حالة جديدة من الإخفاق والفشل تعانيها النخبة المصرية العلمانية وبعض الليبرالية التي تقف اليوم وحدها عارية وسط الميدان ، حالة من التراجع بل التردي فبعد أن كانت ولفترة زمنية طويلة مصدر الإلهام الفكري والميداني لكل تغيير أو إصلاح منشود خاصة في فترة النضال الوطني ضد المستعمر في النصف الأول من القرن الماضي ، حين تولت قيادة وريادة الجماهير العربية في طريق التحرر والاستقلال فضلاً عن التطور الاقتصادي والنضج السياسي والإبداع الفكري، سرعان ما تحولت وبمرور الزمن وكثرة المعوقات لمربع منظومات الحكم المستبد الفاسد تشرعن الاستبداد وتحمي الفساد وتبرر بل تحرض ضد مصالح الشعوب والأوطان وأصبحت كياناتها التنظيمية من أحزاب وحركات جزء عضوي ووظيفي من أنظمة القهر والقتل ، ووقعت هذه النخبة في جملة أخطاء بل خطايا منها : ** الإصرار على تحدي هوية الأمة المصرية "العربية الإسلامية" واستدعاء فزاعات وأوهام وأكاذيب الدولة الدينية وحقوق الأقليات وفوبيا الإسلاميين في تحريض سافر وتهديد مقصود ضد تيار جارف من النسيج الوطني المصري ** ترويع وتخويف الرأي العام المصري من الإسلاميين خاصة الإخوان وهو نفس سلوك النظام البائد المتخصص في التوظيف السياسي للانتماءات الدينية وشق الصف الوطني ** افتعال معارك وهمية من السجال السياسي حول المادة الثانية من الدستور المصري وما قد يترتب عليها من تمزيق وحدة الصف المصري
** استنكار البعض توظيف المساجد في السجال السياسي ووجودهم هم بصفة مستمرة في كنائس مصر لإدارة الندوات السياسية التي تقول لا للتعديلات ولا للمادة الثانية من دستور 1971 م ولا للإسلاميين ** استنكار البعض على رئيس اللجنة العليا للاستفتاء قراءته بعض آيات القرآن الكريم في بداية المؤتمر الصحفي وختامه بالدعاء ما قد يسئ الظن بأن الموقف ليس من الإسلاميين بل من الإسلام نفسه
** مزايدة البعض على نتائج الاستفتاء حول التعديلات الدستورية بأن الذين قالوا نعم لا يفهمون في السياسة والذين قالوا لا هم أخلص الناس لثورة 25 يناير !
نتائج ودلالات هذا الطرح من النخبة العلمانية "المتوحشة" يؤكد ما ذهبتُ إليه في عدة مقالات سابقة أن هذا التيار لا يملك مشروعاً وطنياً ولا هوية تنتمي للمنطقة بل لا يريد دولة مدنية لكن المدنية شعاراً مرفوعاً يحمل في طياته مناخاً لا دينياً على المستوى الدستوري والتشريعي والتنفيذي ، تارة باسم المدنية وأخرى باسم المواطنة وثالثة باسم فزاعة الدولة الدينية عموماً ... السجال الفكري والبرامجي مطلوب في مناخ ديمقراطي متكافئ ، وبعد ذلك يُترك الخيار للجماهير"الشعب مصدر السلطات" وإن كان من المتوقع وقتها أن تتهم النخبة العلمانية الجماهير بعدم النضج السياسي والالتفاف حول المشاعر والشعارات