في سياق كل تحول اجتماعي غالبا ما يعمل نظام الاستبداد على إعادة إنتاج نفسه بالانحناء أمام العاصفة ورفع الشعارات الرنانة رغبة في الامساك من جديد بأسباب إدارة الأوضاع الجديدة من خلال القيام ببعض الإصلاحات الشكلية والتضحية ببعض رفاق الدرب وترديد شعارات وضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار والحفاظ على وحدة الصف والإكثار من الوعود الجميلة. وحالما تهدأ الأوضاع وتخمد أنفاس الانتفاض أو الثورة يعيد المستبد ترتيب جهاز الدولة وفق فلسفة الحجر والقهر والفساد والإفساد. والخطوات الأولى التي اتبعتها الحكومة التونسية الجديدة تأخذنا في هذا الاتجاه بإقدامها على استبعاد أغلب مكونات المجتمع السياسي وضمها لكثير من صقور نظام الرئيس الهارب زين العابدين بن علي في حقائب حساسة واقتصارها على بعض وجوه المعارضة القانونية والشخصيات المستقلة. ولولا يقظة الشارع التونسي وهمة الشباب المتشبثة بالتغيير الحقيقي لقضي الأمر ولآنكفأت الثورة وحلصت بداية الردة السياسية. فاندفاع المواطنين من جديد إلى التظاهر وإعلاء الصوت بشعار اجتثاث جذور الديكتاتورية من مؤسسات الدولة أربك هذه الحكومة قيد التشكل ودفع بالاتحاد العام التونسي للشغل لسحب ممثليه وبحزب التكتل من أجل العمل والحريات إلى تعليق مشاركته. ورغم تلكإ حركة التجديد في تجميد مشاركتها وملازمة الحزب الديمقراطي التقدمي للصمت والاحتفاظ بحقيبته الوزارية فإن التونسيين وفي طليعتهم الشباب سيجهضون هذه الحكومة ويحولون دون كل مناورة. والذين ارتكبوا هذا الخطأ السياسي في التهافت على حكومة السيد محمد الغنوشي دون إشراك أبرز الحركات والمنظمات المستقلة ذات المصداقية والثقل والرصيد النضالي سيدفعون ضريبة ذلك بلا شك في المحطات الانتخابية المقبلة.