علوش العيد : اتحاد الفلاحة يطمئن... والقصّابون يحذرون    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    قفصة : القبض على مروّج مخدّرات وحجز 16 لفّافة من '' الكوكايين''    عاجل/ العاصمة: احتراق حافلة نقل حضري    وزير الشؤون الدينية يشرف على يوم الحجّ التدريبي الخاص بولايات سوسة المنستير والمهدية والقيروان    تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي في هذه الولاية..    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي في الرؤية (6) جذور الغلو . . .
نشر في الحوار نت يوم 08 - 12 - 2010

لا جرم ان ابدا مقالي هذا بتوضيح احد اهم اسباب تاخري في مواصلة ما بدات من خوض غمار رايته اصلا لا غنى عنه لمن اراد الاصلاح و رآه غيري ترفا او غير مناسب توقيتا بل لفا و دورانا على راي البعض الآخر.
من المعلوم اني كنت قد وقفت على الملاحظات القيمة لاحد القراء الكرام عندما نصحني بتحري النسخة الكاملة "للوثيقة التاريخية لحركة الاتجاه الاسلامي" حتى يبدو عملي متكاملا و حتى لا تصرف الجهود في تمحيص المنقوص , فتفاعلت مع رايه السديد و ان كان في نفسي شيئ كما كان في نفس الشيخ ابن عثيمين شيئ من حديث الجساسة و توجهت برسالة الى بعض الاخوة ممن يرجح دورهم البارز في صياغة الوثيقة او قل لم شتات فقراتها و كذلك الى موقع النهضة انفو الناطق باسم حركة النهضة و الناشر للوثيقة المنقوصة. الا ان انتظار زهاء الاربع اسابيع لم يات بجديد اذ لم يصلني اي رد من اي طرف.
واذا كان بعض القراء قد يعجبون من احجام حركة تريد اعادة الخلافة الاسلامية عن التفاعل مع المهتمين بشانها بل حتى عن رد التحية باحسن منها او مثلها كما جاءت بذلك آية محكمة في حين يظفر اي مواطن مهما كان جاهه او مركزه في اي بلد "من بلاد المشركين" يحترم نفسه قبل مواطنيه برد فوري اذا كاتب اي جهة مهما علت دون استثناء اعلى هرمها لاي سبب ما ,دون ان تكون لهذه الجهة اي معرفة بتضاريس العقيدة الاسلامية كما لنا نحن "اصحاب اليمين" , فاني و ان كنت استهجن هذا السلوك الذي اصبح بل لم يزل سمة القيادة الهرمة لهذه الحركة الفتية كما عبرت عن ذلك في مقال :من اجاد الصمت حمل وزر النوايا فاني لم انتظر غير التجاهل لاني و ان كنت احب التفاؤل و حسن الظن فاني اكره بنفس القدر الركض وراء الاوهام و اضغاث الاحلام. و لا ارى لمثل هذا السلوك من فضيلة سوى انه ذكرني بقول الشاعر المبدع في رائعته الحرباء : " التقوى عندي تتلوى ما بين البلوى و البلوى حسب البخت ان نزلت تلك على غيري خنقت صمتي و اذا تلك دنت من ظهري زرعت اعصارا في صوتي .... الوسطية عندي فِفْتي فِفْتي."
لنعد الى موضوع الوثيقة و محتواها مركزين على الفقرات الكاملة دون المنقوصة بعد ان تاكدت ان لا احد يملك النسخة الكاملة حتى ممن كان لوقت غير بعيد من مداحيها.
بعد ان كنت قد تعرضت في الحلقة الماضية الى بناء الرؤية منهجها في التكفير على امر غير مسلم من حيث تحققه في ذاته و من حيث صلوحه كمقدمة على النتيجة فانني اواصل اليوم مع هاته الفقرة المتعلقة بالتكفير:
" 1 وعليه،
2 فإننا لا نكفر مسلما
3 أقر بالشهادتين وتوابعها مما سبق ذكره،
4 وعمل بمقتضاها
5 وأدى الفرائض برأي أو معصية،
6 إلا أن أقر بكلمة الكفر
7 أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة،
8 أو كذب صريح القرآن
9 أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال
10 أو عمل لا يحتمل تأويلا غير الكفر."
لِأتوقّف عند نقطتها الثانية.
لقد اختارت حركة الاتجاه الاسلامي كما من قبلها البنا رحمه الله في حديثها عن حد الايمان صيغة نفي اكفارها للمسلم الا اذا صدرت عنه بعض الاقوال او الافعال لخصتها في ثمان نقاط او خمس في ادنى التقديرات مما يعني صراحة ان مبدا اكفار بعض المسلمين يمثل منهجا معلنا لها و انه لا مشكلة لديها نظريا في التصريح بتكفيربعض افراد المجتمع ممن توفرت فيه بعض الشروط سنتعرض لها لاحقا حتى و ان كانت سلكت فيه سبيل الاقتصاد و هو مالم تفعله بل توسعت فيه كما لم يجرؤ عليه من قبلها الا القليل.
ان هذا الاقرارالخطي الصريح في وثيقة بهذه الاهمية الذي يعتبر فيه احدُ مكونات الساحة السياسية في تونس بعضَ افراد الشعب التونسي خارجين عن الاسلام اي مرتدين امر خطير كان بالامكان تجنبه علاوة على انه مجانب للصواب كما ان له اسبابه الموغلة في الغلو و نتائجه الكارثية التي من فصولها الماساة التي افرزتها نتائج مواجهة التسعينات بين حركة النهضة و نظام بن علي.
لا يمكن ان تعتبر الظروف السياسية التي كتبت فيها الرؤية الفكرية و ما رافقها من اتهام للحركة الاسلامية بالتشيع و الولاء لايران و تكفيرها لاهل السنة المقصود هنا المصطلح المقابل للشيعة مبررا كافيا لسولكها اوعر الطرق في الحديث عن حد الايمان عندها بنفيها للتكفيرعموما ثم استثناء من صدرت عنه افعال او اقوال كثيرا ما تصدر عن الناس في مجتمعنا خاصة اذا فتحنا الباب للتاويل الذي ولع به ابناء الحركات الاسلامية امعانا في التمايز و المزايدة فتكون بذلك كمن كحل الارمد فاصابه بالعمى.
طبعا لا يمكن وصف هذا المنهج الا بمجانبة الصواب لانه قد اغفل احد اهم ضوابط التكفير الذي لم يغفل عن ذكره اشد المغالين في التكفير من اتباع السلفية الوهابية الا وهو التفريق بين المقالة و القائل و بين الفعل و الفاعل وللإمام ابن الهُمام الحنفي راي نقله عنه الإمام ملاّ علي القاري في "شرح الفقه الأكبر" من كتابه "فتح القدير" و هو شرح لكتاب "الهداية" للمَرغِيناني في تكفير أهل الأهواء عندما قال:"اعلم أن الحكم في كفر من ذكرنا من أهل الأهواء مع ما ثبت عن أبي حنيفة رحمه الله والشافعي رحمه الله من عدم تكفير أهل القِبلة من المبتدعة كلهم: محملُه أنّ ذلك المُعتَقَد في نفسه كُفْر فالقائل بهِ قائل بما هو كفر وإن لم يكن يكفر.".
و يحسن هنا ان اذكر ان هذا هو رأي ابن تيمية كما صرح بذلك في كتابي "المسائل المارِدِينية" و "منهاج السنّة".و قد خصصت ابن تيمية بالذكر:
لاعتباره من الموغلين في تضليل و تبديع الفرق المخالفة عموما ونعتهم باشد الاوصاف رغم المحاولات العبثية للكثير من العلماء و الدعاة الترويج لعكس ذلك تماما مسايرة لعشاقه الكثر ممن غسلت عقولهم الدعايات الضخمة ومنها محاولات الدكتور محمد عمارة في "صيحة النذير" حتى و ان كانوا يمثلون السواد الاعظم كوصفه الاشاعرة وهم جمهور الامة على سبيل النقل التقريري بقوله "الاشعرية الاناث مخانيث المعتزلة و المعتزلة في الصفات هم مخانيث الجهمية ووصف المعتزلة بانهم اقرب الى الصابئة الفلاسفة من الروم وصفهم جميعا اي المعتزلة و الاشاعرة بانهم ضلاّل مكذبون للرسل و انهم يلحدون في اسماء الله و آياته ( رغم نقل الذهبي عنه توبته عن ذلك) في مقابل التحرز عن تكفير المعين حيث يندر عنده تكفير الاسماء و ان كان قد رمى اعظم علماء الاسلام الفخر الرازي (و هو شافعي من ائمة الاشاعرة) صاحب التفسير الكبير بالدعوة الى عبادة الاصنام بعد ان نسب اليه كتاب "السر المكتوم في السحر و مخاطبة النجوم" الذي الفه على حد زعمه لأم السلطان علاء الدين محمد . و يبدو ان ابن تيمية قد تلقف هذه الفرية من كتاب وفيات الاعيان و انباء ابناء الزمان لابن خلكان عساها تعينه في ما فشل فيه من نقض اساس التقديس في كتابه التاسيس الملآن تجسيما و سفسطة .
و لاعتبار انه محيي الغلو الحنبلي في المخالفين و لا اقول مؤسسه فقد سبقه في ذلك البربهاري و ابي يعلى و ابن بطة و ابن خزيمة وابو سعيد الدارمي و السجزي و الدشتي و الهروي بل قد ذكر عبد الله بن احمد بن حنبل في كتابه "السنة و هو كتاب مليئ بالتشبيه و التجسيم عشرات المواضع في تكفير و تفسيق ابي حنيفة و اتباعه , بل الادهى من ذلك كثرة النقول عن احمد بن حنبل نفسه بتكفير كل من هب و دب و منها ما نقله ابو يعلى في طبقات الحنابلة عن تكفير الامام احمد و استحلال دم و مال من قال بخلق لفظ القرآن (و هذا غير خلق القرآن) و هو مذهب جمهور الامة الا الحنابلة بل هو مذهب البخاري, و لعل القارئ يعجب عندما يعلم ان الامام احمد طبعا حسب النقل عنه قال بتكفير المتوقف في امر الخلق بل من شك في كفره . و لم يسلم من ذلك محمد بن شجاع الثلجي إمام الواقفة في زمن احمد و يطلق عليه الحنابلة كعادتهم في التبديع "ترس الجهمية"و قد يبطل العجب اذا عرفنا ان شيخه هو بشر المريسي و ما بينه و بين المجسمة من غلاة الحنابلة من عداء(راجع كتاب النقض للدارمي) .
لاعتباره اول من بسط نظرية " التثليث في العقيدة" اي تقسيم التوحيد الى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الاسماء و الصفات( و قد اتفق مخالفوه انه مؤسسها و يبدو انه اقتبسها من ابن بطة الحنبلي و طورها و ان كان اتباعه يصرون على ان الله هو من وضع هذا التقسيم في الآيات الثلاث من سورة الفاتحة!!) و الى هذه النظرية تعود جذور التكفير منذ القرن التاسع عشر و قد بنى عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب "مؤسس الحركات الاسلامية" نظريته في تكفير اهل الارض جميعا و استباحة دمائهم و خاصة اموالهم الا من تبعه وهاجر اليه , حتى وصل به الامر الى تكفير نفسه عندما قال في " الدرر السنية ": "لقد طلبت العلم و اعتقدَ من عرفني ان لي معرفة و انا في ذلك الوقت لا اعرف معنى لا الاه الا الله و لا اعرف دين الاسلام قبل هذا الخير الذي من الله به , و كذلك مشائخي ما منهم رجل عرف ذلك , فمن زعم من علماء العارض انه عرف معنى لا الاه الا الله او عرف معنى الاسلام قبل هذا الوقت او زعم من مشائخه ان احدا عرف ذلك فقد كذب و افترى و لبس على الناس و مدح نفسه بما ليس فيه". و هذا المقطع هو اغرب ما قرات في حياتي في الغلوو قد استدل به بعض خصومه على ادعائه للنبوة و هذه من قبيل المبالغات غير الثابتة في حقه علما و ان هذا "المجدد" و اتباعه قد تجاوزوا بن تيمية في التكفير باشواط لكنهم ينسبون اليه آراءهم الشاذة حتى قال ابو بكر الجزائري في كتابه " الى التصوف يا عباد الله فان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين" ( و هذا اغرب عنوان كتاب سمعته) بكفر الشيخ عبد القادر الجيلاني بل و كفر من يشك في كفره علما و ان ابن تيمية لا يذكره الا قائلا عنه "قدس الله سره".
و كذلك باعتباره اي ابن تيمية مرجعا لاغلب قيادات الحركات الاسلامية و دعاتها و علمائها و منهم الاستاذ راشد الغنوشي و الشيخ يوسف القرضاوي بل لا ابالغ ان قلت اني لا اعلم حركة سياسية اسلامية سنية واحدة (باستثناء اتباع نزار الحلبي في لبنان) تعلن تباينها مع فكر ابن تيمية و محمد ابن عبد الوهاب رحمهما الله و هما ما هما بل لا اعلم من العلماء الاحياء المعروفين من يجرؤ على نقدهما و لو على استحياء باستثناء من يملك نفسا صوفيا كالجفري و البوطي وفودة وغيرهم قليل. اما الاستاذ راشد الغنوشي فيعتبر من العاشقين لابن تيمية حتى اعتبره ابا لكل الحركات الاسلامية و له رايه في ذلك . و ان كنت لا اظنه يقول ما قال لو عكف على دراسة كتب شيخه و اهمها كتاب التاسيس في الرد على اساس التقديس (وله اسماء اخرى كنقض اساس التقديس و كذلك بيان تلبيس الجهمية في تاسيس بدعهم الكلامية و قد صنفه رحمه الله في الرد على الرازي منتصرا فيه لعقيدة التجسيم ناسبا اياها لسلف الامة و مبدعا لجمهورها الذين ينزهون الله على الحركة و الجلوس و الحد و مماسة المخلوقات و غيرها من الشناعات في حق رب العالمين) و ليس ظني هذا من باب الاستنقاص من الاستاذ الغنوشي فعِلمه لا يجحده الا معاند و لكن من باب حسن الظن به اذ لو كان يعلم بكل اقواله و ينسبنا رغم ذلك اليه لكانت المصيبة اعظم و الكارثة اشد وطئا. اما موقفه من ابن عبد الوهاب و كيل المديح له في كل آن و حين ( و قد دلت حتى آخر كتاباته ان صدره يلهج بذكره ) فهو مما لا يعلم اسراره الا الله و ساحاول في مقال قادم كشف بعض ملابسات هذا الولع باكثر الناس قتلا و تنكيلا بالمسلمين بحجة ردتهم و عبادتهم الاصنام (هكذا!! اهل مكة و المدينة كانوا قبل القرن التاسع عشر يعبدون الاصنام) بل لا اعلم بعد يزيد بن معاوية و الحجاج بن يوسف و القرامطة من فعل باهل الحرمين ما فعله هذا المجدد العظيم.
اذن كان اول اخطاء الرؤية في قولها "لانكفر مسلما ...الا..." هو عدم تفريقها بين القول و القائل و بين الفعل و الفاعل فلو عبرت الرؤية عن موقفها من التكفير باعتبار هذه الاقوال و الافعال من المكفرات لا ان فاعلها يستحق التكفير لما سهل على خصومها تصنيفها ضمن الحركات التكفيرية اذ سيصبح بامكانها الرد على من يتاول ذلك تكفيرا لبعض اطياف المجتمع بالقاعدة المشهورة القائلة بانه ليس كل من وقع في الكفر قد وقع الكفر عليه. اما و قد اختارت الصياغة انفة الذكر فانه لا يمكن بعدها اللجوء لمثل هذا التاويل.
و قد اضطر حديث " اذا انا مت فحرقوني" الخائضين غمار التكفير حتى غلاتَهم ) للاعتراف بهذه القاعدة العظيمة التي عصمت دماء الكثير من الابرياء . فقد صح بالفاظ مختلفة ان النبي صلى الله عليه و سلم قال:"قال رجل لم يعمل حسنة قط لاهله : اذا مت فحرقوني ثم اذروا نصفي في البر و نصفي في البحر فوالله ان قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه احدا من العالمين, فلما مات الرجل فعلوا به ما امرهم فامر الله البر فجمع ما فيه و امر البحر فجمع ما فيه ثم قال : لم فعلت هذا؟ قال :من خشيتك يا رب و انت اعلم . فغفر الله تعالى له" و هذا الحديث يعتبر قاصمة لكل من كفر مؤمنا لقول او فعل ما , اذ قد تلقى الله برحمته من ترك جنس العمل او كاد و لم يعتقد في قدرة الله و ظن ان الله يعجزه جمعه ان هو حرق و طحن و ذري في الريح لمجرد انه خشيه دون ان تدفعه خشيته للانتهاء او لفعل حسنة واحدة.
و لا يترك هذه القاعدة الجليلة (ليس كل من وقع في الكفر قد وقع الكفر عليه) الا صاحب هوى او مصلحة في تصفية خصومه كما فعل بنو امية و امراء الملك العضوض ممن لجؤوا لعقيدة الجبرتارة و للارجاء اخرى لتيئيس الناس من الاصلاح او الثورة مع معارضيهم حتى اوهمونا بكفر الجعد بن درهم بحجة التعطيل فذبحه خالد القسري متقربا به الى بني امية في عيد الاضحى (و لا غرابة ان نسمع من تكفيريي اليوم من يمدح الطاغية القسري و هو اشد بدعة من مذبوحه و ما قتَله الا خصومة و لا ادل على ذلك خروجه اي الجعد مع اليزيد بن المهلب في ثورته على بني امية و وواليهم الحجاج) و من بعده بابتداع الجهم بن صفوان لخروجه على بني امية مع الحارث بن سريج وقد اسره سلم بن احوز الاموي و قتله بسبب خروجه متظاهرا بحجة البدعة و هي الحجج نفسها التي يرددها اليوم دعاة التكفير .
ولم يكن قتل غيلان الدمشقي و صاحبه صالح و غيرهم الا من باب تصفية الخصوم السياسيين بعد ان ادخلوا في العقيدة حججا صارت بعدها مسلمات من قبيل "القدرية مجوس هذه الامة".
و ان الدارس المدقق للعقيدة و لراي الجهمية او المعتزلة في خلق القرآن و الصفات والقدر سيفاجا بانهم اقرب في كثير من الوجوه الى عقيدة تنزيه الله جل جلاله عن صفات النقص من اولئك الذين سيطروا اليوم على اهم المؤسسات و المراكز الاسلامية و فضائيات الدعوة بل اخترقوا حتى الازهر آخر حصون العقيدة المنزهة لله من خزعبلات المجسمة و ذلك بفضل اللوبي المالي الذي يعمل عبر كل الوسائل لابتزاز او احتواء الحركات الاسلامية و قياداتها ترهيبا احيانا و ترغيبا اخرى بالمال علما انه هو نفس المال الذي يمول السجون السرية الامريكية بل و قنوات الدعارة العربية كما لا يكاد يخفى على احد . و الناظر الى حال الجامعات الاسلامية و خريجيها و نوع خطاب المشائخ و الدعاة يعلم ما وصل اليه هذا اللوبي من بسط نفوذه حتى على الحركات الاسلامية المعتدلة ممن اختار مجاراتهم إما من اجل جمع الصف او خوفا من سيوف الحملات الاعلامية المضادة و مواقع الانترنت المخصصة للتضليل والتكفير و تتبع العورات و لا يخفى على متابع حملات التشنيع المنظمة التي يتعرض لها بعض الدعاة ممن لم يعارضوا هذا اللوبي لكنهم رفضوا الانخراط في منهجهم من مثل الاستاذ عمرو خالد و حسن بن فرحان المالكي و الجفري بل لم يسلم حتى الجديع ورشيد رضا وسلمان العودة و القرضاوي من السنتهم و حملاتهم المغرضة رغم كيلهم المديح المتواصل لأعلام هذا التيار.ويمكن مراجعة كتاب اسكات الكلب العاوي يوسف القرضاوي ل"العلامة" مقبل الوادعي و آخربعنوان يحمل نفس الشتيمة لعبد الله شكيب السلفي و غيره من الكتب الهابطة الناضحة اسفافا و يكفي هنا ان اشير ان كبير مشائخهم عبد العزيز بن فيصل الراجحي قد الف كتابا في مسالة فرعية خلافية هي الاخذ باحاديث الآحاد في مجال العقيدة من عدمه سماه " قدوم كتائب الجهاد لغزو اهل الزندقة و الالحاد القائلين بعدم الاخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد" و اظن ان هذا العنوان يغني عن مواصلة الحديث حول هذه النقطة.
لا بل ان مراجعة بعض كتب التاريخ المنصفة تثبت بما لا يدع مجالا للشك ان بعض الآراء العقائدية داخل الدائرة الاسلامية وقع المبالغة في التشنيع عليها بالاستعانة بعلماء لا يحسنون الا التضليل و التبديع فقط من اجل تصفية الخصوم السياسيين و ليس الجهم الا واحدا من هؤلاء و انصح القارئ هنا بمراجعة كتاب الفرق الاسلامية في العهد الاموي للدكتور حسين عطوان.
اذن كانت الخلافات العقائدية في اوائل القرون ذات جذور سياسية ثم كان التعامل معها بخلفيات سياسية حسم فيه السيف و القوة المعركة . بل لا ابالغ اذا قلت ان المذاهب الفقهية اصلا كانت متاثرة بهذه الخلافات السياسية فانك ترى غلاة الحنابلة يكثرون النقل عن البصريين و ليس ذلك الا لتوافقهم في مخالفة الامام علي وذريته و تفضيل خصومه عليه حتى و ان كانوا من الطلقاء . بل لا ابالغ ان قلت ان اغلب البطولات المرسومة في اذهاننا عن علماء الدين و فضائلهم و علمهم و جهادهم لا تعدو ان تكون نتيجة لفرض الغالب افكاره على المغلوب و الا ما السر في حصرنا للصابرين على الايذاء في سبيل العقيدة و الراي في الامام احمد و ما تعرض له من سجن اثناء محنة خلق القرآن و ابن تيمية الذي سجن مرات من اجل رايه ( علما و ان اغلب الدعاة يلبسون على الناسفي ذكر الاسباب المباشرة لسجن بن تيمية و ليس المجال مجال بسط هذا الموضوع) و لا نكاد نعلم شيئا عن الذين قتلوا بسبب قولهم بخلق القرآن بزعم انهم مبتدعة بل لا يعلم الكثير منا ان الامام النسائى صاحب السنن قد قتله اهل الشام لانه لما صنف كتاب الخصائص في فضائل علي ساله اهل الشام ان يصنف في فضائل معاوية فقال انه لا يعلم له فضيلة الا قوله صلى الله عليه و سلم فيه "اللهم لا تشبع له بطنا " فضربوه في الجامع على خصيتيه و داسوه ثم حمل الى الرملة (وقيل مكة) ثم مات. فكيف تكون محنة السجن اعظم من محنة القتل ضربا على الخصيتين لولا ان الامام النسائي مات مناهضا لمعاوية بينما محن الامام احمد و ابن تيمية كانت من اجل آراء يحتاجها التكفيريون لتصفية خصومهم.
و بما ان الاختلافات العقائدية كانت تاريخيا نتيجة للخلافات السياسية كان الاجدربحركة النهضة ترك الخوض في موضوع العقيدة اذ هي اصلا لفظ مستحدث لم يرد ذكره في زمن الوحي و لا في زمن الصحابة و لا التابعين بل هو من مخلفات صراع الفرق و قد ادخلوا فيها مما ليس منها حتى جعل البعض المسح على الخفين من محاورها فتحول الايمان الصافي السهل الذي كان يقبل بمجرد التلفظ بالشهادتين الى عقيدة واسطية و اخرى تدمرية وحموية و اصفهانية (اشارة الى رسائل لابن تيمية في العقيدة علما و انه اوغل في تضليل مخالفيه في كتاب العقيدة الواسطية) و توسعت شروطها من الايمان بالله الواحد الى الايمان بان الله خارج العالم و انه متحيز في مكان يشار اليه و ان هذا المكان هو المكان العدمي و بان الله يتحرك اذا فعل و انه محدود من الجهات الست و انه يجلس على الكرسي و يجلس نبيه الى جانبه و انه مماس للعرش مماس لعباده و انه محمول على العرش و ان له اطيط كاطيط الرحل الجديد و ان له وزنا و انه يثقل اذا غضب و انه ملآن مصمت لاجوف له و ان صفاته اما معنوية او صفات ذات و ان افعاله اما متعدية ام لازمة وانها قديمة النوع حادثة الافراد ثم الويل و الثبور لمن لا يعتقد ان لله صدرا و ذراعين من نور خلق منهما الملائكة و ان له جنبا بل ربما جنبين(على راي ابن القيم) و يدين يمين و شمال و خنصرا و كفا و وجها و كرسيا هو موضع قدميه و اضراسا و لهوات تبدو عند ضحكه وانه يستوي على ظهر بعوضة ان شاء و غيرها من الخزعبلات المستقاة من حديث الاوعال و حديث الادلاء و حديث الاطيط وغيرها و التي يصر البعض بعد ان قرروا انهم اهل السنة دون غيرهم و انهم على منهج السلف الصالح على انها من مستلزمات الايمان و ان منكرها اشد كفرا من فرعون الذي علم ان الاهه في السماء و من ابي جهل موحد الربوبية.
هذه هي العقيدة الصحيحة كما يصورها ابو الحركة الاسلامية ابن تيمية رحمه الله و مجدد التوحيد محمد ابن عبد الوهاب و من راى غير ذلك فهو مبتدع يستحق مصير اسلافه.
اذا كان هذا حال الخلاف العقدي و قد كان على حركة النهضة ترك الخوض في امور العقيدة فانه من باب الاولى تركها الخوض في موضوع التكفير , اما اذا اصرت على تحديد موقفها مما تراه قاعدة مركزية اي العقيدة في التفكير يعود اليها تحديد المواقف و الرؤى ازاء قضايا الوجود الانساني على حد تعبيرها و قد ارادت من هذه الوثيقة ان تجعلها كيانا واضح الاسس محدد المعالم, فقد كان لها في الحديث عن حد الايمان مندوحة عن تكفير من صدر عنه اقوال او افعال تراها مستوجبة للكفر. و قد سلك هذا المنهج الكثير ممن خاض في هذه المغاصة و لم تكن له صفة سياسية و لا كان يدعو الى التعايش و لا الى الاحتكام الى صناديق الاقتراع.
كان حينها يمكن التوسع في الامر دون الخوف من الوقوع في التكفير اذ الايمان مفهوم واسع و من فقد الايمان المطلق لا يفقد ضرورة مطلق الايمان.
(يتبع باذن الله)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.