مدخل : (اكتب هذه الأقصوصة ، كما كتبت غيرها ، فإن تحدثت أحيانا بلسان البطل ، فلا يعني انها تخصني بالضرورة . كما أؤكد للقارئ أنها حقيقية ولكني أتحاشى ذكر الأسماء المعنية تجنبا للإحراج .) إلتقيته ، كان شابا أسمر نحيفا ، غزير الشعر أسوَدُهُ ، في بدايات الشباب ، متوسط التعليم ، قليل الهموم ، متوسط الطموح ، يشدك إليه رضاه السمح بالقدر ، فهو دائم التبسم و الإنبساط . كان ذلك في أواخر التسعينات من القرن الميلادي المنصرم في مكان ما من مقابر العهد الظالم العلنية . طبعا هذا الشاب كغيره من أبناء شعبي ، لا يسمعون شيئا عن معاداة السامية ، ولا كرها للأقليات التي تقاسمنا هذا الوطن مهما كانت .فالكل يعلم أن اليهود قد امتد وجودهم عبر تاريخ البلاد كله ، حتى لا تكاد تخلو مدينة من حارة لهم و دكاكين ، عاشوا فيها و يعيشون آمنين ، وهذا ما ندافع به عن مبادئنا مهما اختلف مساكننا معنا في العقيدة . كما انني لا أحمل الموقع اي مسؤولية عما اكتب إذ اسجل ما يلي : أن مواطنينا من اليهود تأثروا إبان الاستعمار الفرنسي بالدعاية الصهيونية ، فهاجر الكثير منهم ليمارس نهب الاراضي في فلسطينالمحتلة . انهم كانوا في مرحلة ثانية ضحية لحرب 1967م حيث أوعز بورقيبة للغوغاء ان يهاجموهم في بلادهم تونس ، حيث احرقت متاجرهم و دورهم ، وهكذا ضرب المقبور عصفورين بحجر واحد ؛زعيم عربي قومي في أعين الجهلة ، وقدم خدمة جليلة للصهيونية ، إذ رفدها بآلاف من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق . ثالثا في مرحلة الطاغية بن علي : هذه المرة ، عملوا على فتح المعبد اليهودي التونسي ، و بمساعدة النظام ،لآ لاف من المحتلين لارض مقدسة عربية ، رغم انهم يعلمون ان هذا الكيان عدو رسمي لبلدهم الام و هو تونس . والسؤال البديهي ؛ هل اعتنقت المؤسسة اليهودية التونسيةُ الصهيونيةَ مذهبا سياسيا ؟ و إليكم قصة الشاب الذي حدثني فقال : أنا من جرجيس ، المدينة الحالمة على ضفة المتوسط ، هنا سكن اجدادي ، وولدت ، هنا نما حبي حتى صار الهوى جنوبيا ... بيتنا ما احلاه ، كان عربيا ،، غرف متقابلة يتوسطها فناء فسيح ، يفتح على سماء زرقاء صافية .. كنا كل أصيل نرشه ماء زلالا حتى يذهب عنه لهيب الحر ، ثم نجلس نحفل بالشاي ، و يحفل بنا ... نتنسم هواء البحر العليل ... كانت الأمور على ما يرام ، حتى جاورنا يهودي جديد ، هؤلاء الذين قدموا للإستثمار ...لم يحدث قط مع يهود المدينة اي مشكلة ، فهم يجاوروننا منذ القدم .. بيننا و بينهم عشرة و تاريخ ...نبيعهم و يبيعوننا .. نتمازح ، حتى ابتلاني الله بهذا اليهودي القادم من وراء البحار....كان قد اشترى الأرض المجاورة لبيتنا .. ثم بنى عمارة ... لكن لا يحلو له الجلوس إلا مقابل فناء بيتنا ... حدثناه بأن هذا الأمر لا يليق ، و بأنه بفعله يحد من حرية نساء البيت ، لكنه لم يفهم ... شكوناه للبلدية ، أغلقوا شبابيكه ، إذ لا يحق لجار ان يفتح شباكا على جار حتى يُؤذن له ... لم يمض وقت طويل ، حتى فتح الشبابيك ثانية ، و أصر على أن يطل علينا كل عشية ..عدنا نشتكيه ، لكن هذه المرة ، طأطأ مسؤول البلدية رأسه قائلا : لا أستطيع فعل شيء ، لقد جاء بورقة من فوق ، من العاصمة... سألناه ، من أين ؟ من الرئاسة ؟ من وزارة الداخلية ؟ بلع المسؤول ريقه و سكت ...لا أخفيك ، غلى الدّم في رأسي ، لم أفهم كيف يكون مواطن فوق القانون وآخر تحته !!!رجعت إلى البيت .، أطل الرجل هازئا ، لقمته حجرا ...اشتكاني لدى المحكمة ، ذهبت كلمات محاميّ ادراج الهواء ، حكمت ستة أشهر ، خرجت ، أطل ضاحكا كالعادة ، ألقمته حجرا و هاهي المحكومية الثانية أبدؤها من جديد ... قل لي بربك هل أنا مواطن تونسي ؟ .