مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    عاجل/ وزير اسرائيلي: نحن بصدد احتلال غزة وعلى الإسرائيليين تقبّل كلمة "الاحتلال"    الرابطة المحترفة الاولى : برنامج الجولة 29    سليانة: 2735 تلميذا وتلميذة من 22 مؤسسة تربوية يشرعون في إجراء اختبارات البكالوريا التجريبية    عاجل/ قتلى في اصطدام سيارة تونسية بشاحنة ليبية    عاجل/ حملة أمنية في سيدي حسين تُطيح بعناصر خطيرة مفتّش عنها    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    تونس تتلقى هبة يابانية تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي    رفض مطلب الإفراج عن النائب السابق وليد جلاد في قضية فساد مالي    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    بداية من الغد: اضطراب وانقطاع توزيع المياه بهذه المناطق..#خبر_عاجل    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة عمل إلى تونس بيومين    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    وفد من هيئة الانتخابات في رومانيا لملاحظة الانتخابات الرئاسية    الإدارة العامة للأداءات تُحدد آجال إيداع التصاريح الشهرية والسنوية لشهر ماي 2025    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    رفع اكثر من 36 الف مخالفة اقتصادية الى أواخر افريل 2025    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعيش أزمة دستورية في تونس : زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي ميّة الجريبي
نشر في الفجر نيوز يوم 28 - 12 - 2007

نعيش أزمة دستورية في تونس : زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي ميّة الجريبي
الفجر نيوزwww.alfajrnews.net
تونس- حوار سفيان الشّورابي
تُعد ميّة الجريبي أول امرأة تترأس حزبا سياسيا في تونس، وهي حالة نادرة يقل حدوثها في العالم العربي. واستطاعت الجريبي، في فترة وجيزة من تسلمها لهذه المهمة افتكاك مساحة معتبرة بين "فيلة" المعارضة التونسية، وقيادة حزبها بتؤدة وبثبات نحو تحقيق تطلعاتها نحو ما تطلق عليه "الجمهورية الثانية".
امرأة مثابرة ومكافحة. فلا مجال بالنسبة لها للراحة أو التراخي أمام مسؤولياتها. التقيناها فور عودتها من مدينة جندوبة (150 كم غرب العاصمة تونس) حيث كانت تُشرف على نشاط سياسي، فلم تبخل أبدا من أن تقضّي معنا بقية الوقت للإجابة على أسئلتنا عشية سبت، وما أدراك ما عشية السبت!
الجريبي قالت ل"آفاق" بأن الوقت قد حان لتحقيق المنعرج الديمقراطي وأنها ستواصل التموقع في "موقع معارض جوهري لمنظومة الحكم القائمة التي نعتبرها استبدادية"، مطالبة المعارضة التونسية بالتوحد لمواجهة هذا الاستبداد، ومعربة عن رفضها بشكل صارم لدعاوى التراجع أو تقديم التنازلات.
وخصت الجريبي أيضا، موقع "آفاق" بتصريحها عن مرشح حزبها إلى الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها سنة 2009، والذي سيكون الأمين العام السابق للحزب أحمد نجيب الشابي.
وفيما يلي نص الحوار:
آفاق: تعرض الحركة الديمقراطية العربية مدا حينا بوصول البعض منها إلى سدة الحكم على غرار تجربتي المغرب وموريتانيا، وجزرا أحيانا أخرى مثلما حصل لحركة كفاية المصرية. من موقعكم كرئيسة حزب معارض، ما هو تقييمكم لها؟
الجريبي: أعتقد أن الحركة الديمقراطية العربية تواجه تحديا أساسيا يتمثل في ضرورة انخراط الشعب في عملية التغيير الديمقراطي السلمي، ولا يكون ذلك إلا بنبذ التقوقع على الذات وبالالتفات إلى الحياة اليومية للشعوب وتعهد قضاياها على كل الأصعدة اجتماعية كانت أو سياسية أو غيرها.
على الحركة الديمقراطية العربية أن تدرك أن "الظاهرة الصوتية" تحرك السواكن لكنها لا تحدث التغيير وأن العمل في عمق المجتمع هو المؤدي لانخراط المواطن في العمل العمومي وللتغيير الحقيقي.
وتجدر الإشارة هنا أن بعض الأنظمة وعت بضرورة التفاعل مع رياح الديمقراطية التي تهب على العالم، وبدأت رويدا رويدا، وتحت وزر ضغوط شتى، تلبي مطالب الحركة الديمقراطية بما يسرّع نسق عملية الإصلاح والتدرج نحو الحالة الديمقراطية، وما تجارب موريتانيا وبدرجة مختلفة المغرب إلا دليلا على أن نهج الانفتاح والعمل الديمقراطي ممكن جدا في بلداننا بل ومرد كل استقرار ونماء.
وفي المقابل، هناك أنظمة تختار عدم الإصغاء إلى مطالب الإصلاح المتنامية فتنصب نفسها حاكم أوحد وتنتهج الاستبداد أسلوبا في التعامل وفي إدارة الحكم، ما يضيق من مجال فعل الحركة الديمقراطية ويزيد في صعوبة مهامها. وما خيار الحركة الديمقراطية العربية إلا مواصلة النضال، ومزيد تعهد قضايا المواطن من مختلف زواياها وفي تفاعل مع التطورات والمستجدات لا فقط على مستوى وطني وداخلي بل وأيضا على مستوى إقليمي ودولي.
آفاق: من جهة أخرى، وبالرغم من موجات التحرر الفكري والسياسي في بعض الحالات في البلدان العربية ما يزال دور المرأة محصورا ومحدودا داخل المشهد السياسي عموما، سواء كان ذلك في الحكم أو في المعارضة. ما هو مرد ذلك؟
الجريبي: ما أقوله في البدء هو أن محدودية مشاركة المرأة في الحياة العامة عنصر تشترك فيه كل المجتمعات بتعبيرات ودرجات متفاوتة ومختلفة ولكنها دائما قائمة وهو أمر لا يقتصر على الفضاء العربي والإسلامي بل أن هناك أمثلة في هذا الفضاء حرية بكل تمعن ودراسة بعيدا عن القوالب الجاهزة وهي تبرز موقع المرأة المتميز ومساهمتها في الشأن العام وفي الشأن السياسي بصفة أدق في مجتمعات إفريقية وآسيوية عديدة رغم الإرث الاجتماعي والثقافي المعلوم.
والمهم التأكيد في هذا الجانب، ودون إغفال خصوصية وضع المرأة، أن محدودية المشاركة العامة هي معضلة شاملة في مجتمعاتنا العربية وتهم الرجل والمرأة سواسية ومردها بالأساس وضع الاستبداد الذي نعيشه والذي من تبعاته إشاعة الخوف في النفوس وعدم الثقة في مردودية العمل العام في فضاء يعمه الاحتكار والانغلاق. كما وجب التأكيد أيضا أنه كلما سعت المرأة إلى كسر الطوق المحيط بها، إلا ما وفعّلت مشاركتها وكانت عنصرا فاعلا في عملية التغيير.
وفي جانب متصل أقول أن هناك خطوات هامة قُطعت في تونس في مجال المكتسبات النسوية، في المستويات التشريعية والقانونية والاجتماعية ما يصلب عود ما راكمه المجتمع على مستوى الممارسة والذهنية العامة وما يجعل عملية التقهقر والتراجع، أيا كان مردها، عملية صعبة للغاية إن لم أقول مستحيلة.
آفاق: تعرف المنطقة العربية تنام لظاهرة الإرهاب، ما هي أسباب ذلك حسب تصورك؟
الجريبي: تمثل التيارات الإرهابية خطرا حقيقيا يهدد العالم وما فتئ يتنامي بصفة ملحوظة في المحيط العربي والإسلامي وهو ما يتطلب منا تعاطيا غاية في الجدية.
وتتداخل العناصر المساهمة في بروز مثل هذا التيارات، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي. فالشعور بالظلم والقهر نتيجة الاحتلال والهيمنة يخلق حالة من ردة الفعل لدى الشباب تشكل تربة خصبة لمختلف الطروحات المتطرفة. لكن المهم الإضافة هنا أن هذه الحالة لا تنمو ولا تتطور إلا في تربة داخلية عناوينها الانغلاق والاستبداد والحيف الاجتماعي واستشراء الفساد وغياب الأفق وقبل هذا وذاك الفراغ الثقافي والروحي. جميع هذه العناصر تجتمع متداخلة لتجعل من شبابنا عرضة للتأثر بالخطاب المتطرف.
ونحن نعتقد أنه بدون إطلاق الحريات وبدون فتح المجال للجدل الثقافي والفكري العميق، وبدون تمكن مختلف مكونات المجتمع المدني من تأطير الشباب باستقلالية بهدف إدماجه في حركية إبداعية فاعلة ومثمرة في اتجاه محيطه الوطني والقومي أساسها العمل المدني السلمي وأساسها الحرية والمواطنة والكرامة، وبدون انكباب جدي على القضايا الاجتماعية والسياسية التي تشغل بال شبابنا وبدون علاقات دولية مبينة على الندية والعدل، بدون كل ذلك فإنه لا يمكن أن نحصن مجتمعاتنا من هكذا مخاطر أيا كانت الحلول الأمنية التي يعمد إليها وطنيا ودوليا.
آفاق: ألا تعتقدين في هذا السياق، أن ضعف حركات المعارضة في العالم العربي وترهل خطابها هو الذي أفرز، بشكل أو بآخر، ظهور تيارات السلفية الجهادية؟
الجريبي: لا أعتقد أن العنصر الذي أشرت إليه هو الذي أفرز هذه التيارات ولكن هذا العنصر يمثل تحديا لنا كحركات مدنية ديمقراطية تؤمن بالانتقال السلمي للديمقراطية وبضرورة جعل الشباب رافدا من الروافد الأساسية في عملية التغيير. فما أدى إلى تنامي مثل هذه التيارات، هو الاحتلال والظلم المسلطين على شعوبنا في فلسطين والعراق ووضعيات الاستبداد والانغلاق وغياب الأفق في جميع المجالات داخليا هو الذي مثل تربة خصبة لبروز مثل تلك المجموعات.
وتحدينا هو أن نجعل شبابنا يؤمن بجدوى العمل المدني والسلمي. تحدينا، المعارضات الديمقراطية العربية، هو أن نجسد الأمل لدى جموع الشباب وكل المواطنين، لا بشعارات فضفاضة ولكن بتعهد فعلي لمختلف القضايا وبدفع الثمن الضروري لذلك وبتقدم فعلي على الميدان.
آفاق: بالنسبة للحزب الديمقراطي التقدمي الذي تتزعمينه، لماذا اخترتم التموقع في صف المعارضة للسلطة التونسية؟
الجريبي: فعلا تموقعنا هو المعارضة الجوهرية لمنظومة الحكم القائمة التي نعتبرها استبدادية. ونحن نناضل من أجل إرساء نظام ديمقراطي يكون فيها الشعب سيدا فيختار حكامه ويسائلهم بكل حرية و بعيدا عن كل أشكال الضغوط.
تغيير الحكم الذي وقع في تونس في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987، حمل معه الأمل للتونسيين جميعا وقد تعاطينا إيجابيا معه كحزب يضع التغيير الديمقراطي هدفا من أهداف تمشيه. ومرد هذه الإيجابية مرتكزان أساسيان وعد بهما هذا التغيير بل وأسس عليهما شرعيته ألا وهما الإقرار بجدارة الشعب التونسي بحياة ديمقراطية والقطع مع الرئاسة مدى الحياة وإرساء التداول السلمي على الحكم وبالتالي وضع تونس على سكة الانتقال إلى الديمقراطية.
ونعتبر أن التخلي عن هذين المرتكزين هو في تضاد تام مع أي حركية إصلاح مهما كانت الشعارات و مهما أطنب الخطاب الرسمي في التمسك بنهج الإصلاح. لم يتم في تونس إصلاح سياسي متدرج، ولم يعترف عمليا وفي الواقع بأحقية الشعب التونسي بحياة سياسية متطورة، بل عدنا القهقرى في مستوى الحريات والمشاركة السياسية عما كنا عليه في الثمانينات أثناء الحكم البورقيبي. وعدّل الدستور بما مثل اعتداء حقيقيا على وظيفته المتمثلة في تعديل سلطة الحاكم وبما كرس عمليا ومن جديد الرئاسة مدى الحياة التي خبر التونسيون مخاطرها بل ومآسيها ودخلت البلاد في أزمة دستورية عميقة، ما يتطلب تعبئة كل الطاقات الوطنية من أجل إصلاحات جوهرية من أجل تجاوزها.
هذا من الناحية السياسية وهي مفتاح كل إصلاح، إلى جانب ذلك فنحن نطرح خيارات اقتصادية واجتماعية أساسها العدل والشفافية في المعاملات وتأكيد دور الدولة ودور القطاع الخاص في تناغم وتكامل هدفه النماء والرخاء لكل فئات الشعب ونحن نجعل من مقاومة الفساد المستشري محورا هاما من محاور نضالنا،
المرحلة التي تمر بها تونس اليوم على غاية من الأهمية والإمعان في النهج الذي اختارته السلطة دون الإنصات لمطالب الإصلاح المتنامية يمثل هروبا إلى الأمام يمكن أن يفتح على احتمالات لا يرضاها أي وطني صادق، ونعتبر أنه على المعارضة أن تتوحد لمواجهة هذا الاستبداد وهذا النهج المتخلف، والتقدم في إرساء نظام ديمقراطي أساسه انتخابات حرة ونزيهة، وسيادة الشعب، وإعلام مستقل وحر، وجهاز قضائي مستقل عن أي تبعية و أساسه المواطنة الكاملة.
آفاق: أمام كل هذه التحديات، ما هي أهم المعارك التي خضتم إياها من أجل تحقيقها؟
الجريبي: حزبنا تصدّر أهم المعارك السياسية التي عرفها مجتمعنا منذ ما يزيد عن العقد وهو يؤمن بأهمية التوحد و المراكمة لتوسيع رقعة المشاركة وللتضييق على الظلم والاستبداد.
وما إضراب الجوع الشهير الذي خاضته ثماني شخصيات وطنية – من بينها الأمين العام السابق لحزبنا- بمناسبة القمة العالمية للمعلومات للمطالبة بالحقوق والحريات إلا دليلا على مدى التدهور الخطير الذي يعرفه الوضع السياسي ببلادنا.
هذا الحدث الذي انطلق في ديسمبر/ كانون الأول 2005 لا يستمد وزنه وأهميته من رمزية الذين أطلقوه فحسب و لكن أيضا من أهمية الآفاق التي فتحها فهو مثّل لحظة مفصلية في تعامل المعارضة مع القضايا الوطنية وفي تحديدها لأولويات تدخلها. فقد أدى هذا الإضراب الحدث والذي تابعه العالم بأسره إلى بعث "هيئة 18 أكتوبر (تاريخ انطلاق الإضراب) للحقوق والحريات" وهي عبارة عن تجمع لعائلات فكرية وسياسية مختلفة كانت لسنوات ماضية متنافرة متضادة خاصة في تعبيريها الأساسيين: العلمانيون والإسلاميون. هذه العائلات المختلفة وعت بضرورة توحدها والأهم من ذلك وعت بأن مصلحة الوطن ومصلحة الجميع تقتضي بلورة عهد أو ميثاق ديمقراطي يختزل مرتكزات وأسس المجتمع الديمقراطي المنشود.
هذه المبادرة تستمد خصوصيتها من أنها أعطت للنقاش الفكري المؤسس لهذا العهد الديمقراطي أهميته وتستمد أهميتها من أرضيتها الجامعة التي تتمحور حول ضرورة سن العفو العام وحق التنظم والاجتماع ومقاومة الفساد واستقلالية الجهاز القضائي والنضال من أجل انتخابات حرة وديمقراطية في سنة 2009 حيث ينتظر تونس استحقاق انتخابي تشريعي و رئاسي.
وهذا الاستحقاق مناسبة جد هامة تسائل المعارضة التونسية بل والمجتمع برمته وهو يمثل رهانا يختلف جوهريا بين الحكم و المعارضة الديمقراطية فرهان الحكم هو في إعادة إنتاج نفسه وتأبيد منظومة الاستبداد، ورهانه أن تمر هذه العملية مرور الكرام ودون ممانعة تذكر.
ورهان المعارضة الديمقراطية الحقيقية هو أن تجعل من هذه المناسبة محطة لحشد الطاقات من أجل التقدم في فرض شروط انتخابات حرة و شفافة و نزيهة.
وغني عن القول أن لا انتخابات حرة بدون مناخ سياسي تحرر فيه النفوس من الخوف وتطلق فيه الكلمة الحرة ويفتح فيه المجال للمنافسة الحقيقية والمتكافئة وهو ما يفترض مراجعة الإطار القانوني والتشريعي للعملية الانتخابية بما يمكن الشعب من اختيار حقيقي لا صوري لمن يمثله وما يمكن من تداول سلمي على الحكم فمن غير المعقول الحديث عن أي إصلاح وتونس لم يحكمها، على مدى الخمسين سنة التي تلت الاستقلال إلا ....رئيسان اثنان، أطيح بالأول منهما تحديدا، من أجل إرساء التداول على الحكم لنعود بعد ذلك ومن جديد للرئاسة مدى الحياة.
هدفنا أن لا تكون الانتخابات كسابقاتها مسرحية يشكل مقعد البرلمان فيها مٌنة تسند لأكثر "المعارضين" ولاء بل مسؤولية تحملٌها أصوات التونسيين لنواب يتفانون في خدمة الصالح العام ويساءلون حول مدى احترامهم لتعهداتهم.
وهدفنا أن لا تكون الرئاسية مجرد مناسبة لتجديد الولاء للرئيس المباشر بل مناسبة حقيقية يتمكن خلالها المواطن من اختيار من يحكمه على قاعدة منافسة حقيقية لا صورية.
آفاق: أنتم تطرحون مطالب بديهية وأساسية من الضروري توفرها لدى كل نظام ديمقراطي بعد 20 عاما من التغيير، ألا تعتقدين أنه لا أمل يرجى من توفرها في ظل هذا الحكم في نسخته الحالية؟
الجريبي: مع الأسف الشديد، لم نشهد تطورا طيلة العشرين سنة من عمر هذا التغيير، فعلا ما نطرحه هي مطالب بديهية و لكنها تمثل أساس كل مواطنة. والإمعان في التنكر لها هو إمعان في إبقاء تونس خارج نسق التطور الطبيعي الذي تشهده أغلب بقاع المعمورة وهو يجعل من بلادنا العريقة في المكتسبات السياسية والتشريعية استثناء حقيقيا في محيطها القريب والبعيد.
الحاكم هو الذي يرفض الحوار
آفاق: ولكن في ظل السمة الاستبدادية التي صبغت نظام الحكم في تونس وفق تقييمك، هناك شق من المعارضة الديمقراطية يعتقد أن الفريق الحاكم قادر الآن على إنجاز بعض الإصلاحات، من خلال تنازل المعارضة عن عدد من المطالب التي يرونها مشطة. ما هو رأيكم؟
الجريبي: لعلك تشير إلى رؤية تعبر عن ذاتها داخل النخبة السياسية وبأكثر دقة إلى تصور تحمله أقلية في صلب حزبنا.
نعم هناك خلاف يشق السياسيين في تونس يؤدي إلى السؤال المختزل التالي: ما الذي يمكن من التقدم في النهج الديمقراطي والالتحاق بركب التغيير؟ هل هي مراكمة الضغط واستهداف منظومة الاستبداد في جوهرها أم انتهاج سياسة طمأنة السلطة وتقديم التنازلات المجانية والبحث عن مشترك غير موجود بين المعارضة والحكم؟
المنادون بعدم توتير العلاقة مع الحكم وبتخفيض سقف المطالب وعدم استهداف جوهر المنظومة يرتكزون في تمشيهم، في ما يرتكزون، على ضعف المعارضة ونسق تطورها الوئيد وعلى حذر السلطة الشديد، ليخلصوا إلى رصد حالة من التعطل والمأزق يرون أنه على المعارضة فكها بإعلان المرونة وتحاشي المعارك الجوهرية الموصوفة ب"الموترة والمتشنجة".
وللرد على هذا الطرح ودون الدخول في تفاصيل الوضع التونسي أقول: أولا أن متطلبات الوضع هي التي تحدد المهمة لا قدرة الكيان على تحمل المسؤولية، والمهمة هي التي تفرض الديناميكية المؤدية إلى تحقيق هذه المهمة، ويتكيف النسق والوتيرة وفق القدرة والطاقة المتوفرة أو الممكن توفرها.
وأقول ثانية أن من يرفض الحوار و المرونة والتفاوض ونبذ التوتر ليست المعارضة المناضلة بل هو الحكم الذي لا يعترف بالآخر أيا كان هذا الآخر وهو الحكم الذي لا سبيل لديه للتعاطي مع القضايا الوطنية الشائكة إلا بالاعتماد على الحلول الأمنية وهو الحكم الذي يدجن أعرق وأول رابطة حقوقية إفريقيا وعربيا، وهو الحكم الذي لا يقبل باستقلالية قضاته فينصب هيئة من الموالين ويقصى هيئة شرعية منتخبة، ولن أطيل في تعبيرات الانغلاق والتصلب التي تؤكد أن مصدر الاحتقان ليست المعارضة بل الحكم و خياراته. فعن أي مشترك يتحدثون؟
وأخلص ثالثة بالسؤال التالي: هل نجادل في حق الشعب التونسي في انتخابات حرة ونزيهة؟ هل نجادل في حق الشعب التونسي في التداول السلمي على الحكم؟ هل نجادل في حق التنظم، في حق الإعلام الحرإلخ...؟ إن كنا لا نجادل في كل ذلك فإن على المعارضة أن تراكم الضغط وأن توحد الجهود من أجل اكتساب هذه الحقوق.
حين تنفق حول هذه الأساسيات فإن كل ما يتعلق بالتدرج والتفاوض يبقى آليات ترضخ للمهمة وللهدف وللتقديرات أما أن تصبح المرونة و عدم التوتير هدفا في حد ذاته فإن ذلك يعني ببساطة تخلي المعارضة عن وظيفتها.
آفاق: مثلما ذكرت حول المجموعة التي تدافع عن خيار تقديم التنازلات في حزبك، كيف سيتم التعامل معهم؟
الجريبي: حزبنا انبنى على رهان أن التعدد الفكري هو مصدر ثراء لا مصدر تعطيل ونحن اخترنا تمشي الحزب البرنامجي، التقارب فيه والاختلاف يتم على أساس سياسي لا فكري أو إيديولوجي ، والخلاف في حزبنا سياسي برز وحسم في المؤتمر الأخير لصالح التوجه الكفاحي والمستقل الذي عرف عنه طويلا. والرهان المطروح علينا اليوم، أقلية وأغلبية، هو التعاطي العصري والبناء مع الاختلاف وضمان التعايش بالنقاش الحر والعميق وبتوفير المجالات رحبة لذلك وأيضا بالاحتكام إلى آليات الديمقراطية الداخلية في حسم الخطط و التوجهات.
الأكيد أن لكل فرد الحق في الاجتهاد وفي القيام بمراجعات يعتقد في صحتها ولا أحد له الحق في مصادرة رأي أي كان والأكيد أيضا أن كل حزب سياسي مطالب بخط سياسي واضح وبممارسة موحدة ومتناغمة وفق هذا الخط.
سندخل الانتخابات بعقلية كفاحية
آفاق: ألا تلحظين أن هناك تناقضا في قولك في أنه لا يوجد مشترك بينكم وبين الحكم من جهة، مشاركتكم في انتخابات وصفتها ب"المسرحية"؟
الجريبي: ليس هناك أي تناقض على اعتبار أن الحزب السياسي هو الذي يستثمر كل المناسبات للتقدم في تحقيق المكاسب. بالنسبة لنا، فان إعلان مقاطعة الانتخابات منذ الآن هو فسح المجال أمام الحكم لكي يتفرغ بالمنظومة السياسية في تونس، وبالشأن السياسي بصورة عامة.
الانتخابات تعنينا كما تعني الشعب التونسي جميعه، والتعاطي معها على قاعدة كفاحية هو المطروح علينا. فالمشاركة في الانتخابات لا يعني القبول بالمنظومة الحاكمة أو بالظرف العام الذي تتنزل فيه. إعلان المشاركة وخوض المعترك هو تجسيد تمسكنا بحقنا كحزب في تقديم مرشح للرئاسية القادمة وهو دفاع عن حق الترشح لكل الكفاءات الوطنية، دخولنا لهذا المعترك هو نضال من أجل منافسة حقيقية ومتكافئة يكون الشعب فيها هو الحكم ولا يمكن لهذا المعترك أن يخاض عن بعد بل إنه لا يخاض إلا على الميدان، رسالتنا في ذلك أن تونس تزخر بالكفاءات وأن "تونس أفضل" ممكنة من خلال برامج بديلة.
نحن لا نقبل بالقوانين الانتخابية التي فصلت لإقصاء كل منافسة حقيقية و نناضل من أجل تغييرها ولكننا لا نقبل بالوقوف على الربوة في انتظار تحسين الظروف، نضالنا يكون من خلال خوض المعترك لا بالانسحاب منه.
آفاق: في إطار نضالكم من أجل توفير ظروف انتخابات ملائمة، هناك أحزاب وتيارات أخرى تشارككم نفس هذه الأهداف. هل هناك تنسيق معها حول أنشطة مشتركة؟
الجريبي: واجبنا الوطني يدفع نحو الالتقاء حول أرضية دنيا تمكن من التقدم الفعلي نحو تحقيق شروط الانتخابات الديمقراطية. نحن نخوض الآن مشاورات مع حلفائنا وأصدقائنا في المعارضة الديمقراطية في خصوص هذا الأمر.
وإن كان صحيحا أن المقاربات والتقديرات متعددة ومختلفة في عدد من الجوانب فإن المشترك متوفر وقد رصدنا بعد عناوين الالتقاء لبلورة خطة عملية موحدة من ذلك النضال المشترك من أجل تغيير الإطار التشريعي والقانوني للعملية الانتخابية بما يتلاءم و المعايير المتفق عليها ومن ذلك النضال المشترك من أجل رفع الاستثناء على الترشح للرئاسية ومن ذلك أيضا بناء تحالف وطني من أجل مراقبة مستقلة للعملية الانتخابية.
آفاق: في صورة تحقيق مطالبكم في توفر محيط سياسي ملائم، وفي ظرف انتخابي حر، من ستقدمون كمرشح عن حزبكم للانتخابات الرئاسية؟
الجريبي: أذكر في البدء أننا خضنا معركة حق الترشح لرئاسية 2004 بترشيحنا الأمين العام السابق أحمد نجيب الشابي الذي كان ممنوعا من الترشح وفق القانون الاستثنائي المحدث آنذاك بما يخول لمرشح الحزب الحاكم اختيار منافسيه من "معارضة الولاء" وبما يخول إقصاء كل منافسة جدية. وقد انسحبنا في الوقت الذي رأيناه مناسبا اعتبارا لانعدام شروط المنافسة المتكافئة.
واليوم وبمناسبة هذا الاستحقاق ورغم القانون الإقصائي سوف لن نتوان عن خوض هذه المعركة تمسكا بحقنا وإيمانا منا بأنها قضية وطنية لا قضية شخصية. سندخل هذه المعركة بكفاحيتنا، ببرامجنا البديلة و بمرشحنا. وقد كان الأخ نجيب الشابي قدم ترشحه رسميا للمكتب السياسي الذي أقره مرشحا للحزب على أن تبت اللجنة المركزية في هذا الأمر و تعلنه رسميا بداية العام المقبل
آفاق: في الختام، لقد تم اعتقال الزميل سليم بوخذير بتهم وصفتها منظمات حقوقية دولية بالتلفيقية، ما هو موقفكم من سجنه؟
الجريبي: سليم بوخذير ذلك القلم الحر، عُرف بجرأته وبطرحه للقضايا الحارقة التي تمثل خطوطا حمراء في عرف السلطة كمواضيع الفساد والرشوة والمحسوبية. وكان قد تعرض إلى الكثير من المضايقات والاعتداءات و مُنع من حقه في السفر و لقد خاض من أجل ذلك إضرابا قاسيا عن الطعام.
نعتبر أن اعتقاله يندرج في إطار مواصله سلسلة هذه المضايقات المسلطة عليه وعلى الكثير من الحقوقيين والديمقراطيين في تونس. كما نعتبر أنه مهما كانت ملابسات عملية إيقافه، فان بوخذير يدفع الآن ضريبة جرأته وكتاباته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.