: تونس بدر السلام الطرابلسي*:بعد معركة المقرات.. تأتي معركة الحريات الصحافية1 " إضراب الجوع كالذهاب للحرب، إذ لا يذهب أحد للحرب ضاحكا، فهو لجوء قسري وقاسي لا يقدم عليه الإنسان بغبطة"(منجي اللوز). بعد معركة المقرات التي خاضها القياديان في الحزب الديمقراطي التقدمي مي الجريبي الأمينة العامة للحزب و أحمد نجيب الشابي مسئول العلاقات الخارجية من خلال إضراب الجوع الذي امتد على أكثر من شهر ونصف خريف 2007 بالمقر المركزي للحزب بتونس العاصمة وذلك للتصدي لمحاولات النظام التونسي تجريدهم من مقرهم المركزي ومقراتهم الفرعية بباقي المحافظات التونسية، تخاض اليوم في تونس معركة الحريات الصحافية والتي تتزامن مع اليوم العالمي للحريات الصحافية 3 أيار/ مايو الجاري. يقود المعركة هذه المرة صحفيان بارزان من رفاق أبطال معركة المقرات .....، الأول رئيس تحرير جريدة الموقف ( أسبوعية مستقلة يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي ) ومراسل صحيفة " الحياة " اللندنية رشيد خشانة والثاني مدير تحريرها منجي اللوز.
*منجي اللوز مدير تحرير الموقف رشيد خشانة رئيس تحرير الموقف
وقد دخل المضربان في تحركهما هذا منذ يوم 26 أبريل 2008 ولم يوقفاه إلى حد كتابة هذه السطور. وحسب ما أفادنا به السيد منجي اللوز فإن هذا الإضراب هو " لجوء قسري وقاسي " لترفع السلطات التونسية يدها عن الجريدة وتفك حصار الضغوطات المالية والسياسية والرقابية التي تمارسها عليها. إذ عرفت صحيفة الموقف في الآونة الأخيرة تضييقات شتى مورست عليها، فبالإضافة لحرمانها من حقها في التمويل العمومي الذي تتمتع به باقي الجرائد و النشريات التونسية، فإن نسخها تتعرض للسحب من الأكشاك ولا تصل كاملة للمحافظات. والنقطة التي أفاضت الكأس في هذه القضية هي إقدام السلطات التونسية على تجميد رصيدها المالي ودفع شركات لتعليب وترويج زيت الطعام إلى رفع دعوى قضائية ضد مديرها ورئيس تحريرها مطالبة بتعويضات هائلة تساوي 500 ألف دينار، أي ما يعادل 416 ألف دولار. لقد دفع هذا المناخ المنغلق اثنين من خيرة صحفييها للدخول في إضراب عن الطعام، واضعين حياتهم على المحك من أجل تحرير أقلامهم ورفع الظلم عن صحيفتهم، وهو الأمر الذي دفعنا للقيام بزيارة خاصة للمضربين والتعرف أكثر على معاناتهم. وبرغم علامات الإرهاق والتعب الشديدين، لم يبخل علينا محدثينا بإفاداتهم حول حيثيات الإضراب وتداعياته الداخلية والخارجية، وفي سؤلنا له عن آخر المستجدات أجابنا السيد خشانة بأن هنالك صدى داخليا وخارجيا إيجابيا للإضراب وقد تجسد في لجنة المساندة العربية الدولية للإضراب والمتكونة من 22 شخصية من كل الدول العربية ومن بعض الشخصيات الدولية وهو دليل على " عدالة القضية " التي تلقى الدعم والمؤازرة من قوى " الحرية في العالم "، كما لقي الإضراب مساندة محلية هامة تمثلت في إضرابات الجوع التضامنية التي تمت في مدن مختلفة من البلاد ( بنزرت، سيدي بو زيد، قفصة، صفاقس، نابل، سوسة، جندوبة..)، هذا إضافة إلى توافد شخصيات عديدة تمثل أحزاب ومنظمات أهلية ومستقلين من كافة القطاعات ( نقابيين، صحافيين، جامعيين..). وفي استفسارنا له عن ما طرأ بعد الإضراب أفدنا بأنه " حصل تحسن طفيف في توزيع الجريدة إذ لم توزع الشركة كل الكمية التي وصلتاها من الإدارة مما نتج عنه فقدان الصحيفة في عدة مناطق داخلية " ويضيف بأن مطالبهم الأخرى المتمثلة في التعويض عن الأعداد المسحوبة من السوق ( 5 أعداد ) وإلغاء التتباعات القضائية ورفع الحجز عن الحساب الجاري المجمد لم يتم التجاوب معها.." الأمر الذي دفعهم لمواصلة الإضراب. إلى ذلك، تطرقنا في حديثنا مع رئيس تحرير جريدة " الموقف" لموضوع نقابة الصحافيين التونسيينالجديدة وكيفية تعاطيها مع حدث الإضراب فأفادنا بأنه " بعد تدجين دام قرابة 20 سنة لقطاع حساس ومتحرك استطاع الصحافيون أن يختاروا هيئة غلبت عليها الوجوه المستقلة" ويضيف بأنه لم " يتسن ذلك إلا عندما احترم الاقتراع داخل الخلوة ومن دون السماح للمسئولين عن المؤسسات الإعلامية بالحضور على مقربة من الخلوة لترهيب الصحفيات والصحفيين، هذا إضافة صندوق الاقتراع لأول مرة بالاتجاه الحقيقي للجسم الصحفي وهو التمسك الكامل بالديمقراطية وبناءا على هذا المنحى الجديد جاء تقرير نقابة الصحفيين منسجما النقلة التي حصلت في قيادة النقابة - الجمعية سابقا- وطبعا لا يمكن للمرأ إلا أن يشعر بالارتياح للهيكل النقابي للصحفيين لدوره المنافح على الحرية، ويرصد التقرير المشهد الإعلامي بشكل قريب من الموضوعية ولا يواري التجاوزات والاعتداءات على الحريات الصحافية والإعلامية." وعن موقف النقابة من الإضراب أعلمنا بأن النقابة بادرت بإصدار بيان عبر بشكل واضح عن مطالبته السلطة للاستجابة لمطالبهم العادلة وهذه " جسارة لم نتعود عليها في السنوات الأخيرة على رغم أن النقابة تقوم بواجبها مثل النقابات المستقلة الأخرى في أي بلد من العالم" وينوه، في هذا الصدد، بهذا الموقف لأنه يؤازر حركتهم الإضرابية ولأنه أيضا يأتي من زملائهم وليس من قطاع خارج قطاعنا وإن كانوا يرحبون بكل المؤازرات التي جاءتهم من الجامعيين والسياسيين والنقابيين وغيرهم. وفي استفسارنا عن سبب اللجوء لهذا الأسلوب في الدفاع عن مطالبهم أجابنا: " يؤسفني ويؤلمني كتونسي أن نجد أنفسنا، وقد مضت 8 سنوات على انبلاج الألفية الثالثة، مجردين من كل وسائل العمل السياسي ومضطرين للتهديد بحياتنا من أجل أن تسمع السلطة صوتنا وتستجيب لمطالبنا التي تعتبر جزء من الماضي في أغلب المجتمعات، إذ أن حرية الصحافة المكتوبة باتت أمرا مفروغا منه في مجتمعات كثيرة مشابهة لنا، بل كانت أقل منا تطورا". ويضيف في هذه النقطة بالذات زميله في الإضراب منجي اللوز مدير تحرير جريدة الموقف بأن " إضراب الجوع كالذهاب للحرب، إذ لا يذهب أحد للحرب ضاحكا فهو لجوء قسري وقاسي لا يقدم عليه الإنسان بغبطة". هذا وعندما استفسرناه عن سبب إقدامهم على هذا النوع من النضال للمطالبة بحقوقهم برغم نشاطهم في حزب سياسي و عملهم بجريدة مستقلة ومناضلة، وضح لنا بأنهم أرادوا في البداية تجنب هذا الأسلوب و حاولوا بأساليب أخرى ترويج الجريدة وبيعها في الشوارع لكنهم منعوا وتم التحرش بمناضليهم والاعتداء عليهم، هذا إضافة للمناخ السياسي العام والذي يتسم بحالة الانغلاق والقمع والمنع من ممارسة الحريات الأساسية ولذلك فلإضراب الجوع هدفين أولهما إثارة نوازع الحركة السياسية وعزائمها وثانيهما تسليط الضوء على قمع الحقوق والحريات ". وفي تعليقه على محاكمة 10 مايو 2008 أفادنا بأن هنالك مساعي حثيثة للتعبئة ليوم المحاكمة السبت القادم وبأنهم سيحضرونها ويدافعون عن موقفهم بما أنها قضية واهية ومرتكزاتها ضعيفة و " بقبولنا المثول سنقلب المعادلة ونكسب القضية، وحتى وإن كان هنالك حكم سياسي مسبق فمن الأفضل أن نحضر ونفضح هذا الحكم ". هذا وقد سألنا السيد منجي اللوز عن رأيه في تعليق السلطة على تحركهم الذي وصفته بأنه " مناورة ديماغوجية وانتهازية" في إحالة منها على تزامن توقيت الإضراب مع زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لتونس، أجابنا بأن الهجوم على الموقف اشتد منذ شهرين وبالتدريج وبأنهم قد أرسلوا عدة إشارات للسلطة عبروا فيها بكل وضوح عن إصرارهم في الدفاع عن صحيفتهم وعن الكلمة الحرة " والسلطة تعرف أننا لسنا من أولائك المتخلين عن حقوقهم ولم نختر استهداف الجريدة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الإعلام ومن هذه الزاوية السلطة هي التي فرضت توقيت الإضراب ومن ناحية أخرى فإن أي إنسان يقدم على عمل سياسي يعطي أهمية للتوقيت " ويضيف " نعم اخترنا التوقيت وسعينا لاستثماره وهو من صلب العمل السياسي. ويؤكد في ذات السياق على أن دافع السلطات العمومية من هجومها على الجريدة وحجر حسابها المصرفي المتواضع ودفع شركات الزيت للقيام برفع دعوى قضائية ضدها هو " إرادة سياسية للحكم لمواجهة توجهات الحزب الديمقراطي التقدمي وجريدة الموقف بمناسبة الاستحقاق الرئاسي المقبل، إذ ارتئ الحزب والجريدة جعل هذا الاستحقاق مناسبة لمساءلة الحكام وفرصة لطرح قضية التداول السلمي ولتوسيع دائرة المشاركة الفعالة على أساس نداء واضح للإصلاح السياسي باعتباره مفتاح تعهد مختلف الملفات الأخرى سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، ولم يرق للسلطة كالعادة أن يتقدم الأستاذ الشابي الذي رشحه الحزب وثلة من الشخصيات الوطنية باسم " البديل الديمقراطي ". ويشدد في هذا الصدد على أن استهداف الجريدة اليوم هو حلقة أخرى بعد معركة المقرات في مواجهة سعي الحزب الديمقراطي التقدمي لطرح قضايا الإصلاح ووضع تونس على طريق الانتقال إلى الديمقراطية. وفي كلمة، عبر السيد منجي اللوز عن رجائه في أن يتغلب العقل والرشد لإيجاد تسوية مشرفة مثلما كان الحال في موضوع المقر، وأن يكون هذا الإضراب مناسبة لإعلاء كلمة المعارضة وتوحيد صفها حول حرية التعبير والإعلام في تونس. * صحافي تونسي Thursday, 08 May 2008