قبلي: اجراء 37 عملية جراحية مجانية لازالة الماء الابيض في اطار اليوم الوطني الاول لصحة العيون    "اليونيدو" والوكالة الايطالية للتعاون من أجل التنمية توقعان اتفاقا لتمويل مشروع "تونس المهنية " بقيمة 5ر6 مليون اورو    وزير السياحة يؤكد ادماج جميع خريجي الوكالة الوطنية للتكوين في مهن السياحة والحاجة الى رفع طاقة استيعاب وحدات التكوين    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    رسمي : محسن الطرابلسي رئيسا جديدا للنادي الإفريقي    الكاف: لأول مرة.. 20 عملية جراحية لمرضى العيون مجانا    ميناء جرجيس… رصيد عقاري هام غير مستغل ومطالب باستقطاب استثمارات جديدة    أردوغان: متفائلون بأن النصر سيكون إلى جانب إيران    7 مؤسسات ستنتفع بامتياز تكفل الدولة بفارق الفائدة على قروض الاستثمار..وهذه التفاصيل..    قبلي: حادث مرور يودي بحياة جزائري وإصابة مرافقه    جندوبة: وزير السياحة يتابع استعدادات الجهة للموسم السياحي ومدى تقدّم عدد من المشاريع السياحية والحرفية    عاجل/ ترامب يمهل ايران أسبوع لتفادي الضربات الامريكية المحتملة..    جامعة تونس المنار تحرز تقدما ب40 مرتبة في تصنيف QS العالمي للجامعات لسنة 2026    هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين؟    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    عاجل/ الداخلية الليبية تؤكد تعرض عناصرها الأمنية لهجوم مسلح داخل طرابلس..    إيران تقدم شكوى إلى الأمم المتحدة ضد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    صدمة في قطاع الهندسة: 95% من مهندسي الإعلامية يغادرون تونس بحثًا عن فرص أفضل!    اكتمال النصاب القانوني وانطلاق أشغال الجلسة العامة الإنتخابية    القصرين: بطاقات إيداع بالسجن في قضية غسيل أموال مرتبطة بالرهان الرياضي    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    وفاة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب في المغرب    رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق: الولايات المتحدة ستغرق إذا ضربت إيران    كاتس يعلن تصفية قائد إيراني وموجة صواريخ إيرانية جديدة    الوجهة السياحية جربة جرجيس الأولى وطنيا وتوقعات بتسجيل أكثر من مليون زائر    مدنين: اختصاصات جديدة في مهن سياحية وانفتاح على تكوين حاملي الإعاقة لأول مرة    طقس السبت.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    ردّ فعل رسمي وعاجل من وزارة الخارجية بعد العثور على جثة عبد المجيد الحجري بستوكهولم    طقس اليوم السبت: أجواء صيفية مستقرة على كامل البلاد    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    كأس العالم للأندية: برنامج مباريات اليوم السبت    إغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري الإيراني    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    التشكيلة المحتملة للترجي أمام لوس أنجلوس    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعيش أزمة دستورية في تونس : زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي ميّة الجريبي
نشر في الفجر نيوز يوم 28 - 12 - 2007

نعيش أزمة دستورية في تونس : زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي ميّة الجريبي
الفجر نيوزwww.alfajrnews.net
تونس- حوار سفيان الشّورابي
تُعد ميّة الجريبي أول امرأة تترأس حزبا سياسيا في تونس، وهي حالة نادرة يقل حدوثها في العالم العربي. واستطاعت الجريبي، في فترة وجيزة من تسلمها لهذه المهمة افتكاك مساحة معتبرة بين "فيلة" المعارضة التونسية، وقيادة حزبها بتؤدة وبثبات نحو تحقيق تطلعاتها نحو ما تطلق عليه "الجمهورية الثانية".
امرأة مثابرة ومكافحة. فلا مجال بالنسبة لها للراحة أو التراخي أمام مسؤولياتها. التقيناها فور عودتها من مدينة جندوبة (150 كم غرب العاصمة تونس) حيث كانت تُشرف على نشاط سياسي، فلم تبخل أبدا من أن تقضّي معنا بقية الوقت للإجابة على أسئلتنا عشية سبت، وما أدراك ما عشية السبت!
الجريبي قالت ل"آفاق" بأن الوقت قد حان لتحقيق المنعرج الديمقراطي وأنها ستواصل التموقع في "موقع معارض جوهري لمنظومة الحكم القائمة التي نعتبرها استبدادية"، مطالبة المعارضة التونسية بالتوحد لمواجهة هذا الاستبداد، ومعربة عن رفضها بشكل صارم لدعاوى التراجع أو تقديم التنازلات.
وخصت الجريبي أيضا، موقع "آفاق" بتصريحها عن مرشح حزبها إلى الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها سنة 2009، والذي سيكون الأمين العام السابق للحزب أحمد نجيب الشابي.
وفيما يلي نص الحوار:
آفاق: تعرض الحركة الديمقراطية العربية مدا حينا بوصول البعض منها إلى سدة الحكم على غرار تجربتي المغرب وموريتانيا، وجزرا أحيانا أخرى مثلما حصل لحركة كفاية المصرية. من موقعكم كرئيسة حزب معارض، ما هو تقييمكم لها؟
الجريبي: أعتقد أن الحركة الديمقراطية العربية تواجه تحديا أساسيا يتمثل في ضرورة انخراط الشعب في عملية التغيير الديمقراطي السلمي، ولا يكون ذلك إلا بنبذ التقوقع على الذات وبالالتفات إلى الحياة اليومية للشعوب وتعهد قضاياها على كل الأصعدة اجتماعية كانت أو سياسية أو غيرها.
على الحركة الديمقراطية العربية أن تدرك أن "الظاهرة الصوتية" تحرك السواكن لكنها لا تحدث التغيير وأن العمل في عمق المجتمع هو المؤدي لانخراط المواطن في العمل العمومي وللتغيير الحقيقي.
وتجدر الإشارة هنا أن بعض الأنظمة وعت بضرورة التفاعل مع رياح الديمقراطية التي تهب على العالم، وبدأت رويدا رويدا، وتحت وزر ضغوط شتى، تلبي مطالب الحركة الديمقراطية بما يسرّع نسق عملية الإصلاح والتدرج نحو الحالة الديمقراطية، وما تجارب موريتانيا وبدرجة مختلفة المغرب إلا دليلا على أن نهج الانفتاح والعمل الديمقراطي ممكن جدا في بلداننا بل ومرد كل استقرار ونماء.
وفي المقابل، هناك أنظمة تختار عدم الإصغاء إلى مطالب الإصلاح المتنامية فتنصب نفسها حاكم أوحد وتنتهج الاستبداد أسلوبا في التعامل وفي إدارة الحكم، ما يضيق من مجال فعل الحركة الديمقراطية ويزيد في صعوبة مهامها. وما خيار الحركة الديمقراطية العربية إلا مواصلة النضال، ومزيد تعهد قضايا المواطن من مختلف زواياها وفي تفاعل مع التطورات والمستجدات لا فقط على مستوى وطني وداخلي بل وأيضا على مستوى إقليمي ودولي.
آفاق: من جهة أخرى، وبالرغم من موجات التحرر الفكري والسياسي في بعض الحالات في البلدان العربية ما يزال دور المرأة محصورا ومحدودا داخل المشهد السياسي عموما، سواء كان ذلك في الحكم أو في المعارضة. ما هو مرد ذلك؟
الجريبي: ما أقوله في البدء هو أن محدودية مشاركة المرأة في الحياة العامة عنصر تشترك فيه كل المجتمعات بتعبيرات ودرجات متفاوتة ومختلفة ولكنها دائما قائمة وهو أمر لا يقتصر على الفضاء العربي والإسلامي بل أن هناك أمثلة في هذا الفضاء حرية بكل تمعن ودراسة بعيدا عن القوالب الجاهزة وهي تبرز موقع المرأة المتميز ومساهمتها في الشأن العام وفي الشأن السياسي بصفة أدق في مجتمعات إفريقية وآسيوية عديدة رغم الإرث الاجتماعي والثقافي المعلوم.
والمهم التأكيد في هذا الجانب، ودون إغفال خصوصية وضع المرأة، أن محدودية المشاركة العامة هي معضلة شاملة في مجتمعاتنا العربية وتهم الرجل والمرأة سواسية ومردها بالأساس وضع الاستبداد الذي نعيشه والذي من تبعاته إشاعة الخوف في النفوس وعدم الثقة في مردودية العمل العام في فضاء يعمه الاحتكار والانغلاق. كما وجب التأكيد أيضا أنه كلما سعت المرأة إلى كسر الطوق المحيط بها، إلا ما وفعّلت مشاركتها وكانت عنصرا فاعلا في عملية التغيير.
وفي جانب متصل أقول أن هناك خطوات هامة قُطعت في تونس في مجال المكتسبات النسوية، في المستويات التشريعية والقانونية والاجتماعية ما يصلب عود ما راكمه المجتمع على مستوى الممارسة والذهنية العامة وما يجعل عملية التقهقر والتراجع، أيا كان مردها، عملية صعبة للغاية إن لم أقول مستحيلة.
آفاق: تعرف المنطقة العربية تنام لظاهرة الإرهاب، ما هي أسباب ذلك حسب تصورك؟
الجريبي: تمثل التيارات الإرهابية خطرا حقيقيا يهدد العالم وما فتئ يتنامي بصفة ملحوظة في المحيط العربي والإسلامي وهو ما يتطلب منا تعاطيا غاية في الجدية.
وتتداخل العناصر المساهمة في بروز مثل هذا التيارات، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي. فالشعور بالظلم والقهر نتيجة الاحتلال والهيمنة يخلق حالة من ردة الفعل لدى الشباب تشكل تربة خصبة لمختلف الطروحات المتطرفة. لكن المهم الإضافة هنا أن هذه الحالة لا تنمو ولا تتطور إلا في تربة داخلية عناوينها الانغلاق والاستبداد والحيف الاجتماعي واستشراء الفساد وغياب الأفق وقبل هذا وذاك الفراغ الثقافي والروحي. جميع هذه العناصر تجتمع متداخلة لتجعل من شبابنا عرضة للتأثر بالخطاب المتطرف.
ونحن نعتقد أنه بدون إطلاق الحريات وبدون فتح المجال للجدل الثقافي والفكري العميق، وبدون تمكن مختلف مكونات المجتمع المدني من تأطير الشباب باستقلالية بهدف إدماجه في حركية إبداعية فاعلة ومثمرة في اتجاه محيطه الوطني والقومي أساسها العمل المدني السلمي وأساسها الحرية والمواطنة والكرامة، وبدون انكباب جدي على القضايا الاجتماعية والسياسية التي تشغل بال شبابنا وبدون علاقات دولية مبينة على الندية والعدل، بدون كل ذلك فإنه لا يمكن أن نحصن مجتمعاتنا من هكذا مخاطر أيا كانت الحلول الأمنية التي يعمد إليها وطنيا ودوليا.
آفاق: ألا تعتقدين في هذا السياق، أن ضعف حركات المعارضة في العالم العربي وترهل خطابها هو الذي أفرز، بشكل أو بآخر، ظهور تيارات السلفية الجهادية؟
الجريبي: لا أعتقد أن العنصر الذي أشرت إليه هو الذي أفرز هذه التيارات ولكن هذا العنصر يمثل تحديا لنا كحركات مدنية ديمقراطية تؤمن بالانتقال السلمي للديمقراطية وبضرورة جعل الشباب رافدا من الروافد الأساسية في عملية التغيير. فما أدى إلى تنامي مثل هذه التيارات، هو الاحتلال والظلم المسلطين على شعوبنا في فلسطين والعراق ووضعيات الاستبداد والانغلاق وغياب الأفق في جميع المجالات داخليا هو الذي مثل تربة خصبة لبروز مثل تلك المجموعات.
وتحدينا هو أن نجعل شبابنا يؤمن بجدوى العمل المدني والسلمي. تحدينا، المعارضات الديمقراطية العربية، هو أن نجسد الأمل لدى جموع الشباب وكل المواطنين، لا بشعارات فضفاضة ولكن بتعهد فعلي لمختلف القضايا وبدفع الثمن الضروري لذلك وبتقدم فعلي على الميدان.
آفاق: بالنسبة للحزب الديمقراطي التقدمي الذي تتزعمينه، لماذا اخترتم التموقع في صف المعارضة للسلطة التونسية؟
الجريبي: فعلا تموقعنا هو المعارضة الجوهرية لمنظومة الحكم القائمة التي نعتبرها استبدادية. ونحن نناضل من أجل إرساء نظام ديمقراطي يكون فيها الشعب سيدا فيختار حكامه ويسائلهم بكل حرية و بعيدا عن كل أشكال الضغوط.
تغيير الحكم الذي وقع في تونس في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987، حمل معه الأمل للتونسيين جميعا وقد تعاطينا إيجابيا معه كحزب يضع التغيير الديمقراطي هدفا من أهداف تمشيه. ومرد هذه الإيجابية مرتكزان أساسيان وعد بهما هذا التغيير بل وأسس عليهما شرعيته ألا وهما الإقرار بجدارة الشعب التونسي بحياة ديمقراطية والقطع مع الرئاسة مدى الحياة وإرساء التداول السلمي على الحكم وبالتالي وضع تونس على سكة الانتقال إلى الديمقراطية.
ونعتبر أن التخلي عن هذين المرتكزين هو في تضاد تام مع أي حركية إصلاح مهما كانت الشعارات و مهما أطنب الخطاب الرسمي في التمسك بنهج الإصلاح. لم يتم في تونس إصلاح سياسي متدرج، ولم يعترف عمليا وفي الواقع بأحقية الشعب التونسي بحياة سياسية متطورة، بل عدنا القهقرى في مستوى الحريات والمشاركة السياسية عما كنا عليه في الثمانينات أثناء الحكم البورقيبي. وعدّل الدستور بما مثل اعتداء حقيقيا على وظيفته المتمثلة في تعديل سلطة الحاكم وبما كرس عمليا ومن جديد الرئاسة مدى الحياة التي خبر التونسيون مخاطرها بل ومآسيها ودخلت البلاد في أزمة دستورية عميقة، ما يتطلب تعبئة كل الطاقات الوطنية من أجل إصلاحات جوهرية من أجل تجاوزها.
هذا من الناحية السياسية وهي مفتاح كل إصلاح، إلى جانب ذلك فنحن نطرح خيارات اقتصادية واجتماعية أساسها العدل والشفافية في المعاملات وتأكيد دور الدولة ودور القطاع الخاص في تناغم وتكامل هدفه النماء والرخاء لكل فئات الشعب ونحن نجعل من مقاومة الفساد المستشري محورا هاما من محاور نضالنا،
المرحلة التي تمر بها تونس اليوم على غاية من الأهمية والإمعان في النهج الذي اختارته السلطة دون الإنصات لمطالب الإصلاح المتنامية يمثل هروبا إلى الأمام يمكن أن يفتح على احتمالات لا يرضاها أي وطني صادق، ونعتبر أنه على المعارضة أن تتوحد لمواجهة هذا الاستبداد وهذا النهج المتخلف، والتقدم في إرساء نظام ديمقراطي أساسه انتخابات حرة ونزيهة، وسيادة الشعب، وإعلام مستقل وحر، وجهاز قضائي مستقل عن أي تبعية و أساسه المواطنة الكاملة.
آفاق: أمام كل هذه التحديات، ما هي أهم المعارك التي خضتم إياها من أجل تحقيقها؟
الجريبي: حزبنا تصدّر أهم المعارك السياسية التي عرفها مجتمعنا منذ ما يزيد عن العقد وهو يؤمن بأهمية التوحد و المراكمة لتوسيع رقعة المشاركة وللتضييق على الظلم والاستبداد.
وما إضراب الجوع الشهير الذي خاضته ثماني شخصيات وطنية – من بينها الأمين العام السابق لحزبنا- بمناسبة القمة العالمية للمعلومات للمطالبة بالحقوق والحريات إلا دليلا على مدى التدهور الخطير الذي يعرفه الوضع السياسي ببلادنا.
هذا الحدث الذي انطلق في ديسمبر/ كانون الأول 2005 لا يستمد وزنه وأهميته من رمزية الذين أطلقوه فحسب و لكن أيضا من أهمية الآفاق التي فتحها فهو مثّل لحظة مفصلية في تعامل المعارضة مع القضايا الوطنية وفي تحديدها لأولويات تدخلها. فقد أدى هذا الإضراب الحدث والذي تابعه العالم بأسره إلى بعث "هيئة 18 أكتوبر (تاريخ انطلاق الإضراب) للحقوق والحريات" وهي عبارة عن تجمع لعائلات فكرية وسياسية مختلفة كانت لسنوات ماضية متنافرة متضادة خاصة في تعبيريها الأساسيين: العلمانيون والإسلاميون. هذه العائلات المختلفة وعت بضرورة توحدها والأهم من ذلك وعت بأن مصلحة الوطن ومصلحة الجميع تقتضي بلورة عهد أو ميثاق ديمقراطي يختزل مرتكزات وأسس المجتمع الديمقراطي المنشود.
هذه المبادرة تستمد خصوصيتها من أنها أعطت للنقاش الفكري المؤسس لهذا العهد الديمقراطي أهميته وتستمد أهميتها من أرضيتها الجامعة التي تتمحور حول ضرورة سن العفو العام وحق التنظم والاجتماع ومقاومة الفساد واستقلالية الجهاز القضائي والنضال من أجل انتخابات حرة وديمقراطية في سنة 2009 حيث ينتظر تونس استحقاق انتخابي تشريعي و رئاسي.
وهذا الاستحقاق مناسبة جد هامة تسائل المعارضة التونسية بل والمجتمع برمته وهو يمثل رهانا يختلف جوهريا بين الحكم و المعارضة الديمقراطية فرهان الحكم هو في إعادة إنتاج نفسه وتأبيد منظومة الاستبداد، ورهانه أن تمر هذه العملية مرور الكرام ودون ممانعة تذكر.
ورهان المعارضة الديمقراطية الحقيقية هو أن تجعل من هذه المناسبة محطة لحشد الطاقات من أجل التقدم في فرض شروط انتخابات حرة و شفافة و نزيهة.
وغني عن القول أن لا انتخابات حرة بدون مناخ سياسي تحرر فيه النفوس من الخوف وتطلق فيه الكلمة الحرة ويفتح فيه المجال للمنافسة الحقيقية والمتكافئة وهو ما يفترض مراجعة الإطار القانوني والتشريعي للعملية الانتخابية بما يمكن الشعب من اختيار حقيقي لا صوري لمن يمثله وما يمكن من تداول سلمي على الحكم فمن غير المعقول الحديث عن أي إصلاح وتونس لم يحكمها، على مدى الخمسين سنة التي تلت الاستقلال إلا ....رئيسان اثنان، أطيح بالأول منهما تحديدا، من أجل إرساء التداول على الحكم لنعود بعد ذلك ومن جديد للرئاسة مدى الحياة.
هدفنا أن لا تكون الانتخابات كسابقاتها مسرحية يشكل مقعد البرلمان فيها مٌنة تسند لأكثر "المعارضين" ولاء بل مسؤولية تحملٌها أصوات التونسيين لنواب يتفانون في خدمة الصالح العام ويساءلون حول مدى احترامهم لتعهداتهم.
وهدفنا أن لا تكون الرئاسية مجرد مناسبة لتجديد الولاء للرئيس المباشر بل مناسبة حقيقية يتمكن خلالها المواطن من اختيار من يحكمه على قاعدة منافسة حقيقية لا صورية.
آفاق: أنتم تطرحون مطالب بديهية وأساسية من الضروري توفرها لدى كل نظام ديمقراطي بعد 20 عاما من التغيير، ألا تعتقدين أنه لا أمل يرجى من توفرها في ظل هذا الحكم في نسخته الحالية؟
الجريبي: مع الأسف الشديد، لم نشهد تطورا طيلة العشرين سنة من عمر هذا التغيير، فعلا ما نطرحه هي مطالب بديهية و لكنها تمثل أساس كل مواطنة. والإمعان في التنكر لها هو إمعان في إبقاء تونس خارج نسق التطور الطبيعي الذي تشهده أغلب بقاع المعمورة وهو يجعل من بلادنا العريقة في المكتسبات السياسية والتشريعية استثناء حقيقيا في محيطها القريب والبعيد.
الحاكم هو الذي يرفض الحوار
آفاق: ولكن في ظل السمة الاستبدادية التي صبغت نظام الحكم في تونس وفق تقييمك، هناك شق من المعارضة الديمقراطية يعتقد أن الفريق الحاكم قادر الآن على إنجاز بعض الإصلاحات، من خلال تنازل المعارضة عن عدد من المطالب التي يرونها مشطة. ما هو رأيكم؟
الجريبي: لعلك تشير إلى رؤية تعبر عن ذاتها داخل النخبة السياسية وبأكثر دقة إلى تصور تحمله أقلية في صلب حزبنا.
نعم هناك خلاف يشق السياسيين في تونس يؤدي إلى السؤال المختزل التالي: ما الذي يمكن من التقدم في النهج الديمقراطي والالتحاق بركب التغيير؟ هل هي مراكمة الضغط واستهداف منظومة الاستبداد في جوهرها أم انتهاج سياسة طمأنة السلطة وتقديم التنازلات المجانية والبحث عن مشترك غير موجود بين المعارضة والحكم؟
المنادون بعدم توتير العلاقة مع الحكم وبتخفيض سقف المطالب وعدم استهداف جوهر المنظومة يرتكزون في تمشيهم، في ما يرتكزون، على ضعف المعارضة ونسق تطورها الوئيد وعلى حذر السلطة الشديد، ليخلصوا إلى رصد حالة من التعطل والمأزق يرون أنه على المعارضة فكها بإعلان المرونة وتحاشي المعارك الجوهرية الموصوفة ب"الموترة والمتشنجة".
وللرد على هذا الطرح ودون الدخول في تفاصيل الوضع التونسي أقول: أولا أن متطلبات الوضع هي التي تحدد المهمة لا قدرة الكيان على تحمل المسؤولية، والمهمة هي التي تفرض الديناميكية المؤدية إلى تحقيق هذه المهمة، ويتكيف النسق والوتيرة وفق القدرة والطاقة المتوفرة أو الممكن توفرها.
وأقول ثانية أن من يرفض الحوار و المرونة والتفاوض ونبذ التوتر ليست المعارضة المناضلة بل هو الحكم الذي لا يعترف بالآخر أيا كان هذا الآخر وهو الحكم الذي لا سبيل لديه للتعاطي مع القضايا الوطنية الشائكة إلا بالاعتماد على الحلول الأمنية وهو الحكم الذي يدجن أعرق وأول رابطة حقوقية إفريقيا وعربيا، وهو الحكم الذي لا يقبل باستقلالية قضاته فينصب هيئة من الموالين ويقصى هيئة شرعية منتخبة، ولن أطيل في تعبيرات الانغلاق والتصلب التي تؤكد أن مصدر الاحتقان ليست المعارضة بل الحكم و خياراته. فعن أي مشترك يتحدثون؟
وأخلص ثالثة بالسؤال التالي: هل نجادل في حق الشعب التونسي في انتخابات حرة ونزيهة؟ هل نجادل في حق الشعب التونسي في التداول السلمي على الحكم؟ هل نجادل في حق التنظم، في حق الإعلام الحرإلخ...؟ إن كنا لا نجادل في كل ذلك فإن على المعارضة أن تراكم الضغط وأن توحد الجهود من أجل اكتساب هذه الحقوق.
حين تنفق حول هذه الأساسيات فإن كل ما يتعلق بالتدرج والتفاوض يبقى آليات ترضخ للمهمة وللهدف وللتقديرات أما أن تصبح المرونة و عدم التوتير هدفا في حد ذاته فإن ذلك يعني ببساطة تخلي المعارضة عن وظيفتها.
آفاق: مثلما ذكرت حول المجموعة التي تدافع عن خيار تقديم التنازلات في حزبك، كيف سيتم التعامل معهم؟
الجريبي: حزبنا انبنى على رهان أن التعدد الفكري هو مصدر ثراء لا مصدر تعطيل ونحن اخترنا تمشي الحزب البرنامجي، التقارب فيه والاختلاف يتم على أساس سياسي لا فكري أو إيديولوجي ، والخلاف في حزبنا سياسي برز وحسم في المؤتمر الأخير لصالح التوجه الكفاحي والمستقل الذي عرف عنه طويلا. والرهان المطروح علينا اليوم، أقلية وأغلبية، هو التعاطي العصري والبناء مع الاختلاف وضمان التعايش بالنقاش الحر والعميق وبتوفير المجالات رحبة لذلك وأيضا بالاحتكام إلى آليات الديمقراطية الداخلية في حسم الخطط و التوجهات.
الأكيد أن لكل فرد الحق في الاجتهاد وفي القيام بمراجعات يعتقد في صحتها ولا أحد له الحق في مصادرة رأي أي كان والأكيد أيضا أن كل حزب سياسي مطالب بخط سياسي واضح وبممارسة موحدة ومتناغمة وفق هذا الخط.
سندخل الانتخابات بعقلية كفاحية
آفاق: ألا تلحظين أن هناك تناقضا في قولك في أنه لا يوجد مشترك بينكم وبين الحكم من جهة، مشاركتكم في انتخابات وصفتها ب"المسرحية"؟
الجريبي: ليس هناك أي تناقض على اعتبار أن الحزب السياسي هو الذي يستثمر كل المناسبات للتقدم في تحقيق المكاسب. بالنسبة لنا، فان إعلان مقاطعة الانتخابات منذ الآن هو فسح المجال أمام الحكم لكي يتفرغ بالمنظومة السياسية في تونس، وبالشأن السياسي بصورة عامة.
الانتخابات تعنينا كما تعني الشعب التونسي جميعه، والتعاطي معها على قاعدة كفاحية هو المطروح علينا. فالمشاركة في الانتخابات لا يعني القبول بالمنظومة الحاكمة أو بالظرف العام الذي تتنزل فيه. إعلان المشاركة وخوض المعترك هو تجسيد تمسكنا بحقنا كحزب في تقديم مرشح للرئاسية القادمة وهو دفاع عن حق الترشح لكل الكفاءات الوطنية، دخولنا لهذا المعترك هو نضال من أجل منافسة حقيقية ومتكافئة يكون الشعب فيها هو الحكم ولا يمكن لهذا المعترك أن يخاض عن بعد بل إنه لا يخاض إلا على الميدان، رسالتنا في ذلك أن تونس تزخر بالكفاءات وأن "تونس أفضل" ممكنة من خلال برامج بديلة.
نحن لا نقبل بالقوانين الانتخابية التي فصلت لإقصاء كل منافسة حقيقية و نناضل من أجل تغييرها ولكننا لا نقبل بالوقوف على الربوة في انتظار تحسين الظروف، نضالنا يكون من خلال خوض المعترك لا بالانسحاب منه.
آفاق: في إطار نضالكم من أجل توفير ظروف انتخابات ملائمة، هناك أحزاب وتيارات أخرى تشارككم نفس هذه الأهداف. هل هناك تنسيق معها حول أنشطة مشتركة؟
الجريبي: واجبنا الوطني يدفع نحو الالتقاء حول أرضية دنيا تمكن من التقدم الفعلي نحو تحقيق شروط الانتخابات الديمقراطية. نحن نخوض الآن مشاورات مع حلفائنا وأصدقائنا في المعارضة الديمقراطية في خصوص هذا الأمر.
وإن كان صحيحا أن المقاربات والتقديرات متعددة ومختلفة في عدد من الجوانب فإن المشترك متوفر وقد رصدنا بعد عناوين الالتقاء لبلورة خطة عملية موحدة من ذلك النضال المشترك من أجل تغيير الإطار التشريعي والقانوني للعملية الانتخابية بما يتلاءم و المعايير المتفق عليها ومن ذلك النضال المشترك من أجل رفع الاستثناء على الترشح للرئاسية ومن ذلك أيضا بناء تحالف وطني من أجل مراقبة مستقلة للعملية الانتخابية.
آفاق: في صورة تحقيق مطالبكم في توفر محيط سياسي ملائم، وفي ظرف انتخابي حر، من ستقدمون كمرشح عن حزبكم للانتخابات الرئاسية؟
الجريبي: أذكر في البدء أننا خضنا معركة حق الترشح لرئاسية 2004 بترشيحنا الأمين العام السابق أحمد نجيب الشابي الذي كان ممنوعا من الترشح وفق القانون الاستثنائي المحدث آنذاك بما يخول لمرشح الحزب الحاكم اختيار منافسيه من "معارضة الولاء" وبما يخول إقصاء كل منافسة جدية. وقد انسحبنا في الوقت الذي رأيناه مناسبا اعتبارا لانعدام شروط المنافسة المتكافئة.
واليوم وبمناسبة هذا الاستحقاق ورغم القانون الإقصائي سوف لن نتوان عن خوض هذه المعركة تمسكا بحقنا وإيمانا منا بأنها قضية وطنية لا قضية شخصية. سندخل هذه المعركة بكفاحيتنا، ببرامجنا البديلة و بمرشحنا. وقد كان الأخ نجيب الشابي قدم ترشحه رسميا للمكتب السياسي الذي أقره مرشحا للحزب على أن تبت اللجنة المركزية في هذا الأمر و تعلنه رسميا بداية العام المقبل
آفاق: في الختام، لقد تم اعتقال الزميل سليم بوخذير بتهم وصفتها منظمات حقوقية دولية بالتلفيقية، ما هو موقفكم من سجنه؟
الجريبي: سليم بوخذير ذلك القلم الحر، عُرف بجرأته وبطرحه للقضايا الحارقة التي تمثل خطوطا حمراء في عرف السلطة كمواضيع الفساد والرشوة والمحسوبية. وكان قد تعرض إلى الكثير من المضايقات والاعتداءات و مُنع من حقه في السفر و لقد خاض من أجل ذلك إضرابا قاسيا عن الطعام.
نعتبر أن اعتقاله يندرج في إطار مواصله سلسلة هذه المضايقات المسلطة عليه وعلى الكثير من الحقوقيين والديمقراطيين في تونس. كما نعتبر أنه مهما كانت ملابسات عملية إيقافه، فان بوخذير يدفع الآن ضريبة جرأته وكتاباته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.