أردت نشر هذا الرد في ركن مقالات حتى نستفيد من النقاش ، خاصة أن الموضوع الذي طرحه الاخ منير جزاه الله خيرا من المواضيع الهامة والتي تهمنا اليوم أكثر من أي وقت مضى .....وهو حسب رأيي موضوع فكري , أكثر منه سياسي ... اليكم في البداية نص تعليقي الاول الوارد تحت مقالة التقارب العلماني الاسلامي ... المرزوقي والغنوشي نموذجا للاخ منير السايبي ، والذي رد عليه الاخ مشكورا لتفاعله مع ذلك : أخي منير , حسبي رأيي ليس هناك تطابقا(وصلت الى حد التطابق حسب تعبيرك ) بين الشورى والديموقراطية ، كما أنه ليس هناك تنافرا بينهما . في البداية علينا أن نميز بين المرجعية أو المقاصد وبين النظام، فالمرجعية لدينا هي عقيدتنا وتشريعنا والتي لا تبديل فيها ولا أخذ ولا عطاء أما النظام فهو مختلف الآليات والمؤسسات والتراتيب التي من خلالها تتمكن مجموعة ما من تطبيق مقاصدها على أرض الواقع ...فالمقاصد في الشرع ثابتة والوسائل متغيرة نكون في صلابة الحديد في الاولى وفي ليونة الحرير في الثانية ( تعبير للشيخ يوسف القرضاوي ) أظن أن هذه مسألة بديهية ولا خلاف فيها . بناء على ذلك نقول أن الشورى في الاسلام لها مرجعيتها الثابتة ومصدر هذه المرجعية، أو مصدر التشريع لديها هو الله سبحانه ( القرآن والسنة )أما مرجعية الديموقراطية فهي مرجعية من صنع البشر أو كما يقولون الشعب هو مصدر التشريع . هنا يكمن مصدر الاختلاف بين النظامين. أما في ما يخص الآليات أو النظم فهي ليست مقدسة في الاسلام و التلاقح والتفاعل الحضاري مع كل ما أنتجته الديموقراطية الغربية من آليات لا اشكال لنا معه ، وأهمية ذلك واسلاميته تكمن في مدى تحقيقه (أي تلك الآليات والنظم )لمقاصد الشرع . النظام الديموقراطي هو نظام يكفل للانسان المشاركة في القرار وهو سيد التشريع لكنه يدوس على ''التدبير الالهي ''أما الشورى في الاسلام فهي أيضا تكفل للمسلم حق المشاركة في ''تدبير شؤون العمران ، صغيرها وكبيرها ...وذلك دون أن يطغى هذا الانسان على التدبير الالهي المتمثل في الشريعة الاسلامية ...''هنا أريد أن أسألك كيف لك أن تضع الرئيس العلماني داخل هذا الاطار ( ''تدبير العمران دون الطغيان على التدبير الالهي أو بصيغة أخرى تدبير العمران عن طريق الزامه بالرجوع الى الشرع )؟ وهنا سؤالي ليس استنكاريا بل بالفعل أريد أن أعرف كيف تكون الصيغة ؟؟ نقطة ثانية أخي منير أريد أن أعرج عليها ، وهي مسألة الاخذ عن الغرب فهذه ارى لا علاقة لها بتطوير مفهوم الشورى (لعلك هنا لم تجد قراءة ما كتبه الشيخ الفاضل )بل هي مرتبطة بقاعدة هامة وهي ''الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أولى بها '' ثانيا هي مرتبطة أيضا بفريضة شرعية '' جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا'' وهذا ما طبقه المسلمون الاوائل عندما انفتحوا على الحضارات الاخرى يونان وفرس وأغريق . كان منطلق هذا الانفتاح ما ذكرته أعلاه أي '' التمايز بين المرجعية والمنظومة المعيارية ( لا حرية لنا في تبديلها ) وبين النظم والمؤسسات والتراتيب والآليات ...'' وكل ما يخدم شرعنا ولا يتعارض معه من علوم وآداب وعلوم اجتماعية وإنسانية ومناهج بحث .... أما في ما يخص ندائك لتكافل كل قطاعات المجتمع وتياراته وردم الهوة القائمة بين هؤلاء من أجل النهضة والاصلاح فذاك بالفعل ما نحتاجه اليوم ، بارك الله فيك وفي جهودك .... اليكم تعليقي على تعليق الاخ منير عما كتبته أعلاه , مع العلم أن رد الاخ منير موجود بين ثنايا هذا الرد . قلت أخي منير في ردك :هي ثابتة من حيث كونها مبدأ ألزم من خلاله الله سبحانه وتعالى جميع المسلمين التشاور فيما بينهم في كل مناحي حياتهم . وهي متحولة من حيث شكلها عبر الزمان والمكان أي من حيث كونها وسيلة يحدد لها الأشخاص الذين يتعايشون فيما بينهم الشكل الذي يرونه يحقق لهم أكبر قدر ممكن من جلب المصالح ودرء المفاسد لأنه ليس هناك شكل محدد للشورى.' غريب أخي وهل قلت عكس ذلك في تعليقي ...لا اعرف هل قرأت جيدا تعليقي أم لآ ، فانا لا أختلف البتة معك في هذه النقطة . ولك ما ورد في تعليقي الموجودتحت مقالتك: ليونة الحرير في الثانية(أقصد هنا الآليات والشكل والاساليب ) ثم أضفت : أما في ما يخص الآليات أو النظم فهي ليست مقدسة في الاسلام و التلاقح والتفاعل الحضاري مع كل ما أنتجته الديموقراطية الغربية من آليات لا اشكال لنا معه ، وأهمية ذلك واسلاميته تكمن في مدى تحقيقه (أي تلك الآليات والنظم )لمقاصد الشرع هل ترى تناقضا بين ما ذكرته وما كتبته أنت .اختلفنا الا في اختيار العبارات ، فلا خلاف في الفكرة ... لا أرى دوسا " على التدبير الإلهي " إذا اختار المسلمون "الديمقراطية الغربية " كوسيلة لتنظيم الإختلاف بينهم ( وهل قلت ذلك أخي الفاضل منير، اقرأ جيدا النص )إذا اعتبرناها احتراما لإرادة الشعب ، واحتراما للقانون الصادر عن هذه الإرادة والمساواة أمامه بين الجميع ، واحترام حقوق الأفراد والأقليات وكل هذه الضوابط لا تتناقض مع المقاصد الشرعية في تحقيق ما تحقيق ما ينفع الناس' هنا أيضا أين وجدت في كلامي أن هناك اختلاف بيننا أنا لآ ارى ذلك ، فأنا تحدثت عن مرجعية الديموقراطية الغربية قلت فيها دوس على التدبير الالهي وليس أساليبها وآلياتها قلت ''أما الشورى في الاسلام (لنقل الديموقراطية في الاسلام أن كان ذلك تراه أسلم ,واقرب للفهم , رغم أني من مناصري التأصيل لمصطلحاتنا هل رأيت الغرب في يوم من الايام يستعمل ما لنا من مفاهيم رغم ثراء حضارتنا فهو يحاول أن يجعل لنفسه خصوصية وهذا جيد . فبدل أن نلهث وراء المصطلحات الغربية فلنا كلمة الشورى وهي كلمة قرآنية ..) فهي أيضا تكفل للمسلم حق المشاركة في ''تدبير شؤون العمران ، صغيرها وكبيرها ...وذلك دون أن يطغى هذا الانسان على التدبير الالهي المتمثل في الشريعة الاسلامية قصدت اخي ان استعمال الشورى بمرجعيتنا الاسلامية وان أردت بأساليب غربية وآليات ( غير مقدسة وليست ثابتة )تحقق مقاصد الشرع( ان لم يوجد في تراثنا ما يوازي ذلك )ليس في ذلك دوس على التدبير الالهي ،أو دوس على ديننا وتعاليمه...لم أقل ذلك أبدا .. في الفقرة التالية من تعليقك سأكتفي ببعض الاسئلة حول بعض النقاط التي لم أفهمها سأضع الاسئلة داخل الفقرة وبين قوسين أي أن تعليقي أو كلامي هو الموجود بين قوسين : الأمة العقائدية هي الأمة التي تجمع كل المنتمين إلى عقيدة واحدة يعتقدون في صحتها ويرغبون في العيش ضمن مبادئها وتحكيم شرائعها فيهم .(أسأل :هل الدولة الاسلامية التي تحكم بالشرع وبالشكل الذي ذكرته لا يمكن لغير المسلم أن يعيش فيها ؟ أظن ان دولة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت بالشكل الذي ذكرته أي أمة عقائدية وعاشت فيها أغلب الطوائف وبسلام وأمان ، بل كان الدافع للتعجيل بفتح مكة هو الدفاع عن الاقليات قبيلة خزاعة أظن بل عاشت الاقليات عموما على نفس الوتيرة في دولة الخلافة ويشهد بذلك أغلب المؤرخين حتى المستشرقين ...وها هم يعيشون الى اليوم بين المسلمين بأمان ...بل يسبون ديننا ولم نحرك ساكنا ....) أما الأمة السياسية فهي الأمة التي تجمع تحت رايتها أبناء العديد من الملل العقائدية المختلفة الذين يتعايشون سلميا في إطار عقد اجتماعي ينظم العلاقة والإختلاف الذي يمكن أن يحدث بينهم . وفي هذه الأمة ليست العقيدة هي الأساس ، بل الأساس هنا هو إرادة الأغلبية التي تحترم حقوق الأفراد والأقليات الذين يختلفون معهم في الفكر والعقيدة (هنا أسأل : أليس في الشريعة الاسلامية أو الامة العقائدية عقد اجتماعي لتنظيم العلاقات بين المسلم وغير المسلم ، ونحن نعرف أن الله لا تخفى عليه خافية ويعرف ان المسلم ليس من حقه اكراه الناس على دينه وبالتالي سيعيش غير المسلم مع المسلم و هذا ما جعل الله سبحانه يسن قوانين في ذلك ؟؟ هل الامة السياسية التي تحكم بالاحكام الوضعية قادرة على سن عقد اجتماعي والتي تحكم بسنن الله لا يمكن لها أن تستنبط عقدا من تشريع وضعه خالق الكون ؟؟؟'' لهم ما لنا وعليهم ما علينا '' سنة نبينا عليه الصلاة والسلام ثم قوله تعالى : '' لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم '' القسط يعني العدل وأنت تعرف ما معنى العدل في الاسلام ...الآيات والأحاديث في هذا المجال كثيرة ... أخي هناك عقد اجتماعي في الاسلام أو لنقل قوانين للمواطنة . وتلك القوانين هي فرائض فمثلا احترام الاقليات والحفاظ على حرياتهم العقائدية هو واجب شرعي وليس منّة أو مزيّة من عندنا ، بل ذلك فريضة جاءت في شرعنا .. وهنا أحيلك على كتب محمد عمارة في هذا المجال وهي كثيرة . اعطيك على سبيل المثال كتاب في النظام السياسي للاسلام ... ) فإذا كان المسلمون مثلا هم الأغلبية في هذه الأمة السياسية فإنهم سيختارون القوانين التي تتناسب مع العقيدة التي يؤمنون بها مع ضرورة احترام هذه الأغلبية المسلمة لحقوق غير المسلمين الذين يعيشون معهم تحت راية أمة سياسية واحدة .( يختارون القوانين التي تتناسب مع العقيدة ، من أي ''سوق '' سيختارونها ، الاحكام الوضعية مثلا ؟ أم أن شرعنا لا يتناسب مع كل زمان ومكان ؟؟لا أظنك هنا تقصد الآليات والوسائل ...الله سبحانه عندما وضع شرعها لم يترك صغيرة ولا كبيرة الا ووضع لها ما يسندها ويحميها ومن بين ذلك حقوق غير المسلمين ... أما إذا كان المسلمون أقلية في هذه الأمة ، فعليهم احترام الضوابط الدستورية والقانونية التي تعبر عن إرادة هذه الأغلبية غير المسلة التي تضمن حقهم كأقلية في هذه الأمة السياسية . طبعا هنا لا اشكال لي معك ، وقد تحدث عن ذلك بإطناب الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ راشد الغنوشي وكثير من العلماء الافاضل ...احترام قوانين الدولة التي تعيش فيها كأقلية واجب شرعي ... رئاسة غير المسلم للدولة الإسلامية السياسية هو مجرد فرضية عقلية وليس حقيقة واقعية لأن الدولة السياسية التي يكون أغلبها من المسلمين لا يمكنهم إنتخاب غير مسلم ليحكمهم .هنا لم يسعفني فهمي لاستيعاب مصطلح فرضية عقلية والحال انك تتحدث عن موضوع حي وهو التقارب العلماني الاسلامي الذي نتمناه ونتوق اليه ... أختي الفاضلة مريم : لعلك أنت من لم يُجد قراءة النصوص التي كتبها الشيخ راشد والتي يطابق فيها بين معنيي الشورى والديمقراطية في العديد من كتبه ومنها كتابه " الحركة الإسلامية ومسألة التغيير " في الصفحة 74 على سبيل الذكر لا الحصر يقول فيها : " مؤذن بتفاقم الكوارث في أمتنا جراء غياب منهج رشيد لإدارة الخلاف فيما بين جماعاتنا وأقطارنا ، أي الشورى المنظمة "الديمقراطية ". كما يقول أيضا في نفس المعنى وفي نفس الصفحة " بين توحيد الله ومطلب العدل والشورى أي الديمقراطية ".أنا بالفعل لم أقرأ ذلك وأنا رددت على كلامك... وفي ما أوردته هنا ،أنا لا أرى أن الشيخ يطابق بينها بل لعله يريد ان يقرب الفهم للقارئ ...مع أن فهمي وفهمك لهذه النقطة كما ذكرت في أول هذا الرد ليس فيه أي اختلاف . فنحن على نفس الخط .... ما كتبته ليس مقالا متماسكا بل هو رد على أفكار .وردت في مقال الاخ منير, معذرة للقارئ .... أخرجني الله وإياك أخي منير من ظلمات الجهل الى أنوار المعرفة , (اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل الى أنوار المعرفة )هذا الدعاء يفتتح به في أغلب الأحيان الشيخ الجليل ذو العلم الغزير راتب النابلسي دروسه . دمت في أمن الله وحفظه أخي منير . مريم حمدي