﴿فَلَمَّاأَحَسُّوابَأْسَناإِذاهُمْ مِنْهايَرْكُضُونَ[1]﴾ · الجزيرة تجني أوّل ثمرةٍ لها قد أينعت و حانَ قِطافُها في تُونس! · شبابُ الانتفاضة " البُوعزيزيّة " يبرهنُون على درجةِ استبسالٍ لم يقرأ الجنرال العجوز لها حُسبان ! · وسائل الاتّصال الحديثة ساهمت في سفُور المشهد المُعتّم في تُونس و قهرت بن عليّ الذي رصد لها الدّينار و الدُّولار لحجبها و بذلك يكُون أوّل ديكتاتور تُساهِمُ في إسقاط حُكمهِ الذي استعصى على التُّونسيين في الدّاخل و الخارج و شيّبت الفيسبُوك و أخواتُها شعر رأسه المدبُوغ ! · لا تزالُ أدرانُ النّظام على واجهة المشهد السياسي في تُونس، فلا تسرقُوا نصرَ شُهداء الحُريّة الذين بذلُوا لتحقيقِها دماءهُم و أرواحهم التي نحسبُها عند اللهِ زكِيّة ! أزلام الديكتاتور لا يزالُون على الواجهة، فالحذر الحذر لكل من تسوِّلُ لهُ نفسه بخيانة دماء الشُّرفاء! · "إنّ اللهَ يُمهِلُ و لا يُهمِلُ " لعلّ الجنرال المخلوع لا يعبَهُ بتعاليم ديننا الحنيف و لكنه الآن يقينًا يعيشُ تداعياتها، دعاء المظاليم و الثّكالى و الأيتام و المُغتصبين و المُغتصبات من أبناء تونس الأبيّة في مراكز " البُوليس " و في دهاليز الدّاخليّة و المقهورين من حُكمِ ديكتاتُور السابع من نوفمبر أُرجِئَ جزاؤُه من لدُنِ حكيم عليم مع إيقافِ التّنفيذ عقِبَ ثلاثةٍ و عشرين سنةٍ من الظّلم و الإستبداد. · نداء للشّباب الباسل الذي صنع التّغيير الحقيقي في تونس، أن يتكاتف و يُشكِّل أحزمة دفاع و ردع لميليشيات النّظام المُندسّة على كامل ربوع البِلاد التي تنتهكُ حُرماته و تفتِكُ بوحدته و تُهدّدُ أرضهُ و عِرضه، فلا تتفانُوا في الوِحدة و تنظيم صفوفكم أمام هذا المرض الخبيث الذي اجتُثَّ قلبهُ النّابض بسببِ موجة غضبكم العارمة و دماءِ شُهدائكُم الزّكيّة و احتراق فتيل إرادة " محمّد البُوعزيزي " لتُضِئَ دربكم الذي يُبشِّرُ بكل خير لكلّ تُونس و بكلِّ قواها الحيّة و الوطنيّة مهما اختلفتم في التّوجُّهات ففضاء تونس رحبٌ و صدرها لا يضيقُ بكم ذرعًا أبدًا، ما دمتم حقًّا أظهرتم للعالم حُبَّ الحياة الكريمة و توقكم اللاَّمُتناهي للحريّة التي طالما حُرمنا منها، تحيّةً يُزكيّها الحبُّ الدّفين لوطننا الذي فارقناه لا لشيءٍ إلاَّ لأنّنا رفضنا البقاء تحت وطأةِ سجّان و جلاّد الشّعب، تحيّةً عِطرُها الحبُّ و الشّوقُ و الوفاء لسيدي بوزيد و الرّقاب و المكناسي و القصرين و بن قردان و بنزرت و تونس العاصمة و أحيائها التي واجهت الإستبداد و صفاقس و مسيراتها بالآلاف و دوز و قابس و بنزرت و باجة و الكاف و كلّ تراب تونس الخضراء... يُعتبرُ يوم 14 جانفي 2011 يُمثّلُ أهمّ حدث في التّاريخ السّياسي التّونسي، فيهِ تجني الجزيرة أوّل ثمراتِ تفوُّقِها الإعلامي بثمرةٍ أينعت في أفئدةِ بواسِل الشّباب التُّونسي و وسائل الاتّصال الحديثة تدكُّ حكم الجنرال العجُوز الذي استعصى فكُّ مُفرداتِه على كلّ القُوى في تونس في الدّاخلِ و الخارج فأردَتهُ أوّلَ ضحيّة لها، كما مثّلَ غضبُ " البُوعزيزي " صفعةً أيقظت غُولَ الحُريّةِ الذي عاشَ الجنرال المخلوع يُصادِرُ مُجرّدَ التّفكير فيه، فانهمرت دماءُ الشُّرفاء و هم في ربيع عمرهم، بل في أوّجِ توقهم إلى الحُريّة بعدما قطف ورودها مرتزقة ديكتاتُور بلادهم لا لشيّءٍ إلاَّ أنّهم قالُوا إليه ارحل، فتونس لفظتك و لفظك شيبُها و شبابها و لكنّ سياسةُ الأرض المحروقة كانت آخر بصمات هذا الديكتاتور حتّى يبُثَّ الهلع و الفزع في نُفوسِ التونسيين و لن يهدأ لهم بال برحيله ! · أخبار الجزيرة أرعدت فرائس الجنرال العجوز، و كانت سببًا في زلزلة نظامه الّذي تكلّس بالحصُون التي شيّدها له طوال عقدينِ و نَيّفٍ، و بذلك تجني أوّل ثمارها الذي أينع و فاح عبقًا بدماء الشّهداء من سيدي بوزيد إلى كلّ أرجاء تونس الخضراء، و " الفيسبوك " و أخواتها[2] شيّبت شعرَ رأسه المدبوغ، فرسان و فارسات من نوع لم يعهدهُ التّاريخ قطّ و هُم يفضحُون جرائمه على صهوة الفيسبوك، آخذين بنواصي " اليُّوتيوب " و " الديلي موشن " تمرُّ المعلُومة بسرعة الضّوءِ من أقصى التّراب التُّونسي إلى أدناه و من داخل تُونس إلى كامل رُبُوعِ البسيطة في لمح البصر، استطاع الشّباب المناضل التّونسي أوّل من استعمل ذروة الشّبكة العنكبوتيّة للإطاحة بالنّظام الذي حكم البلاد بالحديد و النّار، بتكميم الأفواه و تقليم الأظافر و تجفيف منابع التّدين و المعارضة و التّعتيم كُلَّ التّعتيم على كل وسائل الإعلام المُتاحة و فرض الرّقابة المخابراتِيَّة على كلّ من يُسوِّلُ لهُ ضميرهُ الحُرّ في اختراق هذا الحضر الرّهيب على المعلُومة. · لفظته في هذا التّاريخ أرضُ تُونس و لفظهُ شعبُها، الذي قال له بكلّ وضوح و شمُوخٍ نفسيٍّ رضعهُ من ثديِّ أُمّهِ قبلَ قراءةَ الكُتُب، في شِعار رفعته أيدي و سواعد هذا الشّبابُ الواعد " خُبز و ماء، بن عليّ لاَ "، ثُمَّ لفظته مالطا و قيل إيطاليا، ثُمَّ لفظته فرنسا التي ثنّى رُكَبَهُ لخدمتها و لفظته أمريكا قبل التّفكير في اللّجوء إليها و هو لا يزالُ في الفضاء الذي أضاقه اللهُ عليه و هو الذي كان حارسُها و خادم فكرها اللّيبرالي و اللاَّئكيّ، و ما تصفيَّةُ الحركة الإسلاميّة بارتكاب أبشع الجرائم في أعضائها و عوائلهم و حتّى المُتعاطفين معها علّهُ يستجدي رضا الغرب و يتملّقُ إلى رمُوزه و علّهُ يُبقي عليه بعض حمايته و غضّ الطّرف عن جرائمه، و هذا ما برهنهُ الموقف الفرنسيّ المُتخاذل الذي صدمهُ و فاجأه شعبٌ أراد الحياة فاستجاب لهُ القدرُ حينما أخذ بالأسباب بتقديم دماء الشّهداء الزّكيّة، فأربكت " ساركوزي " و حكُومته بتسارُعِ الأحداث و انهيار نظام استبدادي قلّ نظيرُه، فما أغنت عنه خدمته لأمريكا و ما أغنى عنهُ لهثه وراء استرضاءِ فرنسا، فضاقت بِهِ الأرضُ بما رحُبت، حتّى أقاربه الذين كانوا أثرياء الحرب الباردة المُعلنة على الشّعبِ التّونسي باغتصابِ ممتلكاته و وضع أيدي قرينته و عائلتها الفاسدة على المُنشآت الاقتصاديّة و أملاك الخواص و العوام، حتّى أصبحت تُونس تحكُمُها مافيا الجنرال الهارب إلى جِدّة و عائلته و عائلة زوجته التي لخّص سيرتها الذّاتِيّة كتابُ " حاكمةُ قرطاج " و كشف النّقابَ على فضاعةِ جرائمها و جرائم عائلتها، فدبَّ الفسادُ في كامل أنحاء التّراب التّونسي، و أصبحت لهم خلايا فساد على كلّ قيعانهِا[3] و أكمها[4]، ممّا زاد حالة الاحتقان في الشّارع التّونسي و ممّا زاد الطّين بلّة تفشيّ البِطالة و عدم التّكافُؤ الاجتماعي بين فئات الشّعب، فما زاد بن عليّ الفقير إلاَّ فقرًا و ما زاد الغَنيَّ غِنَى حتّى شكّلَ الباسِل " مُحمّد البُوعزيزي " الذين نسألُ الله أن يغفِرَ لهُ قتل نفسه حينما أُوصِدت في وجهه أبوابُ الرّزق و أهانتهُ لئيمة بصفعهِ على وجه، تبّت يداها و البصق على وجهه و إتلاف مورد رزقه و رزق عائلته المُتواضع بل و عدم الاكتراث لشكواه للسُّلط التي كانت تستميتُ على جمعِ حُطامِ الدُّنيا بغير وجهٍ شرعيّ. · عصابةُ الملثَّمين و هم كلاب الجنرال العجوز المخلوع المسعورة الذين أعدّهُم لمثلِ يومِه الأغبر و نزعَ من قُلُوبِهم الرّحمة و ما اتّباعُ سياسة الأرض المحروقة التي ارتآها بأيدي الذين عاثُوا في ممتلكات التّونسيين و أرواحهم فسادًا، كانت البصمة التي كشفت عن وجه الجنرال المُجعّد، القبيح و سوءِ نواياه من مليشياته المزروعة في كلّ مكان بعد هُروبه كالجرذان المسعُورة و من معه، هذه الفِرَق التي أذاقت و تُذيقُ التونسيين الويلات من انتهاك حُرماته و إتلاف مُمتلكاته في الظّلام الدّامس و باستعمال الأسلحة المُدّخرة لهذه الأيام العصيبة، فعلى كُلِّ حال نسألُ الله أن يحقِن الدّماء و يحفظ الأنفس و أن يستتِبَّ الأمن في كلّ مكان و أن يُكافِئَ هذه الأيدي المُلطّخة بدماء الشُّرفاء.
رسالتان أردتُ توجيههُما عبر هذه الأسطُر: 1. رسالة إلى أبطال الإنتفاضة في تونس الأبيّة: برهنتم أصالةً عن الشُّهداء و عن أنفسكم و عنّا معكم في المنافى عن قمّة في الرّجولة و الإستبسال لدكِّ حُصُونِ الجنرال العجوز، فمن الظُّلم أن يسرِقَ حُثالة النّظام المُتهاوي نصر أرواح الشُهداء و نضال الشّرفاء و تضحيات الأمّهات و الزّوجات و الأخوات، حتّى تُشرق تونس التي خيّمت عليها عتمة الظُّلم و الاستبداد ممن حكمها على مدى ثلاثة و عشرين سنة. و في الآفاقِ لُعبةٌ قذرة يُديرُ مُجريات أحداثها هذه الحُثالة من أمثال قُدماء الجلاّدين بسراديب وزارة التّرهيب وزارة الدّاخليّة و أعني رفيق درب الطّاغيّة المخلوع و الذي صنع معه أبجديات القمع و مصادرة الرّأي و هو " القلاّل "، فالحذر الحذر من تلاعُبِ هذهِ العُصبة التي كانت بالأمسِ رمُوز نظام الديكتاتور العجوز و على أيديهِم أُهرِقت دماء الأبرياء و هم اليوم في أعلى هرم السُّلطة، دون تشريك حقيقي لكل أطراف المشهد السّياسيّ و على وجه التّخصيص الأحزاب المُعارضة حقيقةً لا الكرتونيّة التي أدار قطب رحاها الجنرال العجوز. 2. رسالة ثانية إلى الجنرال المخلوع: خدمت فرنسا و أمريكا لمدة أكثر من ثلاثة و عشرين سنة أحرص على خدمة مصالحهم منهم، فأوصدُوا في وجهك الباب في بضع ساعات منذ أن طردك شعبك ! ذكّرتنا في لحد و جيشه العميل الذي خدم الكيان الصّهيوني مدّة خدمتك هذه و لكن لفضُوه و تخلَّو عن كلب حراستهم في أقل من أربع و عشرين ساعة، هكذا هي ردحاتُ التّاريخ: و تلك الأيام كما شاهدتها دول فمن سرَّهُ زمن ٌ ساءتهُ أزمان و الشيء من مأتاه لا يُستغربُ! هؤلاء هُمالذين خدمتهم على مرّ عقود! تفانيتَ في شحاذةِ رضائهم! كما يتفانى الكلب في الدّفاع عن سيّده بكل ضراوة! و هي رسالة مفتوحة و صريحة إلى كل طواغيت العرب لن يُرحِّبَ بكم الغرب الذي تقاتلوننا عليه كما يُقاتلُ الضِّباع في سِربِهَا لافتراس الجِّيَفِ!
الشّيخ مُحمَّد حبيب مُصطفى الشَّايبي
[1]سورة الأنبياء، الآية 12. [2] و سائل الاتّصال الحديثة بالانترنيت مثل الديليموشن و اليوتيوب التي ساهمت في سفور " عمّار 404 " هذا البرنامج الذي يحول بين التّونسيين المستعملين للانترنيت من الإبحار في جلّ المواقع الحرّة. [3] سهولها أي أرضها المنبسطة. [4] جبالها.