أيهما على حق، وأيهما على باطل؟ وهل الخلاف بين الرجلين على المواقف السياسية المتباينة من الصراع مع إسرائيل، أم أن ما بين الرجلين صراع على النفوذ والاستئثار بالقرار؟ أيّ الرجلين ضد المفاوضات العبثية، وأيهما مع المقاومة العنيفة للاحتلال؟ أيهما مع التمسك بالثوابت الفلسطينية، وأيهما مع التفريط، والتوصل لاتفاق مع الإسرائيليين لضمان بقائه قوياً؟ أيهما يعمل لصالح الشعب الفلسطيني، وأيهما لا يهتم لما يقوله عامة الناس، ولا يرى في الشعب إلا جسراً يعبر فوقه إلى سدة الحكم؟ أيهما المنتصر للمظلوم، محطم السجون، ورافع راية الكرامة العربية، والمستعد للموت على أعتاب المسجد الأقصى، ويشهر سيفه في وجه الخطأ، وأيهما عنصري، متحزب، تملؤه الدسائس، وتستأثر بروحه الممارسات الفئوية؟ وأيهما الذي يبدو منتصراً حتى الآن في هذا الخلاف الذي برز على سطح الأحداث، وأيهما المهزوم؟ وأسئلة أخرى كثيرة تدور في رأس المواطن الفلسطيني الذي يرقب ما يجري في الساحة الخلفية للقرار، ويرفض أن يحدد موقفه مع هذا الرجل أو ضد ذاك. أما على مستوى المسئولين المستأثرين بمناطق النفوذ والقابضين على المواقع الحساسة فلا حيادية في هذا الصراع، وقد صار لزاماً على كل متربع على ظهر موقع وظيفي مرموق أن يصطف بوضوح وجلاء، وأن يعلن الولاء، ولاسيما بعد أن حددت اللجنة المركزية لحركة فتح موقفها مما يدور بين الرجلين، ليصير الانزياح الجماعي بين المسئولين مع طرف ضد طرف، وتصير المبايعة لطرف على حساب الآخر، وتتحول النفوس من خاضعة لهذا لتصير متمردة عليه، ومن طامعة بهذا لتصير متذللة إليه. ويتبدل الحال، وينقلب المنوال. حدثني أبو عامر قائلاً: عندما كان يوليوس قيصر في السجن، هاجمه المصفقون للملك، ورجموه بالكلام، واعتدوا عليه بالألفاظ. ولكن بعد سنوات، عندما صار يوليوس قيصر إمبراطوراً على روما، جاء الذين هاجموه أنفسهم مهنئين، جاءوا مبايعين مباركين، جاءوا هاتفين بحياة يوليوس قيصر!. لقد أدرك قيصر نفسية هؤلاء المسئولين؛ فقال لهم: أهلاً بالمصفقين، أهلاً بالرعاع الذين تحكمهم مصالحهم، واعتادوا أن يكونوا أحذية لأي سلطان مهما كان. من مفارقات التاريخ؛ أن يوليوس قيصر كان يقيم علاقات غرامية مع معظم نساء مجلس الشيوخ، ولاسيما مع المرأة الناعمة الرقيقة اللذيذة الرشيقة أم القائد "بروتوس". وتقول كتب التاريخ: إن يوليوس قيصر هو والد "بروتوس" في السر، لذلك قال جملته التعجبية الشهيرة "حتى أنت يا بروتوس" عندما شارك الآخرين في طعنه!.