التفت رئيسنا يوما ليرى من هذا الذي يرتب علي كتفه فوجد رجلا علي أحسن صورة فرحب به وسأله: من أنت. فقال: عزرائيل. فعلت الصفرة وجه ساكن قرطاج- إن للموت سكرات -. فبادره عزرائيل: إن الله أراد لك الكرامة وبعثني أخبرك أن أجللك عصر الغد فإن قمت بعمل يخرج التونسيين من ظلمك وجبروتك و من ظلمات الجهل والتخلف والفقر والبطالة والقهر وسرقة اموالهم وسجن ابنائهم الى الحرية والديمقراطية ورغد العيش و إلي نور العلم والحضارة أدخلك الجنة وإن لم تفعل أدخلك النار وتركه فجأة كما جاءه . فأصابه السيد الرئيس وزوجته وبعض منكان في حضرته الهم والغم وتحدث إلي نفسه: أقوم بعمل يخرج التونسيين من الهم والغم الذي هم فيه إلي حياة السعادة والحرية في ساعات قليلة وقد فشلت في ذلك في 23 سنة .. كيف يا ربي ؟؟!!. الأمر جد خطير وما بقي إلا ساعات وبعدها إما جنة أبدا أو نارا أبدا .. فدخل سيادته مكتبه واطرد ليلى وسخر وسمير وبن الناصر والقنزوعي و...وأغلق الباب وأخذ يفكر ويفكر ... كيف النجاة ؟ ثم أمسك القلم وأخذ يكتب ويراجع طوال الليل وفي ساعة متأخرة من الليل أتصل بمدير أمنه محمد الناصر أو...وأمره أن يدعو لمؤتمر صحفي لسماع خطاب هام خطاب الوداع . فانتفض مدير امنه قائلا : لا تستقيل.. لا تتركنا سيادتك .. لا أحد يصلح للرئاسة سواك .. لا أتخيل أن أدخل القصر والرئاسة ولا أجد فخامتك. فنهره الرئيس قائلا : دعك من هذا النفاق .. نفذ ما أمرك به . ودخل الرئيس القاعة بوزارة الداخلية وقد امتلأت بالصحفيين وقال : أما بعد :إني قد نظرت في أحوال البلاد والعباد فوجدت أن بلادنا قد ملئت ظلما وجورا واستبدادا وأعلموا أنه لا خلاص لنا من هذا إلا بالحرية والديمقراطية . وأعلموا أن (المستبد العادل) خرافة باطله وأعلموا أن (كل مستبد ظالم وكل ظالم في النار) . وأعملوا أن الديمقراطية هي روح الإسلام ومن يقول بغير ذلك فقد افتري علي الله إثما عظيما . وإليكم الأدلة الشرعية علي ذلك . قال اسيدنا لنبي ( من أم قوم وهم له كارهون لا ترفعه صلاته شبر ) هذا في إمامة الصلاة فما بالكم بالإمامة العظمي. وقد مارس المسلمون علي زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم الديمقراطية وأقرهم عليها ويتضح ذلك في أمور عديدة أذكر منها : رجوع النبي (الحاكم) عن الموقع الذي اختاره في غزوة بدر عندما اعترض عليه أحد الصحابة وقال له: هل هذا المنزل أنزلك الله أم هو الرأي والمشورة ؟ فقال له : بل هو الرأي والمشورة , فرد عليه الصحابي : إن هذا ليس بمنزل .. رحم الله أبي بكر القائل : إن أطعت الله ورسوله فأعينوني وإن عصيتهما فاعزلوني . ورحم عمر القائل : متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم . ثم فتح الرئيس الباب لأسئلة الصحفيين : الصحفي : ما حكم الإسلام في اغتصاب السلطة ؟ الرئيس: إن الصلاة لا تجوز في مسجد أرضه مغتصبه فمن باب أولي اغتصاب السلطة حرام شرعا . الصحفي : ما حكم مغتصب السلطة ؟ الرئيس : من أغتصب أنثي يقتل فما بالكم بمن أغتصب أمة. الصحفي : هل للحاكم المغتصب طاعة ؟ الرئيس : وهل لمن أغتصب بيتك من طاعة !!! الصحفي مجادلا : إن له السلطة والسلطان . الرئيس: الضرورات تبيح المحظورات فطاعتك له تكون في حدود أن تتحاشى أذاه وفقط . وأعلم أن الضرورة تؤخذ بقدرها فمن زاد علي ذلك فهو أثم . وتجنب أن تبتسم في وجهه فإن التبسم في وجه الظالم إعانة له علي الظلم والنبي يقول ( من مشي مع ظالم وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام ) . الصحفي : ما حكم الشرع في التوريث سيادة الرئيس؟ الرئيس: النبي لم يورث أحدا وكذلك أبي بكر وعمر فأعلم : (أن التوريث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) . الصحفي : ولكن بلادنا تقع تحت حكم الأسر والجمهوريات الملكية التي ابتدعوها.. وهم يعتقلون أو يقتلون كل من يجهر بما تجهر به الآن. فما العمل ؟ فقال سيادته: قال النبي (من مات دون ماله فهو شهيد ومن مات دون عرضه فهو شهيد) وأعلم أن الحرية أغلي من المال والعرض فكن علي يقين من أن ( من مات دون حريته فهو شهيد). الصحفي : الديمقراطيات الحديثة تحدد مدة الرئاسة والإسلام لم يحددها فما قول سيادتكم؟ الرئيس : أعلم يا بني أن الإسلام لم يحدد مدة للرئاسة لأن هذا الأمر من الأمور الدنيوية التي قال فيها النبي ( أنتم أعلم بشئون دنياكم ) وقال النبي (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها) ولقد تبين من التجارب التاريخية أن البقاء الأبدي بالكرسي يصيب بداء الأستبداد المحرم شرعا والديمقراطية واجبة وعملا بالقاعدة الفقهية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) لذلك فإن تحديد مدة الرئاسة واجبة شرعا. وفجأة ألتفت الرئيس ناحية الغرب وسقط وفاضت روحه وسمع الحاضرين هاتفا يقول مات مات مات... وبقدرة من إذا أراد شيئا قال له كن فيكون كانت وقائع هذا المؤتمر مذاعة في جميع أرجاء البلاد فخرجت الجماهير وقد أقسمت أن تقبر الاستبداد وتلحد المستبدين قبل أن يضعوا جثمان الرئيس في مثواه الأخير سامي النفزي