التطبيع ببساطة هو الاعتراف بدولة اللصوص المسماة "إسرائيل" و ذلك بفتح أبواب العلاقات الثقافية و السياسية و الاقتصادية معها. الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ليس من جنس المنطقة العربية, غريب عنها و متناقض بالمطلق مع حقائقها الثقافية و البشرية و الدينية و التاريخية و الجغرافية , فهو كيان مصطنع صنعته المنظمة الصهيونية العالمية بالتحالف مع الإمبريالية العالمية المتمثلة آنذاك ببريطانيا العظمى و فرضته على الأمة العربية بمنطق القوة الغاشمة ليكون خنجرا في قلب وطننا العربي الحبيب و ليقطع أوصاله و لقد قامت هذه القوة الغاشمة باقتلاع أصحاب الأرض الحقيقيين و تشريدهم و استجلبت مكانهم مستوطنين من أصقاع الأرض بالبواخر و الطائرات و بالجسور الجوية والبرية والبحرية و أخذت تلقي بهم في موانئ فلسطين سرًا و علانية حتى اكتمل المشهد على ما نراه اليوم. في مواجهة هذا الكيان تراكم الرفض الشعبي في كامل أرجاء الوطن العربي وفي تونس لأي شكل من أشكال التطبيع مع المعتدين ولعل أبرز دليل على هذا الرفض الشعبي في تونس للتطبيع ما عبر عنه آلاف المدونين ومستعملي شبكة الانترنت والصحافيين ونشطاء المجتمع المدني من رفض واستهجان وإدانة لمجموعة من الفنانين التونسيين و هم يغنون لجمع من الصهاينة في منطقة "إيلات" داخل الكيان الغاصب, رفض وصل حد المطالبة بسحب الجنسية عن هؤلاء المغنين . لكن هذا الرفض الشعبي للتطبيع بشتى أوجهه يصطدم في عصرنا بواقع العولمة المقامة على أساس ضرب الحدود و إعلاء شأن السوق و آليات و فرص حرية انتقال رؤوس الأموال و الاستثمارات و السلع و الخدمات دون قيود أو عقبات و لعل ذلك يمكن تلمسه من خلال انتشار عديد الشركات و الماركات العالمية المشهورة في أسواقنا و فضاءاتنا التجارية والخدمية مع ما توفره تلك الشركات من دعم للكيان الصهيوني وسياساته الاستيطانية حيث تضخ جانبا كبيرا من أرباحها المالية في اقتصاد هذا الكيان مع مساندتها التامة للسياسة والدعاية الصهيونية ضد العرب و حرصها المتزايد على تركيز و دعم التفوق التكنولوجي لدولة الصهاينة في فلسطين. ورغم معرفة المستهلك العادي لذلك فهو يجد نفسه في أغلب الحالات مضطرا لشراء منتوجات هاته الشركات أو حتى الاستفادة من الخدمات التي تقدمها خاصة أنه وللأسف لا يجد البديل لتعويض حاجته و لا الحماية من الانسياق وراء إغراءات دعايتها خصوصا وان الكثير من الأسواق العربية باتت مفتوحة أمام البضائع الصهيونية بأشكال متفاوتة ولا يقتصر الأمر على الدول الموقعة على معاهدات سلام مع الصهاينة بل تجاوزها إلى الدول التي لا تعترف بدولة "إسرائيل" حيث يشير تقرير حول المعاملات التجارية لدول عربية و إسلامية مع الكيان الصهيوني أعدته جمعية "إعمار" للتنمية و التطوير الاقتصادي في أراضي فلسطينالمحتلة عام 1948 و هو منقول عن معلومات من دائرة الإحصاء الصهيوني أن قيمة الصادرات الإسرائيلية لتونس مثلا بلغت 1.927.00 دولار سنة 2008. من هنا فإن التصدي و رفض التطبيع مع العدو الصهيوني يتطلب إلى جانب التحسيس والدعوة للمقاطعة تطويرا ذاتيا للميدان الاقتصادي داخل كل قطر عربي وخاصة في ميادين الصناعة و الزراعة و اعتماد سياسة التشجيع على الاستهلاك المحلي تقليلا من الاستيراد و تطوير السياسات الحمائية التي تنهض بالاقتصاد الوطني و ذلك بالتنسيق مع جميع الدول العربية خاصة و أن مسألة نجاح مقاطعة الكيان الصهيوني هي شأن عربي بالدرجة الأولى فالمقاطع إن لم يجد البديل الوطني والعربي لما تعود على استهلاكه فسيضطر إلى استيراد ما لا ينتجه من الأسواق العالمية. إن دور مكونات المجتمع المدني بشتى أطيافها ضروري لإنجاح برامج المقاطعة ومقاومة التطبيع وذلك من خلال القيام بحملات تحسيسية و توعوية جدية تعتمد على أساليب و آليات متطورة تكون أكثر إقناعا للمتلقي مع الاعتماد أكثر فأكثر على تنسيق الأنشطة والحملات بين كل القوى الفاعلة وطنيا وعربيا لتكون أكثر إشعاعا و تأثيرا.