تونس: نسبة امتلاء كافة السدود بلغت 33،5 بالمائة الى غاية يوم 24 ماي 2024    صافرات الإنذار تدوي في تل أبيب لأول مرة منذ بضعة أشهر    ماكرون في ألمانيا: أول زيارة رسمية لرئيس فرنسي منذ 24 عاما    بينها الترجي الرياضي التونسي: خمسة أندية عربية تسجل حضورها في كأس العالم للأندية    سوسة : ضبط كمية من الكوكايين والزطلة على متن سيارة ذات ترقيم أجنبي    جامعة وكالات الأسفار: 30 بالمائة من النزل ما تزال مغلقة    المراحل التعليمية الانتقالية تصاحبها اضطرابات نفسية وسلوكية قد تؤدي إلى الانقطاع المدرسي (مختص نفسي)    المكتب الموحد التونسي للسيارات يطلق منصّة 'ميكارد' للإصدار الإلكتروني لبطاقات التأمين الدولية    سيدي بوزيد: نحو تكثيف الحملات التحسيسية لحث المواطنين على تلقيح الحيوانات وتفادي الإصابة بداء الكلب    الرابطة الافريقية لكرة السلة - الاتحاد المنستيري يواجه غدا ريفرز هوبرز النيجيري في الدور ربع النهائي    بلدية تونس قامت خلال شهر أفريل بمداواة حوالي 42 هكتار من الأراضي والمناطق المناسبة لتكاثر الناموس ( مدير حفظ الصحة ببلدية تونس)    توزر: طائرة حجيج ولايتي توزر وقبلي تغادر مطار توزر نفطة الدولي في اتجاه المدينة المنورة    طقس اليوم: استقرار في درجات الحرارة    إسبانيا تتحدى إسرائيل بجواز سفر فلسطيني    اليونايتد يُحرز كأس الإتحاد الأنقليزي    موكب تسليم المهام بين السيدين خالد النوري وسلفه كمال الفقي    رئيس وزراء جورجيا يتهم رئيسة البلاد بالخيانة    أخبار النادي الإفريقي... البنزرتي يراهن على «إيدو» وهيئة الحكماء في مأزق    الإستعدادات لتنظيم الامتحانات الوطنية محور جلسة عمل لوزيرة التربية    بمناسبة يوم افريقيا: وزير الخارجية يؤكد أن تونس تمثّل العمق الجيوسياسي لافريقيا    كأس فرنسا.. باريس سان جيرمان يحرز اللقب للمرة ال 15 في تاريخه    نفّذوا «براكاجات» وسطْوًا مسلّحًا بين الكرم والمرسى وقرطاج: حملات أمنية والقبض على عصابات إجرامية خطيرة    بعد حادثة ضربها من متعهّد حفلات منذ سنتين: أماني السويسي في المهرجانات الصيفية مع الناصر القرواشي    قريبا على منصة «شاهد» هند صبري «زوجة صالحة» في «مفترق طرق»    المهرجان الدولي للفيلم القصير بمصر في نسخته الثالثة ...شريط «القلاّلين» لحسام صفر يُتوّج بجائزتي الصّورة والموسيقى    أخبار المال والأعمال    موكب تسليم المهام بين خالد النوري وسلفه كمال الفقي    مختصة في علم النفس توصي بضرورة تخفيف الضغط وتجنب كل ما من شأنه توتير أجواء المنزل خلال فترة الاعداد للامتحانات    الهلال الأحمر: الرفع بداية من الأسبوع القادم في نسق العودة الطوعية للمهاجرين من دول جنوب الصحراء إلى 400 شخص في الأسبوع    رابطة الابطال الافريقية لكرة القدم - الاهلي المصري يفوز على الترجي الرياضي 1-0 ويحرز اللقب    كلفة تأجير الموارد البشرية في تونس تعد الاضعف مقارنة بنظيراتها وبالبلدان المتقدمة    مع الشروق .. استدامة المؤشرات الإيجابية    " وزارة الشؤون الثقافية ستواصل ككل سنة دعم المهرجانات لكن دون اجحاف وفي حدود المعقول مع الحرص على ضمان التوازنات المالية للمهرجانات" (بوكثير في تصريح خاص بوات)    ندوة علمية حول ابن خلدون والأبعاد الكونية لكتاب "المقدّمة": ابن خلدون هو الأب العلمي والعقلي لعلم الاجتماع    "تونس مهد الفسيفساء والملتقى الدولي للفسيفساء بالحمامات تظاهرة ثقافية متميزة نحرص على ضمان استمراريتها ومزيد اثرائها وتطويرها" (المنصف بوكثير)    البنك المركزي :العائدات السياحية و عائدات العمل تغطي 68 بالمائة من خدمة الدين الخارجي إلى يوم 20 ماي 2024    تخصيص ميزانيات ضخمة للمهرجانات لجلب فنانين باسعار قياسية..المنصف بوكثير يوضّح    وزيرة التربية تُقيل مندوب تونس 1    بسبب التدافع : اصابة محب للترجي في ساقه وتم نقله للمستشفى    اتصالات تونس تتوج لمجهوداتها في مجال الالتزام البيئي    سليانة: مندوبية الفلاحة تدعو الى إتخاذ جملة من التدابير اللازمة للتوقي من الحرائق    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    لأول مرة في تونس: عملية استئصال ورم في قاعدة الدماغ بالمنظار، عن طريق الأنف    فلسطين تطالب بضرورة محاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني    من بينها البطاطا المقلية: عادات غذائية تسرع من الشيخوخة..اخذروها..    الهلال السعودي يدخل موسوعة "غينيس" بأطول سلسلة انتصارات متتالية    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك توحه نداء عاجل لرئيس الدولة..    معهد الفلك المصري يحدّد موعد أول أيام عيد الأضحى    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    اليوم على " ستاد القاهرة" … الترجي يتحدى الاهلي من اجل الظفر بلقبه الخامس برابطة ابطال افريقيا    هبوط اضطراري لطائرة رئيس وزارء هذه الدولة..#خبر_عاجل    ما علاقة استخدام الهواتف الذكية ومشاهدة التلفزيون بمرض السمنة لدى الأطفال؟    الطقس يوم السبت 25 ماي 2024    نجاح طبي جديد/ لأوّل مرّة في تونس: استئصال ورم في قاعدة الدماغ بالمنظار عن طريق الأنف    رئيس قسم الأعصاب بمستشفى الرازي يوجّه هذه النصائح للتونسيين    تسع مدراس ابتدائية تشارك في الملتقى الجهوي للكورال بسيدي بوزيد    حُبّ أبي بكر للرّسول صلى الله عليه وسلم    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حُكّام من أجل الشعوب وشعوب من أجل الحكّام : محمد العماري
نشر في الفجر نيوز يوم 27 - 03 - 2011

يتميّز الحكام العرب, بلا إستثناء تقريبا, عن سواهم من حكام وقادة العالم بالكثير من المزايا والصفات التي تخصّهم وحدهم فقط. فإذا كان الحاكم في الغرب مثلا, سواءا كان رئيس دولة أو رئيس حكومة يعتير نفسه, حسب دستور وقوانين البلاد, موظفا كبيرا ولمدّة محدّدة ثابتة ومُتّفق عليها من قبل الجميع, فان الحاكم العربي بالمقابل يعتبر نفسه "هِبة" من السماء نزلت على قومه ولذا تستوجب عليهم عبادته, والا فهم جاحدون وناكرو جميل بنظره. وبالتالي يقوم بفعل كل شيء مستخدما جلّ صلاحياته, المطلقة والواسعة أصلا, من أجل أن تنحني له الجموع وتسبّح باسمه الى جانب إسم الخالق.
إن الحاكم في الغرب معرّض للمساءلة والمحاسبة أمام برلمان بلاده في حالة تقصيره في أداء مهمّته. وتزداد عليه الضغوط وتُرفع في وجهه سيوف الانتقادات والمُطالبة بالاستقالة إذا قُتل أو أصيب أحد مواطنيه في الخارج. وتقوم الدنيا ولا تقعد على وزير خارجيته إذا كان الضحية مدنيا وإذا كان عسكريا فان وزير الدفاع يجد نفسه في عين عاصفة من الأسئلة المحرجة والانتقادات اللاذعة والمساءلات القانونية. أما الحاكم العربي, الذي يعتبر مواطنيه قطعان من الماشية والحيوانات الأليفة, فلا يرفّ له جفن ولا يُسمح لأحد, حتى من المقرّبين جدا منه, أن يوجّه له سؤالا أو إستقسارا بسيطا في حالة موت أو فقدان العشرات من أبناء قومه. فالأمر ببساطة لا يعنيه على الاطلاق.
في الغرب تنتخب الشعوب حكامها وتقوم باقصائهم عن الحكم في إنتخابات ديمقراطية نزيهة وتحت إشراف مباشر من قبل قضاء مستقل. في عالمنا العربي يحصل العكس تماما. أي يقوم الحاكم باختيار شعبه, إذا جاز القول, ويسمح لنفسه, رغم أنه وصل الى سدّة الحُكم بطرق غير شرعية, بأن يعطي ذاك الشعب وثيقة حسن سلوك إذا نال طبعا رضاه وتحمّل بطشه وإستبداده. ولو توفّرت للحاكم العربي قدرات سحرية خارقة لما تردّد يوما في نفي وإقصاء شعبه الى أبعد نقطة في الكون. فالحاكم العربي مقتنع حدّ الهوس والجنون بان وجود شعبه وإستمراره في الحياة, رغم بؤسها وتعاستها, هو من فضائل ومكارم فخامته وحسن أفعاله.
في الغرب لا تسمح القوانين ولا الثقافة ولا الأخلاق ولا العادات بان تُوضع صور ضخمة وجداريات للحاكم في كل مكان. ولا توجد لافتات تمجّد الحاكم وتحكي عن إنجازاته أو يطولاته. وفي فترة الانتخابات فقط تظهر الشعارات والصور, طبعا صغيرة الحجم,وفي أماكن مخصّصة لها, وتشمل جميع االمشاركين في الحملة الانتخابية. في عالمنا العربي يختلف الأمر الى درجة يبدو فيها أن حكامنا, ووهم حالة شاذة ونادرة فعلا, يعيشون حلات إنتخابيةمستمرة ودون أن ينافسهم فيها أحد, بعد أن يتم توظيف أموال طائلة لها من خزينة الدولة.
فصورهم الضخمة في كل مكان. الساحات العامة والشوارع المهمة تحمل أسماءهم. المستشفيات والجامعات والمدارس وبعض المؤسسات الحكومية كلها تضع أسماءهم وصورهم على مقدمتها. وأينما تحط الرحال تجد نفسك وجها لوجه أمام رئيس الدولة, وكأنه يتايع خطواتك ويخصي عليك أنفاسك. وهذا الكرم الزائد عن الحاجة في تمجيد وتعظيم الحاكم العربي وإرغام الناس على عبادته يشمل أيضا الأباء المتوفّين والأقرباء المقربّين. كوالد والد الرئيس أو الملك أو الأمير. فعلى سبيل المثال, مطار فلان إبن فلان, طبعا والد فخامة الرئيس, جامعة فلان الفلاني, شقيق أو جد أو عم صحاب السعادة والسمو والفخامة, رئيس الدولة, وهكذا دواليك.
ولا يمكنكم تصوّر حجم السخرية وشدة الضحك وسيل النكات لو أن شيئا من هذا حصل في دولة أوروبية. فهل سمعتم بالله عليكم مثلا أن هناك شارع أو حارة أو حتى زقاق باسم سيلفيو برلسكوني في إيطالية.؟ بالرغم من أن الرجل يملك المال والجاه والسلطة والخدم والحشم والعاهرات وجميعهم مستعدون أن يفرشوا له الأرض بالورود والرياحين أينما حلّ وإرتحل. وباستطاعته أن يفعل ما يشاء, وهو الرجل الفاسد الفاسق الذي لا قيم ولا إعتبارات لديه وحبّه للمظاهر والظهور لا حدود له. لكن, الفرق بين حاكم عربي, مقتنع حتى النخاع بان وجده في السلطة أبدي لا يقلعه منها الاّ ملك الموت, وبين حاكم غربي حتى وأن كان من أسفل السافلين كسيلفيو برلسكوني, يبقى فرقا شاسعا.
أما الحديث عن كيفية التصرّف بالمال العام وثروات البلاد فلا توجد, حسب معرفتي المتواضعة جدا, أية إمكانية للمقارنة بين الحكام العرب وسواهم من حكام العالم. فالمواطن العربي على سبيل المثال, وأنا أولهم طبعا, لا يعرف, وكيف له أن يعرف وألأبواب عن هذا الموضوع كلّها موصدة بشتى الأسرار, بين ما هو خاص وعام فيما يتعلّق باموال وممتلكات رئيس الدولة.
والفرق بين الحاكم العربي, والذي هو دائما من الأغنياء, وبين الحاكم في الدول الغربية, هو أن ولي أمرنا, رئيسنا ومليكنا وأميرنا المفدى, لا يُحاسب لا على تصرّفه بالمال اعام ولا على سواه من الأمور. بل هو مَن يحقّ له وحده أن يحاسب الجميع على كل صغيرة وكبيرة.أما الحكام في الدول الأخرى, أمريكا وأوروبا ودول كثيرة غيرها, فانهم مسؤولون أولا وآخيرا عن أي قرش يدخل أو يخرج من والى خزينة الدولة.
والجميع من رئيس الدولة الى كاتب هذه السطور مُطالبون قانونيا أن يقدموا إستمارة كشف الدخل السنوي. والويل كل الويل لمن لا يقدمها أو يقدّم معلومات حاطئة أو يخفي الحقائق المتعلّقة بدخله السنوي. فالجميع هنا متساوون أمام القانون خصوصا في الجانب المتعلّق بالكسب والربح سواء كان للفرد أو الشركة أو المؤسسة أو الجمعية. وعقوبات المخالف في هذا المجال قاسية جدا وقد تلوّث سمعة الانسان وتعرقل عمله ونشاطه على مدى الحياة.
في الختام, ثمة حكام, وبغض النظر عن نوعية وإسلوب الحكم, يعشون من أجل إسعاد شعوبهم قدر المستطاع وكسب رضاهم والتقرّب اليهم. لأنهم يدركون بل مقتنعون بان الشعوب وحدها هي التي تبقيهم في سدّة البحُكم أو تسقطهم عنها في أو الانتخابات. فشرعية أي حاكم تأتي أولا وأخيرا من شعبه. وهذا مع الأسف الشديد ما لا يحصل في أية دولة عربية. لأن الحاكم في أرض العرب, والذي تحوم الشكوك والغموض حول شرعيته, يستخدم كل الوسائل والسُبل المشروعة وغير المشروعة لارغام شعبه على العيش والموت من أجل بقائه هو في السلطة الى يوم الدين. وإذا جاز القول فان المواطن العربي هو المُطالب, لا الحاكم المستبد الجائر, باثبات شرعية وجوده وبقائه في وطنه!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.