الادارة العامة للاداءات بتونس تذكر بأن 25 سبتمبر هو آخر أجل لايداع التصريح بالقسط الاحتياطي الثاني    أمطار الخريف ''غسالة النوادر''.. شنية أهميتها للزرع الكبير؟    تونس تشارك في مؤتمر التعاون الثقافي والسياحي الصيني العربي    اليوم: الماتشوات الكل تنطلق على الساعة 15:30...شوف شكون ضد شكون    بحسب التوقعات: تونس الكبرى وزغوان تحت الخطر...أمطار بين 60 و90 ملم!    حادث مأساوي في منوبة: شقيقان يفقدان حياتهما غرقًا لإنقاذ كلبتهم!    تونس ممكن على موعد مع 45 ألف حالة زهايمر قبل 2030!    الجمعية التونسية للطب الباطني تنظم لقاء افتراضيا حول متلازمة "شوغرن"    انتشال جثتي طفلين توفيا غرقا في قنال مجردة الوطن القبلي    سوسة: جلسة عمل لمتابعة وضعية شركة الألبان الصناعية بسيدي بوعلي    عاجل/ حجز مئات الكيلوغرامات من المخدرات داخل حاوية بميناء رادس والنيابة تفتح تحقيق..    المؤتمر الدولي للمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر،"الاستقلال، نضالات ، مفاوضات والبحث عن السيادة" ايام 26و27،و28 مارس 2026    مصالح المراقبة الاقتصادية بولاية تونس تحجز 55.5 طنا من الخضر والغلال بمنطقتي برج شاكير والحرايرية    عاجل/ ايطاليا تتخذ هذا القرار الهام ضد الكيان الصهيوني..    عاجل: 238 ألف عائلة باش تستفيد من الدعم المدرسي غدوة... شكون المعنيين؟    درجات الحرارة لهذا اليوم..    بوعرقوب: انتهاء موسم جني الكروم بنسبة 100%    محمد علي: ''الأسطول يقترب كل دقيقة من غزة.. أما أنتم؟ مجرد أصابع ملوثة على لوحة مفاتيح''    عبد الستّار عمامو يعود إلى "الدار الأم" ببرنامجين لتوثيق الذاكرة وإضاءة الوجوه المنسيّة    بين البراءة ونقص الأدلة... شنوة الفرق؟    ميلوني: نحن بحاجة إلى مزيد من الحكومات المحافظة في أوروبا    "تجردوا من ملابسهم".. مئات الإسبان يشاركون في عمل فني ل"مصور العراة" قرب غرناطة    قريبا انطلاق أشغال مشروعي تهيئة الملعب البلدي بمنزل فارسي وصيانة المحولات الكهربائية بالملعب الاولمبي مصطفى بن جنات بالمنستير    الأستاذ خليل النغموشي رئيسا للفرع الجهوي للمحامين بجندوبة    الموساد تسلّل إلى معقلهه: الكشف عن تفاصيل اغتيال نصر الله    فيتنام بالمركز الأول في مسابقة إنترفيجن وقرغيزستان وقطر في المركزين الثاني والثالث    إدارة ترامب تلغي المسح الوطني السنوي للجوع    تفاصيل جديدة عن المذنب 3I/ATLAS تثير جدلاً علميًا    لجنة كسر الحصار عن غزة.. أسطول بحري جديد يبحر بتاريخ 24 سبتمبر من ايطاليا    بوعرقوب: انطلاق موسم الهندي الأملس    رابطة الأبطال ...الترجي بخبرة الكِبار والمنستير لاسعاد الأنصار    كاس الكنفدرالية: الملعب التونسي يفوز على الجمعية الثقافية نواذيبو الموريتانية 2-صفر    أولا وأخيرا... سعادتنا على ظهور الأمّهات    تونس ضيف شرف مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي: درة زروق تهدي تكريمها إلى فلسطين    تونس تشارك في بطولة العالم لألعاب القوى لحاملي الاعاقة بالهند من 26 سبتمبر الى 5 اكتوبر ب11 متسابقا    انخفاض في جرحى حوادث المرور    سيدي بوزيد...اجتماع لتدارس وضعية التزود بالأدوية بالمؤسسات الصحية    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    كرة اليد: منتخب الصغريات يتأهل إلى نهائي بطولة افريقيا    التنس: تأهل معز الشرقي الى نهائي بطولة سان تروبيه للتحدي    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية في هذا الموعد    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    عاجل: تأخير وإلغاء رحلات جوية بسبب هجوم إلكتروني    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    استراحة «الويكاند»    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعنة السياسة العربية
نشر في الحوار نت يوم 27 - 10 - 2009


لعنة السياسة العربية
عبدالستار الشاوش
صدم قرار تأجيل تقرير غولدستون العقل السياسي العربي الذي لم يستوعب المسألة ولم يستوعب خاصة الطريقة التي تمت بها واسباب هذا التأجيل. مالم يقع فهمه هو لماذا يقوم الفلسطينون بتسجيل هذه النقطة ضد مصالحهم. فقد كان التقرير فرصة مناسبة لجر القادة الاسرائيليين الى مستنقع جرائم الحرب وانزالهم الى الارض بعد التعالي المزمن على القانون الدولي منذ انشاء هذا الكيان الصهيوني. بل ان بعضهم وسع من دائرة هذا التساؤل ليقول: لماذا يصر العرب على تضييع ماتكتسبه اليد اليمنى باليد اليسرى؟ فالعرب يضلون في العادة ثابتين وقريبين من النصر وتحقيق اهدافهم مادامت الحرب مشتعلة، لكن ما ان تسكت اصوات المدافع ويتحول الامر الى اروقة الدبلوماسية حتى يتحول النصر الى هزيمة والتقدم الى تراجع. مما يحدو بالجميع تقريبا الى طرح التساؤل عن سبب هذا الخلل ما بين الالة العسكرية عموما والالة الدبلوماسية. فكيف يمكن ان نفسر ماوقع اخيرا من تأجيل تقرير غولدستون وخاصة بهذا الشكل الذي اقل ما يمكن ان يقال عنه انه لايخدم القضية الفلسطينية بل ويضر بها اشد الضرر؟
اذا حاولنا البحث عن الامثلة فانها كثيرة والتاريخ العربي يحفل بالكثير من الحالات من مثل هذا القبيل. فاثناء حروب التحرر من اللاستعمار كانت الطاقات متوفرة ومبذولة بسخاء مما حدى بالمستعمر الى تحين الفرص المناسبة للجلاء عن اراضينا باقل الاضرار مع الاحتفاظ بماء الوجه. ما ان خرج المستعمر حتى وقعنا في خندق معركة التنموية التي كان من المفروض ان تكون اسهل من معركة الاستقلال. بل اننا لانبالغ اذا قلنا ان الستين سنة الاخيرة من تاريخ الامة هي تاريخ الفشل المتعاقب للتجارب والسياسات التنموية. اذكر في هذا الصدد المسرحية التي كتبها الكاتب التونسي عزالدين المدني والتي تتحدث عن ثورة صاحب الحمار. كانت من حيث هي ثورة سهلة نسبيا. لكن لما تعلق الامر بالتوافق من اجل بناء الدولة الجديدة حتى تقاطعت المسارات واختلفت وجهات النظر ودب الخلاف في الصفوف واصبحت الثورة تاكل ابناءها. عموما يمكن اجمال اسباب هذه الظاهرة في الابعاد التالية:
• الانفراد بالقرار وغياب المؤسسات او تغييبها. وهي ظاهرة تميز المنطقة العربية حيث يقع النفخ في صورة الزعيم او القائد بالشكل الذي يغيب جميع المحيطين به وكذلك المؤسسات ان وجدت. ففي البلدان التي تحترم مواطنيها ومؤسساتها تقع عملية اتخاذ القرار جماعيا او على الاقل داخل مؤسسات مخصصة لهذا الغرض حيث تدرس المسائل من جميع جوانبها قبل ان يبت فيها وهو امر يجعل الوقوع في الخطأ صعبا ان لم يكن مستحيلا. ويحدث ان يتفطن اعداء الامة الى وجود هذه النزعة الفردية المرضية لدى قائد من القادة حتى يبادروا الى النفخ في صورة هذا الزعيم لفصله عن شعبه وعن المؤسسات التي هو تابع لها ليسهل عليها فيما بعد توجيهه والتلاعب به. وهو بالضبط ماوقع مع الرئيس السادات الذي نفخ الامريكان في صورته الى الدرجة التي اصبح لايرى فيها الا نفسه الزعيم الاوحد القادر على قيادة البلاد واتخاذ القرارات المصيرية التي تهم الامة على طريقة \"مااوريكم الاماارى\". عندما وصل الامر الى هذا الحد بالرئيس السادات نسي العداوة مع اسرائيل وذهب الى القدس في بادرة لم يسبقه اليها احد من الرؤساء العرب. لقد محى السادات بهذه الحركة غير المسؤولة سنوات الحرب والصراع التي حكمت بلاده والعرب جميعا مع الكيان الصهيوني. والان بعد مضي عقود من هذه الحادثة نرى ان حال مصر تسير من سيئ الى اسوأ وان عزة هذا القطر العزيز تمرغ في وحل الذلة والهوان في مواجهة عدو لايعرف للعهود والمواثيق احتراما.
• فقدان السيادة في مواجهة الدول الاخرى وخاصة الكبرى منها: تزامن مفهوم السيادة مع نشأة الدولة الحديثة. وهو يعني ببساطة ان الدولة لايجب ان تخضع في قراراتها وتصرفاتها لاي سلطة اخرى مهما كانت ومهما كان مصدرها بشريا او الهيا. وقد كان هذا المفهوم موجها في الاصل ضد سلطة الكنيسة التي كانت تتحكم في مفاصل الدولة في العصور الوسطى. وهي تعني في حالتنا هذه عدم خضوع قرارنا للمصالح الوطنية والقومية. او بعبارة ادق عدم عضوع هذا القرار لاعتبارات وطنية بحتة او باللاحرى يكون في العادة مضادا لهذه المصلحة. وقد يتجلى فقدان السيادة هذا من ابسط القرارات التي تخص تعيين مسؤول ما من اسفل الهرم الى اعلاه. وقد يتجلى ايضا في الخيارات السياسية والاقتصادية والثقافية الكبرى التي تهم البلاد. ربما ابسط الامثلة على فقدان السيادة هذا هو السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها سلطة تحت الاحتلال وخيارات المناورة لديها محدودة نسبيا { خاصة اذا حشرت هذه السلطة نفسها في نهج سياسي معين يستبعد خيار المقاومة من حساباته}. وبالتالي ان تضغط اسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة على السلطة وتحصل على ماتريد فهذا هو فقدان السيادة. فمهما كانت التبريرات وورقات الضغط التي استعملت ضد السلطة كان بامكانها المضي قدما وعدم التراجع والثبات على خيارات الشعب الفلسطيني النضالية. هذا في الجانب الفلسطيني اما في الجانب العربي فالامثلة كثيرة ومتعددة: فمن جرعات صندوق النقد الدولي في بداية الثمانينات من القرن الماضي في تونس الى تعويض ولي العهد الاردني في اخر لحظة قبل وفاة الملك حسين للاتيان بالامير عبدالله مكان الامير حسن باعتبارة اكثر قابلية للتوجيه من غيره والامثلة في هذا المجال كثيرة ومتنوعة.
• وصول غير الاكفاء الى السلطة: وهي ظاهرة نابعة من طبيعة النظام الاستبدادية نفسها. فالنظام في هذه الحالات يختار معاونيه من ذوي الثقة لا من ذوي الخبرة. فاذا حصلت هذه العملية فان اصحاب هذه المناصب يصبح شغلهم الشاغل المحافظة على مناصبهم لا غير مع مايتخلل ذلك من مظاهر الفساد الذي ينخر مفاصل السلطة. خاصية هذه الطغمة من المستشارين والمعاونين هي الحفاظ على مناصبهم بشتى الوسائل حتى ولو كان على حساب مصلحة الوطن نفسه. وقد ابدع الروائي عبدالرحمان منيف في خماسيته مدن الملح في وصف هذه الفئة من المتملقين والانتهازيين والتي تنقلب في بعض الاحيان الى لعب دور الطابور الخامس.
• غياب الرؤية الواضحة لمسألة الامن القومي: في ظل الاسباب التي تحدثنا عنها سابقا فانه من الطبيعي ان تكون رؤية الامن القمي العربي مشوشة وفي اغلب الاحيان معكوسة: اي ان العدو يصبح صديقا والصديق عدوا لدودا. وقد تبين هذا الامر جليا في الحربين الاخيرتين اللتين شنتهما اسرائيل على كل من حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين عندما ايدت كثير من الدول العربية المعتدي الصهيوني على حساب الاخوة العرب. ففي ذلك الوقت رأينا الكثير من القادة العرب يصفون ما اقدمت عليه المقاومة بالمغامرة والتهور ولم يغير هؤلاء اراءهم الا بعد الضغط الشعبي وبعدما تبين بالمكشوب صمود المقاومة والحاقها الخسائر الفادحة بالعدو. ورغم هذين الدرسين فان الانظمة العربية لم تستوعب الدرس وبقيت على عمى الالوان الذي يميزها دائما. والا بماذا نفسر دور مصر في حصار غزة وتجويع اهلها. فمصر تعتقد ان فتح الحدود مع غزة يمثل جسرا لالتقاء حركة حماس مع الاخوان المسلمين بما يمثل تطويقا للنظام بين فكي كماشة. وهو امر عجيب من التفكير تنقلب فيه المفاهيم والقناعات.
باحث اجتماعي تونسي مقيم في ايطاليا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.