بنشوة المنتصر وغبطة الفائز يعلن حكام العراق الجديد بأن الولاياتالمتحدة قدّمت "تنازلات" فيما يتعلّق بما يُسمى الاتفاقية الأمنية. وذهب العميل نوري المالكي الى وصف تلك التنازلات بانها"كبيرة جدا"دون أن يببيّن ما هيتها, وإن الكثيرمن الأمورالعالقة, حسب قوله, تمّ حلّلها ولم يبقَ الاّ القليل. ويبدو إن المالكي يريد أن يُوهم نفسه والبعض من ملّته بإن أمريكا بوحشيتها ودمويتها وجبروتها"رضخت" لمطالب حكومته الكارتونية التي يدير شؤونها السفيرالأمريكي في بغداد عن طريق التلفون والفاكس. ففي زيارته يوم الجمعة الماضي الى الحوزة الصامتة والغامضة, ولقائه بالمرجع على السيستاني صرح دولة المالكي العميل بان سماحة السيستاني"دائما يوكل المسألة الى العراقيين والقوى السياسية وما يتفقون عليه وما يعتمدونه". وهنا ليس لنا تعليق لأننا نعرف إنخراط المرجعية النجفية في مشاريع الاحتلال من خلال الصمت المطبق عما تقوم به القوات الأمريكية وتلك التابعة للحكومة العميلة من جرائم بحق العراقيين؟ لكن المرجعية والسيستاني بالذات لم توضّح لنا ما المقصود بالعراقيين؟ عندما تزعم أنها" توكل المسألة الى العراقيين". فهل المقصود بهم القّلةالمنبوذة والفاقدة للشرعية والتي حوّلت المنطقة الخضراء الى قلعة محصّنة لها؟ أم تلك الملايين التي تعيش خارج القلعة الخضراء, والتي فقدت أبسط مقومات الحياة وإختلط حابلها بنابلها, وهام الآلاف منهم على وجوههم؟ وطبيعي إن حال رئيس الدولة المعيّن جلال الطلباني لا يختلف كثيرا عن حال رئيس الحكومة العميلة. فقد سبق للطلباني وأن هدّد قائلا بان أموال ونفط العراق سوف تضيع إذا لم نذعن لارادة ساكن البيت الأبيض ونبصم له بالعشرة على إتفاقية إستعبادالعراقيين الى يوم القيامة. كما قال الطلباني محذّرا, في حوارمع القناة المسماة مجازا بالعراقية," إن عدم التوقيع على الاتفاقية سيلحق ضررا بالعراق كونه سببقيه تحت طائلة الاحتلال والتهديد بمصادرة ثرواته النفطية في اية لحظة, فضلا عن بقائه ناقص السيادة في كثير من مجالات التحرك اليومي الداخلي". ولولا حيائي وإحترامي لمشاعرالقاريء الكريم لوصفت هذا الطلباني التعيس بأبشع ما توصف به مديرة ماخور ليلي من الدرجة الثالثة. فكأن كلام ضخامة رئيس العراق يوحي لنا بأن ما حصل في العراق منذ إحتلاله وحتى يومنا هذا, من قتل وتشريد ملايين العراقيين وتدميرالبلد وإشاعة الفوضى والخراب في ربوعه, ليس ضررا بل بردا وسلاما ونعيما ووئاما. وكأن نفط العراق وثرواته الأخرى لم تسرق ولم تنهب وتُصادرمن قبل الطلباني وأمثاله خلال سوات الاحتلال المريرة. وكأن العراقيين على مدى سنوات الاحتلال ينعمون بما رزقهم الله من الخيرات والثروات, الى درجة إن قناني الغاز والنفط والماء الصالح للشرب والحليب المعقّم كانت تُرسل لهم من قبل حكومة المنطقة الخضراء الوطنية جدا الى بيوتهم. والمثير للسخرية في كلام الطلباني هو إنه يعترف, بقناعة المغلوب على أمره والمسلوبة إرادته, بأن سيادة العراق ناقصة. ولكنه لا يشعربالخجل والعار, لأن من يّهن يسهل الهوانُ عليه, من كونه رئيس دولة ناقصة السيادة وخاصعة لاحتلال أجنبي بشع. وهذه هي الفلسفة التي ينتهجها الرئيس العميل جلال الطلباني وبقية ساسة العراق الأمريكي, والذين يتوهّمون إن"تنازلات" أمريكا هي من أجل سواد عيونهم. فامريكا إذا صحّ إنها تتنازل في موضوع ما ترفع سقف مطالبها أربع مرات في موضوع آخر وما على العملاء الاّ الرضوخ والتنفيذ. ولم يُعرف أن أمريكا تنازلت لأذلاء منبوذين أو لحُثالات الساسة. وفي كلّ الأحوال تبقى جميع أوراق اللعبة في يد القوات الأمريكية المحتلّة للعراق. وإن الغاية من المفاوضات واللقاءات والمد والجزر هي الحصول على تشريع رسمي أمام العالم للأستمرار في قتل العراقيين لأي سبب تافه والهيمنة والاستحواذ, بمشاركة ومباركة الحكومة العميلة, على ثروات البلاد وخيراتها. وللتبسيط,على القاري أن يتصوّر إن لصا محترفا وقاتلا معروفا مدجّجا بالسلاح يدخل بيتك بالقوة ويقتل الكثيرمن أفراد عائلتك ويستولي, دائما مستخدما السلاح للقتل أو للتهديد, على جميع ممتلكات البيت والعائلة. وبعد ذلك وبكل راحة بال يجري معك, تحت ضغوط مختلفة وشروط جائرة, مفاوضات لكي يتخلّى لك عن شيء ما, ربما لم يجد فيه نفعا أو فائدة. ورغم كلّ هذا يأتيناالطلباني والمالكي والزيباري ويقولون لنا إن أمريكا قدّمت تنازلات كبيرة. جدا. ومن الغريب إن سذاجة حكام العراق الجديد, المصحوبة بالغرورالصبياني, دفعتهم الى الاعتقاد بان أمريكا, التي تمثّل جوانب وأوجه كلّ المساويء والشرورفي الدنيا, يمكن أن تقيم لهم وزنا بعد أن إشترتهم بابخس ثمن من دكاكين وحوانيت سياسية ومخابراتية مختلفة. وأعطتهم مهمّة حكم العراق, وهي مهمّة هم أعجزألف مرّة من القيام بها. لكن ما لا يدخل في رأس إدارة الشرالأمريكية بعد هو إن الشعب العراقي لا يرفض رفضا قاطعا الاتفاقية الأمنية فقط, بسبب كونها أصفاد من حديد يُراد بها تطويق عنق الوطن والأجيال القادمة لمئات السنين. بل إن هذا الشعب لا يعترف أصلا بعصابة العملاء والخونة وبائعي الضمائرمن أمثال نوري المالكي وجلال الطلباني ومسعود البرزاني وخاله الزيباري هوشيارالذي يتقدّم, بحماس عاهرة مخمورة, صفوف المطبلين والمزمّرين لهذه الاتفاقية المشؤومة. وكأن سنوات الاحتلال الست لم تكفيه للسرقة والنهب والعبث والفساد في وزارة حارجية العراق التي تحوّلت الى ممثلية تابعة له ولحزبه. ولا يُنكر في هذا السياق فضل الوزير زيباري الذي جعل العراق يتصدّر قائمة الدول الأكثر فشلا وفسادا ماليا وإداريا, في العالم. [email protected]