معلوم لدى الجميع أن أكثر من نصف عدد سكان أرض الكنانة، يعيشون تحت خط الفقر، وأن أغلبهم يعيش في مناطق عشوائية، وبنايات آيلة للسقوط، وكثيراً منهم بالكاد يقدرون على دفع إيجار مساكنهم، وذلك لأنهم من محدودي الدخل، ولديهم علم أن البنايات التي يقطنونها آيلة للسقوط، وأن عمرها الافتراضي قد انتهى منذ سنوات، ومع ذلك فهم يفضلون البقاء فيها حتى لو أدى ذلك إلى موتهم تحت أنقاضها، بدلاً من المكوث في الشارع. حتى أن مالكي هذه البنايات من الأسر الفقيرة أيضاً، التي لا تستطيع الحصول على سكن بديل، على الرغم من أن بناياتهم في أماكن عشوائية وآهلة بالسكان، وأسعار الأراضي والعقارات فيها باهظة الثمن، لأن كثيراً منها انتقل إليهم عن طريق الوراثة، وقانون الإيجارات القديم لم ينصفهم، حتى يستطيعون القيام بصيانتها، لأن الإيجارات فيها قليل، ولا يكفي لصيانتها، للحفاظ عليها من السقوط على رؤوسهم. وتأتينا الأخبار السيئة، عبر وسائل الإعلام، لتخبرنا عن انهيار عمارات فوق رؤوس ساكنيها، وكثيراً منهم مات تحت أنقاضها، والذي نجا من الموت، لم يمت لأن عمره لم ينته بعد، ومع ذلك لم يخرج من تحتها سالماً معافى، بل إن كثيراً منهم يخرج من تحتها بكسور أو إصابات بالغة، وقد فقد زوجته أو أبناءه، ولا يجد حتى مسكناً يؤويه، وحرم من لذة العيش، وأصبحت حياته نكداً وهماً. وأخيراً وليس آخراً، انهار عقار في منطقة الجمرك بالاسكندرية على ساكنيه، ولقي ثلاثة أشخاص مصرعهم وأصيب اثنان، وتبين من تحريات النيابة أن المنزل كان آيلاً للسقوط منذ فترة، وصدر له أكثر من قرار ترميم، لكن مالكة العقار رفضت تنفيذه، لعدم قدرتها على ترميمه. وفي صعيد مصر، وتحديداً بمحافظة المنيا، انهار أحد العقارات القديمة بمركز ملوي، ومن لطف الله على ساكنيه، أنه لم يصب أحد منهم بسوء، وأفادت التحريات أن المنزل سبق أن صدر له قرار بتخفيف الأحمال لسوء حالته، ولم ينفذ مالكه القرار، لأنه غير قادر على إيجاد سكن بديل لأبنائه. إذا نظرنا بعين الاعتبار إلى كل ما يحدث في مصر من انهيارات للعقارات، فسنجد أنه ناتج عن تراكمات، ظلت ممتدة لسنوات، في ظل صمت المسؤولين، وفوق كل هذا وذاك فساد الإدارات الهندسية في الأحياء، التي كل همها فرض الإتاوات على أصحاب العقارات أثناء البناء، ولم تراع أرواح العباد، أو الحساب يوم العرض على الله. وأخيراً، أتوجه إلى المسؤولين في مصر المحروسة، أن يهبوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن عدوى الإنهيارات لم تصب البنايات القديمة فقط، بل إنها منتشرة في العمارات الجديدة أيضاً، ولابد من إصدار قانون صارم لإجراء الكشف على كل البنايات القائمة، سواء كانت قديمة أو حديثة، لمعرفة عمرها الافتراضي، وفي حال عدم صلاحية أي منها، عليهم إيجاد سكن بديل لقاطنيها، وإزالته فوراً، لنتجنب الخسائر في الأرواح والممتلكات.