في دراسة أجراها المعهد الألماني لحقوق الإنسان عن صورة الإسلام ( 1 2 ) اقترانه بالأصولية والميل للعنف واضطهاد المرأة: مفهوم الدين الإسلامي لدي الأوروبيين أحداث 11 سبتمبر والحجاب والاندماج في المدارس ومعاداة السامية أهم أسباب الخوف برلين - سمير عواد: أكدت دراسة حديثة أجراها المعهد الألماني لحقوق الإنسان عن صورة الإسلام في المانيا ووجود تحفظات شديدة تجاهه من غالبية السكان. وتناولت الدراسة التي أجراها هاينز بيليفيلد مدير المعهد عن تعامل الرأي العام مع الخوف من الاسلام وكيفية اقتران صورة الاسلام لدي الغالبية بالأصولية والميل الي استخدام العنف واضطهاد المرأة وأشارت الي انه يجب البحث عن اسباب عدم الارتياح المنتشر تجاه الاسلام والدوافع المختلفة التي تقف خلف الموقف المتشكك او الرافض للإسلام والمعايير اللازمة لثقافة الحوار العلني كأحد ثوابت التنوير ومعالجة مفهوم الظاهرة الإسلاموفوبيا. وقالت الدراسة ان استطلاعات رأي اجريت في المانيا تظهر وجود تحفظ شديد تجاه الاسلام يسود غالبية السكان، وان وتيرته قد ازدادت في السنوات الأخيرة بصورة جلية. ويبدو ان كثيراً من الناس يقرن الاسلام بالأصولية والميل الي استخدام العنف واضطهاد المرأة. في نفس الوقت هناك الكثيرون من خلفية اسرية اسلامية - وبغض النظر عن التزامهم الديني او عدمه - الذين يشكون من أوجه التمييز والاقصاء الناجمين بشكل عام عن الصورة السلبية للإسلام. وتمثل نتائج استطلاعات الرأي هذه في الواقع تحدياً كبيراً أمام سياسة الاندماج. ويتقصي البحث أسباب عدم الارتياح المنتشر تجاه الاسلام ويسمي معايير للتعامل المناسب مع المخاوف القائمة. يتألف النص من أربعة اجزاء: الجزء الأول يعرف بالدوافع المختلفة التي تقف خلف الموقف المتشكك او الرافض للإسلام، في حين ان الجزء الثاني يقدم المعايير الرئيسية اللازمة لثقافة الحوار العلني كأحد ثوابت التنوير، واما الجزء الثالث فانه يعالج مفهوم رهاب الاسلام اسلاموفوبيا ، الذي يدور بشأنه سجال حاد في هذه الفترة، نظراً لكونه موضع الشبهة باستخدامه من قبل المنظمات الإسلاموية كوسيلة لتحريم اي نقد للإسلام، ويختتم البحث بالجزء الأخير الذي يحتوي علي بعض الاستنتاجات المقتضبة. وقالت ان فهم اي مجتمع لذاته ينعكس دوما بشكل عام في مسلماته وبكيفية تعامله مع الأقليات، وفي هذه الحالة مع الأقليات المسلمة، كما ان مفهوم المجتمع عن التنوير موضوع ايضا علي المحك، اذ ان المطلوب هو العمل علي ابراز ثقافة الحوار المستهدية بالحرية وحقوق الإنسان وقطع الطريق علي تلك التصورات التي يتحجر فيها ادعاء التنوير ويتحول الي الإقصاء ونوع من الاستقطاب الثقافي التصارعي. وعن سبب انتشار الارتياب من الاسلام تقول الدراسة انه بناء علي نتائج استطلاع للرأي قام به معهد النزباخ (ALLENSBACH) والذي نشر في مايو 2006، فقد افاد 83 بالمئة ممن أدلوا بآرائهم بأن الإسلام متعصب، في حين ان 62 بالمئة ينظرون إليه علي أنه ماضوي، ويراه 71 بالمئة غير متسامح، بينما يعتبره 60 بالمئة غير ديمقراطي، وحتي ان 91 بالمائة من المشتركين في الاستطلاع أفادوا بأنهم يربطون الاسلام تلقائياً باضطهاد المرأة. واستنتج الباحثان اليزابيث نوله وتوماس بيترسين من نتيجة استطلاعهما ما يلي: كانت نظرة الألمان الي الإسلام سلبية في السنوات الماضية ولكنها بالتأكيد ازدادت قتامة علي نحو ملحوظ مؤخراً. وبينت الدراسة عن المجموعات البشرية المستهدفة بالعداء التي اعدها معهد الاختصاصات المتداخلة لأبحاث النزاعات والعنف التابع لجامعة بيليفيلد، والتي قام بها علي أمد طويل، ان قرابة ثلاثة ارباع الأشخاص الذين شملهم البحث الذي اجري في يونيو 2005 تري ان الثقافة الإسلامية لا تنسجم او بالأحري علي الأغلب لا تميل للانسجام مع ثقافتنا الغربية وليس الموقف الرافض هذا ظاهرة تنفرد بها ألمانيا، فالنزعة لرُهاب الإسلام تسجل وفقا لتقرير نشره في نهاية عام 2006 المركز الأوروبي لرصد التمييز العنصري وكره الأجانب (EUMC) تصاعدا في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي. وقالت: ان الاسباب التي تقف خلف تصاعد التحفظ ضد المسلمين في السنوات الأخيرة مركبة ومتعددة الأوجه: فعلي نطاق الأزمات المحلية بسبب بناء الجوامع تتشابك مشاعر الخوف من التغريب والدخيل الغريب، والتي غالبا ما تقف السياسة وراء تأجيجها واستغلالها في المناطق والأحياء قيد الانهيار التي تعاني من الإحباط الاجتماعي بخاصة، وأما مشاكل الاندماج داخل المدارس ومع الجيرة وفي العمل فهي تعزز التحفظات الراهنة علي الشرائح السكانية ذات الأصول المهاجرة، في حين انه في سياق السجال القائم حول موضوع الحجاب فقد انكشف النقاب عن مخاوف من ان مكاسب المساواة بين الجنسين التي تطلب تحقيقها العمل الدؤوب المضني قد باتت عرضة للنسف بفعل التركيبة العشائرية المتسلطة المدعومة من الدين التي تعاني منها الفتيات والنسوة علي وجه خاص، وزادت عملية قتل الشابةالبرلينية هاتون سيريجي Hatun Surucu في فبراير من عام 2005 من حدة الجدل العلني حيال الزواج القسري والعنف باسم الشرف في ألمانيا مما اجج لهيب الهواجس هذه، وساهمت الصور التي بثتها قنوات التلفاز عن التظاهرات الاحتجاجية الغاضبة، التي تبدو مدبرة، في العالم الإسلامي استنكارا لرسوم النبي محمد الكاريكاتيرية في ايقاظ هذه المخاوف من ان الحضور الفاعل للإسلام من شأنه ان يقوض الثقافة الليبرالية للمجتمعات الغربية - هذه المخاوف وجدها البعض أيضا مناسبة لنشر الكاريكاتير مرارا كحالة اختبار ليعبر من خلالها عن الاصرار علي المباديء الليبرالية، في المقابل هناك تقارير تتحدث عن خطب في بعض الجوامع تحث علي عداء الغرب ومعاداة السامية، ومع احتدام الجدل حول الاسلام منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 صار الخوف من عمليات إرهابية طاغيا فوق ذلك كله، وبناء علي استطلاع معهد التزباخ فقد أيد 42 بالمئة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع الرأي القائل: عدد المسلمين الذين يعيشون عندنا في ألمانيا ازداد بصورة بالغة، في بعض الأحيان أشعر حتي بالخوف من أن يكون بينهم الكثير من الإرهابيين . وأضافت الدراسة ان الريبة من الإسلام قد باتت تعم جميع التيارات السياسية ومختلف أوساط المجتمع، ويعود ذلك الي كثرة الأسباب وتنوع الدوافع التي تقف خلف الأحكام المسبقة علي الإسلام، وهذا انطلاقا من مخاوف المحافظين علي الهوية الثقافية لهذا المجتمع التي تشكلت مع الزمن، مرورا بهواجس الأمن الداخلي الواسعة الانتشار، ووصولا الي حد القلق من فقدان القدرة علي الحفاظ علي ما تم تحقيقه من مكاسب علي صعيد الحريات والمساواة، وفي الوقت الذي تلجأ فيه بعض التصريحات المنتقدة للإسلام الي النهج الماضي الذي كان يضع حدودا فاصلة ما بين الغرب المسيحي والشرق، ويري آخرون في الإسلام تهديدا لقيم التنوير الحديثة والليبرالية، في كلتا الحالتين يمثل الإسلام الآخر : فهو إما دين غريب آت من الشرق، أو أنه أنماط حياة متخلفة قائمة علي الاستبداد، وفي أوساط اليمين المحافظ علي وجه الخصوص يرتبط الخوف من الإسلام بسيناريو الأزمة الديموغرافية من خلال التنويه الي تباين معدلات الولادة بين المسلمين وغير المسلمين مع تشخيص اصابة المجتمع ب أسلمة تدريجية وتخفي بعض التصريحات الرافضة للمسلمين ايضا مواقف ذات نزعة يسارية ناقدة للدين، لربما قد تكون مشوبة بمخلفات الإيديولوجية الماركسية، حيث يشكل الإسلام في نظرها أنموذجا للعنف الديني أكثر بكثير مما هي المسيحية عليه. ترتفع كذلك وتيرة التصريحات الرسمية للكنائس المسيحية عما كنا نشهده في السابق بتبنيها مواقف ناقدة للإسلام، أما الكتيب الذي نشر في نوفمبر عام 2006 بعنوان الشفافية وحسن الجوار الصادر عن مجلس الكنيسة الانجيلية حول الحوار الاسلامي المسيحي في ألمانيا فقد تضمن مواقف تختلف في جوهرها عن المواقف السابقة لمجلس الكنيسة الانجيلية المعروفة من هذا الموضوع من حيث تميزها بالتحفظ والفتور. وكان رد فعل الرابطات الاسلامية علي محتويات الكتيب مليئا بالاستياء ومشاعر المرارة، وحتي أن المعاني الدلالية لخطاب الكنيسة الكاثوليكية الراهن قد باتت مواقف التبعيد والتحفظ تسودها. وأشارت الي أن الملفت للنظر هو أن الدوافع المختلفة التي تنعكس فيها المواقف المتحفظة حيال الاسلام غالباً ما تتداخل مع بعضها البعض، مما يؤدي الي مناورات سياسية ونشوء تحالفات غير مألوفة. فعلي سبيل المثال انتشرت أنباء عن قيام وزارة الداخلية في ولاية بادن - فورتمبيرغ في بداية عام 2006 بوضع دليل للتجنس لهيئات الجنسية لديها يستهدف في واقع حال المسلمين ويتضمن شروطا للتجنس من بينها شرط ينص علي اقرار المترشح للتجنس بحق المثليين في الحياة الزوجية مع بعضهم البعض!!. ومما آثار الاستغراب هو أن هذا الشرط يأتي من وزارة يقودها المحافظون الذين لم يكونوا حتي في مجتمع الاغلبية دوماً ينصبون الإقرار بحق المثليين في الحياة الزوجية كمؤشر علي توفير أهلية المواطنة. وإن دل ذلك علي شيء فإنما علي رغبتهم في وضع حدود واضحة أمام المسلمين الراغبين في التجنس، أو بالاحري نصب عراقيل عالية في طريقهم. ومن جانب آخر تعكس المواقف من الاسلام التي يتخذها بعض الكتاب من معسكر اليسار تعبيرات من بلاد الغرب غير معهودة، فعلي سبيل المثال ادعي المؤرخ الاجتماعي اليساري الليبرالي المعروف هانس - أوللريخ فيلر Hans-Ulrich Wehler في مقابلة صحافية بالاشارة الي مقولة صموئيل هانتينغتون عن صراع الحضارات ، استحالة اندماج المسلمين مع النظام الدستوري الديمقراطي الحر لأنهم يتبنون ضرباً من ضروب التوحيد النضالي الذي هم مستعدون للقتال في سبيله، ذلك التوحيد الذي لا يتنكر لأصله المنحدر من موطن القبائل العربية البدوية المتحاربة . وقالت إن ضبابية الحدود الفاصلة بين الدوافع المتباينة للغايةالتي تقف خلف المواقف المتشككة حيال الاسلام هو ما يسمح بنشوء بعض الظواهر مثل صعود نجم السياسي الشعبوي الهولندي بينم فورتاينPim Fortuyn، الذي قتل علي يد أحد متطرفي حماية الحيوان في مايو عام 2002 لقد عرف فوتاين كيفية تعبئة وتسخير الاعتداد بالهوية الهولندية التي تتغذي من الاعتزاز بالمكاسب الليبرالية - ومن ضمنها المساواة في الحقوق بين الجنسين وتهميشهم، وهذا الربط ما بين الليبرالية ومعاداة الليبرالية قد مكنه من إعلاء صوت خطابه السياسي علي نحو رنان، وعلي الرغم من عدم وجود سياسي شعبوي وكارزمي مثل بيم فورتاين عندنا في الوقت الحالي، إلا أنه يوجد أيضاً في ألمانيا ممثلون لأجندته السياسية ولأنموذجه الخطابي. وهكذا ينقلب اعتداد المجتمع بالانفتاح والحرية ليتحول الي النهج النقيض، نهج الاقصاء الحاد اللاليبرالي للأشخاص المنحدرين من خلفية إسلامية. وعن عناصر ثقافة الحوار التنويري قالت الدراسة إنه ليس من المفيد أو المناسب الحكم علي المواقف المتحفظة أو الناقدة للإسلام وكذلك المعبرة عن مخاوف منه علي أنها عموماً باطلة، حيث إن المطلوب تحديداً هو التعامل مع التحفظات والمخاوف القائمة بعناية فائقة وسبر أغوارها لتقصي مدي صحتها والتغلب علي الرؤي والتوضيحات من باب الصور النمطية السلبية اللصيقة بالمسلمين، والتصدي لما يراد من اساءات مغرضة، لذلك فإن الخط الفيصل لثقافة الجدل الليبرالي التنويري لا يمر بين ما هي تصورات صديقة للإسلام وأخري أقل صداقة له ولأتباعه، بل بين الدقة والكليشيهات، وإن ما يملي الدقة في التقصي هو فرض النزاهة والانصاف الذي يشكل عماد ثقافة الجدل المستنيرة، ونظراً لاحتدام وطيس السجال الذي يجري في سياقه تناقل أية شائعات تطلق، وازاء تسرع الصحفيين في نشر أي رأي أو نبأ علي حساب الأمانة المهنية، وازاء تحميل المسؤوليات بصورة عامة فلابد من التذكير بهذا الغرض وفي هذا الفصل نريد أن نطرح ثلاثة جوانب للتعامل المناسب مع المخاوف من الإسلام وهي: التخلي عن التوصيحات أحادية العلة وخاصة تلك التي تعالج المسائل بالانطلاق من عوامل ثقافية أو دينية فقط والتغلب علي تصورات متحيزة ثقافيا تري طبيعة الإسلام خالدة لا تتغير بمرور الزمن. واستيعاب التنوير علي أنه جزء من عملية تعليمية مجتمعية شاملة لاتزال غير منجزة. وعن ضرورة التحليل الشمولي للأسباب أشارت الدراسة إلي كون الجدل الدائر حول الاندماج في هذا البلد مركزا بشكل قوي جداً علي الإسلام، أمر يمكن تفهمه من ناحية بسبب ما شهده المجتمع الألماني خلال العقود القليلة الماضية من تحولات عميقة جاءت مع المهاجرين وصارت ظاهرة للعيان مثل ارتداء الحجاب أو بناء الجوامع والمآذن، إلا أن التركيز في مناقشة مواضيع الاندماج من ناحية أخري وحصرها بالإسلام فقط، يخفي في طياته خطر الادراك المشوه للحقائق لما أنه من خلال ذلك يترسخ الحكم المسبق بأن مرد سبب المشاكل والمهام المتنوعة للاندماج يعود في المقام الأول إلي كون المهاجرين من دين آخر وثقافة أخري، في الوقت ذاته لاتراعي في غالب الأحيان العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلا بصورة هامشية. ولا يمكن اعتبار تمركز العائلات المهاجرة في احياء معينة من برلين - نويكولن أو في دويسبورغ - ماركسلو ومشاكل الاندماج في تلك الأحياء ومدارسها علي أن هذه المشاكل نابعة من دين أو ثقافة الآخر المختلف أو بتفسيرها برغبة الآخر في الانغلاق الديني الثقافي وبناء مجتمع منعزل خاص به، في أغلب الظن فإن لهذا علاقة بوضع العقارات في تلك المناطق السكنية، فالمهاجرون الذين يعتبر دخلهم متدنيا في المعدل يسكنون غالبا في المناطق التي يحصلون فيها علي بيوت رخيصة الأجرة، بينما تغادر تلك العائلات ذات الدخل الأعلي بما فيها العائلات المهاجرة للسكن في الأحياء الراقية الأغلي ايجارا للطبقة الوسطي والتي تتمكن من دفع تكاليفها، وينسحب الأمر كذلك عندما يتعلق الأمر بالخيار ما بين مدارس الأحياء المختلفة، إذ أن الطبقات المثقفة من بينها أيضا عائلات المهاجرين التي تتوخي مستوي تعليم عال لأبنائها تلعب دورة القوة الدافعة لأية عمليات عزل وتمييز اجتماعي للطبقات المختلفة، وختاما لا يجوز اغفال تداعيات الانتقائية العالية لنظام التعليم في ألمانيا. هذه كلها أمور يدركها الجميع علي أفضل وجه، ولكن هناك مع ذلك العديد من المداخلات في الجدل الدائر التي تثير الانطباع بأن الظواهر الآنفة الذكر التي نشهدها إنما هي نتائج غزو ديني ثقافي مغرض يرمي إلي إقامة مجتمع إسلامي مواز ويدعي غونتر لاخمان أن القادم إلي برلين من أي بلد مسلم يبحث عن احياء معينة ليسكن ويعيش في موقع يجد فيه اخوانه في الدين. ويتوصل لاخمان الي الاستنتاج: .. ان موطن المسلمين في المانيا هو الغيتو وبذلك نجد ان عمليات عزل طبقي اجتماعي معقدة تفسر ببساطة بأنها احتلال ديني وثقافي للبلد. وثمة مثال آخر علي ذلك: اجتماعات المواطنين في المانيا التي يتم خلالها عادة تداول شتي المواضيع والمسائل والتي يعبر فيها بعض السكان القدامي عن معارضتهم لمشروع بناء جامع ما، تتحول في الوقت ذاته بانتظام الي ملتقي للاحتجاج علي الاوضاع الاجتماعية. إن المرارة التي تظهر في مثل هذه التجمعات تنصب بشكل نموذجي أيضاً علي السياسة المحلية التي يشعر السكان بأنها قد خذلتهم منذ زمن طويل. وعند انتشار خبر بناء جامع ما في الجوار فإن هذا يكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ونجد ذلك باستمرار في رسائل القراء الذين يعبرون فيها عن اغتياظهم من ذلك. ان من يعتبر مشاكل محلية تتعلق بمشروع بناء جامع صراعاً دينياً بين المسيحيين والمسلمين يخطيء التقييم. وبتعبير مبالغ فيه: إن السجالات لا تدور حول الدفاع عن الايمان المسيحي بالثالوث المقدس ولا ايمان المسلمين بالتوحيد وإنما حول محدودية أماكن وقوف السيارات أو بسبب المعايشة اليومية لأعمال الشغب والتخريب المتعمد في أحياء المدينة الفقيرة. وبذلك فإن للنزاعات المذكورة في الوقت نفسه بعداً ثقافياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معني، نظراً لحق كل المعنيين بالعيش في موطن تتوفر فيه كافة خصائص الهوية الحياتية الذاتية (Iebensweltliche Beheimatung) وتحديداً: اهتمامهم وحرصهم علي الحفاظ علي بيئة معيشية مألوفة وتقليدية يتصادم مع مطلب الرابطات الاسلامية في الاعلان الرمزي لحقهم في وطن بعد اقامتهم في المانيا لعقود طويلة وهذا من خلال بناء جوامع، وبالتالي فإن لا علاقة لهذا بتاتاً ما يسمي صراع الحضارات ما بين المسيحية والإسلام. وقالت إن الدعوة هنا الي ضرورة مراعاة العوامل الاجتماعية والاقتصادية لا يعني اغفال العوامل الثقافية والدينية عند التطرق لكافة الأصعدة التي تطالها المشاكل، إذ أنه من البديهي أن لها تأثيراً علي ذلك. علي سبيل المثال فإن للتركبية العائلية الاستبداية التي تسود البعض من أوساط المهاجرين علاقة واضحة بالتصورات الثقافية للعلاقة ما بين الجنسين والتي هي حسب مفهوم الكثيرين مدعومة دينياً أيضاً. لكل هذه الأشياء دور مهم في النقاش الدائر حالياً بشأن موضوع الزواج القسري والعنف باسم الشرف وهذا أمر له مسوغاته، وان الاستشهاد بآيات قرآنية معروفة - كما يجري فعله بسرور - لا يكفي علي الاطلاق لتوضيح ذلك، وهو في نهاية المطاف مؤدٍ الي الضلال، لما أن التصورات الثقافية عن أدوار الجنسين تتطور بتأثير عوامل مختلفة من بينها المعطيات الاجتماعية والسياسية الأساسية. وهكذا فإن من شأن العيش في مجتمع عصري ليبرالي أن يؤدي من جهة الي انفتاح الهياكل العائلية للمهاجرين مثل قيام الفتيات والنسوة علي سبيل المثال بالاستفادة من خيارات التعليم التي يتيحها المجتمع وهذا للتحرر من نماذج الأدوار البالية. الراية