من بعد تونس ؟ مصر ، سوريا ، الأردن ، اليمن ، الجزائر، الكل مرشح تقريباً و بنفس الدرجة ، ولما لا وأسباب الزلازل قائمة لم تبرح مكانها بعد ، استبداد بلغ الذروة فأطاح بالشعوب والمؤسسات حين اختزلت الدول في شخص القائد الزعيم الملهم ، وفساد نبت طبيعي في هذا المناخ فلا رقابة ولا محاسبة حين نهبت الثروات ووزعت المقدرات على فرق المولاة ، فساد جعل رغيف الخبز وكوب الماء وفرصة العمل المتواضعة غاية وأمل الملايين ، وذراع أمني مجرم وآثم استحل خصوصيات الناس بيوتهم وأموالهم وممتلكاتهم ثم أخيراً أرواحهم عندما تحولت أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة إلى سلخانات بشرية الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود فقتل المواطنين في مصر والكويت وغيرها ، فضلاً عن قتل المتظاهرين بالرصاص الحي في تونس "طالب نائب الحزب الوطني الحاكم في مصر نشأت القصاص تحت قبة البرلمان وأمام الشعب ونواب الشعب بضرب المتظاهرين بالرصاص" مناخ أوجد حالة من الغليان الذي تعانيه شعوب المنطقة منذ عقود وأنظمة الحكم خالية غافلة متعمدة وقعت فريسة التقارير المكذوبة والمفبركة عن التنمية والرفاهية والتسبيح بحمد القائد الملهم والمعارضون الغاضبون هم القلة المندسة صاحبة الأجندات الخارجية والمهددون لأمن الوطن! على الطرف الآخر حالة من التوتر والارتباك في أروقة النظم العربية والغربية سواء بسواء بعد زلزال تونس وهزاته الارتدادية التي لم تتوقف بعد، الأنظمة خوفاً على مقاعدها ومصالحها وأموالها بل وأسرها والخارج خوفاً على حلفائه وأدواته ، مع هذا .. وبدلاً من استيعاب الدرس وسرعة الإصلاح مازالت العقول المستبدة كما هي لم تتغير حالة من الإصرار الغريب على الترويج لأكذوبة أن ما حدث يخص تونس وحدها لا غيرها وأن لكل بلد ظروفه وثقافته ، مناخ مقصود من الترويع الموجه للشعوب العربية من الانتفاضات الشعبية تحت وهم الأمن والاستقرار والهدوء وحماية الوطن – حماية النظام الحاكم ومصالحه – وأخيراً التركيز على بعض المظاهر السلبية مظاهر الفوضى وحوادث السرقة، و وحشية الشرطة، و عمليات التخريب، تأكيداً على أن الرسالة المطلوبة " الثورات تسبب الفوضى" لذلك لا تهتموا بها، الأنظمة لم ولن تتغير وإن استخدمت بعض المسكنات الشكلية في ضبط الأسعار وتجميد بعض الضرائب وتوزيع بعض البدلات والحوافز الهامشية ، الزلزال قادم لا محالة لأنها طبيعة الأشياء وسنن الاستبدال والتغيير ، تونس أمل المقهورين بدأت كحبة لؤلؤ ينفرط بها عقد أنظمة الاستبداد والفساد في بلدان العرب كما بدأت بولندا في البلدان الشيوعية في تسعينيات القرن الماضي ، هذه سنن الله في خلقه وكونه ، سنن ثابتة تتحرك ببطئ نعم لكنها محققة لا محالة ، سنن التغيير والاستبدال لا تميز بين الألوان والأفكار والمعتقدات ، لا تمنعها الجغرافيا ولا تقف كثيراً أمام حجم التاريخ ، سنن لا تعطلها البروج المشيدة ولا الملايين من جحافل الأمن والشرطة ، لكنها وبكل سهولة ويسر تتوقف على شئ أبسط هو إرادة الشعوب .... حفظك الله يا تونس الثورة والأمل .... محمد السروجي كاتب مصري