رغم أن تونس قد صادقت على "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة " فإن سياسة التشفي والتعذيب لا تزال متواصلة لم تتوقف البتّة إلى حدّ الآن. والتعذيب كما عرفته الإتفاقية السالفة الذكر في الجزء الأول منها من أنه " أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسديا كان أم عقليا،يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص،أو من شخص ثالث،على معلومات أو على اعتراف ،أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه ،هو أو شخص ثالث أوتخويفه أو إرغامه هو أو أى شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أيا كان نوعه،أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.". (الجزء الأول من اتفاقية مناهضة التعذيب الفقرة 27 لسنة 1986 ميلادي)
والمتتبّع للبيانات الصادرة عن المنظمات والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان سواء محليّة كانت أم دوليّة والتي لم تنته قط تجدها لا تفتأ تثير قضية التعذيب في مخافر الشرطة التونسية أثناء الإيقاف وحتى بعد المحاكمة.
إضافة إلى شهادات حيّة من قبل معتقلين سياسيين وقع تسريحهم أو أكملوا مدّة حبسهم والتي تحكي الفظائع عن عمليات التنكيل بالسجناء السياسيين حيث يتفنن الجلادون بشتى ضروب التعنيف والتعذيب القصد منها انتزاع اعترافات لأعمال لم يقم بها المحتجز أو المعتقل .
وفي الوقت الذي يحتفل فيه نظام تونس بذكرى الإنقلاب على الرئيس السابق الحبيب بورقيبة مجندا كل وسائل إعلامه وخدمات أزلامه لتقديم صورة وردية مفادها أن تونس "حققت بفضل طموح شعبنا وانخراطه في برامجنا وتوجهاتنا، نتائج تؤكدها المؤشرات والتصنيفات العالمية؛ سواء في مستوى سلامة الحوكمة وإدارة الشأن العام، أو في مستوى التنمية والتنافسية الاقتصادية، واستقطاب الاستثمارات الخارجية، أو في مستوى جودة الحياة، وسرعة تطور مؤشر التنمية البشرية، وسياسات الوفاق الاجتماعي، والتضامن، ورعاية الطفولة، وحماية ذوي الاحتياجات الخصوصية والإحاطة بهم. " وأنه "لا يوجد في تونس اليوم من سلبت حريته أو تمت محاسبته من أجل رأي مخالف أو قول ناقد."(من خطاب صاحب الإنقلاب يوم ذكرى الإنقلاب)
وغيرها من الأخاريص الدعائية التي يروج لها علّ الدول ذات المصلحة مع تونس تصدّق ما يفتريه ،وفي الثامن من تشرين الثاني \نوفمبر لسنة ألفين وعشرة يقدّم للمحاكمة ثلّة من أعضاء حركة النهضة نذكر منهم السادة علي الحرابي وعلي فرحات وعلي بن عون على خلفية الإنتماء الذي حوكموا من من أجله .
والمطلع على تقريرين أولهما لمنظمة حرية وإنصاف والثاني لجمعية الدفاع عن المساجين السياسيين يرى قمة الفظاعة التي تعرض لها كل من علي بن عون وعلي فرحات.،كما أوردت "الجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين" على لسان علي بن عون إذ يخجل الإنسان أن يعيد كتابة ما رواه على مرأى ومسمع من القاضي والدفاع.
ويلتقي ذلك مع ما دوّنته منظمة "حرية وإنصاف" في أحدث بيان لها صادر بتاريخ الثامن من تشرين الثاني \نوفمبر لسنة 2010 (الحوار نت بذات التاريخ)
هذه الممارسات التي يقترفها زبانية النظام التونسي بطريقة ممنهجة وبسابقية إضمار دون رادع من أحد بل على العكس من ذلك فهؤلاء يجدون الحماية من رأس الدولة والشواهد على ذلك لا تحصى ولا تعد.
لقد آن الأوان أن توقف هذه الممارسات الدنيئة في حق المعارضين السياسيين وحق مساجين الحق العام ولا يتمّ ذلك إلا بتظافر جهود قوى المجتمع المدني بكل فئاته وقواه الحية دون اعتبار لحسابات فئوية أو حزبية فكل من يؤمن بحق الإنسان في حياة كريمة لا ظلم فيها ولاحيف، عليه أن لا يتوانى في ذلك ويواجه بجديّة هذه السياسة عبر النضال السلمي المدني في الداخل والخارج .
لتتكاتف جهود المنظمات لتوعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة بما يتاح له من إمكانيّات !
فإلى متى تدأب "الشرطة "وكل أدوات القمع في عملية التعذيب ويبقى المجتمع صامتا وقواه تنظر إليها دون أن تحرّك ساكنا؟
وهل من وقفة جماعية لمناهضة هذه العملية الممنهجة التي أصبحت سمة من سمات النظام في تونس؟
فإذا كان الدور سابقا على مناضلي حركة النهضة ،ويعاود معهم في كل مرّة ؟فعلى من سيكون الدور في القادم من الأيام يا ترى؟