ابتسم ، تحصل على خصم..! تمام قطيش قد يدعوني صفو البال وصفاء الجو في بعض الأيام للخروج باكرا لممارسة رياضة المشي، وحصل أن توجهت هذه المرّة نحو السوق القريب، سبّبه الفضول الذي شدّني لأرى حالته في الصباح الباكر والمتاجر مغلقة،، بعد أن عرفته في وسط النهار في خضم الفوضى والصخب.. استوقفتني طاولة وضعت جانبا على الرصيف كتب عليها " ابتسم تحصل على خصم"، صوبت عدسة هاتفي عليها والتقطت لها صورة، وأكملت مسيري. لم يكن الأمر يسيرا بالنسبة لي حتى أطرد من ذهني هذا الذي كتب عليها ، وغلب على ظني أنّه لولا ضيم هذا الرجل من العبوس والتكشيرة لما وصل به الحال لأن يطلب من خطاط أن يخط له هذه الكلمات، لقد كنت أمرّ من أمام هذه الطاولة كثيرا، لكن على ما يبدو أنّه لكثرة الزبائن من حولها لم أكن أنتبه للعبارة أو الدعوة التي كتبت عليها، فهل كان الزبائن يبتسمون لبائع البطيخ من أجل الحصول على بطيخة كبيرة بسعر بطيخة صغيرة؟! الكثير من الأسئلة بدأت تتردد على بالي وأنا التي تعاني حقا عندما أفكر بالذهاب إلى السوق من أجل شراء الحاجيات، فلا البائع سلس ويتقبل أن تسأله عن السعر ولا حتى البائعة، وإن دخلت المحل لتشترى سلعة فالويل لك لو ابتسمت للبعض من الباعة ، فإنّك تكون قد ارتكبت خطيئة أو جريمة لا تغتفر.. قد تتجول هنا وهناك ، وقد تتلاقى الأعين فأرسم ابتسامة لامرأة تجلس مواجهة لي، لكنّها لا تكترث أبدا.. والمشكلة عندما يحاول الواحد منّا أن يلاعب طفلا فلا يرى ابتسامة طفولية عذبة وإن مددت يدك لتعطيه حلوى فإنّه يختطفها خطفا وبشكل عدواني. منذ أربع سنوات وفي كل شهر تقريبا أزور إحدى المراكز الطبيّة من أجل صرف دواء، وأدخل على الطبيبة فأبتسم لها إلا أنّها لا تكلف نفسها لتبتسم بل تأخذ مني الملف وتوقّع عليه وترده لي لتعود من جديد إلى كلماتها المتقاطعة.. هل يصدق أحد أنني لا أعرف صوتها أبدا. بدأت أسأل نفسي هل الضحك أو الابتسام مجاف للوقار كما يقال في بعض الأحيان؟ فإن كان كذلك لما أنعم الله علينا به ؟؟ حدث مرّة أن زارت إحداهن صديقتها التي كان عندها مشكلة نتيجة توقفها عن العمل مما أثر ذلك عليها نفسيا فأصيبت بكآبة.. حضرت هذه الصديقة مع أخريات وبدأن جلستهن ككل النساء تسرد بعضهن بعض القصص إلى أن سردت إحداهن ما جعلهن يضحكن حتى هذه المكتئبة ضحكت وكاد أن يغشى عليها من الضحك ، لكن الضحكة سُلبت من الجمع فجأة بإطلالة أمها وهي تقول للمتحدثة " هنيئا لك على هذا البال الفاضي" ، شعرت حينها المتكلمة بضيق كبير وحرج من كلام السيدة الكبيرة الذي كان أشبه بتوبيخ.. إذا كان الضحك مزعجا لهذه الدرجة، أو مجاف للوقار فلماذا نجد تراثنا العربي زاخرا بالشخصيات الفكاهية مثل أشعب وجحا وأبو دلامة؟؟!.. هذه الشخصيات التي تناقلت طرائفها من جيل إلى آخر حتى وصلتنا اليوم يدحض الفكرة الخاطئة أنّ الضحك مجاف للوقار، وهناك من يستطير منه ظنّا أنّ الشر دائما يخلف الشعور بالغبطة والسرور. ولمَ يؤخذ عن الشخص المرح الخفيف أنّه خال من الهموم والأحزان؟!.. إنّ الواحد منّا عندما يضحك يجد تفريجا لهمّه أو محوا لغمّه ولو بشكل مؤقت، لقد أصبحنا في زمن ننشد شيئا قليلا من الفرح إذ أنّنا نحيا في عالم مليء بالأحزان والآلام والهموم المحيطة بالأمّة لما يُضيّّيق عليها من كل جانب، وأصبحت الابتسامة بيننا كذاك المسافر في لظى ينشد قطرة من الماء.. لست من دعاة الضحك في كل الأوقات، بحيث لكل وقت تصرف.. لكنها حاجة ضرورية حتى نخفف عن كواهلنا بعضا من الأعباء الثقيلة أو للتخلص من القيود المحكمة التي تفرضها أمور يجب أن يكون الجدّ سيدها.. ماذا يضرّ الرجل لو خلق جوا من المرح في بيته من خلال سرد طريف أو ملاطفة منه لولده إن قام بحركة بريئة، وكذلك الأم التي تكون مشحونة بالتوتر والانفعال، .. وماذا يضرّ الضيف الوقور لو تنازل عند مضيفه أو العكس فتكلم من الكلام أطيبه.. ماذا يضرّنا جميعا لو تحلينا بمسحة من الابتسام تلازم وجوهنا وكلام طيب يخرج من أفواهنا يسبب تفريجا لهموم تسكن أفئدة كثيرة، ولو تفكرنا جيدا لوجدنا أنّ التكشير لن يحل عُقدا تشابكت أو تتشابك بل قد يزيد الأمر عسرة خاصة عندما يجتنب ذاك الفظّ الغليظ القلب. ابتسم .. ابتسم في كل وقت في ظل مجتمعات أدمنت العبوس والتكشير والتقطيب لدرجة أنّ الابتسامة أصبحت حاجة نفسية واجتماعية ملحّة، وأضف عليها لتصبح شعارا " أن ابتسم ووكل أمرك للجبار".