تونس- حوار ياسمين صلاح هاجم الإعلامي التونسي المعارض طه بعزاوي نظام الرئيس زين العابدين بن علي واعتبر أن من حق المعارضة أن تسميه "دكتاتورا" لأنه لم يوف بالوعود التي قطعها على نفسه في البيان الأول ولقمعه المعارضين وانقلابه على الدستور ليحق له أن يترشح أكثر من مرتين للانتخابات الرئاسية في تونس. وقال بعزاوي "بن علي هو من أعطى لنفسه هذه الصفة لما انقلب على وعوده في البيان الأول ... بماذا يمكن أن نصف حاكما استمر على كرسيه عشرين سنة وينوي الاستمرار لدورات أخرى وما زال يصف عهده بالعهد الجديد وأشار بعزاوي إلى أن مجلة "كلمة" الالكترونية التي أسسها صحفيون حرموا من حق النشر في الصحف الورقية في تونس مؤكدا أنها مجلة مستقلة وليست منبرا حزبيا وتعبر عن وجهات النظر المختلفة وكتابها من مشارب فكرية متعددة يجتمعون على مقاومة الإستبداد ومناصرة القضايا العادلة وحقوق الإنسان. وعن اوضاع المعارضين في السجون التونسية قال بعزاوي "لا يمكن وصف السجون التونسية في سطور ولا ما يعانيه معتقلو الرأي من تعذيب وإذلال. السجون في تونس تسمى "السجون والإصلاح" وما أبعد الإسم عن المسمى ولو أنهم سموها "مراكز القتل البطيء" أو "مراكز التدمير والإنتقام" لكانوا صادقين". وانتقد بعزاوي ما أسماهم بمرتزقة الصحافة المصرية واللبنانية الذين يعملون على تلميع النظام التونسي وقال "السلطة التونسية تتبادل الخبرات في القمع والتعذيب مع النظام المصري والآن أصبحت تستعين "بمرتزقة" الصحافة المصرية واللبنانية لتلميع صورتها ولكن ذلك يزيدها انغماسا في الوحل، وكما قيل تعريف النكرة للمعرف يزيده نكرانا!!". وفيما يلي نص الحوار: آفاق: حدثنا عن الوضع العام في تونس بعد عشرين سنة من الحكم الذي تعتبره المعارضة حكما ديكتاتوريا؟ لما انقلب الرئيس الحالي لتونس على سلفه العجوز (الحبيب بورقيبة) كانت البلاد تغلي شعبيا ونخبويا، وأما في القصر فقد كانت معركة الخلافة على أشدها ولكن الجنرال (بن عليّ) الذي لم يعرف له ماض سياسي عدا الفترة الوجيزة التي تولى فيها وزارة الداخلية والوزارة الأولى والتي سبقت انقلابه يوم 7 نوفمبر 1987 قد تمكن من قطع الطريق على منافسيه وإزاحة (بورقيبة) لصالحه. وقد كان يحتاج إلى شرعية، فسلفه يعتبر "محرر" البلاد من الإستعمار و"صانع تونس من غبار من البشر" على حد تعبيره والمجاهد الأكبر وأحد كبار زعماء العالم سياسة وحنكة، ولذلك "تبنى" (بن علي) معظم مطالب المعارضة حينها وأعلن أن عهده سيكون عهد الإنتقال بتونس من دولة دكتاتورية إلى دولة ديمقراطية تحكمها المؤسسات، وضمّن ذلك كله بيانه الأول ورفع شعار "تونس لكل التونسيين" و "لا ظلم بعد اليوم" و "لامجال لرئاسة مدى الحياة"، وحدد الرئاسة بدورتين فقط بعد الدورة الأولى وأفرغ السجون التي كانت تعج بالآف من المعارضين الإسلاميين أساسا لذلك لقي تأييدا من غالبية المعارضة رغم ماضيه الدموي المعروف في قمع الطلبة والتحركات الشعبية لمّا كان كاتبَ دولةٍ للإمن الوطني ولما كان وزيرا للداخلية، وعلى ذلك لقي تأييدا. وقد عمل الشعب ونخبه بمثل تونسي معروف "نتبعوا السارق إلى باب الدار" ولكن (بن عليّ) عمل بمثل آخر "أتمسكن حتى تمكن"! ثم لما تمكن تنكر لكل وعوده وملأ السجون من جديد وقمع كل المعارضين ثم انقلب على الدستور الذي غيره بنفسه وأصبح يحق له أن يترشح أكثر من مرتين بعد الأولى، وإذا ترشح فهو بالضرورة فائز ب "التسعات العربية الأربع" لعدم وجود منافس أو للتزوير إن وجد المنافس وعادت "حليمة" إلى أسوأ من عادتها القديمة بشيء من الوقاحة والإستخفاف بعقول الناس، وتحولت الرئاسة من "رئاسة مدى الحياة" إلى "رئاسة حتى الممات"! ولذلك فالمعارضة محقة حين تعتبر (بن عليّ) دكتاتورا وهو من أعطى هذه الصفة لنفسه لما انقلب على وعوده في البيان الأول، ثم بماذا يمكن أن نصف حاكما استمر على كرسيه عشرين سنة وينوي الإستمرار لدورات أخرى وما زال يصف عهده بالعهد الجديد! آفاق: أنت إعلامي تونسي معارض وصحفي في مجلة "كلمة" الالكترونية. ما هي خصوصية هذه المجلة ضمن ثقافة المعارضة الالكترونية للنظام الحاكم..؟ مجلة "كلمة" تأسست إلكترونيا سنة 2000 بعد أن حرم مؤسسوها من حق النشر المكتوب (الورقي) في تونس وقد اسسها نخبة من الصحفيين والحقوقيين التونسيين في مقدمتهم المناضلة المعروفة السيدة (سهام بن سدرين) وهي مجلة مستقلة وليست منبرا حزبيا يدعو من خلاله كتابه وصحفيوه إلى قناعاتهم الحزبية، كما أنها تعبر عن وجهات النظر المختلفة وكتابها من مشارب فكرية متعددة يجتمعون على مقاومة الإستبداد ومناصرة القضايا العادلة وحقوق الإنسان. ومجلة "كلمة تونس" هي كلمة من بين الكلمات التونسية الأخرى التي تقارع الإستبداد من زوايا أخرى قد تتفق أو تختلف مع "كلمة تونس". وكما هو متوقع من الإستبداد الذي يحارب الكلمة الحرة فمجلة "كلمة تونس" ممنوعة في تونس كمبقية الصفحات التونسية الأخرى المقاومة للإستبداد مثل الحوار نت وتونس نيوز وغيرها من الصفحات، ولكن الشعب التونسي يقاوم الحظر ولا يستسلم ويطّلع يوميا على ما ينشر في هذه الصفحات بطرق مختلفة وهو يميز بين غثها وسمينها ولا يقبل أن تنوبه السلطة المستبدة في الإختيار بدلا عنه! آفاق: تعرض أغلب العاملين في مجلة "كلمة تونس" للاعتقال.. حدثني عن ظروف الاعتقال في تونس كيف تتأسس عادة و كيف تمضي لتصبح تشريعا للاعتقال؟ لا أبالغ إن قلت أن المواطن في ما يسمى ب "تونس بن علي" متهم حتى يثبت براءته ولا تثبت براءته حتى يكون ضمن "الجوقة" التي تعزف ل (بن علي) فلا مجال للحيادية، فهم أول من أطلق شعار "من ليس معنا فهو ضدنا" وليس بوش الأصغر كما يظن البعض أما الذي يعمل عملا معارضا أو ينادي بتغيير "التغيير" فهو ظالم لنفسه، ومن هذا المنطلق تعرض كل نشطاء المجتمع المدني إلى التنكيل وقد نال صحفيو "كلمة" نصيبهم غير منقوص سواء بسبب كتاباتهم في مجلة "كلمة" أو أنشطتهم الأخرى ضمن فعاليات المجتمع المدني لمقاومة الإستبداد فتعرضوا للإعتقال والضرب والمحاصرة بل حتى "فبركة" الصور المشينة والأفلام المسيئة لتدمير معنوياتهم والإضرار بحياتهم الأسرية كما حصل مع السيدة أم زياد (نزيهة رجيبة) والسيدة (سهام بن سدرين) التي سلط عليها الإعلام الأصفر من "المرتزقة" وبوليس الكلمة بتعبير (أم زياد) للنيل من سمعتها ومعنوياتها. كما أن الزميل (لطفي حيدوري) سكرتير تحرير المجلة يتعرض للمضايقة المستمرة بسبب عمله الصحفي ونشاطه الحقوقي. وأما ظروف الاعتقال فهي في معظمها لا تستند إلى القانون وإنما هي عمليات إختطاف كما تفعل العصابات، ومدة الإيقاف التحفظي لا تحترم غالبا ويبقى القانون حبرا على ورق والممارسة في واد غيره. وما اختطاف المحامي والحقوقي السيد (محمد عبو) بسبب مقالين إلا خير شاهد على ذلك، وكذلك مواصلة نفي الصحفي السيد (عبد الله الزواري) بعيدا عن أسرته لأكثر من خمس سنوات بعد أن قضى 11 سنة سجنا. آفاق: هذا يقودني إلى سؤالكم عن السجون التونسية. كيف تصفونها كصحفي معارض؟ حدثني عن السجون التونسية؟ ما هي الظروف التي يعيش فيها معتقلو الرأي العام، من تعذيب و إذلال على يد الأمن التونسي؟ لا يمكن وصف السجون التونسية في سطور ولا ما يعانيه معتقلو الرأي من تعذيب وإذلال. السجون في تونس تسمى "السجون والإصلاح" وما أبعد الإسم عن المسمى ولو أنهم سموها "مراكز القتل البطيء" أو "مراكز التدمير والإنتقام" لكانوا صادقين ولكن السلطة في تونس تعودت أن تسمي الأسماء بمضاداتها كما يقول الصحفي والمناضل الحقوقي المرحوم (سحنون الجوهري) الذي استشهد في سجون (بن عليّ) يوم 25 جانفي 95 بعد أن عذب وتسبب له التعذيب في نزيف لم يعالج منه وترك ينزف حتى لقي ربه. السجن في تونس ينطبق عليه وصف الأستاذ (عصام العطار) في هذين البيتين: والسجن بحر من الأهوال قد هلكت *** فيه النفوس وأمواج من الألم جهنم، وعذاب غير محتشم، *** لكل حرٍّ كريمِ النفسِ محتشمِ نحن لا نتقوّل على نظام (بن علي) أو نبحث عن السقطات والزلات كما يدعي البعض من المطبلين أو ممن بعدت عليهم الشقة ولكننا نصف ظواهر مستفحلة ومنتشرة وعامة، ففي مراكز الإعتقال التونسية قتل عدد كبير من شباب تونس المثقف والمتعلم تحت التعذيب ذنبهم الوحيد أنهم معارضون معارضة سلمية وقد هلك في سجون تونس عدد غير قليل من المعارضين بسبب التنكيل والإمعان في الإهمال المتعمد والحرمان من العلاج وما تزال أعداد كبيرة أخرى تعاني من الأمراض المزمنة، ولمن أراد التوسع يمكن أن يعود لمقال الأستاذ المحامي والحقوقي السيد (محمد عبو) المنشور ب"تونس نيوز" بتاريخ 26 أوت 2004 والذي عنونه ب"أبو غريب العراق وأبو غرائب تونس" حيث ذكر فيه الفضائع والتجاوزات التي يتعرض لها السجناء، وقد اعتقل وقضّى أكثر من سنتين بالسجن بسبب المقال المذكور ومقال ثان قارن فيه بين (بن عليّ) وشارون. من يقرأ قانون السجون التونسية يقول بأننا في أشد البلدان تقدما واحتراما لحقوق الإنسان، وهنا أذكر مثالين لندرك البون الشاسع بين النص والممارسة: الفقرة الثالثة من الفصل السادس عشر تنص على أن من حق إدارة السجن معاقبة السجين الذي يخل بالواجبات المذكورة في الفصل الخامس عشر ب"الحرمان من تلقي أدوات الكتابة والنشريات لمدة معينة على ان لا تتجاوز 15 يوما" وسجين الرأي السيد (العجمي لوريمي) المفكّر والقيادي الإسلامي المعروف يصرح في أول حوار له بعد خروجه من السجن الذي بقي فيه 16 سنة بأن أول مر ة حصل فيها على قلم داخل السجن كانت بعد 13 سنة من سجنه!! وأما ابن الأستاذ (الصحبي عتيق) القيادي الإسلامي فقد نشأ في غياب والده الذي لم يعرفه إلا من خلال صورة بها نصفه الأعلى فقط ولما كبر وصار يذهب مع أمه للزيارة لم يكن يرى من والده إلا النصف الأعلى مما جعله يظن أن والده ليس له ساقين مثل بقية خلق الله! آفاق: في تونس الكثير من النضال لأجل التغيير الجذري، مع ذلك لم يتأتى ذلك إلى الآن. هل ترون أن ثمة نقائص في ميكانزمات النضال الراهن مثلا إزاء دولة بوليسية كما يصفها أغلب المعارضين؟ لاشك أن هناك الكثير من النقائص والخلل في نضال المعارضة من أجل التغيير ف "الأنا أو لا أحد" حاضرة عند كثير من قادة المعارضة كما وصف الدكتور (المنصف المرزوقي) دون أن يبرئ نفسه من ذلك، وأما فصائل المعارضة التي اجتمعت فيما يسمى ب "حركة 18 أكتوبر" التي انطلقت على إثر إضراب الجوع الشهير خلال القمة العالمية لمجتمع المعلومات فقد بشر انطلاقها ببداية التوحد لمقاومة الإستبداد ولاقت التفافا شعبيا لعدالة المطالب التي رفعتها (إطلاق سراح المساجين والعفو التشريعي العام، حق التنظم، وحرية التعبير) ولكنها بتسبيقها لنقاش المحاور الفكرية المختلف حولها على مواصلة النضال من أجل تحقيق المطالب الأولى المتفق عليها قد خفت بريقها وأصبحت مجرد نادٍ لنخبة لا يعول عليها شعبيا في مقاومة الاستبداد. يضاف إلى ذلك سياسة العصا والجزرة التي تسلكها السلطة مع بعض فصائل المعارضة المعترف بها من الترفيع في المنحة ورشوتهم ببعض الكراسي في البرلمان، وقد وعدهم (بن عليّ) مؤخرا في خطابه بمناسبة الذكرى العشرين ب 20% من المقاعد وهو ما أسال لعاب البعض ولعل التناحر داخل هذه الأحزاب قد بدأ على من "سيكرّم" بكرسي في البرلمان ومن سيستثنى!! ومع كل ذلك فلا يجوز الإنقاص من جهود كثير من النخب والجمعيات من أجل "حلحلة" الوضع. وكثير من المحللين يرون بأن الوضع الراهن في تونس شبيه جدا ببداية نهاية مرحلة بورقيبة. كما أن كثيرا من الدكتاتوريات كانت تبدو متماسكة ولما سقطت تبين أنها كانت آيلة للسقوط منذ مدة!! آفاق: لكن الرئيس التونسي حظي قبل أيام بتكريم من المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة؟ النظام التونسي متميز في اللهث وراء الشهائد والتكريم لعقدة النقص المتغلغلة فيه، فبحثهم مستمر عن جامعة تمنح "دكتوراه" شرفية أو جمعية تتكرم بإسناد درع "المجتمع المدني" أو شهادة من هذه الجهة أو تلك وكما يقول المثل "كاد المريب أن يقول خذوني" فالجميع يعرف أنها شهائد مدفوعة الأثمان ورشاوى باهظة لو أنهم أنفقوا تلك الأموال على شعبهم لكان أولى بهم. وهنيئا للنظام التونسي ما أسميته في مقال سابق بجهاز "البرباشة" الذي يقتات من النبش (التبربيش) في "المزابل" ليخرج بعض الشهائد المزورة يلمع بها صورة سيده!! آفاق: قبل فترة رفعت العديد من الأصوات الإعلامية التونسية رفضها لما أسمته بالمتاجرة بدم المواطنين التونسيين من قبل الصحافة المصرية التي تكتب عن "الانجازات الخارقة" والديمقراطية الكاملة في تونس بن علي. ما موقفكم من هذه القضية؟ السلطة التونسية تتبادل الخبرات في القمع والتعذيب مع النظام المصري والآن أصبحت تستعين "بمرتزقة" الصحافة المصرية واللبنانية لتلميع صورتها ولكن ذلك يزيدها انغماسا في الوحل، وكما قيل تعريف النكرة للمعرف يزيده نكرانا!! في تونس تراجع كبير لحرية التعبير، هل تعتبرون أن جمعية الصحافيين بمنظورها المهني و النقابي عجزت في الوقوف ضد اعتقال الصحفي بسبب جملة أو عنوان؟ لقد جند "النظام" التونسي كل الطاقات والموارد لتدجين جمعية الصحفيين وقد تم له ذلك منذ بداية التسعينات فقد أصبحت جمعية الصحفيين التونسيين جمعية غير مستقلة تساند السلطة في مواقفها ولا تناضل من أجل حرية التعبير وحماية الصحفيين الأحرار من غطرسة النظام واعتداءاته، ولذلك سعت مجموعة من الصحفيين المستقلين إلى إنشاء نقابة مستقلة للصحفيين التونسيين منذ حوالي سنتين ولكن السلطة التونسية رفضت الاعتراف بتلك النقابة وحاصرت أعضاءها ومنعتهم من عقد مؤتمرهم التأسيسي كما أن محاولاتهم بتأسيس نقابة لهم داخل غطاء الاتحاد العام التونسي للشغل لم تكلل بالنجاح وذلك أن السلطة قد اعترفت بنقابة جديدة للصحفيين "سموها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين" وهي أساسا مكونة من مجموعة من "الشرفاء" على حد تعبير الصحفي المعارض (رشيد خشانة) من أعضاء جمعية الصحفيين التي سيعلن عن حلها وتوريثها للنقابة المذكورة. وهو ما يبين أن المعركة بين أنصار الحرية وأنصار الإستبداد ممتدة في كل قطاعات المجتمع! آفاق: نقرأ في بعض الصحف التونسية عبارة "نناشد الرئيس بالترشح لانتخابات 2009" كيف تقرؤون هذه العناوين؟ وكيف سترون تونس في حال ترشيح بن علي لعهدة رئاسية جديدة؟ في تونس مثل مشهور مفاده أن الأكل اللذيذ تشم رائحته من بعيد (العشاء الطايب يعرضك افاحو).. قلنا بداية أن (بن عليّ) وعد وعودا كثيرة أول عهده ولكنه بدأ بنقضها مبكرا فقد كان من إنجازاته الأولى أن سمح بإعادة جريدة "الرأي" التي كانت تكتب فيها بعض الأقلام المعارضة وكان أن كتبت المناضلة (أم زياد) مقالا بعنوان "نشاز" على ما أذكر أعربت فيه عن رفضها لحكم (بن عليّ) دون أن تدعو الناس إلى الإطاحة به أو حمل السلاح ضده ومع ذلك أوقفت الجريدة بعد أن أصدرت عددا واحدا وأقبرت بدون رجعة. أول انتخابات تشريعية في عهده (2 أفريل 89) سُمح للإسلاميين بالمشاركة ضمن قوائم مستقلة وفازوا بالإنتخابات لكن السلطة زورتها واعترفت ب 17 % للقوائم المستقلة ثم انتهى "العرس" وأزيح "المكياج" وبدأت حرب الإستئصال للإسلاميين ولم تقف عندهم بل طالت كل المعارضين حتى الذين ساندوا السلطة في حملتها على الإسلاميين. والآن وبعد عشرين سنة من الإستبداد "يناشدون" الرئيس اللإستمرار على كرسيه وإن لم يفعل ستغرق تونس في الوحل! الذين يناشدون (بن عليّ) اللإستمرار هم الذين "ناشدوا" (بورقيبة) من قبل أن يرأسهم مدى الحياة وهم الذين كانوا يصرخون "بالدم بالروح نفديك يا (بورقيبة)" ولما سقط عزت عليهم دماؤهم وأرواحهم، وهم الذين صفقوا ل (بن عليّ) وأدانوا سيئات "العهد البائد" وهم الذين سيسارعون للعن "التغيير" و"عهده الجديد" بمجرد زوال صاحبه أو سقوطه. ليس شعب تونس هو من يكتب هذه المناشدات وإنما المرتزقة والمتزلفون في كل موقع الذين يوقعون باسم الشعب ومؤسساته دون تفويض، وأما المغلوبون على أمرهم والمهددون في أرزاقهم فلا يمكنهم المجاهرة بالتحدي وقول "لا" ولكن دوائر الرفض بدأت تتسع! وعلى كل حال فقبول الرئيس "المناشدة" دليل على أنه معلّم فاشل لأنه فشل خلال عشرين عاما من الحكم أن "يصنع" خلفا له "يهنيه" على مستقبل تونس! أو بالأحرى على مستقبل عائلته! آفاق: كيف تنظرون إلى مستقبل تونس في ظل هذا الوضع الراهن؟ عندما أرى المعنويات العالية التي يتحلى بها القيادي الإسلامي (عبد الكريم الهاروني) وإخوانه بعد 17 سنة سجنا، وعندما أرى كثيرا من معاناة القابضين على الجمر وصبرهم داخل البلاد وخارجها واستماتتهم في النضال من أجل تونس لكل أبنائها، عندما أرى كثيرا من نخبنا يتحدون القمع المسلط عليهم و"يشاكسون" الإستبداد ولا يستسلمون رغم شدة القمع ورغم الثقافة التى أريد لها أن تنتشر بين شعبنا ب "أن الكف لا يعاند المخرز"، أقول مع شاعر تونس الخالد أبي القاسم الشابي: (نعم). إن ذا عصر ظلمة غير أني *** من وراء الظلام شِمْتُ صباحه (شمت = رأيت) ضيع الدهر مجد شعبي ولكن *** سترد الحياة يوما وشاحه (الوشاح = السيف) المصدر: آفاق
الخميس 6 ديسمبر - كانون الأول 2007 بقلم : ياسمين صلاح