن صالح اغتنم بعض الظروف ل»يتسرب» الى الحزب وأنه عمل على «إقصاء الدستوريين وتعويضهم بالأنصار والمحبين» وأنه «لو بقي الطيب المهيري على قيد الحياه لما خلا له الجو»... 18/12/2010