نسبة التضخم تتراجع الى مستوى 6ر5 بالمائة خلال شهر أفريل 2025    طقس الليلة.. سحب كثيفة وامطار رعدية وغزيرة بعدد من المناطق    قابس: مستثمرون من عدّة دول عربية يشاركون من 07 الى 09 ماي الجاري في الملتقى العربي للاستثمار السياحي والاقتصادي بقابس    ملف أحداث الثورة بالكرم الغربي: آخر المستجدّات.. #خبر_عاجل    الحماية المدنية تنبه من ممارسات تساهم في اندلاع الحرائق مع اقتراب فصل الصيف    عاجل/ إعلام إسرائيلي: تم تدمير ميناء الحديدة في اليمن بالكامل    شراكة تونسية قطرية لتعزيز القطاع الصحي: 20 وحدة رعاية صحية جديدة خلال 3 أشهر    الهيئة المديرة لمهرجان سيكا جاز : تاكيد النجاح و مواصلة الدرب    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة الأخيرة لموسم 2024-2025    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: ايقاف مباراة الملعب القابسي ومستقبل القصرين    برلمان: لجنة العلاقات الخارجية تنظر في أولويات برنامج عملها    زغوان: رفع 148 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 22 طنّا من السكر المدعم    الجمعية التونسية للزراعة المستدامة: عرض الفيلم الوثائقي "الفسقيات: قصة صمود" الإثنين    ثلاث جوائز لتونس في اختتام الدورة 15 لمهرجان مالمو للسينما العربية    تداول صور "احتجاز" للنائب الليبي إبراهيم الدرسي تثير تساؤلات    عاجل/ بلاغ هام من الجامعة التونسية لكرة القدم    انخفاض أسعار البطاطا في نابل بفعل وفرة الإنتاج والتوريد    قضية قتل المحامية منجية المناعي وحرقها: إدراج ابنها بالتفتيش    المؤتمر الدولي للسلامة بالرياض: التأكيد على الاستثمار في رأس المال البشري وفي إرساء مستقبل عمل لائق    وزير الاقتصاد والتخطيط في الكاف : لدينا امكانيات واعدة تنتظر فرص الاستثمار    أريانة: سرقة من داخل سيارة تنتهي بإيقاف المتهم واسترجاع المسروق    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    عاجل - سيدي حسين: الإطاحة بمطلوبين خطيرين وحجز مخدرات    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    في قضية مخدرات: هذا ما قرره القضاء في حق حارس مرمى فريق رياضي..#خبر_عاجل    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    احتلال وتهجير.. خطة الاحتلال الجديدة لتوسيع حرب غزة    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    رفع اكثر من 36 الف مخالفة اقتصادية الى أواخر افريل 2025    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعنة السياسة العربية
نشر في الحوار نت يوم 27 - 10 - 2009


لعنة السياسة العربية
عبدالستار الشاوش
صدم قرار تأجيل تقرير غولدستون العقل السياسي العربي الذي لم يستوعب المسألة ولم يستوعب خاصة الطريقة التي تمت بها واسباب هذا التأجيل. مالم يقع فهمه هو لماذا يقوم الفلسطينون بتسجيل هذه النقطة ضد مصالحهم. فقد كان التقرير فرصة مناسبة لجر القادة الاسرائيليين الى مستنقع جرائم الحرب وانزالهم الى الارض بعد التعالي المزمن على القانون الدولي منذ انشاء هذا الكيان الصهيوني. بل ان بعضهم وسع من دائرة هذا التساؤل ليقول: لماذا يصر العرب على تضييع ماتكتسبه اليد اليمنى باليد اليسرى؟ فالعرب يضلون في العادة ثابتين وقريبين من النصر وتحقيق اهدافهم مادامت الحرب مشتعلة، لكن ما ان تسكت اصوات المدافع ويتحول الامر الى اروقة الدبلوماسية حتى يتحول النصر الى هزيمة والتقدم الى تراجع. مما يحدو بالجميع تقريبا الى طرح التساؤل عن سبب هذا الخلل ما بين الالة العسكرية عموما والالة الدبلوماسية. فكيف يمكن ان نفسر ماوقع اخيرا من تأجيل تقرير غولدستون وخاصة بهذا الشكل الذي اقل ما يمكن ان يقال عنه انه لايخدم القضية الفلسطينية بل ويضر بها اشد الضرر؟
اذا حاولنا البحث عن الامثلة فانها كثيرة والتاريخ العربي يحفل بالكثير من الحالات من مثل هذا القبيل. فاثناء حروب التحرر من اللاستعمار كانت الطاقات متوفرة ومبذولة بسخاء مما حدى بالمستعمر الى تحين الفرص المناسبة للجلاء عن اراضينا باقل الاضرار مع الاحتفاظ بماء الوجه. ما ان خرج المستعمر حتى وقعنا في خندق معركة التنموية التي كان من المفروض ان تكون اسهل من معركة الاستقلال. بل اننا لانبالغ اذا قلنا ان الستين سنة الاخيرة من تاريخ الامة هي تاريخ الفشل المتعاقب للتجارب والسياسات التنموية. اذكر في هذا الصدد المسرحية التي كتبها الكاتب التونسي عزالدين المدني والتي تتحدث عن ثورة صاحب الحمار. كانت من حيث هي ثورة سهلة نسبيا. لكن لما تعلق الامر بالتوافق من اجل بناء الدولة الجديدة حتى تقاطعت المسارات واختلفت وجهات النظر ودب الخلاف في الصفوف واصبحت الثورة تاكل ابناءها. عموما يمكن اجمال اسباب هذه الظاهرة في الابعاد التالية:
• الانفراد بالقرار وغياب المؤسسات او تغييبها. وهي ظاهرة تميز المنطقة العربية حيث يقع النفخ في صورة الزعيم او القائد بالشكل الذي يغيب جميع المحيطين به وكذلك المؤسسات ان وجدت. ففي البلدان التي تحترم مواطنيها ومؤسساتها تقع عملية اتخاذ القرار جماعيا او على الاقل داخل مؤسسات مخصصة لهذا الغرض حيث تدرس المسائل من جميع جوانبها قبل ان يبت فيها وهو امر يجعل الوقوع في الخطأ صعبا ان لم يكن مستحيلا. ويحدث ان يتفطن اعداء الامة الى وجود هذه النزعة الفردية المرضية لدى قائد من القادة حتى يبادروا الى النفخ في صورة هذا الزعيم لفصله عن شعبه وعن المؤسسات التي هو تابع لها ليسهل عليها فيما بعد توجيهه والتلاعب به. وهو بالضبط ماوقع مع الرئيس السادات الذي نفخ الامريكان في صورته الى الدرجة التي اصبح لايرى فيها الا نفسه الزعيم الاوحد القادر على قيادة البلاد واتخاذ القرارات المصيرية التي تهم الامة على طريقة \"مااوريكم الاماارى\". عندما وصل الامر الى هذا الحد بالرئيس السادات نسي العداوة مع اسرائيل وذهب الى القدس في بادرة لم يسبقه اليها احد من الرؤساء العرب. لقد محى السادات بهذه الحركة غير المسؤولة سنوات الحرب والصراع التي حكمت بلاده والعرب جميعا مع الكيان الصهيوني. والان بعد مضي عقود من هذه الحادثة نرى ان حال مصر تسير من سيئ الى اسوأ وان عزة هذا القطر العزيز تمرغ في وحل الذلة والهوان في مواجهة عدو لايعرف للعهود والمواثيق احتراما.
• فقدان السيادة في مواجهة الدول الاخرى وخاصة الكبرى منها: تزامن مفهوم السيادة مع نشأة الدولة الحديثة. وهو يعني ببساطة ان الدولة لايجب ان تخضع في قراراتها وتصرفاتها لاي سلطة اخرى مهما كانت ومهما كان مصدرها بشريا او الهيا. وقد كان هذا المفهوم موجها في الاصل ضد سلطة الكنيسة التي كانت تتحكم في مفاصل الدولة في العصور الوسطى. وهي تعني في حالتنا هذه عدم خضوع قرارنا للمصالح الوطنية والقومية. او بعبارة ادق عدم عضوع هذا القرار لاعتبارات وطنية بحتة او باللاحرى يكون في العادة مضادا لهذه المصلحة. وقد يتجلى فقدان السيادة هذا من ابسط القرارات التي تخص تعيين مسؤول ما من اسفل الهرم الى اعلاه. وقد يتجلى ايضا في الخيارات السياسية والاقتصادية والثقافية الكبرى التي تهم البلاد. ربما ابسط الامثلة على فقدان السيادة هذا هو السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها سلطة تحت الاحتلال وخيارات المناورة لديها محدودة نسبيا { خاصة اذا حشرت هذه السلطة نفسها في نهج سياسي معين يستبعد خيار المقاومة من حساباته}. وبالتالي ان تضغط اسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة على السلطة وتحصل على ماتريد فهذا هو فقدان السيادة. فمهما كانت التبريرات وورقات الضغط التي استعملت ضد السلطة كان بامكانها المضي قدما وعدم التراجع والثبات على خيارات الشعب الفلسطيني النضالية. هذا في الجانب الفلسطيني اما في الجانب العربي فالامثلة كثيرة ومتعددة: فمن جرعات صندوق النقد الدولي في بداية الثمانينات من القرن الماضي في تونس الى تعويض ولي العهد الاردني في اخر لحظة قبل وفاة الملك حسين للاتيان بالامير عبدالله مكان الامير حسن باعتبارة اكثر قابلية للتوجيه من غيره والامثلة في هذا المجال كثيرة ومتنوعة.
• وصول غير الاكفاء الى السلطة: وهي ظاهرة نابعة من طبيعة النظام الاستبدادية نفسها. فالنظام في هذه الحالات يختار معاونيه من ذوي الثقة لا من ذوي الخبرة. فاذا حصلت هذه العملية فان اصحاب هذه المناصب يصبح شغلهم الشاغل المحافظة على مناصبهم لا غير مع مايتخلل ذلك من مظاهر الفساد الذي ينخر مفاصل السلطة. خاصية هذه الطغمة من المستشارين والمعاونين هي الحفاظ على مناصبهم بشتى الوسائل حتى ولو كان على حساب مصلحة الوطن نفسه. وقد ابدع الروائي عبدالرحمان منيف في خماسيته مدن الملح في وصف هذه الفئة من المتملقين والانتهازيين والتي تنقلب في بعض الاحيان الى لعب دور الطابور الخامس.
• غياب الرؤية الواضحة لمسألة الامن القومي: في ظل الاسباب التي تحدثنا عنها سابقا فانه من الطبيعي ان تكون رؤية الامن القمي العربي مشوشة وفي اغلب الاحيان معكوسة: اي ان العدو يصبح صديقا والصديق عدوا لدودا. وقد تبين هذا الامر جليا في الحربين الاخيرتين اللتين شنتهما اسرائيل على كل من حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين عندما ايدت كثير من الدول العربية المعتدي الصهيوني على حساب الاخوة العرب. ففي ذلك الوقت رأينا الكثير من القادة العرب يصفون ما اقدمت عليه المقاومة بالمغامرة والتهور ولم يغير هؤلاء اراءهم الا بعد الضغط الشعبي وبعدما تبين بالمكشوب صمود المقاومة والحاقها الخسائر الفادحة بالعدو. ورغم هذين الدرسين فان الانظمة العربية لم تستوعب الدرس وبقيت على عمى الالوان الذي يميزها دائما. والا بماذا نفسر دور مصر في حصار غزة وتجويع اهلها. فمصر تعتقد ان فتح الحدود مع غزة يمثل جسرا لالتقاء حركة حماس مع الاخوان المسلمين بما يمثل تطويقا للنظام بين فكي كماشة. وهو امر عجيب من التفكير تنقلب فيه المفاهيم والقناعات.
باحث اجتماعي تونسي مقيم في ايطاليا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.