ارتفاع عدد الوافدين الجزائريين على المعابر الحدودية البرية بجندوبة بنسبة 24,31 %    لجنة برلمانية متناصفة للنظر في الفصول الخلافية في مشروع قانون المالية    ارتفاع عدد الوافدين الجزائريين على المعابر الحدودية البرية في جندوبة..    إنتر ميامي يتوج بلقب كأس الدوري الأمريكي لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخه    النادي الإفريقي يستنكر أحداث دربي الشبان.. ويتجه إلى القضاء    طقس الليلة..رياح قوية..    عاجل/ فاجعة تهز المنيهلة..وهذه التفاصيل..    الرواية في عصر الثرثرة.. مسيرة الأمين السعيدي نموذجا    كاس افريقيا لكرة السلة 3 في 3 اكابر - المنتخب التونسي ينهزم امام الجزائر 21-11 في ربع النهائي    بين مفاوضات السلام ومصادرة الأصول الروسية..سعي أوروبي لمكسب أخير قبل ال "الهزيمة تاريخية"    على خطى ترامب.. ماكرون يهدد الصين بفرض رسوم جمركية    الرابطة الثانية- نتائج مقابلات الجولة الثانية عشرة    عاجل : تصريحات صادمة لمحمد صلاح و هذه التفاصيل    بعد محاولة الانقلاب.. اعتقال 12 عسكريا في بنين    حَقُّ التّحْرِيرَيْنِ وَوَعْيُ التّحْرِيرِ: جَدَلِيّةُ الْوَعْيِ الْمُحَرر    تظاهرة ثقافية احتفالا باليوم العالمي للأشخاص ذوي الاعاقة يومي 10 و11 دسمبر الجاري. بسيدي حسين بالعاصمة    المنستير/ افتتاح الدورة 29 لمهرجان خليفة السطنبولي للمسرح    كأس العرب 2025 : التشكيلة المحتملة لتونس ضد قطر    لونا الشبل حديث العالم العربي : شكوني وشنوّة حكايتها مع بشار الاسد ؟    الإعلان عن موعد انطلاق التسجيل لدورتي فيفري وأفريل بمراكز التكوين المهني    المالوف التونسي يشدو في باريس    مركز الكواكبي يقدّم جملة من المقترحات من أجل إصلاح شامل وعادل" للمنظومة الجزائيّة في تونس    قابس : إحياء الذكرى 90 لوفاة المفكر المصلح الطاهر الحداد    "سماء بلا أرض" لأريج السحيري يفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    الألعاب الافريقية للشباب بانغولا: تونس تشارك ب 118 رياضيا في 18 اختصاصا    الكويت تسحب جنسية الداعية طارق السويدان    بالفيديو: تخريب ورشة أطفال بمرسى السعادة وسرقتها يثير غضب الأهالي وصدمتهم    أصالة تخرج عن صمتها و تكشف حقيقة انفصالها عن زوجها    المنيهلة : يقتل عمه طعنا بسكين!    عاجل/ انقلاب عسكري في هذه الدولة واقالة الرئيس..    تونس ضد قطر اليوم الاحد ..شوف وقتاش و القنوات المجانية    حضور لافت لوزيرة المالية تحت قبة البرلمان يكشف عن شخصية اتصالية واثقة    عاجل : للمعتمرين... مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي وتنظيم الدخول    رئيس الجمهورية: التطورات المتسارعة التي يعيشها العالم اليوم تقتضي تقاربا وتعاونا أكبر    وزير الخارجية الفرنسي: الغرامة المفروضة على منصة "X" هي مجرد البداية    المغرب.. "أغاني فيروز" تكلف صاحب مقهى غرامة مالية    الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل تقر الاضراب العام ليوم 21 جانفي 2026    رأي .. قرنٌ من التطرف، والإرهاب ... من حسن البنّا إلى سلطة الشرع... سقوط الإمارة التي وُلدت ميتة!    في عملية أمنية ناجحة .. حجز 42 كلغ كوكايين و 475 كلغ زطلة وإيقاف أفارقة    كيفاش نحميّو ولادنا فالشتا؟ نصائح ذهبية لكلّ أم وأب    أولا وأخيرا .. أزغرد للنوّاب أم أبكي مع بو دربالة ؟    غدا    قبل رأس السنة: الجهات المحتصّة بدأت في حجز ''قاطو'' غير صالح للاسنهلاك    أمطار الليلة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    وزارة الصناعة تفتح باب الترشح للجائزة التونسية كايزان دورة 2026    منصة نجدة تُنقض مريضا في قرقنة: في لحظات...تم نقله بواسطة طائرة    الغرفة الوطنية للطاقة الفولطوضوئية بمنظمة الاعراف تدعو المجلس الوطني للجهات والاقاليم إلى تبني مقترح الحكومة في التخفيض في الأداءات الديوانية على القطاع    قبول الديوان لزيت الزيتون من الفلاحين مباشرة ساهم في تعديل الأسعار وانعكس على تواصل عمليات الجني والتحويل في ظروف ميسرة ( ر م ع ديوان الزيت)    المهدية: وفاة تلميذين وإصابة اثنين آخرين في حادث مرور ببومرداس    الفلفل الحار يحرق الدهون ويزيد في صحتك! شوف كيفاش    المنستير: تنصيب المجلس الجهوي الجديد    شنيا الفصلين الي ''أسقطهم'' مجلس الجهات و الأقاليم من مشروع قانون المالية؟    وزير النقل: الموانئ الذكية أصبحت ضرورة في ظل التنافسية الإقليمية والتطور التكنولوجي    انقطاع الكهرباء بمناطق مختلفة من هذه الولاية غدا الأحد..#خبر_عاجل    حادث قاتل في قفصة: اصطدام بين شاحنة كبيرة وسيارة تقل عُمّالا و عاملات    غدوة اخر نهار للأيام البيض.. اكمل صيامك واغتنم الثواب    وزارة الشؤون الدينية الجزائرية: الأضرحة والزوايا جزء من هويتنا    المنسنتير: المؤتمر الدولي الثاني للتغذية الدقيقة في هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس.. من حريق إلى حريق . . .
نشر في الحوار نت يوم 28 - 12 - 2010

الأزمة الاقتصادية حادة في كل أنحاء العالم، وأفواج البطالة تتزايد كل يوم وموازنات الدول ترتعش أمام شبح العجز والإفلاس، كل تلك الأسباب واضحة في تأجيجها الاضطرابات الاجتماعية الأخيرة في تونس.
لكن المتابع لمطالب وخطورة هذه التحركات يكتشف ببساطة الأسباب الأعمق والأقدم التي دفعت شابا تونسيا من ذوي الشهادات الجامعية لأن يحرق نفسه رغم دماثة أخلاقه، وإيجابيته الكبيرة بتحمله مسؤولية إعالة عائلته من خلال ممارسة نشاط مهني هامشي بسبب عدم توفر شغل يتناسب ومؤهلاته الجامعية. فالاضطرابات الأخيرة في سيدي بوزيد يمكن فهمها بالوقوف على ثلاث قضايا: تناقضات المشهد التونسي, احتجاج جهوي على مشاكل وطنيّة, مطالب المرحلة القادمة.
تناقضات المشهد التونسي
بناء على المعطيات التي تقدمها السلطة في تونس، المفترض أن البلاد حققت بحبوحة العيش التي طالما بشرت بها النخب الحاكمة منذ الاستقلال.
فالنمو مرتفع ومستمر منذ عشرين سنة عند حدود ال5 % ودخل الفرد تضاعف مرات حتى تجاوز الخمسة آلاف دولار ونوعية الحياة في المؤشرات الدولية تضع المجتمع التونسي في مقدمة القارة السمراء وبين أفضل الدول العربية.
بل حتى البطالة آفة النظام الرأسمالي المعولم تمكنت تونس بحسب هذه التصريحات من تخطيها بالاحتفاظ بنسبة 14% التي تعد ممتازة مقارنة بدول الجوار (الجزائر، المغرب، مصر...). ومع ذلك تندلع بين الفينة والأخرى مثل هذه الاحتجاجات، التي يبرهن تكرارها على حقيقة الأسباب التي تقف خلفها.
فالشباب الذي يفضل الموت انتحارا على القبول بالظروف المعيشية المهينة التي يحياها كل يوم يضع كل هذه الأرقام بين قوسين كبيرين ليعيد رسم صورة جديدة عن الواقع الاجتماعي في البلاد.
بل الأعجب في هذا الواقع أن الاحتجاجات الأشد تندلع في المناطق التي تصنفها السلطة باعتبارها ذات نمو اقتصادي مطرد والتزام أوحد بمساندة خياراتها. فجهة سيدي بوزيد تعدّ مفخرة الاستثمار الفلاحي في الوسط الغربي التونسي بما أنجز فيها طوال سنوات من مناطق واسعة لمشاريع الري التكميلي وما توفره هذه المناطق من إنتاج زراعي وحيواني كبير ومتنوع.
كما تعتبر السلطة شعبية سياساتها في هذه المنطقة جعلت أعضاء الحزب الحاكم في الجهة يمثلون أعلى نسبة من منتسبي الحزب على المستوى الوطني.
ومع ذلك تبقى هذه الجهة ضمن الأكثر فقرا ب12% من السكان تحت خط الفقر ومعدل البطالة فيها الأكبر في البلاد ب34%. فأين المشكل؟
ربما تكون أرقام السلطة غير صحيحة للأسباب المعلومة التي تشترك فيها كل الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة. لكن هذا لوحده لا يفسّر التطورات الاحتجاجية الأخيرة، إذ تظهر أسباب أخرى:
- الخيارات السياسية والاقتصادية التي انتهجتها السلطة على امتداد سنوات الاستقلال فقد سلبت المجتمع التونسي كل مقومات التكامل المجتمعي الذاتي الذي لا يقوم على الارتباط بمؤسسات الدولة الرسمية.
وتحولت عملية التنمية إلى أيد بيروقراطية تفتقد الحيوية وتصبح عائقا أمام كل مظاهر التطور. لذلك أصبح المجتمع الذي نسج طوال عقود ثقافته وأنماط إنتاجه يعاني تشوهات سلطوية بناء على الخيارات الفوقية المسقطة.
وأضحى المجتمع التونسي أسيرا لدى الدولة التي من أجل تدعيم منظومة سيطرتها سلبته كل مقومات النمو الذاتي المستقل عن خياراتها الاقتصادية والسياسية والمجتمعية. فتحولت هذه الخيارات إلى معيق فعلي لتنمية بقيت حبيسة كلمات مبهمة وأرقام فارغة من كل تعبير عن حقيقة الواقع. وهذا أمر يفسر جزءا من التباعد بين معطيات السلطة عن واقع التنمية في البلاد وحقيقة هذا الواقع.
- تفشي الفساد وسرقة المال العام واستغلال النفوذ والرشوة والمحسوبية وغياب الشفافية وضعف الجهاز القضائي. وهو عامل طارئ نسبيا على المجتمع التونسي في السنوات العشرين الأخيرة، حيث أصبح حديث المجتمع ومحور تندره واشمئزازه.
وإذا كان النظام السياسي في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة يستمد جزءا لا بأس به من سلطته من شرعيته التاريخية النضالية في إخراج الاستعمار، فإن سلطة 7 نوفمبر تنحصر شرعيتها في المبادئ التي أعلنتها فجر التغيير.
لذلك فإن تعرض هذه المبادئ للارتجاج تحت وطأة الفساد المسنود سياسيا وحتى قانونيا، يجعل مستقبل النظام السياسي برمته في خطر.
بان ذلك في الشعارات التي رفعها المتظاهرون في سيدي بوزيد وفي تونس العاصمة، والتي تركزت على ربط الفقر بالفساد بالاستبداد. فالعقد الشيطاني بين الاستبداد والفساد ظهرت نتائجه بسرعة وأصبح يمس فئات واسعة من الشعب التونسي كما تنتفع منه جهات متعددة سياسية وبيروقراطية وغيرها.
- وصول الاحتقان في البلاد إلى درجات غير مسبوقة وعجز السلطة عن حقن مزيد من المسكنات أمام تفاقم الأزمة وتوسّعها. فالمبلغ الذي ضخته الحكومة كدعم استثماري عاجل لسيدي بوزيد لامتصاص النقمة العامة في الجهة يبين عجز السلطة وارتباكها وتخبط قراراتها.
فما الذي يمثله هذا المبلغ مقارنة بالأرقام الفلكية التي يتداولها المجتمع التونسي حول ثروات مجهولة المصدر تديرها نكرات في عالم المال والأعمال. وما الذي يفيده فتح حظائر جديدة في استيعاب قوى شغلية جامعية طموحة وشابة. وكم سيصل من هذا المبلغ في ظل إدارة متشعّبة ومثقلة ببيروقراطيتها وملوّثة سياسيّا وماليّا.
للأسف تذكرنا مثل هذه الإجراءات بسياسة السبعينات التي حاولت استيعاب المشاكل الاجتماعية بفتح الحظائر (أعمال مؤقتة) وتوزيع الإعانات وتجييش حزب التعبئة العامة الحاكم من خلال شُعَبِه ولجانه وعبر نخرها للإدارة وتحويلها إلى خلايا دستورية.
وهذا يفسر بأمرين: إما أن السلطة ما زالت لا تعي بعد حجم الرفض لسياساتها ونمط ممارستها للحكم ووقوعها تحت تأثير نخب استشارية غير مخلصة، أو أنّها تدرك ذلك جيدا ولا تمتلك القدرة على توسيع قاعدتها الجماهيرية وتمتين شرعية سياساتها المهزوزة.
احتجاج جهوي على مشاكل وطنيّة
تعددت مثل هذه الاحتجاجات في السنوات الأخيرة من الحوض المنجمي بجهة قفصة إلى بنقردان حيث المناطق الحدودية مع ليبيا ثم تصل الآن إلى محافظة سيدي بوزيد.
فلا يمكن لمثل هذا التصاعد والتراكم أن يكون نتيجة قضايا محلية أو إشكالات فردية. هذا فضلا عن أن مطالب الإنماء الجهوي التي تسعّر الشرارة الأولى للأحداث سرعان ما تترك مكانها لشعارات اجتماعية تلامس منوال التنمية والخيارات الكبرى للسلطة وتتعداها لتثير قضايا تتعلق بممارسة السلطة والحكم الرشيد.
ما يدفع بالبعد الوطني لهذه الاحتجاجات أنّ جميع التونسيين يعتبرونها تعبيرا عن تطلعهم لعدالة اجتماعية لم يبق منها الكثير بعد التراجعات الكبيرة في قوانين الشغل، وانحصار الدور الاجتماعي لدولة لم تترك للمجتمع آليات ذاتية يمكن من خلالها سد مثل هذه الفراغات مثل العمل الجمعياتي أو مؤسسات المجتمع التقليدية كالأحباس والوقف.
بل إن الدولة البوليسية وتحت غطاء محاربة الإرهاب حاصرت العمل الخيري وأصبح التكافل الاجتماعي خارج آلياتها غير الشفافة جريمة يعاقب عليها القانون. المشكل الأساسي في تونس أن السلطة تحتكر الشأن العام وتحاصر المجتمع وتمنع كل عمل مجتمعي مستقل يحاول المحافظة على قيم تكافلية ضرورية لكل تجمع بشري.
إن المتابع للشأن التونسي من حقه أن يتساءل عن سياسات الدولة الاجتماعية، وإن واجهته التحولات العالمية التي فرضت على السلطة التخلي عن نموذج دولة الحماية الاجتماعية فإنه من حقه أيضا أن يتساءل عن دور المجتمع المدني والعمل الجمعياتي الاجتماعي والخيري في تلافي الثغرات التي نتجت عن هذه التحولات.
لكن أمام دولة شمولية تحتكم إلى العقل الأمني المتعاضد مع آليات البيروقراطية الجامدة، لا ترحم شعبها، يصبح عندها كل عمل مستقل مناهضا لسياساتها ومقوضا لشرعية احتكارها للشأن المجتمعي العام.
المشكل الذي انتفضت ضده جهات عديدة في تونس مشكل هيكلي لذلك لا يمكن أن يبقى مشكلا جهويا. ولئن بقيت الأحداث إلى الآن جهوية فإن أسبابها وطنية ولئن بقيت محصورة في جهات بعينها إلى الآن فلأسباب أخرى لا تتعلق بطبيعة المشاكل في حد ذاتها.
في مثل هذه الأحداث تؤكد السلطة وفريقها على الطابع الفردي أو الجهوي المعزول للقضايا في حين يؤكد المعارضون أحزابا وجمعيات على البعد الشمولي للأزمة، ولكلّ أسبابه التي تدفعه لاتخاذ هذه الزاوية أو تلك.
غير أن فهمنا للبعد الإنساني المتعدد في تركيبته، الواحد في حضورها (تلك حقيقة معرفية)، وما نعايشه في الواقع من تداخل بين مناحي الحياة المتنوعة، كل ذلك يجعلنا حتما نرجح فهم الأزمة متعددة الأبعاد.
فالمشاكل اجتماعية في عناوينها، اقتصادية في تحليلاتها وسياسية في منطلقاتها. إذ الأزمة الاجتماعية ما كان لها لتندلع لو كانت المؤشرات الاقتصادية إيجابية حقيقة، ولولا الخيارات السياسية الفاشلة وعدم المراهنة على العدالة الاجتماعية لما تفجرت مثل هذه الأزمات.
مطالب المرحلة القادمة
قد لا يفيد كثيرا التأكيد على مسألة العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون وتساوي الفرص أمام الجميع ومنح الامتيازات التنموية بناء على حاجة الجهات وتكامل المناطق. ذلك لا يفيد في ظل رؤية سلطوية تحتكر الشأن العام وتجرم ما تعتبره منازعة لها في نفوذها.
فما دامت السلطة لم تعترف بضعف الأرضية السياسية لحكمها وسياساتها وما بقيت على مكابرتها في تمجيد منجزاتها الوهمية في التنمية الشاملة وما لم تستجب لدعوات الحوار الحقيقي الذي يؤكد عليه مختلف الفرقاء السياسيين بالبلاد فإن كل المعالجات الإطفائية لمثل هذه الأحداث لن توقف استعار نارها في هشيم ملأ البلاد غربا وشرقا.
وإذا لم يكن مرجحا تحوّل هذه الاحتجاجات الجهوية إلى انتفاضة وطنية أمام ضعف قوى التأطير المجتمعي المتمثلة في أحزاب المعارضة واتحاد الشغل، فإن ذلك لا يقلل من خطورتها وتأثيرها على مستقبل الاستقرار السياسي والاجتماعي وبالتالي الاقتصادي في البلاد. وحتى تتجنب البلاد صورة مستقبلية فاجعة فإن مطالب المرحلة القادمة تتمثل في:
- فتح حوار وطني شامل في كل القضايا لا يستثني أي طرف سياسي أو اجتماعي أو جمعوي في البلاد، على قاعدة الانفتاح السياسي واعتبار الشأن العام مجال شراكة وطنية.
- رفع الحصار عن المجتمع التونسي لتمكين القوى الحية في البلاد من ممارسة دورها التأطيري والتوجيهي بما يجنب المجتمع ويلات هذه الهزات الفجائية ويستجيب للحاجيات الحقيقية للمواطنين.
- تقييد ممارسة السلطة بقوانين واضحة ورقابة شفافة ومستقلة عن التوظيف السياسي بما يحفظ حقوق المواطن التونسي سواء منها العامة أو الاجتماعية والمعاشية.
- استشعار خطورة التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها البلاد والتسلح بالوحدة الوطنية وشرط التوافق السياسي العام لمواجهتها وتجاوزها.
لقد عاشت تونس من قبل تحديات مشابهة، إذ نتج عن الإضراب العام لسنة 1978 نهج الانفتاح السياسي بداية الثمانينات، كما أدت انتفاضة الخبز 1984 إلى إطلاق سراح المئات من السجناء السياسيين وفتح حوار مع مختلف الأحزاب المعارضة. ولا شك أن أحداث 1987 الأوضح في تأثيرها باعتبارها جاءت بسلطة 7 نوفمبر ووعودها الديمقراطية غير المنجزة.
فهل تفتح الاضطرابات الاجتماعية والاحتقان المجتمعي العام الذي تشهده تونس اليوم أبواب الحوار الوطني الشامل مع القوى الحية في البلاد؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.