شهدت تونس العاصمة ومدنا داخلية الليلة البارحة صدامات عنيفة بين محتجين والشرطة رغم حظر التجوال الليلي الذي أعلنته وزارة الداخلية التونسية، ويعتزم نقابيون اليوم تنظيمم سلسلة جديدة من الإضرابات في عدد من المدن التونسية اليوم وغدا . وجرت للمرة الاولى الاربعاء صدامات عنيفة بين متظاهرين وقوات الامن في وسط العاصمة التونسية فيما قتل ثلاثة مدنيين في الاقاليم واقيل وزير الداخلية رفيق بلحاج قاسم في ظل الاضطرابات الاجتماعية الدامية التي تهز البلاد منذ اربعة اسابيع. وفرض حظر التجول ليلا في العاصمة وضواحيها عقب الاضطرابات التي شهدتها بعض احياء العاصمة، حيث انتشر الجيش ايضا للمرة الاولى في العاصمة وضاحيتها الشعبية غداة اول مواجهات عند اطرافها. وفي محاولة لتهدئة الاوضاع اعلنت حكومة الرئيس زين العابدين بن علي، الذي يحكم البلاد منذ 23 عاما، اقالة وزير الداخلية رفيق بلحاج قاسم. كما اعلن الافراج عن جميع الموقوفين باستثناء الذين قالت الحكومة انهم مشاركون في اعمال تخريب وشغب. وبعد ظهر اليوم اندلعت مواجهات في وسط العاصمة بين قوات الامن ومتظاهرين تم تفريقهم بالقنابل المسيلة للدموع. وقد حاول مئات من الشبان الذين كانوا يرددون هتافات ضد النظام في باب البحر (جادة فرنسا) التقدم في اتجاه جادة الحبيب بورقيبة، لكن قوى الامن قطعت عليهم الطريق بالقاء قنابل مسيلة للدموع. ولم تتوافر بعد الظهر اي حصيلة لهذه المواجهات وهي الاخطر التي تحصل في العاصمة منذ بداية الاضطرابات. وقامت الشرطة بابعاد المارة المذعورين الى الشوارع الضيقة. وفرغت الاسواق واقفلت المتاجر ابوابها واخذ الناس ينبهون الباعة المتجولين عند مدخل السوق قائلين "اغلقوا، اغلقوا، لقد حطموا كل شيء". وظهر جنود مسلحون وشاحنات وسيارات جيب ومصفحات في العاصمة التونسية. وفضلا عن تعزيزات كبيرة من قوات الشرطة ووحدات التدخل الخاصة، شوهدت تعزيزات عسكرية ايضا حول مقر الاذاعة والتلفزيون. وتواصلت اعمال العنف هذه، التي اوقعت ما بين 21 قتيلا (وفقا لحصيلة رسمية) واكثر من 50 قتيلا بحسب مصدر نقابي، الاربعاء داخل البلاد. فقد قتل مدنيان اليوم برصاص الشرطة في دوز، جنوبتونس خلال تظاهرة تطورت الى اعمال عنف، كما افاد شاهد لوكالة فرانس برس. وهذه المرة الاولى منذ بداية التحركات الاحتجاجية التي تشهد فيها هذه المدينة التي يعيش فيها 30 الف شخص والواقعة على بعد 550 كلم جنوب العاصمة اعمال عنف مماثلة، بحسب هذا الشاهد. واوضح الشاهد الذي طلب عدم كشف اسمه ان "ما بين اربعة وخمسة سكان اخرين جرحوا اصابة بعضهم حرجة". وفي مدينة تالة، وسط غرب تونس، قتل متظاهر واصيب اثنان اخران برصاص القوى الامنية مساء اليوم وفق ما اعلن مسؤول نقابي لوكالة فرانس برس. وقال النقابي بلقاسم سايحي ان الشرطة حاولت تفريق تجمع "سلمي" في المدينة التي شهدت اضطرابات دامية في نهاية الاسبوع الفائت، وذلك عبر اطلاق الغاز المسيل للدموع قبل ان تستخدم السلاح. وفي صفاقس، التي تبعد 300 كلم جنوب العاصمة التونسية، اصيب خمسة مدنيين برصاص الشرطة في هذه المدينة التي تشهد "اضرابا شاملا". فقد وقعت مواجهات مع الشرطة عندما اراد الالاف واكثرهم من النقابيين، "الاعراب عن دعمهم لسكان سيدي بوزيد ومناطق اخرى" تشهد اضطرابات، كما قال لوكالة فرانس برس نقابيون تم الاتصال بهم هاتفيا. وتنفذ هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 270 الف نسمة اضرابا عاما بدعوة من الفرع الجهوي للاتحاد التونسي للشغل. واوضحت مصادر في الاتحاد ان اضرابات متسلسلة قد تقررت في بضع مدن منها القصرين وقابس وجندوبة، اما الاضراب في العاصمة فمقرر الجمعة. وكان الاتحاد التونسي للشغل اعلن دعمه المطالب "المشروعة" للمواطنين، وطالب بالافراج عن المعتقلين وباصلاحات "للارتقاء بالديموقراطية وتعزيز الحريات". ودعا الاتحاد في بيان الى تحديد "وجوه سوء الادارة" و"الممارسات التي تتناقض تناقضا فاضحا مع قيم العدالة والحرية والمساواة". وعلى الصعيد السياسي اعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي في مؤتمر صحافي الاربعاء اقالة وزير الداخلية رفيق بلحاج قاسم والافراج عن جميع الموقوفين. وقد استبدل بلحاج بالاستاذ الجامعي والعضو السابق في الحكومة احمد فريعة. كما اعلن الغنوشي تشكيل لجنة تحقيق حول الفساد الذي تندد به المعارضة ومنظمات غير حكومية. الا ان الحزب الديموقراطي التقدي المعارض اعتبر اقالة وزير الداخلية "غير كافية" وجدد دعوته الى "اصلاحات عميقة" والى تشكيل حكومة انقاذ وطني. وكان الرئيس زين العابدين بن علي (74 عاما) تحدث الاثنين عبر التلفزيون واعدا بتوفير 300 الف وظيفة في خلال سنتين. وندد في الان نفسه ب"عصابات ملثمة" و"مناوئين مأجورين .. مسيرين من الخارج" اتهمهم بالوقوف وراء الاضطرابات. من جهة اخرى اعتقلت السلطات الاربعاء رئيس حزب العمال الشيوعي التونسي (محظور) حمة همامي داخل منزله قرب تونس العاصمة، على ما افادت زوجته راضية نصراوي وكالة فرانس برس. وهو اول زعيم سياسي يتم اعتقاله منذ بدء التحركات الاحتجاجية. وخلال الايام الاخيرة، اجرى همامي (59 عاما) مداخلات عدة لوسائل اعلام اجنبية للتنديد بنظام الرئيس زين العابدين. فقد اعتبر همامي في حديث لاسبوعية "ليفت" الايطالية التي تصدر الجمعة ان التحركات الاحتجاجية "اقوى من النظام". وقال في هذه المقابلة التي اجريت معه قبل توقيفه "رغم سقوط قتلى لا يزال الشباب في الشارع. الحركة اقوى من النظام وقد تؤدي الى سقوطه". وقد استمر المجتمع الدولي في التعبير عن القلق حيال الاضطرابات في تونس. وقالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون مساء الثلاثاء "نحن قلقون بالإجمال من عدم الاستقرار في تونس، يبدو أن الاحتجاجات خليط ما بين الاقتصادي والسياسي وللأسف فإن رد الفعل الحكومي أدى الى مقتل البعض، ونأمل في حل سلمي". كما دانت المتحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون استخدام القوة "غير المتكافىء" من قبل الشرطة في تونس. ودعت المفوضة العليا لحقوق الانسان في الاممالمتحدة نافي بيلاي السلطات التونسية الى البدء بتحقيق "مستقل وذي مصداقية" في اعمال العنف بعد "الاستخدام المفرط" للعنف من جانب قوات الامن. وقالت بيلاي في بيان ان "معلومات تشير الى ان غالبية التظاهرات كانت سلمية وان قوات الامن ردت باستخدام القوة المفرطة بما يتعارض مع المعايير الدولية". ودعت الولاياتالمتحدة وكندا الى ضبط النفس، واعتبر المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الفرنسي بينوا هامون الاربعاء ان الرئيس التونسي بن علي "محاصر". ورفض رئيس بلدية باريس المولود في تونس برتران دولانويه اي تساهل مع النظام في تونس مؤكدا انه "الى جانب الشعب التونسي". وفي مرسيليا (جنوبفرنسا)، تظاهر ما بين 700 والف شخص وفق الشرطة والمنظمين هاتفين "بن علي قاتل" وذلك تضامنا مع موجة الاعتراضات التي تشهدها تونس.