لماذا الفتوى في مثل هذا الوقت....؟ ان التطرق لحكم الانتحار في الاسلام في مثل هذا الوقت و الانتفاضة مشتعلة على طول البلاد و عرضها و حكومة المافيا قاب قوسين أو أدنى من السقوط يعتبر ترفا فقهيا و محاولة للبحث عن سترة نجاة للرئيس المهزوم ... و بغض النظر عن صاحب الفتوى فان توقيت عرض هذه المسألة غير سليم و السؤال بجواز الانتحار أو عدمه يعتبر سؤالا مغلوطا في توقيت غير مناسب و مكان لا يصلح فيه لمثل هذه الفتاوى . فكان حري ممن تطرق لهذا الموضوع أن يناقش و يحلل الأسباب الداعية للانتحار و كيف تبوأت تونس المرتبة الأولى عربيا في نسبة الانتحار، أما لما أصبحت ظاهرة اضرام النار في النفس كتعبير سياسي و اجتماعي قاس عن عدالة القضية و المطالب الحقوقية الضائعة و لفت انظار العالم الاسلامي و غيره بوجود مظلمة في تونس و أن شبابنا يحترق يوميا بنار الأسعار المرتفعة و الفساد الاداري و الرشوة و المحسوبية و العطالة ، الى ان مثلت عملية الحرق تحديا لعائلة المافيا و تهديدا حقيقيا لاسقاط الحكومة و هذا ما تبشر به الانتفاضة و مسلسل قراءة الأحداث فجاءت هذه الفتوى في وقت يشك فيه المتابع للأحداث ، عن المغزى الحقيقي من هذه الفتوى و يسأل نفسه متعجبا : لماذا الآن و في مثل هذا الوقت و نحن على أبواب النصر ؟ أليس عملية اشعال بوعزيزي نفسه هي التي أشعلت نار الانتفاضة و أضاءت طريق الخلاص للشعب التونسي من ظلمة و جور بن علي و عصابته...؟ أليس ما أنجزه الشهيد بوعزيزي في لحظات لم تنجزه المعارضة مجتمعة في سنين ؟ أليس الشهيد بوعزيزي هو الذي أعطى اشارة انطلاق المعركة الفاصلة لاسقاط حكومة الفسق و المافيا ؟ أليس الشهيد بوعزيزي هو الذي كشف للعالم خداع و غش حكومة الطرابلسية ؟ أليس الشهيد بوعزيزي هو الذي كسر جدار الخوف السيف المسلط على رقاب الناس ؟ أيها السادة القراء ، ان لم ينتفض بوعزيزي و يصرخ صرخة مدوية احترقت فيها أوصاله سيبقى الشعب التونسي سجينا ذليلا خائفا الى ما يشاء الله و تبقى الحريات و الاسلام في زنزانة الموت لا ترى النور مطلقا...و لكن الشهيد أحرق نفسه ليكون شمعة نور يستضيء بها الذين من بعده ، و يسير على هداها العاطل و المعلم و العامل و المصلي و المحامي و الفنان و المدون و الطبيب و السياسي و التلميذ و طالب العلم ، و تونس قاطبة ببشرها وحجرها و شجرها تشهد للشهيد بوعزيزي فداؤه و تضحيته للوطن و للحق و للعدالة و للحرية . فتوى مسيسة : الفتوى التي نطق بها مفتي الديار التونسية في تحريم الانتحار و تمجيده للرئيس في أعقاب الفتوى يوحي بما لا يدع مجالا للشك انها فتوى سياسية و موجهة توجيها دقيقا لضرب الانتفاضة و ايقاف مسلسل ( الانتحارات ) الذي كان بمثابة الشرارة التي أوقدت نار الغضب في ربوع تونس و كلما انطفأت نار الانتفاضة أشعلها تونسي مظلوم آخر لانه لا يريد للانتفاضة أن تنهزم باعتبارها أملا كثيرا ما كان ينتظره بشوق شديد و كلما ضرب لها موعدا أخلفته ، اشارة للانتفاضات السابقة التي لم تصمد كثيرا و خمدت نارها بسرعة و خاصة أن المعارضة الجادة و الموالاة يعيشون في كوكب آخر سواء باختيارهم تحت مكيفات البرلمان أو مكروهين نظرا للحصار الامني المسلط عليهم . اذا... الفتوى جاءت في وقت توحي فيه بالريبة و الشك و أعتقد ان المجتمع التونسي لا يثق فيها أبدا لانها صدرت عن أحد فقهاء البلاط والمكلف بحماية التوجهات السياسية للدولة التي تورطت الى حد النخاع في محاربة الدين و عقيدته و اذا كان لهذا المفتي مصداقية و استقلالية ، لأبدى رأيه و رأي الشرع في المحرمات و التجاوازات المعلومة للقاصي و الداني التي شرعها النظام و عمل بها و آخرها تعطيل فرض من فرائض الاسلام و هو الحج ثم نهيق وزيره السابق في المطالبة بتخفيض صوت الأذان لأنه مزعج على حد تعبيره و يسبب تلوثا بيئيا . لا اريد أن أخوض كثيرا في مهمة المفتي وفتواه و لكن يكفي القول بأن يتكرم السيد المفتي و يفتينا في أموال الامة المنهوبة من قبل الرئيس و العصابة التي يترأسها و الدواعي الحقيقية التي دعت شبابنا للانتحار ثم حيازة تونس المرتبة الأولى عربيا في الانتحار ؟ ثم النظر في الشق الثاني من الفتوى و هو تحريم قتل الغير دون أن يبرز شروط القتل و ملابساته و هي كثيرة الا أنني أشاطره الرأي في ما ذهب اليه و أعتبر أن رجال الأمن و البوليس و العسكر ارتكبوا محرما في قتل أبنائنا العزل بالرصاص الحي في المظاهرات السلمية و الفتوى كما جاءت على لسانه لا توجب الصلاة على القتلة بل حكم الشرع في هذه الحادثة يتطلب القصاص بالمثل و في القانون الجنائي التونسي يستوجب احالتهم على المحكمة و معاقبتهم سياسة الأرض المحروقة : طيلة عشرين سنة خلت و العقول المدبرة لسياسة النظام ذات بعدين : اغراق السوق بالمواد الاستهلاكية و توفير المعدل الأقصى من اللهو و اللعب و الطرب ثم اعتماد القبضة الأمنية لكل مشاكس . اعتماد سياسة تجفيف منابع الدين الاسلامي و افراغ روح المواطن من أي مناعة اسلامية أو ايمانية لتقيه شر المنزلقات و ذلك يصبح التونسي فريسة سهلة لأنياب المافيا من جهة و خيار الانتحار من جهة أخرى . الماركسيون المتطرفون هم أصحاب سياسة تجفيف المنابع و يعرفون من أين تأكل الكتف و لهم علاقات واسعة تمتد اطرافها لخارج البلاد و يعتبرهم علماء الأمة و مفكريها بأنهم ملحدون و لا يؤمنون بالله و رسله و الغيب و يعتبرون الدين افيون الشعوب و لذلك سياستهم التي اعتمدتها السلطة تجر الشعب التونسي الى حافة الالحاد و أستغل المناسبة في هذا الباب و الحديث عن الماركسيين المتطرفين فلقد تطرق العلماء باسهاب في عقيدة الشيوعيين و كفروهم بالاجماع و افتوا بعدم جواز الصلاة عليهم و لا يدفنون في مقابر المسلمين . اذا... هؤلاء هم الذين مهدوا الطريق لشبابنا للانتحار عبر أفكارهم الملحدة و سياستهم الخبيثة و استغلوا سذاجة الرئيس و جهله بأمور الاشياء و محدودية معرفته و ضعف مستواه التعليمي ، و هو الآن يحصد ما زرع ، و من يزرع الشوك لا يحصد الا شوكا . هذا على المستوى الفكري و النهج السياسي أما على مستوى الميداني فلقد الزج النظام بالألاف من أبناء الحركة الاسلامية في السجون و شرد الألاف أيضا لخارج البلاد و قتل عمدا بعنابر السجون العشرات و دمر عائلات كثيرة و جوع اسرا كثيرة و أفرغ البلاد من الدعاة و المصلحين و العلماء و المفكرين الذين كانوا بمثابة الصمام الأمان لهذه الامة من الافكار الهدامة و السياسات المنحرفة و خيار الانتحار . و ما ظاهرة الانتحار هذه الا نتيجة لحربه على الاسلام و أبناء الحركة الاسلامية . كيف نوقف ظاهرة الانتحار : كلنا ألم و حسرة لما يختار خيرة شبابنا مكرهين خيار الانتحار لايقاف حالات اليأس التي يشعرون بها يوميا و جعل حدا للظلم و غياب العدالة ، و الفتوى الصادرة سواء أكانت عن طريق السلطة أو المعارضة ليست كفيلة لوحدها بايقاف مسلسل الانتحارات انما الطريق السليم لوقف ظاهرة الانتحار هو القضاء على مسبباته و السياسات التي أدت لهذه الظاهرة و القضاء على العقول المدبرة لهذا التوجه المسموم و اعادة صياغة منهج تربوي بالمؤسسات التعليمية و تنقية الاعلام الهابط المبتذل و تطهير سياسة الدولة من خياراتها المهزومة و ارساء ثقافة جادة و ملتزمة تبني شخصية وطنية مسلمة ، و هنا لا يمكن بأي حال من الأحوال اعادة صياغته والمافيا ما تزال قابعة على كراسي السلطة ...اذا يستوجب علينا بالدرجة الأولى تطهير البلاد من عصابة النهب و وأتباعهم و لذلك نحتاج في المقام الأول قبل النظر في تحريم الانتحار أو عدمه ، فتوى لاسقاط هذه الحكومة لضمان توقف ظاهرة الانتحار و أسبابه ... و أجزم لكم ان يوم اعلان سقوط الحكومة سيتبعه أوتوماتيكيا سقوط ثقافة الانتحار . في رحاب القرآن لقد فهم المواطن التونسي بالداخل عقلية النظام و استخلص عصارة سياسته و عقليته الخبيثة في جعل الشعب التونسي كقطيع الأغنام يساق بالعصا الغليظة و الكلاب المسعورة التي تتولى مهمة المطاردة لكل من يخرج عن المجموعة معتمدين في ذلك على سياسة الرعب و الخوف و التلويح بسوط التعذيب و السجن و حتى القتل ، لذلك اختار بوعزيزي لمواجهة المافيا منهج اللاخوف متحديهم بقوله : ماذا بعد الموت ...؟ و مستهديا بكتاب الله في قوله تعالى : " انما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم و خافون ان كنتم مؤمنين " منهج اللاخوف الذي تبناه و عمل به الشهيد بوعزيزي أربك النظام و شل قدراته و عقليته البوليسية و عراه أمام الملأ و كشف نقطة ضعفه و الثغرة التي يمكن للمتعطشين للحرية أن يتسللوا منها لاسقاط حكومة الرعب و النهب ولذلك هرول النظام مسرعا لدار الافتاء لانقاضه و استخراج فتوى تجرم الانتحار و تحرمه و تنكشف هنا عقليته الانتهازية بالاسلام يلجأ اليه لما يرى مصلحته في ذلك و قبلها اعتمد سياسة الأرض المحروقة لكل ما هو اسلامي و هنا يأخذني الحديث لعمل مقاربة بين الشهيد بوعزيزي و الغلام شهيد قصة أصحاب الأخدود و رأس الكفر . تشابه التحدي بين الغلام و بوعزيزي : القارئ لسورة البروج و القصة التي رواها رسول الله عليه الصلاة و السلام عن أصحاب الأخدود بتدبر و امعان يدرك أن هذا القرآن كالقلب النابض لأمة الاسلام و مجدد روحها و دليلها لطريق الهداية و ماخابت أمة قط استعصمت بكتاب الله جل جلاله . فبعد أن شاع خبر ايمان الغلام و قدرته على شفاء المرضى باذن الله تعالى ، استكبر ملك نجران و تسائل في تحد : أالاه غيري يتبع في البلدة ؟ أيسأل غيري و انا موجود ؟ و دخل الغلام على الملك بعدما فشل هذا الأخير في ثنيه عن التبشير بدين التوحيد و فشله في التخلص منه عبر التصفية الجسدية ، و بكل ثقة و ثبات و وجها لوجه و الغلام هنا هدفه الاطاحة برأس الكفر و ارساء قواعد دين التوحيد و لا يهمه هنا ان كانت روحه فداءا لهذا الدين و الناس من بعده يعيشون في رحاب الحرية و الايمان فأشار على الملك ان أراد التخلص منه أن يجمع الناس في صعيد واحد و يصلبه على جذع و يرميه بسهم شريطة أن يقول : " باسم الله رب الغلام " و كان للغلام ما أراد و فعل الملك فعلته و أصاب الغلام و آستشهد في الحال فاذا بالمفاجاة الكبرى حيث أعلن كل الحضور ايمانهم بدين الغلام و قالوا : آمنا برب الغلام ، و انقلب السحر على الساحر . و نستعرض فيما يلي أحداث الشهيد بوعزيزي حيث كانت معركته مع نظام الفساد و رموزه و بعد فشله في استرداد امتعته و حقوقه اختار بارادته التوجه للوالي كما فعل الغلام و للأسف استقبل بالصفع على الخد و البصق على وجهه و أبت نفسه الابية أن ينتقم لذاته فكانت روحه فداءا لهذا الوطن المسلوب الارادة و أضرم النار في نفسه و استشهد واذا بالمفاجاة الكبرى و الجماهير المؤمنة تصرخ و على صوت رجل واحد: كلنا بوعزيزي ، بنفس الروح و المشهد الحي في قصة الغلام التي رواها رسول الله (ص) . و يعلن الناس ايمانهم بدين الغلام و يكفرون بألوهية الملك الجبار مثل ما فعل رجال الانتفاضة بتونس و يصيحون بكل وضوح و دون تلكأ أو لا تردد : بن علي على برة . و يستمر القرآن في سرد الأحداث ليس للتسلية و المتعة انما لاستقصاء العبر و أستخلاص الدروس و يقول عز و جل في شأن رأس الكفر و حضوره لعملية الحرق كرسالة منه بأن الامن استتب و عادت هيبته و لكن هيهات فالمعركة ليست معركة وظيفة أو رخصة عمل انما هي معركة وجود و حياة ، معركة حرية و عدالة ، قال تعالى " و هم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود " كان الطاغية شخصيا حاضرا على عملية حرق المؤمنين و اعلان فشل التمرد و بنفس الصورة و كأننا أمام التلفاز نشاهد الأحداث و كأنها تحصل اليوم ، ها هو الرئيس المهزوم باذن الله يقصد مستشفى بن عروس و يشهد و حاشيته على أثار حرق الشهيد ليرسل رسالة من خلالها ان الأمور تحت السيطرة . و في مشهد آخر و كأن الله يرسل رسائل النصر و نهاية حكومة الفسق و الالحاد تصعد امرأة من أهالي سيدي بوزيد و تتمسك بعمود كهربائي ترغب في قتل نفسها و بناتها و ترفض الحياة في ظل سياسة الجوع و الحرمان و كأني بها تتسائل كيف لا أقدر على اطعام صغاري و ليلى الطرابلسي تشتري معطفا ب 30 ألف يورو لسهرة واحدة و نفس المشهد يتكرر في قصة الأخدود حيث جاءت امرأة بابن لها ترضعه تقف على حافة الحفرة تنتظر دورها و ينطق الصبي الرضيع و يقول : اصبري يا أماه فانك على حق ...! محرقة جماعية : اذا ما استمر النظام في بطشه و الاستهانة بعقول الناس و لم يتخذ اجراءات حقيقية و جادة أعتقد أن مسلسل الانتحارات لن يتوقف و خاصة و أن الناس عرفوا نقطة ضعف النظام و أعتقد أن الحل الوحيد لايقاف ظاهرة الانتحار هو رحيل الحكومة و اني أخشى ما أخشاه أن يضرب الناس غدا موعدا مع الاعلام المرئي و المسموع و المقروء دوليا و محليا بعد أن يئسوا من تعنت النظام و اصراره على البقاء أن ينادوا في الشباب للقيام بعملية انتحار جماعية و يخيرون النظام بين الرحيل أو يحرقون أنفسهم ، و أسأل الله ان لا يأتي ذلك اليوم و يكون بن علي قد رحل صحبة عصابته و يحمي الله شبابنا من الموت حرقا . الرئيس التونسي يحترق الرئيس التونسي الى حد كتابة هذه الأسطر يعتبر شخصية محروقة سياسيا و اعلاميا و دوليا و نار الانتفاضة تطارده حيث ما كان رغم هروبه للأمام باستعماله مرة الرصاص الحي لقمع الانتفاضة و قتل أبناء الوطن العزل و مرة بالتلويح بالوعود الكاذبة التي لا تسمن و لا تغني من جوع و لكن الأكيد في التاريخ و القرآن أن الرئيس التونسي سيموت حرقا كما مات ملك نجران و حاشيته بالنار التي أشعلها لحرق المؤمنين . " ان الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم و لهم عذاب الحريق " . و يقول المفسرون في قصة أصحاب الأخدود أن النار التي أحرقت المؤمنين خرجت من مكانها ومن السيطرة عليها و أحاطت بالجبارين و أحرقهم الله بها و ها هي الانتفاضة بتونس ما تزال نارها مشتعلة و بالتأكيد ستأخذها رياح الغضب نحو بن علي و تحرقه تحقيقا لوعد الله و الله لا يخلف وعده او يعيد تاريخ نفسه و يحترق كما احترقت عليسة ملكة قرطاج .