أمور عجيبة تجري لا أفهمها: وكلها يرد إلى ميل النخب الرسمية حاكمها ومعارضها إلى ترجمة عبارة الرئيس الذي شوه تاريخنا الحديث إلى فهم ما يدعي أنه فهمه: مواصلة العبث بأحلام الشعب والكلام على الديموقراطية المصاحب لسلوك سيؤول إلى الحرب الأهلية. وها أنا أبدأ بالتعبير عن رأيي في ما يحدث دون أن أتكلم في ما اعتبره البديل المحرر من الثورة المضادة التي بدأت حتى قبل أن يرحل الفأر الفار. وسيأتي الكلام على شروط التصدي للثورة المضادة. 1-فأن تُعد اللجان التي سيقودها رموز الفكر الليبرالي العلماني قادرة على تمثيل فكر الإصلاح الذي يريده الشعب وطموحاته من دون أن يكون ذلك حاصرا إرادته في من يعتبرون أنفسهم أوصياء عليه في خياراته القيمية والوجودية. 2-وأن تُعتبر نفس الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية قادرة على الإشراف النزيه والصادق على تحقيق ما يقدم على أنه برنامج إصلاح. 3-وأن يُظن دستور النظام الذي ثار عليه الشعب هو المحدد لآليات الإصلاح ومراحله. 4-وأن تُسمى الحكومة المؤلفة اليوم حكومة وحدة وطنية رغم استثنائها على الأقل من أثبتت التجربتان الوحيدتان لما يقرب من الانتخاب الحرة والنزيهة أنهم يمثلون أكبر مكون للحياة السياسية والفكرية في البلاد (لأن من في الحزب الحاكم ليسوا معبرين عن إرادة سياسية حقيقية بل هم أعضاء جهاز استغل إمكانات الدولة الإدارية والمالية والسلطانية لصالح استفراد فئة معينة بها). 5-وأخيرا أن يُحسب الأمر كله مقصورا على إيجاد صيغة تحقق شروط الحفاظ على نظام القيم والحياة الجماعية الذي ساد في ثقافة التحديث المستبد. كل ذلك يمثل ثورة مضادة وهي تجري بنفس السيناريو الذي اتبعته كل الثورات المضادة العربية الحديثة: مجرد تحقيق لشروط المعركة الدنكيخوتية بين تصور كاريكاتوي لتاريخ الغرب يراد فرضه ينتهي إلى إيجاد رد فعل بتصور كاريكاتوري لتاريخ الشرق يستعمل وسيلة لابتزاز الغرب حتى يؤيد بقاء هذه النخب في الحكم والاستفراد به. إنها حرب بين إرهابين: إرهاب التغريب المستبد المولد لإرهاب رد الفعل عليه المستبد هو بدوره لكونه بمقتضى ما آل إليه من يأس لم يبق له إلا "علي وعلى أعدائي". ولعل الانتحار على الشكل الهندوسي هو غاية هذه ال"علي وعلى أعدائي" في حالة العجز. رأيي أن الجماعة بهذا السلوك الساذج يفرشون الأرضية للقاعدة في بلاد المغرب حتى يستعيدوا تأييد الغرب للنخب التي اهترأت من كثرة مضع كليشهات التحديث المستبد.