اضطراب وانقطاع مياه الشرب بهذه المعتمدية..#خبر_عاجل    مدينة العلوم تنظم السبت 22 نوفمبر يوم الاستكشافات تحت شعار "العلوم متاحة للجميع"    بعد أكثر من 12 عاما من إغلاقها.. السفارة السورية تعود إلى العمل بواشنطن    عاجل/ من بين الضحايا سائحون أجانب: فاجعة مروعة في مصر..    غدوة الأربعاء: شوف مباريات الجولة 13 من بطولة النخبة في كورة اليد!    تصفيات المونديال: منتخب بلجيكا يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهتي كازاخستان وليشتنشتاين    المنتخب التونسي يفتتح الأربعاء سلسلة ودياته بمواجهة موريتانيا استعدادًا للاستحقاقين العربي والإفريقي    نائب رئيس النادي الإفريقي في ضيافة لجنة التحكيم    الرابطة الثانية: التعادل يحسم مواجهة سبورتينغ بن عروس وسكك الحديد الصفاقسي    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    الكحة ''الشايحة'' قد تكون إنذار مبكر لمشاكل خطيرة    مراكز تجميل غير قانونية تهدد حياة التونسيين..تشوهات وموت الأعضاء أحياناً    زيت الزيتونة كل يوم ؟: الكمية الصحيحة اللي لازمك تعرفها!    المنتخب التونسي لكرة السلة يتحول الى تركيا لاجراء تربص باسبوعين منقوصا من زياد الشنوفي وواصف المثناني بداعي الاصابة    عاجل: هذا ما حكمت به الفيفا بين الترجي ومدربه الروماني السابق    الدكتور ذاكر لهيذب: '' كتبت التدوينة على البلايلي وساس وقلت يلزم يرتاحوا ما كنتش نستنقص من الفريق المنافس''    نقص في الحليب و الزبدة : نقابة الفلاحين تكشف للتوانسة هذه المعطيات    وزير الداخلية: الوحدات الأمنية تعمل على تأمين الشريطين الحدوديين البري والبحري    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    حاجة تستعملها ديما...سبب كبير في ارتفاع فاتورة الضوء    عاجل/ زلزالان يضربان غربي تركيا..    عاجل: حبس الفنان المصري سعد الصغير وآخرين..وهذه التفاصيل    النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص تنظم يومي 13 و14 ديسمبر القادم فعاليات الدورة 19 لأيام الطب الخاص بالمهدية    دراسة علمية تحسم الجدل وتكشف حقيقة علاقة وجود صلة بين التوحد وتناول الباراسيتامول خلال الحمل..    ياخي الشتاء بدا يقرّب؟ شوف شنوّة يقول المعهد الوطني للرصد الجوي!    حركة الشعب تنبّه إلى مخاطر الاستدانة المتكررة من البنك المركزي وتدهور القدرة الشرائية    الكنيست الإسرائيلي يصادق على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين في القراءة الأولى    مجلس الشيوخ الأمريكي يقرّ مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    مشروع قانون المالية: الزيادة في الأجور... بين 50 و100 دينار.. التفاصيل!    وزير السياحة يبحث مع نظيرته الإيطالية سبل تطوير التعاون الثنائي في المجال السياحي    العربي سناقرية " لو لم يصب البلايلي وساس لسجلت الترجي اربعة أهداف ولغادر جمهورها من الشوط الاول"    رئيسة الغرفة الوطنية لمنتجي الزياتين: الأسعار الحالية لا تغطي كلفة الإنتاج والفلاحون في انتظار تنفيذ القرارات الرئاسية    العراق ينتخب.. ماذا سيحدث من يوم الاقتراع لإعلان النتائج؟    وزير الداخلية: استراتيجية استباقية لضرب شبكات تهريب المخدرات وتعزيز الأمن السيبرني    ترامب: أنا على وفاق مع الرئيس السوري وسنفعل كل ما بوسعنا لجعل سوريا ناجحة    نواب مجلس الجهات والأقاليم يثيرون استقلالية المجالس المنتخبة وعلاقتها بالسلط الجهوية والمحلية    تونس/الصين: بحث سبل تعزيز التعاون السياحي    هذا النجم المصري يعلن انفصاله رسمياً عن زوجته... التفاصيل    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    المهرجان العالمي للخبز ..فتح باب الترشّح لمسابقة «أفضل خباز في تونس 2025»    جندوبة: تتويج المدرسة الابتدائية ريغة بالجائزة الوطنية للعمل المتميّز في المقاربة التربوية    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    قابس: تنظيم أيام صناعة المحتوى الرقمي من 14 الى 16 نوفمبر    بنزرت: إنتشال 5 جثث لفضتها الأمواج في عدد من شواطئ بنزرت الجنوبية    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي: كافية الراجحي تتحصل على جائزة البحث العلمي وعملان تونسيان ضمن المُسابقات الرسمية    عاجل/ وزير التجارة: صابة قياسيّة في زيت الزيتون والتمور والقوارص    تقلبات جديدة ..كيف سيكون الطقس طيلة هذا الأسبوع؟..    تحوير جزئي لمسلك خطي الحافلة رقم 104 و 30    عاجل: هذه الدول العربية تحت تأثير الكتلة الحارة    علاش فضل شاكر غايب في مهرجانات تونس الصيفية؟    عاجل: غلق 3 مطاعم بالقيروان...والسبب صادم    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    محمد صبحي يتعرض لوعكة صحية مفاجئة ويُنقل للمستشفى    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات التونسية هل من جدوى؟
نشر في الحوار نت يوم 21 - 10 - 2009


توطئة
تونس مقبلة يوم 25 أكتوبر 2009 على انتخابات رئاسية وبرلمانية وهي المحطة الخامسة في ظل نظام الرئيس "بن علي" الذي تولى السلطة في انقلاب "طبّي" على سلفه الراحل الحبيب بورقيبة يوم 7 نوفمبر 1987.
وقد توزعت المحطات السابقة على سنة 1989 / 1994 / 1999 / 2004، ولم تعرف أي منافسة جدية بين قوائم الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) ومرشحه للرئاسة (الرئيس بن علي) وبقية القوائم والمرشحين، إذا استثنينا المنافسة الحادة بين القوائم المستقلة المدعومة من حركة النهضة الإسلامية وقوائم الحزب الحاكم في محطة 2 أفريل 1989 والتي أعقبتها حملة تصفية للتيار الإسلامي ما تزال آثارها ومخلفاتها ماثلة على مستوى الأفراد والتشكيلة السياسية للبلاد التونسية.

تولى بن علي السلطة في تونس بعد أن تهرم النظام السياسي تبعا لتهرم الرئيس الراحل الذي عرفت خاتمة عهده القلاقل والصراعات الداخلية على خلافته، "الواجب الوطني يفرض علينا اليوم أمام طول شيخوخته واستفحال مرضه أن نعلن اعتمادا على تقرير طبي أنه أصبح عاجزا تماما عن الاضطلاع بمهام رئاسة الجمهورية"*. وقد بنى الرئيس الحالي شرعيته في بداية عهده بتبني كثير من مطالب المعارضة وعلى رأسها تعدد الأحزاب وحرية الصحافة، "وإنّنا سنعرض قريبا مشروع قانون للأحزاب ومشروع قانون للصحافة يوفران مساهمة أوسع"*.
ورفع الظلم "وسنحرص على إعطاء القانون حرمته فلا مجال للظلم والقهر"* والقطع مع نظام الرئاسة مدى الحياة، "فلا مجال في عصرنا لرئاسة مدى الحياة ولا لخلافة آلية لا دخل فيها للشعب"*. التي نُص عليها بموجب تنقيح الفصلين 40 و51 من الدستور التونسي في التعديل الذي أجري في 19 مارس / آذار 1975 ليسمح للرئيس الراحل بالرئاسة مدى الحياة، "مكافأة" له على "جهاده الأكبر" من أجل تحرير تونس وبناء مؤسساتها.

ورغم معرفة الشعب التونسي ونخبه السياسية بالماضي "الأمني" للرئيس بن علي وقيادته المباشرة للممارسات القمعية زمن سلفه إلا أنهم أعطوه فرصة للوفاء بعهوده واعتقدوا أنه إن لم يقم بذلك مختارا فسيقوم به اضطرارا لأن الشعب التونسي قد بلغ مرحلة من النضج تمنعه من السكوت إن تم الإنقلاب على تلك الوعود.

الظرف الذي تتنزل فيه هذه الإنتخابات
داخليا: لم تتوقف الحملات الأمنية وملاحقة المعارضين منذ إنتخابات أفريل 1989، وقد طالت غالبية فئات المجتمع التونسي وأحزابه ونخبه ولم يسلم منها حتى بعض أعضاء ما يعرف بمعارضة الموالاة(1) وتداولت غالبية النخب السياسية التونسية يسارها ويمينها على السجون والمنافي في عهد الرئيس الحالي والذي يسمى عهده ب"العهد الجديد".
وأما هذه المحطة الإنتخابية فإنها تأتي وأزمة التحركات الإجتماعية التي انطلقت فيما يعرف بمناطق الحوض المنجمي، وأساسا في معتمدية الرديف من ولاية قفصة التي تعرض المحتجون فيها إلى قمع شديد بلغ درجة استعمال الرصاص الحي ضد المتظاهرين العزل، تسبب في سقوط ضحايا (الشاب الحفناوي المغزاوي ...) كما تم الزج بالقيادات النقابية للتحرك وبعض المتظاهرين في السجون وتنظيم محاكمات وصفها المتابعون والمنظمات الحقوقية الدولية والمحلية بالجائرة والتي نتجت عنها أحكام قاسية.
وقد باءت كل محاولات الوساطة أو التدخل لدى رئيس الدولة ليستعمل صلوحياته في العفو عنهم وإطلاق سراحهم بالفشل حتى الآن على الأقل* وقد ساهمت الفيضانات الأخيرة في مزيد من الإحتقان بالمنطقة والتي كان أكثر ضحاياها في مدينة الرديّف.

كما كان لقانون 10 ديسمبر 2003 والمعروف بقانون "مكافحة الإرهاب" آثار مدمرة على الحريات وكان سببا في انتهاكات عديدة لحرية الرأي وحقوق الإنسان رغم تزامن الإعلان عنه مع ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الأنسان، وهو ما اعتبرته المنظمات الحقوقية استهتارا مقصودا بحقوق الإنسان، ورأت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسين أن القانون المذكور " خلف آثارا مدمّرة على المجتمع التونسي بفتحه أبواب السجون و المعتقلات أمام مئات الشّبّان لمجرّد الشبهة و في أغلب الأحيان في محاكمات للنّوايا لا تتوفر فيها أبسط شروط المحاكمة العادلة و تصدر فيها أحكام بالسجن لعشرات السنوات لتهم لا تستند لحجج و لا أدلة بل يكتفي الباحث ( أعوان إدارة أمن الدولة ) بانتزاع اعترافات تحت التعذيب الشديد إثر عمليات اختطاف يومية واحتجاز تعسفي خارج إطار القانون ورقابة القضاء" (3)

وظلت الملاحقة الأمنية لقدماء مساجين حركة النهضة متواصلة وزادها تعقيدا إعادة الرئيس السابق للحركة الدكتور الصادق شورو للسجن 3 أسابيع بعد إخراجه منه في نوفمبر 2008 بمناسبة ذكرى الإنقلاب وذلك على خلفية حوار مع قناة الحوار اللندنية.
وعرفت جمعيات المجتمع المدني ملاحقات وتضييقات وانقلابات بإشراف مباشر من الأجهزة الأمنية وأجهزة الحزب الحاكم. (4)

خارجيا: تميز نظام بن علي بكثير من الفضائح التي تناولها الإعلام الخارجي والجمعيات الحقوقيية، فقد سبق للإعلام الفرنسي أن تعرض للتتبعات القضائية لشقيق الرئيس بن علي "منصف بن علي" على خلفية الإتجار في المخدرات والذي تم تهريبه من فرنسا بجواز دبلوماسي إلى تونس ليصدر في حقه حكم غيابي بعشر سنوات سجن، ثم أعلن لاحقا عن وفاته في ظروف غامضة!

كما تعرض الصحفيان الفرنسيان، "نيكولا بو" و "جون بيار تيكوا" في كتابهما "صديقنا بن علي" الذي صدر بفرنسا سنة 1999، إلى التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في عهد الرئيس الحالي وإلى العائلات المتنفذية التي وصفها الكتاب ب"المافيوية".
ويتزامن هذه الأيام التي يعلو فيها صخب المهرجانات الإنتخابية مع حدثين مهمين أقلقا النظام التونسي بدرجة كبيرة، أولهما قضية اليخوت الثلاثة التي سرقت من فرنسا وأشهرها يخت مدير البنك المركزي الفرنسي، صديق جاك شيراك، حيث تمت عملية السرقة بإدارة صهري الرئيس بن علي، عماد ومعز الطرابلسي وشوهد عماد يمتطي اليخت المذكور(5) في ميناء سيدي بوسعيد قريبا من القصر الجمهوري.
و قال القضاء الفرنسي كلمته في القضية يوم 30 سبتمبر 2009 مدينا للعناصر التي قامت بالسرقة، في حين حول النظر في قضية صهري الرئيس للقضاء التونسي وهو ما اعتبره محامو بقية المتهمين، والإعلام الفرنسي تواطأ بتدخل سياسي فرنسي لصالح النظام التونسي، ولا يعرف حتى الآن الثمن الذي دفع من أجل ذلك.
ولكن فشلت المساعي التونسية لإيقاف صدور كتاب جديد بعنوان "حاكمة قرطاج" عن زوجة الرئيس بن علي "ليلى الطرابلسي" وقد تعرض كاتباه، "نيكولا بو" و "كاترين قراسيي" إلى الماضي الذي وصف بالمشين ل"حاكمة قرطاج" وإلى استحواذها وعائلتها على الثروة التونسية.

وتكثفت في الآونة الأخيرة التقارير الحقوقية من المنظمات الدولية التي تدين الإنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في تونس. (6)

ديمقراطية تحت السيطرة
سيتكون مجلس النواب القادم من 214 نائبا ولسنا بحاجة لانتظار نهاية العملية الإنتخابية لنعرف كيف ستتوزع هذه المقاعد، فالحزب الحاكم سيحصل على 161 مقعدا بينما سيكون نصيب المعارضة "المروّضة" 53 مقعدا. والأكيد أن الغالبية العظمى من أسماء النواب القادمون محددة بدقة وعناية، إن لم يكن كلها. وهو ما يدل على أن الديمقراطية التونسية ديمقراطية تحت سيطرة مقص "التارزي" يفصلها على المقاس. وبعد قمع الأحزاب التي لها حضور ميداني، لم يعد التنافس على كسب أصوات الناخبين وإنما أصبح التنافس بين الأحزاب التي توصف بالأحزاب الكرتونية أو معارضة الموالاة، ذي بعدين، أولهما الحرص على مزيد التقرب من "التارزي" ليكون نصيبهم في كسوة البرلمان أكبر من "منافسيهم"، وأما البعد الثاني فهو معارك طاحنة داخل تلك الأحزاب على تسمية رؤساء قوائمها الإنتخابية، لأن العادة تقتضي أن يكون الممنوح مقعدا في البرلمان من "معارضة الموالاة" رئيسا لقائمته!
وقد حدث أن اختار أعضاء تلك الأحزاب رئيسا لقائمة وتدخلت قيادتهم المركزية لتغييره وهو ما يوحي بأن الأسماء محددة بالتنسيق مع "التارزية"!
فهل يتوقع من هؤلاء النواب "المعارضين" أن يشكلوا معارضة حقيقية في البرلمان، وحالهم كما يصف شاعرنا الأستاذ البحري العرفاوي:
وتراك يا.. في البرلمان واقفا *** تتوكأ.. وتدق جُمْعًا في الخشبْ
وتقلدُ: يا سيّداتي... سادتي *** لكنك تتذكرُ..... فضلَ النِّسَبْ

لقد تفنن النظام التونسي في إفراغ المصطلحات التي تمثل مطلبا شعبيا وحولها إجماع عالمي مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وحق التنظم السياسي من مدلولاتها الحقيقية بعد أن تظاهر بالسبق إلى قبولها والدعوة إليها! ... فاتفاقية مناهضة التعذيب تعلق في كل مراكز الأمن وتحتها يعذب المتهمون حتى تزهق أرواح بعضهم!
ولسنا هنا بصدد تقصي الفرق بين الخطاب والممارسة لأن ذلك مبحث يطول ولا يمكن إحصاء كل الشواهد على ذلك ولكن الأمر أصبح من البداهة لكل متابع تغني عن حشد الأمثلة.
ونكتفي بإبراز مسألة وحيدة وهي أن نظام "بن علي" بنى شرعية بداية عهده على نبذ "الرئاسة مدى الحياة" فعدل المادّة 39 من الدّستور التونسي بتاريخ 25 جويلية / تموز 1988 ليحدد حق الرئيس في تجديد ترشحه للرئاسة مرتين فقط بعد الدورة الأولى (7) ولما أشرف بن علي على استنفاذ "حقه الدستوري" من الرئاسة أصدر أمره عدد 629 لسنة 2002 زعم فيه إعادة الأمر للشعب "المتمسك ببن علي رهان الحاضر والمستقبل" ليقول كلمته بالإجماع في استفتاء شعبي نُظم بشهر ماي / أيار 2002 ليصدر بعد ذلك القانون الدستوري عدد 51 المؤرخ في 1 جوان 2002 والذي فتح الباب على مصراعيه أمام الرئيس للإستمرار في الحكم بطريقة التفافية على "الرئاسة مدى الحياة".
ورغم أن الفصل 40 من الدستور التونسي قد أوجب "أن يكون المترشح يوم تقديم ترشحه بالغا من العمر أربعين سنة على الأقل وخمس وسبعين سنة على الأكثر" فإنه لا ضمانة للإلتزام بهذا الفصل بعد أن يتم الرئيس الحالي دورته المقبلة والتي سيكون عمره عندها 78 سنة إن مد الله في عمره كما يمكن أن تتغير في الإتجاه العكسي أي النزول عن شرط سن الأربعين إذا أجمعت إحدى الأسر المتنفذة أو بعضها على خليفة لبن علي دون تلك السن!
فقد أصبح الدستور حسب التجارب السابقة "عجينة صلصال" تُكيّف حسب الحاجة والظرف! وهو ما أفقد الدستور والعملية الإنتخابية برمتها أي جدية أو مصداقية لدى المواطن العادي وكثير من النخب السياسية المعارضة والتي أعلنت عن مقاطعتها للإنتخابات القادمة!
كما أن فقرة من خطاب الرئيس "بن علي" في بيانه الإنتخابي الذي تلاه في مهرجان إحتفالي بالقاعة الرياضية "7 نوفمبر" برادس كانت جديرة بالملاحظة والتعليق، ففيها إعلان مُبطّن على مواصلة المشوار بعد انتهاء هذه الدورة "واليوم فإننا نتقدم إلى شعبنا ببرنامج جديد اخترنا له شعارا " معا لرفع التحديات"، برنامج للسنوات الخمس القادمة (2009 2014)، ويمهد في الآن نفسه للمراحل التي ستليه والتي تمتد إلى أواخر العشرية القادمة وما بعدها.

التدرّب على الديمقراطية
إذا استثنينا أحزاب "الموالاة" التي لا تملك قرارها في إعلان المشاركة أو المقاطعة فإن بقية الأحزاب الأخرى أعلن بعضها عن المقاطعة ابتداء (8) والتحق آخرون بعد أن منع مرشحهم للرئاسة من المشاركة وأسقطت بعض قوائمهم (9) في حين استمرت بعض الأحزاب في مشاركتها رغم التضييق عليها وإسقاط بعض قوائمها أو محاصرة مرشحها ومنع بيانها الأنتخابي من النشر قبل إدخال تعديلات عليه (10) !

الفريق الذي قاطع حجته أن المشاركة في انتخابات محسوبة ومقدرة سلفا، ليس فيها أي احتمال لتغيير المشهد، هو بمثابة ضرب من العبث وإعطاء غطاء للتزوير والإستخفاف بعقول الناس وكذلك اسباغ شرعية على المزورين وإعطاءهم فرصة للإستمرار في نهجهم.
في حين يرى من أصرّ على المشاركة رغم معرفته بالنتائج المسبقة أنها محاولة منه للوصول للجماهير لتدريبها على سماع الرأي المخالف. وقد بدا أمرهم كمن يسعى لشق ساقية وسط جدب دون أن يكون له أمل في أن تنبت ساقيته نباتا أو تسقي ضرعا، إذا استثنينا ما قد يشربه هو من ماءها الآسن بسبب ركوده!

أما ديمقراطية الموالاة فيلخص موقفها ما صرح به السيد محمد بوشيحة (51 سنة) رئيس حزب الوحدة الشعبية ومرشح الرئاسيات دون تعليق حيث قال بأنه يترشح لا لينافس الرئيس على منصبه، فالرئيس أكبر من المنافسة وإنما يترشح لينافس بقية المنافسين ويثبت لهم أنه أكثر شعبية!

هذه الأساليب التي عادت بتونس إلى عهد الرئاسة مدى الحياة رغم المحاولات اليائسة والبائسة لتلميع الصورة وإخراجها بمظهر مقبول، من قبيل أن الشعب هو الذي يناشد الرئيس ليبقى في الحكم، وسيادته تنازل مكرها لرغبة شعبه وتحملا للمسؤولية واستجابة لنداء الواجب لم تعد تخفى على أحد، ولكنه اللعب على المكشوف والدفع بالبلاد نحو المجهول.
ما دام الشعب مستَخَفا مطيعا فليهنأ "بن علي" بكرسيه وحاشيته وبالرئاسة مدى الحياة أو حتى الممات! حتى يقضي الله أمره أو يعيد التاريخ نفسه!!

* مقتطفات من بيان 7 نوفمبر 1987
http://www.carthage.tn/ar/index.php?option=com_events&task=view_detail&agid=13262&year=1987&month=11&day=07&Itemid=90
(1) محمد مواعدة الرئيس السابق لحركة الديمقراطيين الإشتراكيين وعضو مجلس المستشارين حاليا، وكذلك عبد الرحمان التليلي الأمين العام السابق للإتحاد الديمقراطي الوحدوي.
(2) أرجح أن يتم إطلاق سراحهم في الذكرى القادمة لانقلاب 7 نوفمبر والتي ستتزامن مع الإحتفالات بالفوز بدورة رئاسية خامسة وذلك لامتصاص شيء من الإحتقان.
(3) يمكن الإطلاع على قوائم المئات من ضحايا قانون الإرهاب على هذا الرابط :
http://www.alfajrnews.net/html/SOS.html
(4) الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق اٌنسان، جمعية القضاة، نقابة الصحفيين، المجلس الوطني للحريات وراديو كلمة ... إلخ
(5) يمكن العودة إلى برنامج "سات آ ويت" لمشاهدة تقرير عن عملية السرقة وعن المحاكمة
(6) يمكن على سبيل الذكر لا الحصر، مراجعة تقارير اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، و"هيومن راتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية " أمنستي""
(7) الماد 39 المعدلة من الدستور التونسي في التاريخ المذكور أعلاه : "ويجوز لرئيس الجمهورية أن يجدد ترشحه مرتين متتاليتين"!
(8) أحزاب غير معترف بها رغم تمثيلها في الشارع
(9) الحزب الديمقراطي التقدمي
(10) التكتل من أجل العمل والحريات وحركة التجديد

طه البعزاوي
14 أكتوبر 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.