تونس -الحوارنت - بوجه مصفرّ مكفهرّ وبكثير من الإرتباك أطل علينا صاحب الإنقلاب عبر قناته على الساعة الثامنة مساء بتوقيت تونس ليردّ على الإحتجاجات و المظاهرات التي إستنزفت البقيةالباقية من رصيده السياسي ومن مشروعية تواجده على كرسي الرئاسة طيلة أسبوعين... ووفق تسريبات من القصر الرئاسي فقد أشرف بن علي بنفسه على غرفة العمليّات وإلى ساعات متأخرة من الليل طيلة الأيّام الأخيرة لمتابعة الأحداث وقد أصيب خلالها بنوبات إنهاك متعددة ..ووفقا لمصادر مطلعة فإنه كان الأكثر تشددا بين أراء مستشاريه الأمنيين والسياسيين والإعلاميين في التعامل مع الاحداث وطريقة السيطرة عليها ..ونوبات الإنهاك الليلي كانت مسبوقة دوما بنوبات هيجان تشبه الصرع المرضي ينهال فيها على أحد مستشاريه أو محدثيه عبر الهاتف بالشتائم. وقد لاحظ الجميع الحركة التي كان يقوم بها وهو يلقي بكلمته وكأن الرجل محتقن وخاصة لما لم يتوقف كرس الهاتف عن الرّنين. وبطبعه الذي لا يتخلّف فقد راهن منذ البداية على العنف مذكرا بأن الرصاص هو الكفيل بإخماد الإحتجاجات كما فعلها في الرديف وبأمر شخصي منه فقد أوعز أنذاك بقتل المتظاهرين وهو ما تم بالفعل في منزل بوزيّان ...ووصّى ببعض الإعتقالات وتوجّه ليقضي ولى لياليه بمقر إقامته بقمرت وهو هانئ البال مطمئنا من أنه قد أخمد الإنتفاضة .. وخابت توقعاته لدى سماعه في الغد أن الرصاصات التي شقت الصدور العارية قد ألهبت صدور جميع التونسيين ..وأفادته جميع المؤشرات وعديد البرقيّات التي وردت عليه أن اللإنتفاضة قد توسعت وكلما حاولت قوات الأمن أن تحيط بمظاهرة إلاّ واندلعت أخرى في مدينة حتى انتشرت كالنّار في الهشيم من بنزرت شمالا إلى قبلي جنوبا ومن القصرين غربا إلى سوسة شرقا مرورا بولايات الوسط وأصيب الرجل بالإحباط ..فالتقاريرعن مبعوثيه إلى سيدي بوزيد جاءت متناقضة ففي حين روج لنجاح النوري الجويني،عمد عبد الوهاب عبدالله إلى "تقزيم" الغرياني بنشر صور الأخير و هو يتحدث في أربعين نفرا من موظفي الولاية تحت عنوان إجتماع عام وجماهيري...وحده بن علي فهم أنه و حزبه "التجمع" لا يساويان مقدار قطمير في الجهة و لأول مرة يتلبسه الشك. ...بعد إنتقال انتفاضة الشعب الى مناطق أخرى و تمددها لم يتبقّ أمام بن علي سوى خيارين إما إجراء عملية جراحية استئصالية مستعجلة لأركان نظامه عسى أن يتقاطع مع السقف الأدنى المطلبي للشعب أو أن يحاول التصعيد...مشكلة بن علي الكبرى أنه محدود الثقافة ويغلبه غباؤه حين يكون تحت الضغط... واختار إطلاق التوعّد والوعيد متحدثا باسم القانون من أنه سيلاحق كل "المتطرفين الذين يعرضون البلد للهزّات ويشوّه صورتها" وبهذا قطع الشك باليقين من أنه لا يريد حلا للمشكلة وما الوعود التي أطلقها لن يصدّقها الشعب التونسي فالموظفون هم الموطفون الذين سيسهرون على تطبيق تعليماته فلا الطبائع ستتغيّر بين عشيّة وضحاها ولا سرقة الأموال ودكّها في الجيوب ستتوقف في لمحة بصر. ومن خلال هذه الكلمة "العصماء"أعطى الإشارة كي تمرح القوات القمعية و المليشيات وتعتقل الناس لمجرّد الشبهة فبماذا سيجيب شعبنا التونسي على هذه الإجراءات ؟