الظالم المبتسم: عنوان التقرير الجديد الذي صدر منذ يومين بقلم جويل كمبانا منسق برامج ومسئول عن قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين الأميركية. و اعدّ كامبانا تقريره اثر زيارته التي أداها إلى تونس في يوليو الماضي و استمرّت أسبوعا كاملا مع وفد من المنظمة الأميركية للوقوف على حقيقة الأوضاع الصحفية وواقع الحريات الإعلامية في تونس. التقرير الذي ورد مطولا استهل بالكلمات التالية:"تونس تريد من الناس أن يصدّقوا أنها دولة تقدمية تحمي حقوق الإنسان. ولكنها في الواقع دولة بوليسية تعمل بحزم على إسكات أي أحد يتحدى الرئيس". واستهلّ كمبانا تقريره الذي من المتوقّع أن تكون له أصداء عدة في تونس، بما تعرّض له الصحفي سليم بوخذير مراسل العربية نت وجريدة 'المصريون' من مضايقات أدت به إلى السجن ، على خلفيّة تعرّضه للرئيس التونسي والمقربين منه بالنقد وتتطرقه إلى مظاهر الفساد التي تنخر مؤسسات الحكم. ودان كمبانا ما اسماه بالمحاكمة الصورية التي تعرض لها بوخذير، واتهامه بالعمالة لدولة أجنبية وما تعرّض له من تعذيب في مخافر البوليس، معتبرا أن الهدف من سجن بوخذير هو إرهابه وإرهاب كل العاملين في القطاع الإعلامي. وحاول كمبانا من خلال تقريره إبراز المفارقة القائمة بين الصورة التي يحاول النظام ترويجها عن تونس من أنها بلد الشواطئ الجميلة والمواقع السياحية المتميزة وبين حقيقة ما يجري بداخلها وهي أنها دولة بوليسية على حدجّ تعبيره و كتب قائلا :" تشتهر تونس عالميا بشواطئها الجميلة ومواقعها السياحية، ولكنها تعمل بهدوء كدولة بوليسية في الداخل. ولا توجه الصحافة المطبوعة أية انتقادات للرئيس، وهي مصابة بالشلل جراء الرقابة الذاتية. أما الأصوات القليلة التي تظهر على شبكة الإنترنت والمنشورات الأجنبية والصحف الأسبوعية محدودة الانتشار التابعة للمعارضة، فعادة ما تتعرض للمضايقات والتهميش من قبل السلطات التونسية." أما صحف المعارضة فهي عادة ما تتعرض للمضايقة والمنع والحجز وهو حال صحفيتي "الموقف" و"مواطنون"، وهي في ذلك مثلها مثل المواقع الالكترونية التي تتعرض لحجب ممنهج، مثل المواقع التابعة لجماعات حقوق الإنسان الدولية، وموقع تقاسم أفلام الفيديو الشهير "يوتيوب". و تطرّق كامبانا إلى قضية صحيفة "الموقف" وما تعرضت له من محاصرة و كتب :" دخل المحرر الدمث لصحيفة "الموقف"، رشيد خشانة، في معركة متواصلة من أجل نشر صحيفته الأسبوعية منذ عودتها إلى أكشاك بيع الصحف في عام 2001 بعد توقفها عن الصدور لمدة سبعة أعوام. ويملأ رشيد خشانة بمساعدة خمس موظفين صفحات جريدته بمواضيع صحفية لا تنشرها الصحف الأخرى – تقارير حول جماعات حقوق الإنسان تنتقد سجل الحكومة، ومقالات حول صفقات مشبوهة لبيع الأراضي من قبل المسؤولين الحكوميين، وقصص عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية. وقد حقق كل ذلك على الرغم من شح الموارد المالية للصحيفة. وعلى العكس من معظم صحف المعارضة، لا تتلقى صحيفة "الموقف" أي تمويل حكومي (بموجب القانون، كما أن المعلنين يتجنبون الإعلان في الصحيفة ما عدا استثناءات قليلة. ونتيجة لذلك، حافظت الصحيفة على بقائها من ريع بيع أعدادها، ولا يتمكن محررها رشيد خشانة من تلقي أجر عن عمله". واستعرض مبعوث لجنة حماية الصحافيين سلسلة القيود المفروضة على التغطية الصحفية، بما في "ذلك الحظر الصريح على الإساءة للرئيس، وتكدير النظام العام، ونشر ما تعتبره الحكومة "أخبارا كاذبة". وأضاف أن السلطات تسيطر على توزيع التمويل الحكومي والإعلانات من القطاع العام، وبالتالي فإنها تتمتع بسلاح اقتصادي في هذا الصدد". وأعطى فكرة عن جملة المضايقات التي يتعرض لها الصحافيون في تونس من "قطع خطوطهم الهاتفية، وتهديدهم من مصادر مجهولة، وخضوعهم لمراقبة الشرطة، وحرمانهم من السفر خارج البلاد، حتى أن حريتهم بالتحرك داخل البلاد مقيدة". أما الذين "يتجاوزون الخطوط التي تسمح بها السلطات في توجيه النقد، فيتعرضون لإجراءات أقسى، مثل السجن والاعتداءات العنيفة". وذكر كامبانا عدد من الصحفيين التونسيين و الشخصيات المساهمة في توسيع هامش حرية التعبير في البلاد خصوصا ممن تعرّضوا إلى المضايقة و الانتهاكات المختلفة على غرار المثل الكوميدي الهادي أولاد باب الله الذي سجن بسبب تقليده للرئيس بن علي و المحامي و المدوّن محمد عبو الذي اعتقل و سُجن بسبب مقال له على الانترنت و الصحفي لطفي حجي مراسل قناة الجزيرة القطرية الممنوعة أصلا في تونس. و جاء في نصّ التقرير:" واليوم، نجد العديد من الصحفيين التونسيين الماهرين يندبون الحال المؤسف الذي وصلت إليه مهنتهم، ويشيرون إلى الفجوة بين الوضع في بلدهم وبين البلدان المجاورة مثل الجزائر والمغرب، حيث ترسخت صحافة جريئة على الرغم من القمع الحكومي الشديد. وفي العديد من الحالات التي وثقتها لجنة حماية الصحفيين، عمد صحفيون تونسيون بارزون إلى مغادرة البلاد من أجل البحث عن عمل مع مؤسسات إخبارية دولية." و حريّ بالإشارة أنّ لجنة الدفاع عن الصحافيين أرفقت نشر التقرير مع جملة من التوصيات وجهتها إلى حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية طالبت فيها ب"إثارة الشواغل المتعلقة بالمضايقات والتهديدات والرقابة المفروضة على الصحفيين المستقلين، في المحادثات مع كبار المسئولين الحكوميين التونسيين، وذلك في المحادثات الخاصة والتصريحات العلنية". و "إيضاح أن العلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدةوتونس تتوقف على احترام الحكومة لحرية الصحافة. واقتراح خطوات محددة بوضوح من أجل تحسين أوضاع الصحافة في البلاد". وفي تعليق له على صدور التقرير قال الصحفي لطفي حجي مراسل قناة الجزيرة بتونس :" لقد سبق للعديد من المنتظمات الوطنية التونسية أن نبهت إلى خطورة واقع الإعلام و حرية التعبير غير أن الحكومة لا تنصت إلى مثل تلك الدعوات و لا تريد إحداث التغيير الضروري في هذا القطاع عبر مداخله المعلومة لدى الجميع. و اذكر هنا بتقارير صدرت بدءا من سنة 2000 و ما تلاها عن لجنة الحريات الصحفية بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و كنت احد أعضائها ثم بعد ذلك عن نقابة الصحفيين التونسيين التي أسسها جمع من الزملاء المستقلين سنة 2004 و أصدرت تقارير و بيانات تبرز تراجع الواقع الإعلامي بالبلاد و كذلك الضغوطات التي يتعرض لها الصحفيون. وعلاوة عن تلك التقارير فقد نبهت منذ عقد التسعينات العديد من وسائل الإعلام و الهيئات و الشخصيات المختصة إلى ضرورة إصلاح القطاع الإعلامي كمدخل أساسي لحياة سياسية تعددية غير أنها لم تجد الأذان الصاغية من الحكومة. و يتابع حجيّ الذي أورد التقرير المذكور فقرة كاملة للتعرّض إلى المضايقات التي استهدفته :" أردت بذلك القول إن المنظمات الوطنية سبقت المنظمات الدولية في تشريح واقع القطاع الإعلامي و من ثمة لا عذر للحكومة و أجهزتها الدعائية التذرع بان المنظمات الدولية تتدخل قي الشأن الداخلي التونسي أو أنها تتعامل مع أطراف عرفت بنقدها للحكومة إلى غير ذلك من الجمل الجاهزة التي تعودنا على سماعها.إن العبرة ليست في من أورد التقرير أو هي في محاكمة النوايا بل العبرة في مدى صحة الوقائع الواردة .و الحكومة تعودت أن ترسل من يكذب تلك الوقائع حتى وإن كانت بالصورة، وهو أسلوب يبرز عدم الرغبة في الإصلاح باعتبار أن قطاع الإعلام قطاع حساس و عبره تتحكم الحكومة وحدها في صناعة الرأي العام. و يختم بالقول:" أقول أن الأولى بالسبة للحكومة- بدل الردود التي عودتنا عليها- هي أن تأخذ الحالات الواردة بالتقرير المذكور و تعالجها حالة بحالة و هو الأسلم و الذي أراه مدخلا للتعبير عن حسن النية في الإصلاح. أما التمسك بالمنهج القديم في التعامل مع النقد فهو الذي جعل تونس في مرتبة متأخرة إعلاميا في التصنيف العالمي." إسماعيل دبارة من تونس للإطلاع على تقرير لجنة حماية الصحفيين كاملا اضغط هنا