كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة: اعداد خطة عمل بكافة الولايات لتفادي توسع انتشار الحشرة القرمزية ( فيديو )    انس جابر تغادر بطولة مدريد من الربع النهائي    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    عين دراهم: إصابات متفاوتة الخطورة في اصطدام سيارتين    الحكومة تبحث تقديم طلب عروض لانتاج 1700 ميغاواط من الطاقة النظيفة    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    كمال دقّيش يُدشن مركز إقامة رياضيي النخبة في حلّته الجديدة    باقي رزنامة الموسم الرياضي للموسم الرياضي 2023-2024    القصرين: ايقافات وحجز بضاعة ومخدرات في عمل أمني موجه    تراجع عدد الحوادث المسجلة ولايات الجمهورية خلال الثلاثي الأول لسنة 2024 بنسبة 32 %    طلبة معهد الصحافة في اعتصام مفتوح    بمناسبة عيد الشغل: الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية مجانا    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    على متنها 411 سائحا : باخرة سياحية أمريكية بميناء سوسة    نجلاء العبروقي: 'مجلس الهيئة سيعلن عن رزنامة الانتخابات الرئاسية إثر اجتماع يعقده قريبا'    القبض على شخص يتحوّز بمنزله على بندقية صيد بدون رخصة وظروف لسلاح ناري وأسلحة بيضاء    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع الماء بهذه المناطق    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    تحذير رسمي من الترجي التونسي لجمهوره...مالقصة ؟    الترجي الرياضي: نسق ماراطوني للمباريات في شهر ماي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    بنزرت: حجز أكثر من طنين من اللحوم    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    سوسة: حجز كمية من مخدر القنب الهندي والإحتفاظ بنفرين..    أسعار لحم ''العلوش'' نار: وزارة التجارة تتدخّل    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    خبراء من الصحة العالمية يزورون تونس لتقييم الفرص المتاحة لضمان إنتاج محلي مستدام للقاحات فيها    اتصالات تونس تفوز بجائزة "Brands" للإشهار الرمضاني الأكثر التزاما..    عاجل/ تلميذ يعتدي على أستاذته بكرسي واصابتها بليغة..    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    تفاقم عدد الأفارقة في تونس ليصل أكثر من 100 ألف ..التفاصيل    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    عاجل : الأساتذة النواب سيتوجّهون إلى رئاسة الجمهورية    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر المحفوظ: تحقيق النهضة هو حجر الأساس لإعادة التوازن النفسي والحضاري لأمتنا
نشر في الفجر نيوز يوم 14 - 08 - 2008

أكد الباحث والمفكر الإسلامي السعودي محمد محفوظ أن الاخفاقات والانكسارات التي يعاني منها المجال الإسلامي لم تكن وليدة العوامل والتأثيرات الخارجية فقط، إنما تشاركها عوامل داخلية تعيش وتنمو في جسم الأمة الإسلامية.
وقال محفوظ في حديثه ل الراية الأسبوعية إن إغفال هذه العوامل الداخلية وعدم معالجتها يؤدي بالعالم الإسلامي إلي مزيد من التراجع والانكفاء علي الذات وعدم المساهمة الإيجابية في أحداث العالم وتطوراته، واقترح أن تبدأ الخطوة الأولي بالكشف عن هذا الخلل والبحث الجاد عن أسبابه، حتي تتحقق كل عناصر الانطلاق لمشروع النهضة الإسلامية التي تتصدر الخطاب الإسلامي المعاصر وتتشكل بكل إندفاع وحماس.
وتناول الحديث مع محفوظ الباحث في الفكر الإسلامي، دور المثقف العربي المعاصر, ورفض أن يحمله مسؤولية الاخفاقات المتتالية للعرب قائلاً: أن جميع مكونات الأمة تتحمل مسؤوليتها تجاه الواقع العاجز والانحدار والتراجع منذ عقود مضت.
وفي معرض رده لسؤال عن مستقبل الخطاب الإسلامي المعاصر، اعتبر الباحث محمد محفوظ أن تأصيل قيم الحوار والتسامح والكرامة والعمل علي تحويلها إلي حقائق ووقائع مجتمعية تشكل اكبر ضمانة لمستقبل هذا الخطاب.
نص المقابلة
• شغلت في كتاباتك بالمسألة الحضارية والنهضوية في الفكر الإسلامي بجميع تجلياته... ما أسباب ذلك الاهتمام؟.
- ثمة دوافع عديدة، تدفع الإنسان المسلم عموما والمهتم بشؤون الثقافة والفكر خصوصا للعناية بالمسألة الحضارية والنهضوية في المجال الإسلامي المعاصر. وبإمكاننا أن نحدد عدة أسباب لهذا الاهتمام، اولا.. إن طبيعة المشكلات والمآزق التي يعاني منها المجال الإسلامي، هي ذات طبيعة حضارية، حيث إنها تتواجد وتتوفر في مجالات عديدة من حياة المسلمين في الوقت الراهن.. بمعني أن التخلف الحضاري الذي نعانيه في مختلف مجالات حياتنا، يتطلب معالجة حضارية، تتجاوز كل المعالجات القشرية أو الآنية، التي لا تتعدي في اهتمامها وآليات فعلها الشكل والمظهر، دون أن تتواصل بفعالية مع جوهر الأزمة وجذورها العميقة. لذلك فإن اهتمامنا الثقافي والفكري بالمسألة الحضارية، يأتي في سياق إيماننا العميق، ان المشكلات التي تواجه المجال الإسلامي اليوم، تتطلب معالجة حضارية، لا تنحبس في إطار واحد، ولا تتشرنق في بعد من أبعاد الحياة. وإنما تتعامل وفق قاعدة ومنهجية أن كل أوضاعنا وأحوالنا، بحاجة إلي تغيير وإصلاح، حتي يتسني لنا النهوض والشهود الحضاري.
مطلوب بناء قوتنا علي جميع الأصعدة وتجاوز كل المشكلات التي تحول دون نهضتنا
كما ان العالم المعاصر بتطوراته المتسارعة واكتشافاته المذهلة وتحدياته الجسيمة وآفاقه العديدة، بحاجة إلي اهتمام حضاري يتعاطي مع شؤون الواقع والحياة وفق منهجية حضارية تتعالي علي سفاسف الأمور، وتجتهد للتواصل مع جذور القضايا ومنابتها الأصلية. لذلك لا يمكن أن يكون لنا موقع متميز في خريطة العالم المعاصر بدون الاهتمام الجاد والنوعي بالمسألة الحضارية بكل متطلباتها وآفاقها.
إضافة إلي إن النهوض الشامل الذي يستهدف تطوير الحياة الإسلامية المعاصرة في مختلف المجالات والحقول، هو سبيلنا الوحيد للخروج من حالة الهامشية والانخراط الحقيقي والنوعي في شؤون العالم المختلفة. فالنهضة الشاملة التي تستوعب مجالات الحياة المتعددة، هي سبيلنا وخيارنا للشهود الحضاري أو للوصول إلي مستوي المشاركة الفعلية في شؤون الحضارة الحديثة.
واهتمامنا بالمسألة الحضارية، ينبع من إيماننا العميق، إننا في المجال الإسلامي اليوم ومن أجل الالتزام بمقتضيات قيم ومباديء ديننا الحنيف والاستجابة الفعالة لتحديات الراهن، لابد من العمل المتواصل من أجل توفير كل مستلزمات النهوض الحضاري. الذي يستهدف تجاوز كل المعضلات والمشكلات التي تحول بشكل أو بآخر دون فعاليتنا الحضارية في الحقبة الراهنة. وعليه نستطيع القول: إن اهتمامنا بالمسألة الحضارية المعاصرة في الإطارين الإنساني والإسلامي المعاصر، هو لاعتقادنا الجازم، إننا بحاجة أن نبلور في فضائنا السياسي والثقافي والمجتمعي، الإرادة الحضارية التي تسعي نحو تعبئة الطاقات وحشد الامكانات باتجاه التطلعات الحضارية الكبري.
• وكيف ترون مساحة مسألة النهضة في الخطاب الإسلامي المعاصر ضمن ذلك الخطاب؟
- تتعدد التفسيرات والنظريات، التي تحاول اكتشاف الأسباب أو الجذور الحقيقية، للأزمات والمشاكل الكبري التي يعاني منها المجال الإسلامي. وتعدد واختلاف هذه التفسيرات، يرجع بالدرجة الأولي، إلي البنية أو البيئة الأيدلوجية والفكرية التي ينطلق منها أصحاب كل تفسير. فالرؤية الأيدلوجية القومية، التي تنطلق من نظرة اصطفائية لقومها تفسر مشكلات مجتمعها المعاصرة، باعتبارها وليدة المؤامرات والمخططات الخارجية، التي تسعي باستمرار إلي إجهاض حلم التقدم. فلولا الاستعمار في نظر هؤلاء لتحقق مشروع الوحدة العربية، وتم إنجاز وتحقيق كل الأحلام القومية، وكأن التجزئة والتشظي والتشتت هي من صنع العوامل الخارجية، وحدها.
الحقيقة أن العديد من الإخفاقات والانكسارات في المجال الإسلامي الحديث والمعاصر، لم تكن من صنع العوامل الخارجية فقط. وإنما هي من صنع عوامل داخلية تعيش وتنمو في جسم الأمة. وعليه فالتغافل عن دور العوامل الداخلية والذاتية في إجهاض وإفشال تطلعات الأمة ومشروعاتها، لا يوصلنا إلي فهم حقيقي ووعي دقيق للمسيرة أو التجارب التي مرت بها الأمة، وإنما يبعدنا عن أدوات التحليل السليم، ويجعلنا أسري لتفسيرات شوفينية تزيدنا وهما وبعدا عن الحقيقة. إن داءنا في نفوسنا وذواتنا، وسنبقي في الهامش، بعيدين عن متطلبات المشاركة والمساهمة الايجابية في أحداث العالم وتطوراته، ما لم نغير ذواتنا ونفوسنا، كما قال الباري عز وجل: إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم الرعد، الآية11 ..
لابد من العمل الدؤوب لتوفير مستلزمات النهوض الحضاري الإسلامي
إن الخطوة الأولي التي ينبغي أن نقوم بها إزاء كل ظاهرة ومشكلة، هي البحث والفحص الجاد عن الأسباب الذاتية التي أدت إلي هذه الظاهرة أو المشكلة، لذلك ينبغي أن نوجه الاتهام أولا إلي أنفسنا قبل أن نوجهه إلي غيرنا. وهذه المنهجية تلخصها الآية القرآنية الكريمة قل هو من عند أنفسكم آل عمران-165 .
فإزاء كل هزيمة، إزاء كل مرض وكل مصيبة تنزل علي رؤوسنا، ينبغي أن نلتفت قبل كل شيء إلي مشاركتنا ودورنا في هذه المصيبة، وإلي ما كسبته أيدينا.
وفق هذه الرؤية والمنهجية، نحن نتعامل مع مفهوم النهضة في الخطاب الإسلامي المعاصر.. بمعني أن مفهوم النهضة، هو تلك اللحظة التاريخية التي تتجمع فيها كل عناصر الانطلاق وضروراته وشروطه المجتمعية، التي تتجه إلي تطوير الواقع الإسلامي وفق رؤية وخطة مدروسة. والاستقالة من هذه المهمات، يعد خروجا من حركة التاريخ، وهروبا من تحديات الراهن، وإنزواء عن متطلبات اللحظة التاريخية.
لذلك فإن الحديث عن موقع النهضة في الخطاب الإسلامي المعاصر، لا يعني الحديث عن كليات أو قوالب فكرية جاهزة، وإنما هو حديث عن مسار اجتماعي- حضاري، يشهده المجال الإسلامي اليوم، يتجه بقوة، ويندفع بحماس، إلي التشكل وفق السياقات الإسلامية الحضارية.
ولابد من القول أيضا، أن إدراك تحولات العالم وتطوراته، لا يكفي للانخراط الفعال في شؤون العصر وقضاياه المصيرية. وإنما من الضروري أن يرافق هذا الإدراك والاستيعاب، تجديد رؤيتنا وفهمنا للإسلام..
وخطاب النهضة هو الذي يوفر لنا المناخ العام، الذي يتجه صوب خلق الوعي الجديد لمنظومة الأفكار والقيم التي تحتضنها الأمة.. لهذا كله، فإننا نري أن مسألة النهضة بكل متطلباتها ومقتضياتها، هي حجر الأساس اليوم لإعادة التوازن النفسي والحضاري لأمتنا. وهي خيارنا لإعادة صياغة واقعنا وفق تطلعاتنا وطموحاتنا، وبما يناسب التحديات الكبري التي تواجهنا.
• ما تشخيصكم للخطاب العربي المعاصر من خلال نقاط قوته وضعفه ومميزاته؟
- من البديهي القول، إنه لا يمكن أن نمارس فعل الحياة علي أكمل وجه، إلا بتدشين وتأسيس قيم الحضارة في الفضاء الثقافي والاجتماعي، فهي الوسيلة الفعالة لتنمية شروط التقدم في مجالنا الاجتماعي والحضاري، وإليها يعزي الفضل في مشروعات التنمية الناجحة التي خاضتها العديد من الشعوب والمجتمعات.
ويجانب الصواب من يعتقد أن الانسجام مع منطق العصر، يتطلب التضحية بالمقومات الذاتية للبناء الحضاري السليم.
خطابنا المعاصر مرهون بقدرتنا علي تأصيل قيم الحوار والتسامح في المجتمع
فإدراك العصر والتعبير عن تجلياته وموضوعاته، لا يمكن أن يتحقق إلا في سياق النهوض الحضاري الذي ينبغي أن يشمل جميع مرافق الحياة. فلا تناغم مع منطق العصر، ولا استفادة حقيقية من آفاقه، إلا بالنهضة الشاملة، التي تبدد الركود وتنهي الجمود، وتزيل كل الأسباب والرواسب التي تحول دون الانطلاقة الحضارية.
والخطاب العربي المعاصر، كأي تجربة فكرية وسياسية، فهو يحتضن الكثير من التطلعات والطموحات والآمال، ويستند في عمله وجهده علي العديد من الحقائق والمكاسب، كما أن التباسات بعض خياراته الفكرية والسياسية وضغوطات الواقع وإكراهاته حالت دون استمراره التصاعدي. وتشخيصنا للخطاب العربي المعاصر، أنه استطاع في حقبة زمنية عصيبة أن يحافظ علي مفهوم الوحدة والهوية، وامتاز عن غيره من الخطابات في المرحلة الراهنة بمراجعاته النقدية الشجاعة وقدرته علي التمأسس في أطر ومؤسسات تمارس دورها ووظيفتها بشكل جماعي. وبإمكانه أن يتجاوز بعض نقاط ضعفه من خلال تصالحه وتفاعله مع مرجعيته الأمة التي تتجسد في الإسلام.. بمعني أن الخطاب العلماني المتشدد، الذي تم تبنيه من بعض رموز الخطاب العربي المعاصر، حال دون تفاعل مساحات اجتماعية واسعة معه.
• لقيت إشكالية المثقف والسلطة الكثير من الجدل ,كما أن هذه العلاقة مرت بعدة أشكال فمن القطيعة التامة إلي المصالحة بين المثقف والحاكم وتجسير الفجوة بينهما... ما رؤيتكم لهذه العلاقة في الوقت الحالي وأين تقف الآن؟
- يبدو لي أن الإشكالية الحقيقية في المجالين العربي والإسلامي، ليست مسألة العلاقة بين المثقف والسلطة.. وإنما هي طبيعة العلاقة بين الأمة والدولة، بين السلطة والمجتمع، التي تتجلي بعناوين ويافطات متعددة.. ولقد كتبت كتابا يناقش هذه المسألة بعنوان الأمة والدولة - من القطيعة إلي المصالحة لبناء المستقبل وهو صادر عن المركز الثقافي العربي في بيروت عام 2000م .
إذ لا ريب أن الاشتباك والتوتر الموجود بين السلطة والمجتمع في العديد من مناطق العالم العربي والإسلامي له أسبابه الواقعية وعوامله المتجذرة في طبيعة الخيارات السائدة والممارسات المتبعة. لذلك نري أن طبيعة الحلول المقترحة للخروج من مآزق التوتر، تدفع باتجاه الاعتراف بأن الواقع العربي والإسلامي، بحاجة إلي تحول نوعي علي هذا الصعيد. حتي يتمكن من تأسيس قواعد سياسية وثقافية جديدة للعلاقة بين الدولة والمجتمع.. قواعد لا تلغي متطلبات الدولة العادلة، وفي الوقت ذاته لا تضيّع حقوق المجتمع وواجباته الحضارية والسياسية. وما نقوله هذا ليس وصفة جاهزة، وإنما هو معالجة مفتوحة علي كل الجهود الخيرة والنوعية التي يقوم بها المجتمع في مختلف المجالات والحقول.
المعارف الجاهزة المستوردة لا تنتج معرفة وإبداعاً وبعض الإشكاليات التي تبرز في المجالين العربي والإسلامي في العلاقة بين السلطة والمثقف، هي في تقديرنا إحدي التجليات الرئيسية لتلك الإشكالية الأعمق التي ترتبط بطبيعة العلاقة القائمة بين الدولة والأمة، ومستوي انسجام خياراتهما مع بعضهما البعض. لذلك فإن معالجة إشكالية العلاقة بين السلطة والمثقف، تتطلب منا الفحص الدقيق وبلورة الثقافة السياسية والحضارية المواتية لتطوير مستوي الانسجام والتكامل بين الأمة والدولة.. ونحن هنا لا نؤسس لتصور طوباوي في علاقة السلطة بالمجتمع، وإنما ندعو إلي موازنة فذة بين القوة والحق.
لذلك لا يكفي أن يكون القانون جيدا ومتطورا، وإنما هو بحاجة دائما إلي حقائق مجتمعية تحترم القانون وتلتزم بنوده وتطبقه علي واقعها الخاص قبل العام. فالقانون الحسن يحمي المجتمع من التعسف، حينما يكون المجتمع حيويا وديناميا، ويحتضن قوي حضارية تكافح من أجل تكريس قيم الحضارة في المحيط الاجتماعي.
والمصالحة السياسية التي ندعو إلي إرساء قواعدها الحضارية، وتوفير شروطها الذاتية والموضوعية، تتطلب وفي كل المراحل ثقافة سياسية جديدة، تمارس عملية القطيعة المعرفية والمرجعية مع ثقافة التعصب والإقصاء والنبذ والعنف، لتؤسس نمطا ثقافيا - سياسيا جديدا، يأخذ من قيم الحرية والمسؤولية وحقوق الإنسان وكرامته، الإطار المرجعي لهذا النمط.
• هل تري أن هذه الإشكالية - المثقف والسلطة - مصطنعة ومنقولة من تراث آخر كما يقول البعض، بمعني آخر هل لها جذور في الفكر الإسلامي؟
- لا شك أن العولمة بآلياتها ومفاعيلها المتعددة ووسائطها المتطورة، تطلق جملة من التحديات ليس علي صعيد النخبة المثقفة فحسب، وإنما علي صعيد الأمة والإنسانية كلها. حيث إن حركة الكوكبة والعولمة، تتجه صوب تغيير أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وإعادة رسم الخرائط الثقافية والتجارية والحضارية علي أسس عولمية.
وعلي كل حال المسألة في المجال الإسلامي في تقديري، ليست قبول العولمة أو رفضها، وإنما فهمها وإدراك طبيعة حركتها وميكانيزمات فعلها علي المستويات كافة، حتي يتسني لنا علي ضوء هذه المعرفة الواعية والعميقة من ترتيب أوضاعنا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.. فلا يمكن مواجهة تحديات ومخاوف العولمة بالصراخ والعويل، وإنما ببناء قوتنا الذاتية، وإصلاح أوضاعنا، والانعتاق من المعضلات الكبري علي الصعيدين السياسي والمجتمعي التي تعيق انطلاقتنا، وتزيد من ضعفنا، وتحولنا إلي كائن لا حول له ولا قوة. كما أن العولمة توفر جملة من الفرص والآفاق، لا يمكن تحقيقها إلا إذا امتلكنا أسباب القوة، وتجاوزنا مشاكلنا المعيقة، وتحررنا من كل رواسب التخلف والانحطاط.
وهكذا نستطيع القول: إن المطلوب هو بناء قوتنا علي الصعد كافة، وتجاوز كل المشكلات التي تحول دون نهضتنا. والنخبة المثقفة في ظل العولمة وتأثيراتها البنيوية والواسعة، لا يتلاشي دورها. وإنما يتأكد هذا الدور الذي يتجه نحو بلورة الرؤية للمجتمع والأمة للتعامل الحضاري مع حركة التطورات التي تجري في العالم. ففي زمن العولمة تتضاعف مسؤولية النخبة المثقفة. إذ أنها ينبغي أن تنتزع دورها، وتمارس وظيفتها المعرفية والاجتماعية.
• ماذا عن مصير هذه النخبة في ظل العولمة عابرة القارات والثقافات؟
- أن تطلع الثقافة في كل العصور، هو تطلع التجاوز، وترسيخ قيم ثقافية جديدة، تجعل المرء أكثر قدرة علي معرفة نفسه واكتشاف العالم.
لذلك فإن الثقافة في جوهرها وحقيقتها، هي عملية تجاوز مستديم إلي تلك الأفكار والوقائع التي أضحت جثثا هامدة، لا تحرك ساكنا، ولا تزيل الغبار والكلس من الحياة الاجتماعية.
فالثقافة دائما مع المستقبل، لأنها قدرة دائمة علي التجدد والتغير، ومدارها الحلم الإنساني الخالد المتجه دوما إلي صناعة مستقبل أكثر امتلاءً وأكثر إضاءة.. وإشكاليات المثقف في الحياة العربية المعاصرة، هي وليدة، إما عدم القدرة علي الوفاء لهذا المفهوم الحضاري والمتجدد للثقافة أو بفعل إكراهات الواقع وتراكماته السيئة التي تصيب المثقف في خياراته ودوره وموقعه واهتمامه النوعي.
السؤال .. أهم ظاهرة بنيوية يشتغل عليها العقل الإسلامي؟
وهذا يدفعنا إلي القول: أن التغيير والتطوير ليس معجزة، وإنما هو إرادة إنسانية متواصلة، تأخذ علي عاتقها ممارسة الأفكار الحضارية، وتبحث عن طرائق مؤاتية، لكي تأخذ هذه الأفكار طريقها في الواقع والمجتمع. ولعل هذا هو الذي يفسر لنا إخفاق مشروعات النهضة والتغيير في واقعنا العربي والإسلامي. إذ أن التشبث بفضاء الكلمات الطنانة والشعارات المسجوعة، والتعالي عن الواقع بقضاياه وهمومه، لا يصنع تغييرا ولا واقعا مؤاتيا للتغيير. والاكتفاء بذلك، دون العمل علي تنزيل أفكار النهضة إلي حقائق مجتمعية، هو السبب الرئيسي في تقديرنا لإخفاق مشروعات النهضة في العالمين العربي والإسلامي.
لأن التستر بالشعارات والأفكار الكبيرة، وعدم انكشاف نفوسنا وعقولنا علي هذه الشعارات والأفكار، هو الذي جعل هذه الأفكار بعيدة عن واقعنا وليست متكيفة التكيف الايجابي مع النسيج المجتمعي.
إن ملحمة النهضة، تبدأ بالانطلاق، حينما نواجه أنفسنا ونكتشف بيئتنا، وننطلق من هذه المواجهة إلي خلق الأفكار والرؤي والبصائر المنسجمة ومتطلبات تلك المواجهة. وإن سبيل التطور والتغيير، هو العمل والممارسة علي هدي الأفكار والبصائر العليا.
والمدارس التنويرية في التجربة الإنسانية، لم تكن وليدة المقولات الجاهزة والكلمات السحرية، وإنما هي وليدة العمل والفعل المتسق والمشروع الاستراتيجي التي تنشده هذه المدارس التنويرية. وإن رغوة الكلام لا تخلق فعالية تاريخية تتجه صوب البناء والإنتاج والتطور. وهذا هو جوهر إشكالية المثقف في الحياة العربية المعاصرة.
• بحث إشكالية المثقف في الحياة العربية المعاصرة احتل جزءاً مقدرا من كتابكم الأخير الحضور والمثاقفة كيف تنظرون إلي هذه الإشكالية من نواحي الإطار المرجعي الذي ينبغي أن يلتزم به المثقف، والعلاقة بين المثقف والمجتمع، وإشكالية المثقف وعلاقته بالإبداع؟
- إن بداية النهاية لأية ثقافة، هي حينما تتجه إلي اختزال وقائعها ومفاهيمها في البحث عن الأشكال المتوافقة أو المنطبقة مع مفاهيم وأشكال الثقافات الأخري دون الالتفات إلي الشروط التاريخية والاجتماعية لكلتا الثقافتين. فأفق المغايرة والاختلاف من الآفاق المهمة لأي ثقافة، لأنه يوجهها إلي أسئلتها الخاصة، وتحدياتها الملحة، ويدفع باتجاه الحوارات النقدية الواعية مع الثقافات والمكونات المعرفية الأخري. وإن الفكر الإسلامي المعاصر، استطاع ومن خلال عطاءات العلماء والمفكرين، أن يقدم للساحة جملة من الأفكار والتصورات والمشروعات، التي تتجاوز الحقل السياسي، وتجيب عن أسئلة معاصرة أخري، وتبلور مشروعات فكرية وحضارية في حقول مختلفة.
الأمم المتقدمة هي التي تتمكن من توظيف تراثها في حاضرها وإن بروز العطاءات الفكرية - السياسية، هذا لا يعني عدم قدرة الفكر الإسلامي المعاصر علي العطاء في مجالات أخري.. وذلك لأن الفكر كالكائن الحي يتطور مع الزمن، واستجابته الفعالة للتحديات والتطورات، تعني تكثيف مرحلة التطور والتحول الفكري، بما يستجيب لأسئلة الراهن وتحدياته..
فالمطلوب علي مستوي الفكر والممارسة، الانخراط النقدي في شؤون العصر وقضاياه الكبري والمصيرية، وذلك حتي يتسني للإنسان المسلم استيعاب علوم عصره بمنظور نقدي، ليوفر له المساحة المطلوبة للاستيعاب والتجاوز، للفهم والنقد، للمساءلة والمشاركة.
• في كتابكم «الحضور والمثاقفة... المثقف العربي وتحديات العولمة» ناقشتم المسألة الثقافية في المجالين العربي والإسلامي من خلال واقع المثقف وآفاق دوره التاريخي في ضوء تطورات الراهن، ثم الثقافة وآفاق مستقبلها، فماذا يميز هذه المعالجات وما الجديد الذي أتت به، خاصة وان كثيراً من الباحثين تناولوا هذا الجانب عبدالاله بلقزيز علي سبيل المثال؟
- إن كتاب الحضور والمثاقفة انطلق من إيمان عميق بأن الخصوصية تعني لنا مسؤولية لا يمكن التهرب منها، ورافعة ترفعنا عن سفاسف الأمور علي مختلف المستويات، وترفض رفضا قاطعا بقاءنا في الهامش وبعيدا عن الحضارة ومتعلقاتها السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
فالخصوصية ضرورة من ضرورات الاجتماع الإنساني، كما أن الكونية والعالمية هو المدي الحيوي، الذي ينبغي أن يشغل تفكيرنا وعملنا وموضوعات تطلعاتنا وطموحاتنا.
لعل هذه العلاقة الواعية بين مفهومي الخصوصية والكونية، هو ما أضافه أو ما حاول كتاب الحضور والمثاقفة أن يؤكد عليه.
فالإضافة والمزيد من الحضور والمعرفة والكسب الجديد، هو دورنا ومسؤوليتنا في هذه الحياة. وهذا جهد ينبغي أن نمارسه بلا توقف، وبناء متواصل للذات، حتي تكون مهيأة وقادرة علي الالتزام بمقتضيات هذا الدور.
وبهذه الممارسة، تتجلي الخصوصية باعتبارها مصدر الخلق المستمر للقوة بكل أبعادها وآفاقها. وانفتاح رشيد علي الكون والعوالم الأخري، لاستيعاب تجاربهم وامتصاص خبراتهم، والعمل معا لإدارة شؤون البشرية وفق قواعد ونظم إنسانية خالدة. فالخصوصية ليست إنفلاقا وإنحباسا في الذات، وإنما هي تجديد لرؤي المعرفة وآفاق الحقيقة علي نحو مستديم، بحيث تبقي ذاتنا ذاتا فاعلة وحية. كما أن الكونية لا تعني الذوبان في حضارة وثقافة الآخرين، وإنما تعني التواصل الإنساني البعيد عن كل عوامل الهيمنة وأسباب الغطرسة والسيطرة.
• هل تحملون المثقف مسؤولية الاخفاقات المتتالية التي منيت بها الساحة العربية والإسلامية؟
- لعلنا نمارس الابتسار والتعسف، حينما نحمل المثقف وحده مسؤولية الإخفاقات المتتالية في المجالين العربي والإسلامي..
إننا نعتقد أن جميع مكونات الأمة، تتحمل مسؤوليتها تجاه الواقع العاجز والمرير الذي نعيشه. فكل الفئات والشرائح والقوي، تتحمل جزءا من مسؤولية الانحدار والتراجع الذي نعاني منه جميعا منذ عقود.
وعلي الرغم من الوقائع الصعبة التي يعيشها المجال الإسلامي اليوم، إلا أن الأمل يتعاظم، والعمل الجاد يتراكم باتجاه تفكيك هذه الوقائع، وتصفية تلك الحقائق التي تجثم علي صدر واقعنا وأمتنا. ودائما الاستحقاقات والتحولات الكبري للأمم، لا تنجز صدفة، ولا تتحقق مجانا، وإنما هي بحاجة إلي فعل نوعي متواصل، يتجاوز الصعاب، ويطرد العقبات، ويخلق الإرادة والفعل الجماعيين من أجل القبض علي الاستحقاقات وغرسها في الواقع الاجتماعي. فالخروج من هذه المآزق التاريخية، يتطلب تحرر الإنسان المسلم من أوهامه وهواجسه المعيقة لفعاليته وحركيته وديناميته، والانطلاق في رحاب العمل والبناء.
• في نظركم ماهي أبرز الظواهر الملحوظة في بنية العقل الإسلامي المعاصر، التي ترون أنها جديرة بالمتابعة؟
- لا بد لنا أن ندرك ان المعارف الجاهزة، لا تفضي إلي نمو المعرفة والإبداع. مالم تتقدم في المساءلة والقراءة والنقد. وحينئذ فما يتبلور منها من حقائق وأفكار ونتائج بالاحتكام إلي عقولنا سيضيف إلي واقعنا الثقافي والاجتماعي المزيد من الحيوية والفاعلية. لذلك فإن المطلوب دائما، هو إثراء تجاربنا العقلية والفكرية والمعرفية بتجارب السابقين مما يحقق معني التواصل في بناء المعارف الإنسانية والانفتاح علي آفاق السيرورة التي تختزن تجارب الإنسان والراهن في عملية إخصاب دائم لا تكف عن التوالد والإبداع.
بالمزيد من المثاقفة والحضور والمعرفة تتجلي خصوصيتنا الحضارية
وفق هذا المنظور ينبغي أن نتعاطي مع القضايا التي يشتغل عليها العقل الإسلامي المعاصر، أو نكثف من خلاله القضايا الرئيسية التي يستند عليها هذا العقل..
ولعل أهم ظاهرة بنيوية في هذا العقل، هي ظاهرة السؤال فالإنسان بحسب المنظور الرباني أكثر الكائنات قابلية للجدل. لذلك ينبغي أن نبتهج بالسؤال لأنه يمنحنا التحفز والرغبة ويدفعنا إلي البحث المضني والمغامرة العقلية. والنص القرآني كما يقرر الكثير من العلماء والمفكرين، يعتمد علي أسلوب النص المفتوح، أعني النص الذي لا تستوعبه قراءة واحدة، لأن كل قراءة له تفتح أمامك احتمالات جديدة وأفقا جديدا لقراءة أكثر عمقا. فالدين والعقل، هما توأما الخروج من قمقم الجهل والتخلف، كما أنها الأرضية الخصبة لإبداعات الإنسان علي مختلف الصعد والمستويات. وبالقلق المعرفي والتساؤل والنقد والإبداع، نمحو عطالة العقل واستقالة الفكر والوجدان.
فالنص الديني، لا يلغي دور العقل وإبداعاته ومكتسباته في مقاربة الواقع واكتشاف سننه وقوانينه وجمالياته.
• هل ترون أن الساحة مواتية والمناخ خصب لإنضاج مشروعات الفكر العربي - الإسلامي المعاصر «الاجتماعية والثقافية والحضارية»؟
- لعلنا لا نبالغ حين نقول: إن المناخ العام بكل تداعياته وعناوينه، مناسبا لإنضاج مشروعات الفكر الإسلامي المعاصر الاجتماعية والثقافية والحضارية.. وإن المطلوب هو الإنصات الواعي والعميق لكل الآراء والأفكار، لأن هذا الإنصات هو الذي يجعل وعي الاختلاف وعيا جماليا كتنوع أغصان الشجرة. فالدين كما يشمل العبادات والأخلاق والقيم النبيلة، كذلك هو دعوة دائمة للنظر والتأمل والتبصر. والنظر بدوره يستدعي الشغف بالعلم والإبداع ومحاولات فك اللغز الإنساني عن طريق التأمل والاجتهاد، ويكتشف جماليات الإنسان والكون، حتي تكون الصورة بمفرداتها العديدة في سياق واحد منسجم ومنطوق الآية القرآنية في أحسن تقويم .
وتراجع مستوي الإبداع في أية أمة، يرجع في تقديرنا إلي انهيار مصادر التجديد والتغيير والتطوير في الأمة. فحينما تسود أيدلوجيات التسويغ والتبرير، وتتضاءل إمكانية استخدام العقل، ويصاب الوجدان والشعور باليباس، حينذاك تغيب كل أشكال الإبداع في المجتمع والأمة.
• هل انتم متفائلون بمستقبل الخطاب العربي الإسلامي؟ هل يمكن أن يحقق تنمية ويبني معرفة؟
- إن مستقبل الخطاب الإسلامي المعاصر، مرهون إلي حد بعيد علي قدرتنا جميعا علي تأصيل قيم الحوار والتسامح والكرامة الإنسانية في المجالين العربي والإسلامي. والعمل علي تحويل هذه القيم إلي حقائق ووقائع تزيد من فرص الحوار وتعمق خيارات البناء والعمران.
فالتنوع الفقهي والفكري في التجربة التاريخية الإسلامية، لم يكن وليد الانقسام والتشرذم والتفرق المذموم، وإنما كان تعبيرا عن حيوية عقلية وعلمية أدت إلي تعدد الآراء والمتبينات المنهجية في عملية الاستنباط ودلالات النصوص، مما أتاح للمسلمين في تلك الحقبة الكثير من الآراء والإفهام وأشكال الحوار المستند إلي العلم والمنطق. ولا نعدو الصواب حين القول: إن العديد من منجزات الحضارة الإسلامية ومكتسباتها العلمية والمعرفية والإبداعية، كانت بفعل هذه العقلية، وبفضل هذه الروحية السامية.
• كيف تفهمون مسألة التجديد الثقافي؟
- نفهم مسألة التجديد الثقافي وفق الرؤية التالية: إن الجمود الذي يلف حياتنا ويكتنف حقول دنيانا، ليس من جراء قصور النصوص من استيعاب متغيرات الحياة كما يتوهم البعض، وإنما هي من جراء عدم خلق علاقة سليمة مع النصوص. لأن هذه النصوص تتضمن قواعد وكليات قادرة علي الإجابة من كل الأسئلة والمتغيرات. لذلك فإن استنطاق النصوص والقواعد الكلية للشريعة، كفيل بتزويدنا بالإجابات والبصائر التي نحتاج إليها في حياتنا المعاصرة.
المدارس التنويرية في التاريخ لم تكن وليدة المقولات الجاهزة إنما بالعمل والتفكير الاستراتيجي
والدور المنهجي المطلوب في هذا الصدد، الانفتاح علي كل الأدوات والآليات المعرفية التي تساهم بشكل أو بآخر في عملية الاجتهاد والتجديد.
والمسلم المعاصر أحوج ما يكون اليوم، إلي تطوير نمط علاقته بالنصوص، حتي تصبح علاقة حيوية وفاعلة وبعيدة عن كل أشكال الحرفية والجمود.
فلا مناص لنا اليوم إلا تجديد وعينا بالإسلام، فهو وسيلتنا للتمكن في الأرض، والدخول النوعي في مسيرة الحضارة المعاصرة.
• إعادة قراءة التراث الإسلامي يشتغل عليه العديد من الباحثين وأنت منهم ,إلي أين وصلت هذه الجهود هل استطاعت أن تقدم قراءة حقيقية لهذا التراث؟
- في إطار إعادة قراءة التراث، وبلورة المنهجيات المناسبة لذلك، لا بد من القول: إن من الأهمية بمكان تجاوز الفكر الرغبوي، الذي يتعامل مع تصوراته وأفكاره وقناعاته وكأنها حقائق قائمة علي مستوي الواقع. إن تغييب الواقع والراهن وإبراز الرغبة والتصور الذاتي وكأنه حقيقة مطلقة، هو الذي يقود إلي تعطيل الاستفادة من التراث والتاريخ. وهو الذي يحولهما إلي عبء علي حاضرنا وراهننا.
ليس مطلوبا منا علي كل حال، أن نلغي راهننا ونستدعي التراث ونعيش في أحلامه وصراعاته وعناوينه المختلفة. بل المطلوب منا أن نعيش راهننا، ونمارس شهودنا علي هذا الراهن وننفتح علي تراثنا للاستفادة منه في هذا الإطار.
ولابد أن ندرك أن الأمم المتقدمة فقط، هي التي تتمكن من توظيف تراثها في راهنها. أما الأمم الضعيفة والمتخلفة التي تعيش علي هامش حركة التاريخ فإنها تستغرق في تراثها وتغوص فيه كوسيلة للهروب من عصرها وواقعها الراهن. وحده بناء الحاضر والراهن هو الذي ينهي إشكالية التراث في الواقع العربي. وذلك لأننا سنضيف ببناء واقعنا إلي تراثنا الإنساني المزيد من المبادرات والتجارب ونماذج جديدة في البناء والتطور.
وخلاصة القول: إننا بحاجة دائما إلي منهج موضوعي ومتكامل، يوفر لنا العدة المعرفية والتقنيات المناسبة، لقراءة تراثنا. قراءة تزيدنا وعيا بحقائقه ووقائعه، وتوفر لنا الوعي التاريخي الذي يؤهلنا لاستيعاب تلك الحقائق، ويحفزنا إلي العمل النوعي في سبيل العمران الحضاري.
صحيفة الراية القطرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.