تقرير:محمد أمزيان- إذاعة هولندا العالمية/ منذ ظهوره لأول مرة في المكسيك والولايات المتحدة، تحول فيروس الأنفلونزا المكسيكية إلى شبح ترتعد منه فرائص أرجاء الكرة الأرضية. واستُنفرت عبر العالم كل الطاقات الطبية والمعرفية لمواجهاته. إذاعة هولندا العالمية خصصت ملفات في لغات العالم المهمة بهدف الإخبار والرد على استفسارات القراء والمستمعين. وفي العالم العربي اتخذت إجراءات بعضها ذهب أبعد من مراقبة حرارة جسم الإنسان ورصد أعراض الأنفلونزا، إلى إعدام آلاف رؤوس الخنازير كما حدث في مصر. فالخنازير كانت إلى وقت قريب تعتبر في نظر الكثيرين "مصدر" الداء. إرشادات في كل مكان منذ انتقال خطر الأنفلونزا إلى هولندا، لم تدخر سلطاتها جهدا للحد من انتقال الفيروس بين الناس. وأصبحت التعليمات والإرشادات، المكتوبة والمصورة، مشهدا عاديا في الحياة اليومية. تراها في القطارات والحافلات، في المقاهي والمطاعم، في المعامل والإدارات. حتى مؤسستنا لم تسلم منها؛ إذ تصادفك قائمة الإرشادات معلقة في كل ركن، حتى في دورات المياه. هذا عدا عن تعليمات النظافة، وإلزامية تنظيف الأجهزة المستعملة، من هاتف وميكرفون وجهاز الحاسوب وما إلى ذلك. كما عُممت تعليمات تقضي بأن يلزم المصاب - أو المشكوك فيه – بيته حتى يخف ويشفى.
يعيش في هولندا أكثر من مليون ونصف مليون أجنبي، غالبيتهم من الجالية الإسلامية. هذه الجالية لها مؤسساتها الثقافية والدينية ومدارسها الخاصة بها. ولها أيضا أماكن تجتمع فيها في أوقات الفراغ مثل المقاهي والنوادي. وهناك أيضا وكالات أسفار مختصة في تنظيم العمرة والحج إلى الأماكن المقدسة. فكيف يتعامل الأجانب في هولندا عموما، والجالية الإسلامية خصوصا مع خطر انتقال فيروس الأنفلونزا المكسيكية؟ كيف يتلقون تعليمات الوقاية؟ وهل هناك إجراءات إضافية موجهة لهذه الشريحة من المواطنين؟ أم أن الفيروس واحد والإجراء واحد واللغة واحدة، وبالتالي فلا حاجة لإضافات؟
في هذا الملف أخذنا عينات مما اعتبرناه نماذج معبرة عن مكونات هذه الشريحة: نموذج المدارس الإسلامية، والمساجد، ومكاتب تنظيم العمرة والحج.
لامبالاة تعد المساجد من الأماكن الأكثر احتمالا لانتقال الفيروس بسبب ازدحامها، وخاصة أيام الجمعة والمناسبات الدينية. ولكن يظهر أن مسؤولي المساجد، لم يعيروا القضية ما يكفي من الاهتمام. وسبق للسيد أحمد الحمداوي، فاعل جمعوي وعضو سابق في تسيير أحد المساجد في وسط هولندا، أن راسل 'مؤسسة مغاربة هولندا‘ (SMN)، وهي هيئة وطنية استشارية، في موضوع تنظيم برامج توعية للمساجد. فقد لاحظ السيد الحمداوي، كما أكد لإذاعة هولندا العالمية، تجاهل المساجد لمخاطر انتقال الفيروس بين المصلين، وعدم الاكتراث بتعليمات المصالح الهولندية المختصة. الحمداوي: "مع الأسف، المساجد المتواجدة في هولندا عموما لا تهتم بأنفلونزا الخنازير، ولا يوجد أي مسجد اتخذ إجراءات وقائية، عكس ما قامت به المؤسسات الهولندية الأخرى".
وفضلا عن "اللامبالاة" كما يصفها السيد الحمداوي، هناك أيضا من رواد المساجد من يعتقد أن قصة الفيروس الجديد مختلقة لغاية في نفس من اختلقها. وهذا ما استخلصه من أحاديثه مع بعض المصلين.
شروح للتلاميذ يختلف الأمر تماما بالنسبة للمدارس الإسلامية. فهذه الأخيرة تطبق التعليمات والإجراءات الوقائية داخل المدارس، بحسب ما توصي به وزارة التعليم. ويؤكد السيد محمد بويمج، رئيس مجلس إدارة إحدى المدارس الإسلامية، أن المدارس الإسلامية تقوم بتزويد التلاميذ برزمة الإجراءات الوقائية، كما تعمل في الوقت نفسه على إيصال مضمون الإجراءات إلى البيوت، عن طريق رسائل يحملها التلاميذ لأولياء أمورهم. وأضاف السيد بويمج في تصريح لإذاعة هولندا العالمية قائلا: "هناك تعليمات عممتها وزارة التعليم. وهذه التعليمات نقوم بشرحها للآباء وأولياء التلاميذ. وفي نفس الوقت نقوم بإرجاع أي تلميذ مصاب بأعراض الأنفلونزا إلى بيته حتى لا يعدي الآخرين".
كمامات مجانية للحجاج تسببت الأنفلونزا المكسيكية في جدال فقهي يدور داخل الأوساط الإسلامية عما إذا كانت المصلحة العامة تقتضي تأجيل وتأخير شعائر الحج والعمرة. فإذا كان هذا الفيروس أجل ركن الإسلام الخامس في تونس (قرار تونس إلغاء موسم الحج لهذه السنة)، فإن الحجاج في هولندا لديهم حرية القرار بأنفسهم ما إذا كانوا سيؤدون الفريضة هذا العام أم يؤجلونها. إلا المملكة العربية السعودية سنت شروطا احترازية، وعممتها على مكاتب تنظيم الحج والعمرة عبر العالم. لكن بعض مكاتب تنظيم الحج والعمرة في هولندا وصفت هذه الشروط بالسخيفة.
إذاعة هولندا العالمية سألت أحد المنظمين لرحلات الحج والعمرة في هولندا، وأكد لها أن الإجراءات عادية، لا تختلف كثيرا عن إجراءات الحج والعمرة في الأوقات العادية. بيد أن إدخال "بند" التلقيح ضد الأنفلونزا المكسيكية كشرط للحصول على التأشيرة، أزعج الحجاج قليلا. وأضاف السيد عبد المجيد بودزرة أن الطبيب الهولندي لا يرخص بالتلقيح إلا عند الضرورة، كأن يكون الحاج فوق الستين سنة، أو مصابا بمرض مزمن كالسكري.
وللخروج من المأزق، وافقت السلطات السعودية على تلقيح الحجاج بلقاح مضاد للأنفلونزا العادية. وحتى هذا النوع من اللقاحات لا تسلمها السلطات الطبية في هولندا دون سبب. مما اضطر الحجاج إلى شرائها. وعلى أية حال، لا تتجه النية إلى إلغاء الحج. وأوضح السيد بودزرة أن كمامات الوقاية، كإجراء إضافي، ستوزع على الحجاج في هولندا قبيل السفر، أو ستسلم لهم عند النزول في المطارات السعودية، مؤكدا أن الكمامات مجانية.