لقد عاشت العربية قرونا طويلة ترافع عن نفسها و تبني لها مكانا في خريطة العالم الغير إسلامي، و حاولت أن تربط جسور التواصل بينها و بين الحضارات الأخرى عن طريق الترجمة، فسمحت لها أن تعبر الحدود، فأبدى العديد من المستشرقين اهتمامهم بلغة الضاد، أقبلوا عليها و شربوا من نبعها ( القرآن)، و تعلموا وظائفها فكانوا روادا في الخطاب اللغوي باللسان العربي لدرجة أصبح فيها الفرد منا لا يفرق بين مستشرق و عربي أصيل سيما و اليوم يتحدث بها قرابة ال 400 مليون شخص في العالم.. وللقرآن الكريم فضل عظيم على اللغة العربية حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجه وعالميته، و ما جعلها في مقدمة اللغات هو أن جل لغات الدول تكتب حروفها الأبجدية باللغة العربية كما هو الحال في دولة تركيا ذات اللسان الفارسي فحروف لغتها تكتب بحروف عربية فمثلا " أهلا وسهلا " في الفارسية ( خوش آمديد ) ، كذلك نجد عبارة "كيف حالك" في اللغة الهندية «كيسا هي" و هي مكتوبة بالحروف عربية ... وهو ما زاد من حقد الحكومات الاستعمارية التي لعبت على مر السنين أدوارا كبيرة في محو اللغة العربية و استبدالها باللغة المستعمرة، و على رأسها فرنسا بلد العدالة و الحرية، لكن دعاة العربية وحماتها دأبوا بأقلامهم في الدفاع عن لغة "الضاد"، و عقدت في ذلك مؤتمرات وطنية و دولية لمناقشة قضية اللغة العربية و تعريب المصطلحات العلمية و ألفت في ذلك الكتب و المعاجم تحكي عن العربية و دورها في رقي الأمم، و اتفق دعاة العربية و علماؤها على أنه لا يتطور بلد ما إذا لم يحافظ على لغته الأم و يرقيها، و ما من أمة لا تحافظ على هويتها و لسانها هي أمة متخلفة، كما صدرت في ذلك مراسيم و قوانين تخص "التعريب"، سيما في الجزائر على يد الرئيس الراحل هواري بومدين.. و رغم الاستعمال اليومي للغات العامية أو اللهجات، إلا أن ذلك لا يبدو يشكل خطورة على اللغة العربية كون اللغة العامية تستعمل للخطاب اليومي أو المحادثة اليومية فقط، أما كتابة فالعاميون يكتبون باللغة العربية، فما يضع لغة "الضاد" في موضع خطر هو التطور التكنولوجي الذي حول بعض حروف العربية إلى أرقام، مثلما نلاحظ في حرف العين الذي استبدل بالرقم 3، و حرف الحاء الذي استبدل كذلك بالرقم 7، فمثلا يكتبون عبير ب : 3bir و محبة ب: ma7abba ، و عبارة كيف حالك تكتب على شكل keef 7alak ، كما حولت أداة التعريف ( ال) بالرقم 4 مثلما نجد في عبارة "دار الإسلام" dar4islam، و هكذا دواليك.. إن تهجين اللغة العربية و كتابة حروفها باللغة الأجنبية أو اللاتينية و تغيير حروفها يعتبر تهميشا لها و قتلها و هو ما نسميه ب: "السقوط اللغوي"..، و إن قلنا إن هذا السقوط هو من أجل مواكبة العصر و الحداثة، فالسؤال الذي ينبغي طرحه هو: لماذا العربية بالذات؟ لماذا لم تضع التكنولوجية اللغات الأخرى موضع تغيير أو إسقاط ؟، و لا شك أن الإجابة على هذا السؤال معروفة و بديهية وهي القضاء على العربية باعتبارها لغة القرآن.. إنها حرب قائمة منذ ظهور الرسالة المحمدية التي جاءت على لسان جبريل عليه السلام، والذي خاطب رسول الأمة الإسلامية جمعاء محمد صلى الله عليه و سلم قائلا: اقرأ وكان رد الرسول: ما أنا بقارئ، و رددها جبريل ثلاثا إلى أن قال عليه السلام (إقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* إقرأ و ربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم) ، و من هنا أدرك اليهود و أعداء الإسلام خطر اللغة العربية و انتشارها، ولما لا و قد نزل القرآن عربيا ، فبدأوا يخططون و يتآمرون عليها باسم الحداثة و التعددية الثقافية، وما تزال مخططاتهم إلى اليوم قائمة حتى يطفئوا نورها، متخذين من التكنولوجية التي تحولت إلى وحش يكشر عن أنيابه وسيلة لهدمها و القضاء عليها..