أكَّد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة -المشرف العام على مؤسَّسة "الإسلام اليوم"- على أن الشباب هم جزءٌ من هويَّة الأمَّة العربيَّة، مشيرًا إلى ضرورة صناعة القناعة لدى الشباب وزرع الثقة في نفوسهم والحوار معهم، لافتًا إلى أن الحجر والمنع والحظْر لم يعدْ ممكنًا الآن في عصر الفضاء المفتوح. وقال الشيخ سلمان -في محاضرة بعنوان "الشباب والهويَّة"- والتي أُقيمت مساء أمس الأربعاء على شرف معالي الدكتور هشام محيي الدين ناظر، السفير السعودي بالقاهرة: إنّ المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة هي مجتمعات شابَّة. مشيرًا إلى أن هناك إحصائيات تؤكِّد أن عدد الشباب في العالم العربي 170 مليون شاب، وأن 70% من سكان المملكة العربيَّة السعوديَّة هم من الشباب. خطر.. واعتراف وأوضحَ الدكتور العودة أنه من الخطأ التعامل مع الشباب على أنهم خطر أمني، كما كان الأمر في السابق، لافتًا إلى أن هذه النظرة لها تأثيراتها السلبيَّة على المجتمع؛ حيث تشكِّل خطورةً اجتماعيَّة، مشيرًا إلى أن هناك العديد من التحديات التي تواجه الشباب في مجتمعاتنا العربيَّة. وتابع فضيلته أن الشباب يبحث عن الاعتراف والاستقلال عن سلطة الأسرة والمجتمع، مشيرًا إلى أن هناك دولًا تطلب الاستقلال، على الرغم من أنها تعلم أن هذا ليس مفيدًا لها، ولكنها تفعل ذلك، ليس إلا لأنها تبحثُ عن الاعتراف. الدين.. والهويَّة وفيما يتعلَّق بهوية والدين، أكَّد الشيخ سلمان أن الدين يعدُّ مكونًا جوهريًّا للهويَّة، موضحًا أن الإسلام كان وعاءً مستوعبًا لكل الذين يعيشون في جوّ الحضارة الإسلاميَّة التي شارك فيها علماء مسلمون وغير مسلمين. وأضاف فضيلته أن الدين لا يدعو إلى الانغلاق، ولكن يدعو إلى التعايش مع الأقربين والأبعدين، لافتًا إلى أن البيئة الإسلاميَّة الأولى كان يعيش فيها اليهود، والنصارى، والوثنيُّون، والمنافقون، وغيرهم، في ظلّ روح من التعايش يحكمها سنن من الانضباط. صراعات.. وتوازن وأردف الدكتور العودة أن الدين أصبح عند الكثير من الشباب اليوم مرتبطًا بالمذهبيَّة، والصراعات المذهبيَّة، وأن تقام حفلات للسب والشتم في بلاد راقية وحضاريَّة تراقب أوضاع المسلمين، مؤكدًا على ضرورة صياغة خطاب إسلامي ناضج بعيدًا عن العصبيَّة المذهبيَّة. ولفت فضيلته إلى أهميَّة أن يحافظ الخطاب الديني على التوازن داخل المجتمع، وذلك بدلًا من أن تتحوَّل أدوات المجتمع إلى أدوات صراع وتقاتل. عروبة.. ومعرفة وذكرَ الشيخ سلمان أنه ليس هناك تناقض بين العروبة والإسلام؛ فالعروبة جزءٌ لا يتجزَّأ من الهويَّة، كما أن الإيمان بالوطن هو جزءٌ من الإيمان بالله ورسوله، فالانتماء العام لا يشكِّل متعارضًا للتواصل الاجتماعي، يقول تعالى: {إنا خلقناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وأشارَ فضيلتُه إلى أننا نعيش اليوم في عصر المعرفة والتطور التقني، مشيرًا إلى أن المسلمين كانت لهم اليدُ العليا في هذا الجانب، وذلك قبل أن يحدث ما يمكن أن نسميه ب "الانقطاع المعرفي" غير المبرَّر. تكوين.. ويأس ونبَّه الدكتور العودة إلى أنَّه من التحديات التي تواجه الشباب فيما يتعلَّق بالهويَّة، تحدي التكوين الأسري، مثل الحصول على مسكن، والاستعداد للزواج. مشيرًا إلى أن هناك تكاليف باهظة تصرفُ على الأفراح، والكوافيرات، وغيرها من الأمور الشكليَّة، في حين أنه يمكن استخدامها استخدامًا أمثل. وأشار الشيخ سلمان إلى أن من أخطر التحديات التي تواجه الشباب "تحدي الذات"، مؤكدًا على أهميَّة ترديد الكلمات الإيجابيَّة التي تدعو إلى التفاؤل، والابتعاد عن كلمات اليأس والقنوط والإحباط والتي يمكن أن تدمّر الإنسان. ولاء شيعي وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن ولاء الشيعة في العالم العربي للمذهب الشيعي وليس لأوطانهم، قال الشيخ سلمان: إن المشكلة ليستْ في ولاء هؤلاء للمذهب الشيعي، ولكن المشكلة تكمنُ في ولائهم للنظام السياسي في إيران، وولاية الفقيه التي هي عبارة عن بدعَة كبيرة، حيث إن هناك مراجع شيعيَّة كبيرة لا تعترفُ بولاية الفقيه، والتي دمجت المذهب في الدولة، فأصبحت الدولة هي المدافعة عن المذهب، مما يمهِّد للاستبداد الديني الذي هو أخطر أنواع الاستبداد. وردًّا على سؤال من مشارك يقول: لماذا لا يتمُّ إشراك مرجعيَّة شيعيَّة في هيئة كبار العلماء بالمملكة السعوديَّة؟ قال الشيخ سلمان: إن الشيعة لهم وضعٌ خاص فيما يتعلَّق بالمرجعيَّة؛ وذلك لأنهم كانوا يشكِّلون معارضة على مرِّ التاريخ، فإذا انضمَّ مرجعٌ شيعي إلى هيئة كبار العلماء فإن هذا لا يعني أن الشيعة سوف يقبلون بفتاوى الهيئة، ولا باقي أعضاء الهيئة سوف يمتثلون للرأي الشيعي. وأضاف فضيلته أن هناك بعض الباحثين الشيعة في بعض الهيئات التابعة لمنظَّمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المنظمات التي تحرص على ضرورة تمثيل جميع المذاهب والفئات. استقبال وترحاب وكان الشيخ سلمان قد حظي باستقبال كبير وترحاب من جانب السفير السعودي، فيما كان من أبرز الحضور: الدكتور السيد ياسين، أستاذ العلوم السياسيَّة، والوزير حسب الله الكفراوي وزير الإسكان المصري الأسبق، والدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة المصري السابق، والسفير محمد بسيوني سفير مصر السابق في إسرائيل، وعدد كبير من رجال الثقافة والأدب والصحافة والإعلام.